نقاط على الحروف
الإعلام الرّسمي البحريني: ازدراء ممنهج لشعائر عاشوراء
سندس الأسعد
هي البحرين وموسم عاشوراء فيها إرثٌ خصب وتاريخٌ طويل وهويّة عريقة يستحيل فصلها عن النّسيج المجتمعي والتّاريخي والثّقافي لهذه الجزيرة الصّغيرة. فمع بداية شهر محرّم من كل عام يكون الشّيعة في البحرين على موعد مع إحياء الذّكرى بمجالس ومواكب ومعارض فنيّة وأمسيات شعريّة وفعاليات حسينيّة متنوّعة. كما وتخصّص محاضرات باللّغة الإنجليزية للجاليات ومحاضرات أخرى لذوي الاحتياجات الخاصّة. وتعتبر هذه الفترة التي تمتد لغاية الثّامن والعشرين من شهر صفر (ذكرى وفاة الرّسول الأعظم (ص) ) فترة حداد عام بحيث يمتنعون عن إقامة حفلات الزّواج ومناسبات الفرح.
عاشوراء البحرين انطلقت هذا العام بوعيٍ لافت وجهوزيّةٍ مثلى واستثنائيّة بسبب جائحة كورونا. جهود جبّارة، تدابير وقائيّة، تباعد اجتماعي، تكاتف إعلامي مميّز وتنظيم خاص من قبل المآتم الحسينيّة التي استنفرت كل كوادرها استعدادًا للمناسبة. ولأن عاشوراء منبع العلم والعبر، زخرت المنابر الحسينيّة بموضوعاتها المطروحة بين سياسيٍّ وعلميٍّ واجتماعيٍّ وصحيٍّ وتاريخيٍّ وتربويٍّ.
الكلُّ لبّى نداء الفقيه مواساةً لآل بيت الرّسول صلّى اللّه عليهم في مصابهم الجلل رغم حملة التّضييق الروتينيّة التي تقودها السّلطة كل عام. بيانات وتوصيات كبار العلماء والقائمين على المآتم الحسينيّة (الحسينيّات) شدّدت على الالتزام بالاحترازات الصّحيّة والتباعد الاجتماعي حفاظًا على بروتوكولات السّلامة العامّة. وفي المقابل، السّياسة الرّسميّة حرصت وقبل انطلاق الموسم العاشورائي على استهداف الشّعيرة المقدّسة بحملة إعلاميّة واستفزازات وإجراءات كيديّة وغير منطقيّة وإصرار على خنق الصوت الحسيني.
التّعنت والتّحايل الرّسمي يتزامن هذا العام مع استغلال ممنهج لجائحة كورونا، ففي الوقت الذي سمحت السّلطة فيه بفتح مرافق أخرى بضوابط اعتيادية، جاءت الإجراءات الكيديّة كدليل جديد على الحرب العلنيّة على الحريّات الدّينيّة لمكوّن أساسي في هذا البلد كما أشار إليها بيان العلم والعقل والمنطق والموقف الحكيم لأكثر شخصياتِ البحرين حرصًا على مصلحة الوطنِ ووحدة الصف، آية الله الشّيخ عيسى أحمد قاسم بعبارة "حرب قائمة على الحسين". آية اللّه قاسم أوضح الموقف من إحياء عاشوراء في ظلّ الظّروف الصّحيّة الرّاهنة، قائلًا إن "الموقف في المسألة ليس فيه تعقيد لو لم تدس السّياسة أنفها فيها." وأردف في بيانٍ خاص: "نعارض كل المعارضة أن تُستغل الظّروف الصّحيّة السّيئة بنيّة سيئة في التّضييق على إقامة الشّعائر، وأن تُسلب تستّرًا بهذه الظّروف، الحريّة الدينيّة." وختم سماحته: "ثلاثة أمور مهمّة عندنا، الدّين وإقامة شعائره والأمن والصّحّة، ولا تعارض بين الثّلاثة عند أهل العقل والدّين والحقّ والعدل."
مطالعة بسيطة للإعلام الرّسمي نلاحظ الطّمس الممنهج والتّغطية العنصريّة لهذا الحدث الجلل، وذلك في سياق التّعدي على حقوق الانسان وحرّية التّعبير والتّجمع السّلمي وممارسة الشّعائر الدّينيّة. طلاق بائن بين السّلطة والشّعب وحرب إعلامية بوليسيّة تزدري المعزّيين إلى حدِّ الاستدلال بالحيوانات في مقالٍ نشره محرّر جريدة "أخبار الخليج"، عبد المنعم إبراهيم، تحت عنوان: "الحيوانات تلتزم بالقواعد وقت المرض.. والبشر مستمرّون!"، إلى حدّ قوله إن المعزّين "في درجة أدنى من الحيوانات" بل "إن الحيوانات أفضل منهم."
استدلال هابط وقلمٌ نشاز وإعلامٌ موتور وطائفيّ ما انفك يومًا عن الحطّ من كرامة مواطنيه والإساءة لشعائرهم. صحافةٌ فتنويٌة داعشيّة حاقدة موَجّهةَ تفتقد أدنى أخلاقيات العمل الإعلامي ويؤكد للمرّة الألف السلوك الطّائفي الدّنيء للسلطة التي تعامل "الشّيعي" كمواطنٍ من الدرجة الخامسة. خطاب كراهية مقيت وسلطةٌ منافقة تشتري بدنانيرها أقلامًا مأجورة ومنابر إعلاميّة رخيصة وعنصريّة تروّج لـ "تسامحٍ" ما ذاق يومًا طعمه إلا "الصّهيوني" العدو في صفقات تطبيعٍ مخزية، صفقاتٍ تحاربها منابر عاشوراء ويرفضها معزّو عاشوراء وأتباع مدرسةِ أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.
العارف بخبايا السّياسة في البحرين يعلم علم اليقين نفاق السّلطة وعدم اكتراثها بالصّحّة ويتذكر جيّدًا كيف استغلّ نجل الملك، ناصر بن حمد، فريق البحرين (فريق أُسِّس لمواجهة كورونا)، لاطلاق حملته "فينا الخير" خلال شهر رمضان، مستعينًا بقوات الشّرطة دون الالتزام بالتّعليمات الصّادرة عن الجهات الصّحيّة، وذلك لتوزيع وجبات الإفطار على العمّال الآسيويّين، الّذين يقطنون في العاصمة المنامة في مساكنٍ مكتظّةٍ تفتقد لأبسط معايير السّلامة، ما تسبّب في تفشّي العدوى بشكل رهيب.
ما تريده السّلطة في البحرين بالأساس هو تباعدٌ سياسيٌّ تاريخيٌّ مذهبيّ وهي التي تجاهلت وتتجاهل الخطر الصحيّ المحدق بحياة قادة المعارضة ورجالات السّياسة السّلميّين وأكثر من ٤٠٠٠ معتقل رأي، محتجزون كلهم في بؤرةٍ تفتقد أدنى معايير السّلامة الضّروريّة. هذا الاستفزاز المنظّم وتجاهل التّنظيم للإحياء الواعي المراعي للضّوابط الصّحيّة الذي يحتذى به دفع بعض المعزّين للخروج عفويًّا في مواكب حسينيّة وهو ما تتحمّل تبعاته السّلطات التي لطالما غلّبت منطق التّصادم والتّخوين على مصلحة المواطنين وأرواحهم.
وفي ظلِّ الغياب الرّسمي عن مواكبة المواكب العزائيّة، التي تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من تاريخ وهويّة البحرين، تشكّلت لجان متابعة رديفة للتّأكّد من اتباع إجراءات السّلامة والصّحة وفقًا للتّوصيات العلمائيّة الواضحة في هذا الصّدد. كذلك، وعلى الرغم من التضييق، قدّم عشاق أبي الأحرار في البحرين أنموذجًا فذًّا في الإحياء العاشورائيّ حيث تحوّلت المنازل إلى مآتم استفادت من البثّ المرئيّ طيلة أوقات النّهار لمجالس العزاء شارك فيها نخبة من الخطباء والرّواديد.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024