معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عودةُ العملاءِ محاكمةٌ للشّهداءِ
13/09/2019

عودةُ العملاءِ محاكمةٌ للشّهداءِ

شوقي عواضة
عندما أعدمتِ المقاومةُ الفرنسيّةُ الآلافَ من العملاءِ الذين تآمروا على فرنسا ومقاومتِها في فترةِ ما بعد التّحريرِ من الاحتلالِ الألماني كانت تمارسُ حقَّها في تطهيرِ الوطنِ من الخونةِ الذين باعوا أنفسَهم بأبخسِ الأسعارِ لعدوِّهم وباعوا أوطانَهم وانتهكوا مجتمعاتِهم وقاتلوا واعتقلوا ونكلوا وعذَّبوا أبناءَ جلدتِهم نصرةً لعدوِّهم ولم يكن بحسبانِهم أنّ القيدَ سينكسرُ وأنّ السّجانَ سيُسجنُ والقاتلَ سيُقتَلُ .فجاءت تلك اللّحظةُ التّاريخيّةُ لحظةُ انتصارِ دماءِ الشّهداءِ وتضحياتِ المناضلينَ والمقاومينَ وحفظاً لكلّ تلكَ التّضحياتِ تبنّت لجانُ المقاومةِ الفرنسيّةِ إعدامَ آلافِ العملاءِ ميدانياً دونَ اللّجوءِ إلى محكمةٍ من محاكمِ الدّولةِ فقامت بإعدامِ عشرةِ آلافِ عميلٍ رمياً بالرّصاصِ إضافةً إلى عشرينَ ألفاً تمّ إعدامُهم شنقاً وفقاً لوثائقَ رسميّةٍ في متحفِ المقاومةِ الفرنسيّةِ  لتُستكمَلَ عمليةُ التّحريرِ من العملاءِ بتقديمِ 127 ألف ملّفٍ للمحاكمةِ القانونيّة أُدين منها 97 ألف عميلٍ تراوحت أحكامُهم بين الحكمِ بالسّجنِ من خمسِ سنواتٍ وصولاً إلى الإعدامِ. تلكَ فرنسا أمُّ التّشريع ِكما يراها البعضُ والتي لا زلنا في لبنانَ نرجعُ إلى قوانينِها التي وضعتها خلالَ احتلالِها له والتي طوّرتها هي وبقينا على ما وضعته الأمُّ الحنونُ من القوانينِ.

هذا في فرنسا أمّا في الجزائر بلد المليون شهيدٍ والتي ما زال الشّرفاءُ من أبنائِها والمحاربينَ القدامى يرفضونَ عودةَ العملاءِ إلى الوطنِ .أمّا في لبنانَ فقد أصبحتِ العمالةُ وجهةَ نظرٍ مبررةً ولديها من يدافعُ عنها من سياسيينَ ومسؤولينَ دون أي خجلٍ . فقط في لبنانَ حصراً يُعقَدُ في نادي الصّحافة لقاءٌ بحضورِ ممثلينَ لحزبِ الكتائبِ والتّيار الحرّ والقوات اللبنانيّة  للتّضامنِ مع عودةِ العملاءِ تحتَ عنوانِ  "حقن يرجعو" وتُطرحُ قضيتُهم كمبعدينً وليس كعملاءَ خانوا الوطنَ وقتلوا أبرياءً وارتكبوا الفظائعَ . في خطاب لسماحة السّيدِ حسن نصر الله قبلَ تحرير عام 2000 قالَ إنّ الخائنَ لا دينَ له ودينُه الخيانةُ أياً كانَ العميلُ ومهما كانت ديانتُه هو لا دينَ له سوى الخيانة . ورغم ذلك كانَ تصرُّفُ المقاومةِ الذي أذهلَ العالمَ أرقى بكثيرٍ من محاكماتِ المقاومةِ الفرنسيّة ولم يكن ذلك ضعفاً من المقاومةِ بل كان إصراراً على استكمالِ التّحرير على أن تتمَّ محاكمةُ العملاء ، وتمّتِ المحاكماتُ بأقلِّ أحكامٍ عرفها التّاريخُ لعملاءَ خانوا أوطانَهم . واليومَ وبعدَ 19 عاماً من التّحريرِ وبكلِّ وقاحةٍ يعودُ جزّارُ معتقلِ الخيام  عامر الياس فاخوري ويُستقبَلُ في مطارِ بيروتَ استقبالاً كادَ أن يكونَ استقبالَ الفاتحينَ لولا عينُ  المخابراتِ والأمنِ العام والقوى الأمنيّة التي ألقتِ القبضَ عليه وإلا لأُقيمت له مهرجاناتُ العودةِ .

ذاك العميلُ الوقحُ الذي كان مع جلاوزته في معتقلِ الخيام  يقومونَ بأبشعِ صورِ التّعذيبِ والتّنكيلِ بحقّ الأسرى والمعتقلينَ وصلت إلى قتلِ العديدِ من المعتقلينَ. والسّؤالُ أين كانت إنسانيّةُ من يطالبونَ بعودةِ العملاءِ حين استُشهدَ بعضُ المعتقلينَ و الأسير زكريا نظر تحت وطأةِ التّعذيبِ في باحة معتقلِ الخيام على يدِ جلاوزةِ عامر فاخوري واين كانت قوانين السّياسيينَ والمتضامنينَ مع العملاءِ حين كانوا يحتجزونَ مواطنينَ لبنانيينَ بأوامرَ من جيشٍ عدوٍّ احتلَّ لبنانَ وارتكبَ المجازرَ ضدَّ شعبِه ودمّرَ وقتلَ واغتالَ .لم نسمع أصواتَ أولئك الخفافيشَ حين كانَ عامر فاخوري وأمثالُه من الخونةِ حاكمينَ عسكريينَ.

نقول لأولئك المتحمسينَ والمتعاطفينَ والمتآمرينَ على الوطنِ والمقاومةِ لعلّكم لم تقرأوا التّاريخَ جيّداً ولم تدركوا أنّ ما من مقاومةٍ انتصرت إلّا وحكمت سوى لبنانَ لم تحكم المقاومةُ ولن تحكمَ لأنّه لم تكنِ السّلطةُ ولن تكونَ هدفاً لها لا سابقاً ولا حاضراً وهذا لا يعني بأنّ المقاومةَ ضعيفةٌ أو أنّ ستتهاونُ في القيامِ بواجباتِها الوطنيّةِ لا سيّما في قضيةِ العملاءِ التي أصبحت تُشكِّلُ قضيةَ رأي عام وقضيّةً وطنيّةً بامتيازٍ وما جرى في اليومينِ الأخرينِ مع عودةِ العميلِ عامر الياس فاخوري سفّاحِ معتقلِ الخيام كانَ مؤشّراً خطراً وله أبعادٌ عميقةٌ من حيثُ الأسلوبِ والدّلالةِ تجعلُنا نطرحُ العديدَ من الأسئلةِ منها : هل أنّ عودةَ العميلِ فاخوري هي مقدمةٌ لعودةِ العملاءِ الذين فرّوا الى فلسطين إبانَ معركةِ التّحريرِ عام 2000 ؟ وما هي المهمّةُ الجديدةُ  التي أُوكِلت للعميلِ فاخوري في لبنانَ في هذه المرحلةِ بالتّحديدِ التي يُشَنُّ فيها أشرسُ حصارٍ على المقاومةِ ومحورِها؟ لماذا تمّ استقبالُ العميلِ بحفاوةٍ في المطارِ من قِبَلِ عميدٍ في الجيشِ ؟ ما هو دورُ هذا العميدِ ومن كلّفَه بذلك ؟

ما هو موقفُ السّلطةِ اللبنانيّةِ في حالِ طالبتِ الولايات المتحدة بمواطنِها البارِّ العميلِ فاخوري وهو الذي تربطُه علاقاتٌ وطيدةٌ بمسؤولينَ امريكيينَ وإسرائيليينَ؟

من يأخذُ حقَّ المواطنينَ والشّهداءِ  والأسرى الذين نكّلَ بهم العميلُ فاخوري وجلاوزتُه في معتقلِ الخيام؟ وبكلِّ الأحوالِ من الواضحِ لغايةِ الآن أنّ الأجهزةَ الأمنيّةَ تتعاطى بكلِّ جديّةٍ بهذا الموضوعِ وكي لا نستبقَ الأمورَ ونصدرَ أحكاماً مُسبقةً فإنّنا ننتظرُ الحكمَ الفصلَ في القضاءِ الذي سيقولُ كلمتَه في حقِّ عميلٍ خانَ وطنَه وتآمرَ على شعبِه. أمّا إذا تمّت تبرئةُ هذا العميلِ فإنّ حكمَ البراءةِ لن يكونَ سوى تشريعٍ بالتّعاملِ مع العدوِّ الاسرائيليّ وتصريحٍ بخيانةِ الوطنِ ومحاكمةٍ للأسرى والجرحى والشّهداءِ بل ومحاكمةٍ لشعبٍ بذلَ الغالي والنّفيسَ في سبيلِ تحريرِ لبنانَ وحمايتِه من أي عدوانٍ .

(*) كاتب وإعلامي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل