معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

بيروت... مأوى قلوبنا
05/08/2020

بيروت... مأوى قلوبنا

 ليلى عماشا

بيروت، في الرابع من آب.. ترخي الأزمة ثقلها على وجوه الناس.. يتسلّق الفقر أعلى مراتب الطبقات الوسطى، وينهش التعب من كانوا أصلًا في عداد الفقراء، يقفز عدّاد الإصابات بڤيروس كورونا صعودًا.. كبر الهمّ، باتت ملامحه واضحة في كلّ الوجوه.. اقترب المساء، ثمّ دوّى الانفجار..

لم يكن صوتًا مألوفًا.. نحن الذين حفظنا صوت الانفجارات طيلة ٣٣ يومًا من حرب وقصف، وطيلة مرحلة استهدافنا بالمفخخات الإرهابية، عجزنا لوهلة عن استيعاب حجم الصوت وترداده في قلوبنا وأعصابنا.. وصل الصدى إلى قبرص بحرًا، وإلى القرى جنوبًا، وارتدّ اتصالات اطمئنان من كل الجهات، فيما كانت غيمة تشبه توهّج الدخان في هيروشيما تتشكّل فوق عيوننا وتذهلنا.. تذهلنا كي تجهزنا للفاجعة.. دقائق قليلة كانت كافية لتغمر أحياء بيروت العاصمة بالركام وبالغبار.. وكانت كفيلة بأن تضع المئات في عداد المصابين، جرحى بدرجات خطورة متفاوتة، وشهداء برتبة واحدة، مظلومين!

بيروت... مأوى قلوبنا
صورة من الدمار في بيروت

هنا الضاحية، صوت سيارات الإسعاف تلا مباشرة صوت الدويّ ونثار الزجاج المتكسر في واجهات المحال والبيوت والسيارات.. صراخ الوهلة الأولى وحيرة الجميع تحوّلا بعد وقت قصير إلى طوابير تتبرّع بالدم وتفتح بيوتها للمنكوبين من سكان الأحياء المتضرّرة..

هنا البقاع، بيوت فُتحت أبوابها لاستقبال مَن يودّ من الذين طال بيوتهم عصف الانفجار، ومَن كأهل البقاع في غوث الملهوف؟

وهنا الجنوب، أصوات تطمئن على الأحبة "البيارتة".. كل البيوت بيوتكم.. ومَن كأهل الجنوب تذوّق وجع أن تصبح بدقائق قليلة بلا بيت؟

بلديات وجمعيات أهلية وأفراد، كلّ بما يستطيع هرع للنجدة وللتكافل، حتى قبل أن ينقشع غبار الانفجار.. فيما كان المشهد يشتد قساوة وإيلامًا.. مفقودون كثر، صور تستجدي ولو خبرًا عن أصحابها، ومقاطع مصوّرة لآباء وأمهات وصلهم للتوّ خبر مفجع، أو وقفوا عند أبواب المستشفيات ينتظرون كلمة تهدّىء روع قلوبهم.. كارثة بكلّ المقاييس حلّت على المدينة، وجعلت كلّ البلاد أرضًا للدمع وللغضب.

وفي هذه الأثناء أيضًا، كانت أبواق الصهاينة المحلية تتسابق في نشر الأخبار المزوّرة، تخطو فوق الجثامين التي لم ترفع بعد عن أرصفة المدينة، تغوص في دمٍ سال على الطرقات، تدوس على نزف قلوب الناس لتسوّق لأخبار عارية عن الصحة ومن الشرف..‎

 

بيروت الكبرى

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة