معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

12/03/2020

"كواليتي تي في": من نصّبها مكان الدولة؟

ميساء مقدم

منذ عام 1947 نظّر تقرير "لجنة هوتشينز" بعنوان: "صحافة حرة مسؤولة"، الى مفهوم المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، لكن بعض من يدّعي العمل الاعلامي في لبنان ما يزال حتى عام 2020 لم يسمع بهذه النظرية. تقرير "لجنة هوتشينز" الشهير نبّه في حينها إلى أن التجاوزات التي تحدث من قبل الإعلام والصحافة لها الضرر الأكبر على المجتمع. وفي اسقاط عابر للزمن، يمكن نقل التجربة من الولايات المتحدة وتطبيقها على ما يجري منذ أكثر من عقد من الزمن في لبنان.

في الصراع بين مفهومي الحرية المطلقة والمقيّدة، برزت المسؤولية الاجتماعية كمفهوم فيه الكثير من الأخلاقيات الموجّهة لحرية وسائل الاعلام لتكون هذه الحرية في خدمة المجتمع وغاياته. لكن، بعيدًا عن كل منطق يرتبط بالمسؤولية، وفي تجربة "فريدة" و"رائدة"، تخطت قناة "المر" كل حدودٍ للحرية، فنافست في ذلك حتى جون ميلتون بعينه. منذ استقالة رئيس الحكومة الـ"young" بالنسبة للقناة، وتشكيل الحكومة الجديدة، تشن "أم تي في" حملات سياسية ضد الرئيس حسان دياب ووزرائه تتسم بكثير من التزوير والخداع. المطبّ الأسوأ الذي وقعت فيه القناة في مسارها اللامهني كان مع ظهور أوّل حالة اصابة بفيروس كورونا في لبنان.

منذ ذلك اليوم، أعطت القناة الفيروس المستجد بطاقة هويّة شبيهة بالبطاقة اللبنانية. جنّسته وصبغته بلون مذهبي يخدم سياستها التحريرية. ومع تسجيل الاصابة الثانية، دخلت في زواريب التقسيم المناطقي للمرض، فأعلنت بشكل متمايز عن سائر وسائل الاعلام اللبنانية "إصابة أول لبناني في المنطقة الشرقية لبيروت!".

وكما لم يفعلوا أيام الاحتلال الاسرائيلي للبنان، رابط مراسلو القناة على حدود مطار بيروت الدولي. فصارت الأخبار العاجلة تصل الى هواتف اللبنانيين على الشكل التالي: "عاجل: وصول طائرة من ايران تحمل... راكبًا الى المطار"، "عاجل: طائرة آتية من ايران تحط في المطار"، "عاجل: ركاب الطائرة الآتية من ايران خرجوا من المطار".

أصاب المرض أكثر من مئة دولة حول العالم، وسجّلت ايطاليا ثاني نسبة وفيات بعد الصين، لكن الـ "كواليتي تي في" حصرت تحريضها على ايران مستغلة بذلك الفيروس لخدمة سياسة مشغليها. ظهر مراسلوها من مطار بيروت مستنكرين لعودة لبنانيين الى بلدهم الأم من ايران، متجاهلين طائرات أخرى كانت تحط من دول انتشر فيها المرض، علمًا أن العادة جرت بأن تطالب الدولة في هكذا حالات بإجلاء كل من يحمل جنسيتها الى الوطن.

لكن الحقد الأعمى على الحكومة ورئيسها، دفع باتجاه شيطنتها بعيدًا عن المصلحة الوطنية. وبعدما اجتمع المعنيون في الدولة لتشديد الاجراءات للحد من انتشار كورونا، زايدت القناة على عمل الحكومة وتقمّصت صفة المسؤولية، معلنة حالة طوارئ في لبنان. وفي أخبار عاجلة أرسلت الى اللبنانيين على هواتفهم، وذيّلت بها الشاشة، جاء: " الـMTV تناشد المواطنين الى سلامتهم بعد تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها - الـMTV تعلن حالة الطوارئ في لبنان وتطلب من المواطنين عدم مغادرة منازلهم الا للضرورة القصوى".

"كواليتي تي في": من نصّبها مكان الدولة؟

هكذا نصّبت قناة "المر" نفسها في موقع من يحق له إعلان حالة الطوارئ، فكانت بحق "دويلة" تسعى ـ فاشلة ـ للحلول مكان الدولة. وجاء في مقدمتها الاخبارية إعلان أصاب اللبنانيين بذعر مضاعف، بعدما كان رئيس الحكومة قد أعلن عن اجرءات مطمئنة: "أيها اللبنانيون، الـmtv تعلن حال الطوارىء، وتدعوكم الى إعلانها والتزام مفاعيلها وتطبيقاتها طوعا، فتحجروا على أنفسكم وأطفالكم". واتهمت القناة الدولة بأنها "فقدت جرأتها، وتخلت عن سيادتها غير عابئة بمصيركم، وقد قررت الهروب الى الأمام مرة جديدة، بامتناعها عن إعلان حال الطوارىء".

وأكثر، حرّضت القناة اللبنانيين، في عزّ اللحظات الدقيقة التي تتطلب المسؤولية، على تجاهل الدولة: "أيها اللبنانيون، لقد آن الأوان لتتصرفوا وكأن لا دولة ترعاكم وتحميكم". وتابعت "لن نعود طبعا إلى الأفعال الجرمية التي أوصلتنا الى الإفلاس السياسي أو الإفلاس السيادي والإفلاس الأخلاقي التي أودت بنا الى الإفلاس المالي ـ الاقتصادي"، هنا طبعًا لا تملك القناة جرأة تسمية الفاسدين والسارقين بالأسماء، فهي الراعية الرسمية لكبار الفاسدين، وخط الدفاع الأول عنهم.

وكما لم يحدث في أيّ من البلدان الموبوءة، المتخلفة منها أو المتقدمة، أمعنت القناة في الاستهداف السياسي، خالطة حبل "كورونا" بنابل "الممانعة". في كل بلدان العالم، تركن المعارضات الى السكون ـ في أسوأ الأحوال ـ عندما يتهدد الدولة خطر داهم، إلا في كوكب "أم تي في"، فإن الحنق من امساك حسان دياب كرة النار المالية بيدية حماية للبنان دفعها الى التصعيد اللاأخلاقي في مضمونه وتوقيته "هل تريدون اتباع المسارات القاتلة نفسها التي أخرجت لبنان من المنظومة المالية العالمية، لإخراج لبنان من المنظومة الصحية العالمية فتحملونه، الى جانب وسام دولة الفشل، وسام الاستحقاق من رتبة دولة موبوءة؟ وهل البدائل الصحية متوافرة في الدول التي يخبرنا عنها أهل الممانعة ؟ وبعد أليس غريبا ان هذه الدول هي مصدر الكورونا ومصدرتها؟".

إن ما تقترفه القناة من تحريض سياسي ضد الحكومة ـ التي تعمل وفق توصيات منظمة الصحة العالمية ـ في وقت تمر به البلاد كما العالم بأزمة صحية دقيقة، ليس الا جريمة رسمية بحق مواطنين وقعوا ضحية رعبها.

وبعيدًا عن قناة "المر"، وسقوطها اللامهني، واكبت القنوات اللبنانية الاجراءات الحكومية للحد من "كورونا" من خلال الارشاد والتوجيه والتوعية، كلّاً من زاويتها:

* "أل بي سي": خطاب الى اللبنانيين بالعامّية

"أل بي سي" تميّزت عن قناة "المر" بمقدّمة اخبارية أكثر موضوعية ومهنية، سعت خلالها الى مقاربة الملف من زاوية قدرات لبنان على المواجهة بعيدًا عن المناكفات السياسية، وحاولت في القسم الآخر من المقدمة، توجيه رسائل بالعامية تخاطب وجدان اللبنانيين وتدعوهم الى التخلي عن الزيارات وبعض العادات الاجتماعية التي يجيب التوقف عنها مؤقتًا: ""خليكن بالبيت" وساعدوا بتخفيف سرعة انتشار المرض. خليكن بالبيت، يعني خذوا اقصى درجات الوقاية في البيت، يعني ما تختلطوا مع الناس والاقارب والجيران والاحباء.. تذكروا يللي بتحبوون، تذكروا تيتا وجدو، تذكروا كل المرضى يللي بتعرفون، ويللي موجودين بكل بيوتنا..".

* "الجديد": الكل شريك ومسؤول

قناة "الجديد" بدورها ابتعدت عن الشحن السياسي، ووجّهت نحو التأكيد أن الخطر يحدق بالجميع "اننا جميعا تحت خطر واحد، عدونا وعدو العالم مشترك". وبعد تأكيدها على مسؤولية الجميع في التصدي للفيروس، لفتت الى مسؤولية المواطنين والاعلام في هذا المجال: "هذه المرة لن تكون الإرشادات صادرة من السلطات المحلية المعنية وحسب بل من كل مواطن يمتلك صفة الوعي ويهتم لحياة الناس فلا يتهاون أو يستخف بالخطر لأنه سيساهم في نشر الوباء وقبل الدولة فإن الإعلام وجد نفسه في المقدمة وعليه مسؤولية نشر هذا الوعي خدمة للصحة العامة".

التحذير ترافق مع جرعة أمل بالخروج من النفق فـ"لبنان الذي انتفض وانتصر على الأمراض السياسية قادر اليوم على قيادة ثورة منزلية لمنع انتشار فيروس كورونا".

* "أو تي في": رد على التصويب السياسي

مقدّمة "أو تي في" مرّرت ردّا على بعض التصريحات السياسية التي هاجمت الحكومة بالقول "الناس وحكومتهم في واد، ورؤساء بعض التيارات والأحزاب في واد آخر. عند الفريق الأول، اي الناس والحكومة، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الفيروس القاتل، الذي خطف اليوم مواطنا لبنانيا ثانيا... أما عند الفريق الثاني، اي رؤساء بعض التيارات والأحزاب، فالمزايدة خيار دائم، وحتى المرض يسخّر للقنص السياسي على حكومة الفرصة الاخيرة".

* "المنار" و"ان بي ان: بصيص أمل

قناتا "المنار" والـ "ان بي ان" وجّهتا اللبنانيين الى بصيص الأمل المنبعث من الإعلان عن أوّل حالة شفاء من كورونا في لبنان. "المنار" وبعد إشارة مقدمتها الإخبارية الى أن "المطلوب ان لا يصاب اللبنانيون بالهلع، لكن المفروض أن يصابوا بأعلى درجات الاحتياط، والتعاطي بكل مسؤولية وطنية واخلاقية وانسانية مع التحدي المستجد"، حرص مراسلها من أمام مستشفى رفيق الحريري الحكومي على عدم اثارة الذعر بين الناس، فبيّن أن حالتي الوفاة نتيجة الفيروس كانتا تعانيان من ضعف في جهاز المناعة، وهو ما أدى الى أن يكون الفيروس قاتلًا لهما.

الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة