معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

حرس الثورة يتموضع في الفضاء: مفاجأة في تل أبيب وواشنطن
02/05/2020

حرس الثورة يتموضع في الفضاء: مفاجأة في تل أبيب وواشنطن

جهاد حيدر
ليس من المبالغة التأكيد على أن الطرف الاكثر اهتماما وشعورا بالصدمة نتيجة نجاح الجمهورية الاسلامية في ايران في اطلاق قمر صناعي عسكري "نور 1" إلى الفضاء، هو كيان العدو الإسرائيلي. فأي انجاز يحققه الايرانيون في أي مجال علمي أو عسكري أو اقتصادي يتعامل معه المسؤولون والخبراء في الكيان على أنه ضربة لهم في الصميم وموجه ضدهم بالدرجة الاولى ويعكس فشل واشنطن، ويؤشر إلى حجم التصميم والابداع الذي تتمتع به القيادة الايرانية بشقيها السياسي والعسكري (الحرس الثوري). وهو بذلك يُجسِّد مرحلة اضافية من مراحل معركة الارادة والقدرة التي تدور بين الطرفين.

نجح حرس الثورة في مفاجأة كل اعدائه الإقليميين والدوليين فقفز بضربة واحدة من الارض إلى الفضاء وتموضع فوق عواصم الدول في الغرب والشرق والشمال والجنوب. وتفاقم وقع المفاجأة نتيجة أن الانطباع الذي تشكل سابقاً في دول العالم هو أن ايران لا تملك القدرة العلمية على تحقيق مثل هذا الانجاز، بعدما فشلت في مساعيها حتى الان. ومن أبرز المؤشرات التي عزَّزت هذا التصور هو الفشل المتكرر في السنة الماضية في ايصال قمر صناعي مدني إلى الفضاء. لكن نجاح ايران في ايصال قمر صناعي عسكري كشف وأكد وجود أكثر من مسار صناعي في هذا السياق، وهو ما لم يكن يخطر في بالهم.

ارتفع منسوب القلق في تل أبيب، ايضا، نتيجة التطور الصاروخي الذي تجلى في هذه العملية. ورأى أحد أهم خبراء الصواريخ في كيان العدو "عوزي روبين" أن ما جرى كان جزءا من "خطة خداع" نفذها الحرس الثوري، "هدفت إلى التغطية على نوايا ايران في تطوير الصواريخ ذات المدى العالمي، ومنحها الشرعية والاحترام على المستوى الدولي" وأكد على أن التوجه الايراني هو توجه يشمل العالم وطموحها لأن تتحول من دول عظمى إقليمية إلى دول عظمى عالمية، والتموضع في الفضاء وامتلاك هذا المستوى من الصواريخ يشكل مقدمة ضرورية في هذا الاتجاه. ولفت ايضا في نفس السياق إلى أن الاستعداد لهذه الخطوة مستمر منذ سنوات. ويعكس هذا الاقرار (روبين) أنه بالرغم من ضخامة هذا المشروع لم تنجح كل اجهزة الاستخبارات في اكتشافه حيث لم تكن لديها أي مؤشرات على أصل الموضوع في المدى المنظور، ولا في توقيته.

لم تقتصر المفاجأة على الجانب العلمي، بل في كونها تحققت على يد حرس الثورة الاسلامية تحديداً. هذا البعد رفع منسوب المخاطر في كيان العدو، ودفعهم إلى التقدير بأن هناك مساحة واسعة جداً تتصل بهذه المؤسسة الثورية التي تقع على مهداف كل الجهات المعادية لايران، خارج اطار نشاطهم الاستخباري. ومن الطبيعي أن يُعزِّز هذا الكشف لدى تل أبيب وواشنطن، القلق من وجود مفاجآت أخرى، كما سبق أن ألمح إلى ذلك العديد من المسؤولين الايرانيين حول وجود أسلحة متروك كشفها للميدان. وفي هذا السياق، لفت روبين ايضا إلى أنه "من المرجح أن تظهر الصواريخ العملاقة التي تُطورها في أعماق شمال شرق إيران على منصة الإطلاق الضخمة في شهرود في المستقبل غير البعيد".

الرسالة الأخرى التي انطوى عليها ايصال القمر الصناعي العسكري إلى الفضاء، أنه شكَّل تحدياً وانتصارا في معركة الارادة مع القوى الدولية المعادية. ولعل الأكثر الفاتا في كل ما جرى أنه في الوقت الذي كانت تترقب الولايات المتحدة وتل أبيب مفاعيل انتشار فيروس كورونا، ويراهنون على أن يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ايران آخذاً نحو التدهور، إلى حد أن البعض منهم ذهب في التقدير إلى حد المبالغة في الامال بالحديث عن امكانية تقديم ايران تنازلات في العديد من القضايا الإقليمية والصاروخية والنووية، أو حتى تقويض النظام. في هذا السياق بالذات، انطلق الصاروخ الايراني ليوجه صفعة مدوية لكل مخططاتهم. واعتبر الخبير الصهيوني في شؤون الصواريخ أن ما جرى "شكل بذاته تحديا وتعبيرا عن تصميم" ايراني.

خلاصة المشهد، شكل نجاح ايران في اطلاق قمر صناعي عسكري، محطة تحول اضافية في مسار التطور العلمي للجمهورية الاسلامية، ومحطة انتصار أخرى، في ساحة معركة الارادة مع الاستكبار العالمي، وموقعاً متقدماً فضائياً لحرس الثورة الاسلامية في مواجهة أعداء الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة، وانطلاقة نوعية لمسار جديد سيعقبه المزيد من الانجازات في هذه الساحة الجديدة من الكباش والتحدي، وايضا انجازا عسكرياً سيكون له مفاعيله الاستخبارية والعملانية في معركة المصير والمستقبل مع كيان العدو.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف