نقاط على الحروف
دروس تعلمناها في زمن الكورونا الصعب
عبير بسام
عندما تبدأ الحوادث بالانقلاب على أصحابها، يقال: "إن ما نراه ليس من عمرنا!" وهذه أيّام ينطبق عليها المثل. أيّام حَجر تمرّ ثقيلة على كلّ من التزم بيته، أو لم يلزمه، وأحياناً يلوح أمل بالأفق بمرور الغمامة قبل أن ينقطع النفس، والتي ستدفع نحو تغيير كبير في العالم على المستوى الإنساني ومستوى العلاقات الدولية، على حدّ سواء. وفي وقت يبدو العالم فيه وكأنّه يسير على درب من الجمر، وأنّ الجائحة ستأتي على الأخضر واليابس قبل أن تعبر، ونعبر بعدها إلى ضفة الصحة والأمان، النعمتين المفقودتين في زمن الكورونا، تطرح المرحلة الصعبة تساؤلات حول التحولات التي ستصيب العالم بعد هذه المحنة، سواء كانت مرحلية أم مستقبلية.
إن كان المرض مفتعلاً أم لا وفي انتظار أن يخرج الصينيون ما في جعبتهم من دلائل على الاتهامات التي طالت الأميركيين بنشر الفايروس في بلادهم، لا يمكننا إلّا أن ننسب ما يحدث إلى ما يعتبره بعض العلماء - مع أنّه اعتبار ذو مضمون قاس - أنّ الأرض لديها وسائلها الخاصة لإعادة تنظيف نفسها من الأضرار التي لحقت بها. وهذا ما نراه في انعزال الناس في بيوتهم، الذي أدى إلى حالة انعدامٍ تقريباً في إطلاق غاز الكربون نتيجة لتوقف المعامل والسيارات وكلّ ما يعتمد على أنواع الوقود اليحفوري.
خلال البحث في أسباب الوباء ومصدره: أُرجِع نشوؤه إلى أسباب سياسية واقتصادية. وأشار البعض الى أنه جزء من الحرب الاقتصادية الضروس التي تقودها الولايات المتحدة على إيران والصين وروسيا، وجميع معارضي السياسات الأميركية في العالم. سياسات أعطت بها أميركا لنفسها الحق بفرض شروطها وقوانينها على العالم أجمع في حين فشلت حملاتها العسكرية الأميركية منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وقد اعتمدت في هذه السياسات على تسليح وتصدير الجماعات الإرهابية إلى العديد من دولنا العربية والدول المعارضة لها ولسياسات الاستيطان حول العالم.
ولكن،
تراجع الدول إلى حدودها القومية في ظل الوباء، حفزت المشاعر القومية لتعود وتسيطر على مشاعر المواطنين على المستوى الشعبي، ووضعت حكومات الدول أمام مسؤولياتها بعد أن كانت الرأسمالية العالمية تعمل جاهدة من أجل تحطيم المشاعر القومية لصالح رأس المال العالمي وصالح الشركات الاحتكارية العابرة للقارات، والتي سعت من أجل بناء منظوماتها الاقتصادية خارج حدود الدول الإقليمية. وبالتالي فإن ارتفاع منسوب الشعور القومي والوطني سيكون له بالتأكيد تأثيره في المرحلة القادمة على صعيد بناء العلاقات ما بين الدول بعضها البعض ومن جهة ثانية ستحدد الخطوط العريضة للعلاقة الجديدة ما بين الأفراد ودولتهم، مما سيحدو بالدولة لتكون أكثر اهتماماً بالأفراد لناحية الضمانات الاجتماعية والصحية التي ستقدمها والتي وضعها انتشار الفايروس تحت المجهر وأخضعها لامتحان حقيقي للعلاقة ما بينهم.
عودة الحدود إلى الواجهة، وخاصة في اوروبا، والتخبط الذي شهدناه في مواجهة الوباء حتى تحول إلى جائحة في القارة العجوز، وتغير التحالفات على المستوى الإنساني من خلال المساعدات الإنسانية والطبية التي أرسلتها كل من الصين في وروسيا وكوبا إلى إيطاليا، أو إلى أي مكان آخر في أوروبا أو أمريكا، سيدفع نحو التأسيس لمنظومة سياسية جديدة. وهذا ما نراه في الإعلان عن تفعيل نظام "إنستكس" للدفع ما بين أوروبا وإيران، وتصدير المواد والمعدات الطبية إليها، وما يعنيه هذا من جنوح أوروبي حول إعادة العلاقات التجارية مع إيران وإن كان مبدئياً في مجال تبادل السلع الطبية والغذائية والأجهزة الطبية مقابل النفط والغاز، وهو شيء يشبه نظام "النفط مقابل الغذاء" الذي ساد في العراق إبان الحصار الذي فرضه النظام العالمي الرأسمالي بعد حرب الخليج الأولى في العام 1991.
التحول نحو أنظمة أخرى للدفع وتجاوز نظام "سويفت" الذي سيطرت فيه أمريكا على حركة المال والدولار بالذات، سيدفع نحو التخلي عن الدولار واعتماده كعملة صعبة في التبادلات التجارية، وبالتالي فإن ذلك وخلال السنوات القادمة سيؤدي حتماً إلى هبوط سعر الدولار، الذي ابتدأ فعلياً، وبالتالي ضرب الاقتصاد الأميركي، إن لم يبدأ بتعجيل ضرب الوجود الأميركي بذاته. كما أن التحول في العلاقة مع إيران وروسيا والصين في زمن الكورونا، قد أجبر أوروبا على التفاعل مع الدول المنكوبة به، والذي لم يكن من الممكن حدوثه لو أن أوروبا أمنت من الوباء.
وهذا ما دفع بالاتحاد الأوروبي في 6 نيسان/ إبريل الحالي إلى إعلان ضم صوته إلى "انطونيو غويتريش"، الأمين العام للأمم المتحدة، لمطالبة "مجموعة العشرين" برفع العقوبات التي تستهدف القطاعين الصحي والإنساني في كلّ من سوريا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، ويبدو أنّ القرارسيتبع نحو اليمن وليبيا وحتى الصومال. وهو تغيير هام دفع باتجاهه "الزمن الصعب".
على المستوى الإنساني، فقد علمتنا الجائحة التعاطف والتواصل مع سكان الأرض، اذ لم يبق بيت ولم تدخله التعليمات والتخوفات وحتى الموت بسبب هذا البلاء. ولأول مرة وبالمعنى الإنساني أصبح العالم قرية كونية يتبادل تعليمات الوقاية على مختلف صفحات التواصل الاجتماعي.
وحتى النكات التي تم تبادلها باتت تُحكى من خلال حركات الجسد وتعبيرات الوجه، وتبين أن النكتة والضحكات يمكنها أن تجمع أناس من لغات وجنسيات شتى؛ في الإنسانية والبلاء جميعنا متشابهون. للأسف لم تجمع الكوليرا في اليمن ولا الجوع في أنحاء العالم الإنسانية كما جمعتها الكورونا التي تسببت بإفقار الجميع وموت لأحباء للجميع على حدّ سواء. وهنا في لبنان ولأول مرة جمعتنا الكورونا حول تقدير الحكومة المسؤولة وهذا أول ما يلفتك في حديث الناس.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024