معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

لبنان بين فوضى الأطماع وقوة الإجماع
16/12/2019

لبنان بين فوضى الأطماع وقوة الإجماع

ايهاب زكي

تقول أنديرا غاندي "قال لي جدّي إنّ هناك نوعين من الناس، أولئك الذين يقومون بالعمل وأولئك الذين يُنسب إليهم، وأوصاني بأن أحاول أن أكون من الصنف الأول، فالمنافسة هناك أقل". وحزب الله منذ ولوجه معترك الحياة السياسية الداخلية وهو يمتاز بالإيثار والابتعاد عن منطق البروباغندا، ولديه فقط خطوط حمراء تتعلق بالصراع المركزي مع العدو الصهيوني، أمّا في الشأن الداخلي فلا شيء خارج طاولة الحوار والتفهُّم. وهذه ميزة تسعى الولايات المتحدة و"إسرائيل" لانتزاعها من الحزب ومن لبنان، حيث يصبح الاستقرار الداخلي منوطاً بنزع سلاح الحزب، وأنّ هذا السلاح هو مشكلة لبنانية وليس معضلة "إسرائيلية"، فيصبح لدى حزب الله خطوط حمراء في الشأن الداخلي، بما أنّ السلاح أصبح شأناً داخلياً، وعليه لا يصبح السلاح درعاً للبنان بل استقواءً لطائفة، وهذا ما أشار إليه السيد نصر الله حين قال إنّ هذا السلاح خطر على "إسرائيل" ومشاريع الهيمنة الأمريكية، وليس على المصالح اللبنانية الوطنية وليس على الشعب اللبناني.

لا أستطيع احتمال فكرة أنّ الأمريكيين أو "الإسرائيليين" ومع هذا السيل من التصريحات حول لبنان، هم بهذه السذاجة المفرطة حيث يعتقدون بقدرة الحراك على انتزاع سلاح المقاومة، هذا كالذي يعتقد بقدرته الصعود إلى القمر بدراجةٍ هوائية، كذلك فإنّ حكومة التكنوقراط التي أصبحت أيقونة ثورية بشكلٍ مبالغٍ فيه، لا يمكن أن يعتقد أعداء لبنان أنّها تستطيع الإقدام على خطوة نزع السلاح، فهذه المستحيلات لا أعتقد أنّ بإمكانها ملامسة مخيلتيْ واشنطن و"تل أبيب"، إلّا إذا كانت هيستيريا العجز والانفصال عن الواقع، لذلك فإنّ الهدف في هذه المرحلة هو الفوضى. الفوضى هي مرتع الأجندات ومستنقع المشاريع الهدّامة، حيث إنّ المعنيّ بها يديرها لتبدو تلقائية، بينما أحداثها متعمدة بهدف الوصول للهدف، وهو تفكيك عناصر المنظومة الحاكمة الصلبة، وعلى رأسها الأمن والجيش، حيث يصبح هاجس الأمن دافعاً للبحث الفردي أو المذهبي أو القبلي، وتتأرجح المنظومتان الاقتصادية والاجتماعية بين الصلابة والهشاشة حسب البلاد، ويبدو التصنيف الأمريكي لهاتين المنظومتين في لبنان بأنهما رخوتان، وهو ما بدا واضحاً من خلال محاولة زرع الشك في العملة الوطنية وتنشيط السوق السوداء، فهذا لا يحدث عبثاً أو مصادفةً.

إنّ سياسة الفوضى التي تتبعها الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، تصبح أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلها، يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلاً في أحد خطاباته أمام مؤتمر "المجلس الإسرائيلي الأمريكي" في فلوريدا، وهو منظمة صهيونية متطرفة، موجهاً كلامه لليهود الحاضرين: "أغلبكم يعمل في مجال العقارات وأنا أعرفكم، فأنتم قتلة متوحشون ولستم أناساً طيبين إطلاقاً، لكنكم مضطرون للتصويت لي، لأنّه لا خيار أمامكم". وهذه اللغة في مخاطبة أوثق الحلفاء، يمكن القياس عليها في استنتاج زاوية نظره للأعداء والخصوم، فهو يملك من الصلف ما يجعل تراجعه أمراً متعذراً، وتُستثنى حالة الاضطرار أو الإجبار من هذا التعذر، وما يحدث في لبنان حتى اللحظة لا شيء فيه يدعو للتراجع، وقد يكون الهدوء العالي في نبرة خطاب المستهدَف أمريكياً -حزب الله-، أحد مغريات الإيغال الأمريكي وعدم التراجع، رغم أنّ على الولايات المتحدة أن تأخذ تهكم السيد نصر الله على مزوديها بالتقارير الخاطئة على سبيل النصيحة، وتدرك أنّ هذا الهدوء لا يعني التوجس والاضطراب وانعدام الخيارات، فالحزب يتقن لعبة التوقيتات كما يتقن إدارة الأزمات.

تحدث السيد نصر الله في خطابه الجمعة الفائت، عن ترك المقاومة أمر بعض الاختراقات الصهيونية لتعامل الدولة، وذكر مثالين عن بناء الجدار في أراضٍ متنازعٍ عليها ودخول سفينة استكشافٍ صهيونية للمياه اللبنانية، وقال "إنّ إسرائيل تعرف إذا اتخذت المقاومة قراراً حازماً بتحمل هذه المسؤولية فلا يستطيعون بناء جدران ولا يستطيعون دخول المياه الإقليمية". وأنا كمتابع أستطيع وضع هذا الخيار في مواجهة خيار الفوضى الأمريكي، حيث انّ السعي الأمريكي لتفكيك المنظومات الصلبة من خلال الفوضى حتى في حال نجاحه، سيضع العدو الصهيوني وجهاً لوجه أمام قرار المقاومة الحازم دون تأجيل، وهو آخر ما يرغبه ترامب وآخر ما يريده نتنياهو. ولكن هذا يبقى على سبيل الافتراض، فقياساً على اعتبار السيد أنّ إسقاط العهد مجرد أوهام، يصبح إسقاط الدولة أكثر من هلوسات. والحقيقة أنّ الكتلة العصية على التفتت، هي تحالف النواة اللبنانية الصلبة، والتي هي من حسن الطالع الأكثرية في مجلس النواب، وهي مجمعة على حماية الدولة وحماية مقوماتها من شعب وجيش ومقاومة، رغم التصعيد المحتمل بالتزامن مع زيارة هيل المرتقبة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل