معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

انتفاضة القطيف والأحساء 1400هـ: وعي سياسي ممهور
28/08/2020

انتفاضة القطيف والأحساء 1400هـ: وعي سياسي ممهور "بختم كربلاء"

سناء إبراهيم

لم يكن حدثاً طارئاً ولا سحابة عابرة. انتفاضة المحرم المجيدة من عام 1400هـ /1979م، كانت هبّة شعبية غير مسبوقة، أرّخها التاريخ وجعل منها انطلاقة أساسية لمنطقة عانى أهلها التهميش والتمييز والحرمان الاقتصادي رغم خيراتها وثرواتها التي تجعل منها أغنى منطقة تحوي في أحشائها ذهب الأرض وثرواتها. ثروات جعلت من النظام السعودي القائم على أجساد آلاف الضحايا، وأشلاء القتلى والذي اتخذ من السيف سلاحاً والقمع والسطوة وسفك الدماء عملاً دؤوبًا لحماية ملكه وعرشه من السقوط والتهاوي، فراح يرقص على أنغام التنكيل والاضطهاد والانتقام من أبناء المنطقة الشرقية الذين جعلوا من تاريخهم وثورتهم تاريخ عز ونضال.

يحيي أهالي المنطقة الشرقية اليوم، الذكرى الواحدة والأربعين لانتفاضتهم المجيدة، تحت شعار "بختم كربلاء"، تأكيداً على أن بذور انتفاضتهم انطلقت من عاشوراء الإمام الحسين(ع) بكل ما تحمل من مفاهيم للتضحية والفداء. فقبل 41 ربيعاً، استلهم أبناء القطيف والأحساء من ثورة الإمام الحسين (ع) مفاهيم العزة والكرامة وبذل التضحيات بالأنفس والأرواح وعدم الرضوخ والركون للاستبداد والاضطهاد مهما كانت الأثمان. ولأن المنطقة كانت محرومة من أبسط حقوقها وكان تضييق الخناق على الحريات الدينية وإحياء المراسم العاشورائية يطفو على المشهد العام، لسنوات طوال، قرر أهالي القطيف الأحساء في ليلة السادس من المحرم 1400هـ، الموافق 25 نوفمبر 1979م، كسر حاجز الصمت والحظر المفروض على الشعائر الدينية والممارسات العبادية للطائفة الشيعية، تحت مزاعم التكفير من قبل النهج الوهابي، وأشعلوا فتيل ثورتهم الحسينية، وانطلقوا إلى خارج المآتم والحسينيات لتأدية العزاء، عبر تظاهرات سيّارة جابت شوارع البلدات، عقب الاستماع إلى المجلس العاشورائي في الحسينيات والمساجد، وحينها، لعب الخطباء دوراً بارزاً في التشجيع على الثورة على الظلم وتطبيق مفاهيم عاشوراء الإمام الحسين"ع".

انتفاضة القطيف والأحساء 1400هـ: وعي سياسي ممهور "بختم كربلاء"
انتفاضة المحرم المجيدة من عام 1400هـ /1979م،

من السادس من المحرم، اشتعلت الساحات والشوارع بالهتافات الحسينية الثورية، واتخذت التظاهرات التي خرجت بشكل علني وحاشد، منحى سياسياً، بعد كسرها للحظر الحكومي المفروض على أساس طائفي. وردًا على الصرخات والتظاهرات السلمية، أشهرت السلطات أسلحتها بوجه الشعب الأعزل من أجل إخماد الثورة، وبدأت برشق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين، فتساقط الشهداء، وكان أولهم الشهيد حسن القلاف من القطيف ولحق به الشهيد سعيد عيسى مدن من مدينة صفوى، فاتخذت الانتفاضة السلمية نهجاً أكثر إصراراً على مواصلة الطريق، ومواجهة الأسلحة والرصاص من قبل قوات الحرس الوطني بالعصي والأخشاب وصدور المتظاهرين. تقاطر المعزون والمشيعون من كل بلدات المنطقة الشرقية، وخرج في التظاهرات أكثر من 70 ألف مواطن، من نساء ورجال وأطفال، وشيب وشبان، أكدوا استمرار انتفاضتهم ورووا في تشييع الشهداء حكايات تماثل التضحيات الكربلائية، خاصة وأن النظام وأدواته العسكرية وخلال تشييع الشهيد سعيد مدن، أعطى الإشارة لمجموعة من جنود الحرس تمترسوا خلف مدفع رشاش مثبت على سيارة "وانيت"، وراحوا يطلقون صليات متواصلة من مدفعهم على جنازة الشهيد وعلى اللافتة المنصوبة على الجنازة والتي تحمل الآية القرآنية "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون".

يحكي من عايش الانتفاضة من أبنائها، روايات العزة والنصر والثبات، والوحشية التي رسمتها القوات العسكرية، ويصف الباحث السياسي وعضو الهيئة القيادية في حركة "خلاص" د.حمزة الحسن، أحداث التاسع من المحرم، بأنه يوم مأساة تساوى فيه الموت والحياة. ومنذ ذاك التاريخ، أسست الانتفاضة المجيدة بجذورها جذوة الوعي السياسي والفكري للمنطقة، وكسرت حاجزاً أرادته السلطات على مر العقود برعاية الأميركي والبريطاني، وأرادت من خلاله جعل المنطقة تحيا بين فكي التضييق والتمييز الطائفي وبين الحرمان السياسي والاقتصادي.

انتفاضة القطيف والأحساء 1400هـ: وعي سياسي ممهور "بختم كربلاء"
انتفاضة المحرم المجيدة من عام 1400هـ /1979م،

 بعد 41 عاماً على انتفاضة المحرم، التي استلهمت مفاهيمها من ثورة كربلاء، وتأثرت في انطلاقتها بالثورة الإسلامية في إيران بقيادة روح الله الخميني (قده)، يجزم إحياء ذكراها بعد عقود، بأنها ثورة ذات هوية وهدف سام، يتطلع أبناؤها لتحقيق العدالة المجتمعية والحرية والمساواة، وإلغاء التمييز الطائفي، ويستمرون من أجل كسب حقوقهم المشروعة، خاصة وأنهم في المنطقة الأغنى من الجزيرة العربية بالنفط والذهب الأسود، وهي تعوم على خيرات الأرض التي نهبها الحكام ولا يزالون، كما يمعنون في التنكيل بأصحاب الأرض ويستمرون بمحاولات تكميم الأفواه والنيل من الأصوات المطلبية والمعارضة لسياساتهم الظالمة. ولعل ما انتجته الانتفاضة المجيدة التي امتدت جذورها إلى انتفاضة الكرامة في القطيف أو ما عرف بالانتفاضة الثانية لهو خير دليل على أثرها الدامغ في نفوس أبناء المنطقة من جهة، وأرق النظام من "القطيف والأحساء" من جهة ثانية.

إذاً، أثبتت الانتفاضة المجيدة، بتأسيسها لوعي سياسي وفكر معارض لنهج الاستبداد والقمع، أنها وبجذورها المتفرعة، كانت الأصل الثابت لأبناء المنطقة منذ القدم، وأسست لكسر عنجهية النظام القائم بحكم السيف وسطوة القمع، وجعلت منه نظاماً يخاف صوت هذه المنطقة وانتفاضة أبنائها على مر العصور.

القطيفعاشوراء 2020

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة