معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

ضمّ المستوطنات.. أبعاده وتداعياته
05/02/2020

ضمّ المستوطنات.. أبعاده وتداعياته

لطيفة الحسيني


أكثر ما يشغل الصهاينة منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة القرن المشؤومة (28/1/2020) ضمّ المستوطنات. الأطراف كافة في كيان العدو تُجمع على ضرورة فرض "السيادة الإسرائيلية" على أجزاء من الضفة الغربية، على الرغم من الاختلاف حول توقيتها: قبل أو بعد انتخابات الكنيست في 2 آذار/ مارس المقبل.

المسألة لا تقف عند حدود توظيف التيارات الاسرائيلية (يمين - يسار، أو حتى داخل اليمين نفسه) لموضوع الضمّ انتخابيًا، بل قد تكون دلالات هذا المشروع أكبر بكثير. الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع يقول إن الخطة المُفصّلة لترامب تفعل أكثر ما تستطيع كي تلبي الاحتياجات الأمنية لـ"إسرائيل" وللمستوطنين في الضفة، فقد حقّق نتنياهو من محادثيه الأمريكيين ما لم يتمكّن أسلافه من تحقيقه: الاعتراف بسيادة "إسرائيل" في شرقي القدس حتى جدار الفصل، والاعتراف بالسيطرة الأمنية في كل الضفة، وسلسلة شروط مسبقة لا يمكن لأيّة قيادة فلسطينية أن تقبل بها.

توظيف انتخابي للضمّ

المستوطنات في الضفة هي الشغل الشاغل لقيادات الاحتلال الآن. نتنياهو يركّز حديثه على هذه القضية، مُستثمرًا إيّاها لحصد المزيد من الأصوات الانتخابية قبيل اليوم الموعود في 2آذار/ مارس المقبل (موعد انتخابات الكنيست). إنها لبّ برنامجه الانتخابي اذًا. رئيس الوزراء الصهيوني يقول في هذا السياق "لن ندع فرصة كهذه تضيع (ضم المستوطنات ومنطقة غور الأردن)، نحن من جاء بها، ونحن هنا لتحقيقها، لكن من أجل ذلك، ومن أجل تأمين "حدودنا"، وتأمين مستقبلنا، أحتاج من جميع أعضاء الليكود الخروج والتصويت".

كلامٌ يُثبت ما قاله المحلّل الاسرائيلي بن كاسبيت عندما كتب في موقع الـ"مونيتور" أنه سيتمّ تعبئة الجميع من أجل الحملة بهدف واضح هو الحصول على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي لنوع من الضمّ الإقليمي في الضفة الغربية قبل انتخابات 2آذار/مارس 2020 ولهذا، يركّز نتنياهو على هدف واحد فقط: استعادة دعم 300000 ناخب من الليكود واليمين، والقتال من أجل الناخبين البديلين "اليمين الناعم" الذين يمثلون مقعدين إلى ثلاثة مقاعد في الكنيست ولم يقرروا ما إذا كانوا سيصوتون لصالحه أم لصالح غانتس.  شخصية بارزة في "الليكود" تشير الى أن "هذا الحشد لن يعود إلى الليكود إلّا إذا حدث الضمّ الآن".

وبرأي بن كاسبيت، يعرف نتنياهو هذا، ويُدرك أن الضمّ هو الآن شريان الحياة الوحيد له.  

خلفيات الخيار الحالي

الكاتب في صحيفة "هآرتس" شاؤول أريئيلي قدّم مُقاربة تاريخية من شأنها أن توضح النظرة الاسرائيلية لمسألة الضمّ، هو يرى أن "الخيار الحالي لضمّ الغور والمستوطنات، من خلال ضمّ أحادي الجانب أو ضمّ برعاية أمريكية، يختلف عن جميع الخيارات السابقة للقيادة الصهيونية في تاريخ النزاع من أربع جهات:

"أولًا: الحديث يدور فقط عن تحقيق الحلم المسيحاني لخلق "بداية الخلاص" لأتباع الحاخام كوك (أول حاخام أكبر لليهود الأشكناز في الأراضي المحتلة) الذي يقضي أن "نرث البلاد من سكانها" (حسب تعبيره).

ثانيًا: الخيار المطلوب نتيجة مبادرة أحادية الجانب من الحكومة الاسرائيلية التي تريد استغلال تأييد ترامب إزاء ضعف الفلسطينيين، والعالم العربي والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.

ثالثًا: الضمّ سيخرق القرارات الدولية بشأن النزاع ووثيقة الامم المتحدة والاتفاقات التي وقعت عليها "اسرائيل" مع مصر والاردن. الاتفاق سيُلغي أيّ احتمال لأن يُخاطر الفلسطينيون مستقبلًا بأيّ شيء (مثل نزع السلاح) وسيجعل الأردن يقف على أرجله الخلفية، ومصر أيضًا، ويُعطي ذخيرة أبدية لإيران وتوابعها من أجل تبرير تدمير "اسرائيل"".

تداعيات الضمّ

عن تداعيات الضمّ إن حصل يتحدّث الكاتب في "يديعوت" رون بن يشاي، فيلفت الى أن ضمّ أو تطبيق "القانون الإسرائيلي" على الكتل الاستيطانية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) في ظلّ الوضع الحالي لن يُحسّن الأمن المادي والشخصي لأكثر من 400 ألف يهودي في المنطقة ولمئات آلاف المستوطنين في النقب الغربي الذين يتأثّر أمنهم بـ"الإرهاب" الآتي من قطاع غزة.

من وجهة نظر بن يشاي، يمكن التقدير أن الإحساس بالأمن لدى مستوطني "يهودا والسامرة" (الضفة) حول مستقبلهم سيتحسّن إذا ما ضُمّت مستوطناتهم إلى "إسرائيل"، على حدّ زعمه، غير أنه يستدرك قائلًا "إمكانية ضم المستوطنات اليهودية إلى "إسرائيل" وغياب أفق سياسي من شأنه أن يؤجّج النفوس في المعسكر الفلسطيني ويعزّز في الفترة المُقبلة الحافزية لدى شباب ونشطاء الفصائل لمعارضة وتقويض تنفيذ مخطط ترامب".

بن يشاي يشير هنا الى  إمكانية تصعيد في المناطق الفلسطينية وعند حدود القطاع، ما يشكّل تهديدًا للمستوطنين، لكنه في الوقت نفسه يُفصّل الامتيازات التي يمنحها مشروع الضمّ للصهاينة على الصعيد العسكري وهي تُختصر بحرية العمل الأمني الاسرائيلي ونشر قوات يتيح ردًّا سريعًا على أيّ حادث استثنائي والحصول على تفوّق استخباراتي.

تطبيق مشروع الضمّ يعني مزيدًا من التوتر في الضفة

على الرغم من كلّ هذا، يُدرك الصهاينة جيدًا أن الاحتفال بالمشروع لن يدوم طويلًا، فاذا نُفّذ بعد آذار/ مارس، لن ينعكس إلّا سلبًا عليهم، إذ  سيُترجم عمليًا بازدياد نسبة توتر الأوضاع في الضفة واشتعال مواجهات مع الفلسطينيين، الى جانب تضرّر العلاقات مع الأردن، وهو الخطر الكبير بالنسبة لهم. أما وقف التنسيق الأمني مع السلطة فلا يشكّل هاجسًا لهم، لأنه مستبعدٌ جدًا.

بحسب عاموس هرئيل، المحلّل في "هآرتس"، خطوة اسرائيلية غير منسّقة، خاصة الاعلان عن ضمّ الغور، يمكن أن تُضعضع العلاقات مع الأردن ولا سيّما اتفاق التسوية الموقّع بين الجانبين.

لماذا يُصرّ الاسرائيليون على العيش بالمستوطنات؟

الصهاينة مُتمسّكون بالسكن في المستوطنات، وقد يؤمّن لهم مشروع الضمّ ذلك دون جهد وتعب، غير أن أسبابًا كثيرة تحرّضهم على الإصرار على هذا الخيار، فالإعانات المقدمة من حكومة العدو توفر لهم سكنًا بأقلّ كلفة، وبالتالي التمتع بمستوى معيشي أفضل. هذا الى جانب أن بعضهم يُفضّل العيش في مجتمعات دينية متشددة، ويعتقدون بأن الله منح اليهود هذه الأرض وعليهم الاستقرار فيها.

ثلث المستوطنين في الضفة الغربية هم من الأرثوذكس المتشددين، وغالبًا ما يكون حجم الأسر فيها كبيرًا وأكثر فقرًا، لكن بعض المستوطنين يرون أن الإقامة في الضفة الغربية مهمة عقائدية، بمعنى أنهم يعتبرونها أرض أجدادهم اليهود.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل