معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

رسالة من ميدان التحرير في مصر الى الحراك اللبناني
22/10/2019

رسالة من ميدان التحرير في مصر الى الحراك اللبناني

إيهاب شوقي

هذه الرسالة الموجهة لحراك الشعب اللبناني، منبعها ميدان التحرير بمصر، ومن مشارك بأحداثه من اللحظات الاولى لحراك الشعب المصري والذي تعرض لموجات من المد والجزر والاهدار. وقبل توجيه هذه الرسالة فمن المناسب اولًا وضع بعض النقاط على الحروف:

- مفهوم الثورة طرأت عليه تغيرات كثيرة بعد اعتماد نظرية الثورات الملونة والتي يتم تحريكها عمدا بالاساس بواسطة اجهزة المخابرات الدولية، او استغلالها وتوجيه بوصلتها لاحقا بواسطة هذه الاجهزة.

- هناك فارق بين الحراك المطلبي والحراك السياسي.

- كل مقاوم هو مناصر للحراك المطلبي لأنه يصب في صالح الشعوب وينتصر للمستضعفين. كما أن المقاوم يقف مع الحراك السياسي اذا ما كانت بوصلته مضبوطة لصالح الناس، أما وأن تنحرف بوصلة الحراك السياسي، فعلى المقاوم حينها ان يراقب ويتحفظ ويشيد ويشجب، بل ويتدخل عند اللزوم لضبط هذه البوصلة.

التجربة المصرية والتي استلهمت حراكها من ثورات أخرى لتتحول الى نموذج مميز وملهم، مرت بمراحل متعددة، وقد بدأت مسيسة، ثم التحق بها الشارع ليحولها لحراك مطلبي، مما أكسبها زخمها ونجاحها النسبي، الى ان عادت لتصبح مسيسة، وركب موجتها من كانوا يمتلكون مفاتيح السياسة واستغلوها لصالحهم بعيدا عن الشعب الذي افتقد التنظيم السياسي بعد عقود من تجريف الحياة السياسية بمصر، فكان الطبيعي ان يقتطف ثمارها المسيسون.

نحن نعلم جيدا ان ظروف وبيئة كل بلد تختلف عن الأخرى، وان كانت الأوجاع والمخاطر واحدة، والوجدان مشتركًا.
من هنا فإن الحذر الموجود بمصر، والذي نبهنا له من وسط الميدان وفي أوج الزخم الثوري، ينبغي ان يكون مضاعفا في بلد مثل لبنان، تحيط به كل عوامل الخطر من جميع الاتجاهات.

ولمزيد من التوضيح، فإن طبيعة المخاطر على مصر كانت متمثلة في اهدار المسار الثوري وتحويله لمسار اصلاحي لن يفيد كثيرا في استعادة الدور المصري، وكانت المخاوف ان تستبدل وجوه بأخرى دون علاج لمنظومة الخلل المتمثلة في روح كامب ديفيد التي قيدت مصر خارجيا وعزلتها عن دورها القيادي، وسمحت باختراق الداخل، وانقلبت على مفاهيم التنمية والاستقلال والرضوخ للتبعية الاقتصادية، مما ولد الاوضاع المتردية داخليا، ولم يكن هناك مخاوف ذات قيمة من وجود فراغ داخلي وسط دولة بيروقراطية عميقة استمرت منذ عهد الملكية وحافظت على وجودها مع ثورة كبرى مثل ثورة يوليو، واستمرت رغم كل العواصف السياسية والتقلبات والانقلابات في التوجهات والحروب وغيرها، كما ان العامل السكاني الضخم شكل منظومة امان ضد اي اختراق محتمل خارجي او داخلي استغلالا لأي فوضى.

أما في لبنان، فإن الوضع يختلف، فهناك عدو اسرائيلي متربص، وجبهة داخلية تحمل كل مخاطر ونذر الصدام الأهلي، ولا توجد دولة عميقة بالمعنى المتعارف عليه، ولا يوجد الغطاء السكاني الذي يمنع الاختراقات ومخاطرها.

من هنا وكما نبهنا في ميدان التحرير، فإن المطلوب هو صياغة دقيقة لأهداف اي حراك، وان تتميز هذه الصياغة بعدة اعتبارات، اهمها:

أولًا: أن تكون دقيقة ومركزة وغير فضفاضة.

ثانيًا: أن تكون عملية وتراعي البيئة الداخلية والخارجية لتتميز بقابلية التحقق وبعامل الأمان.

ثالثًا: أن تكون متسقة مع عناوينها، بمعنى أنه إذا كانت مطلبية، فليقدمها ممثلون عن الشعب، وإذا كانت سياسية، فلتكن الجهة التي تقدمها أو الجبهة الممثلة لتحالف عدة قوى واضحة ولها اسم وملامح بحيث لا تستغل الحراك وتوحي بأن هذه المطالب السياسية هي مطالب الحراك ككل.

من هنا فإنه وبكلام واضح ومركز، ينبغي التفرقة بين الحراك المطلبي والسياسي، وأي حراك مطلبي هو محل اجماع وكل من يخرج عنه فهو مدان، بينما عند التحول لحراك مسيس، فينبغي توضيح من هي الجهة او الجهات السياسية التي تقدم مطالب الحراك، وهنا يكون الامر محل جدل ولا مجال للادانة عند الاتفاق والتبني، أو الخلاف والتحفظ بل والمواجهة.

ان الهدف ليس تشويه الحراك ولا تحجيمه ولا توجيهه، وانما الهدف هو دق جرس التنبيه لمحاولات حرف بوصلته واستغلاله، وعلى كل المشاركين بالحراك الا يتناولوا الرسائل بحساسية وبسوء نية، فإن الصبر على التنبيه وسط الحماسة، أفضل من الندم على اهدار الجهد أو الوصول لنتائج معاكسة للهدف، والتي من الممكن أن تكون كارثية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف