الخليج والعالم
العلاقات السورية التركية.. الاستعصاء لا يزال قائمًا
أثار انسحاب الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية فيصل المقداد من اجتماع مجلس الجامعة العربية مع الإعلان عن كلمة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، العديد من التساؤلات حول المستوى الذي راوح عنده مسار تطوّر العلاقات السورية التركية وحالة الاستعصاء التي وصلت إليها، في ظل التصريحات الإيجابية التي صدرت سابقًا حول هذه العلاقات وأجواء التفاؤل التي أشاعتها الدول الراعية لمسار المصالحة، قبل أن يُشير انسحاب المقداد في أثناء كلمة فيدان إلى خلاف ذلك.
انسحاب ذو دلالة
المحللة السياسية سيلفا رزوق أكّدت أنّ خروج وزير الخارجية السوري من قاعة الاجتماع للجامعة العربية عند بدء وزير الخارجية التركي كلمته كان ردًا واضحًا على جميع التحليلات والمقالات، وما يثار هنا وهناك حول تنازل السوريين عن مطالبهم السيادية في سبيل استعادة العلاقات مع تركيا.
وفي حديث خاص مع موقع "العهد" الإخباري، أشارت رزوق إلى أنّه كان هناك خطوات ومساع للتقارب بين البلدين، وهذه المساعي والضمانات لم ترقَ حتى الآن لما تريده وتطالب به دمشق، والتي لا تقتصر على المطالبة بالانسحاب التركي أو إعلان نوايا انسحاب، بل إن التفسير الأوضح في هذا السياق جاء على لسان الرئيس السوري بشار الأسد في كلمته في مجلس الشعب السوري، حين تحدث بصراحة عن أن على تركيا التعهد بشكل واضح ووضع مرجعية تؤكد من خلالها بأنها جاهزة للانسحاب من الأراضي السورية. وهذه مطالب وصفتها رزوق بالمحقّة، لكن يبدو أن أنقرة لم تبدِ حسن النية حتى في هذه النقطة كما تقول.
ولفتت رزوق إلى صدور تصريحات من وزير الدفاع التركي يشار غولر رحّبت بكلام الرئيس الأسد، وكذلك تصريحات من رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش يقول فيها، أنْ لا مشكلة بين الشعبين وليس هناك من شيء لا يُمكن حلّه.
وأكدت رزوق أنّ هذه التصريحات بدت إيجابية، لكن خطوة الوزير المقداد كشفت عن عدم وجود شيء ملموس على الأرض، وأن تركيا لم تقدم حتى الآن أيّة معطيات يُمكن الاستناد عليها لأجل ضمان انسحابها من الأراضي السورية.
وحول وجود ترتبيات متعلقة بالانسحاب وقائمة على تعديل محتمل لاتفاقية أضنة، أكدت المحللة السياسية رزوق، أنّه وبالنسبة لآلية الانسحاب وفق تعديل محتمل لاتفاقية أضنة، فإن هذه التفاهمات ربما ستُجرى لاحقًا بما يخص التفاوض بين الطرفين، لكن هذه العناوين التي ستُناقش لاحقًا لن تكون إلا بالاستناد إلى مرجعية واضحة تؤكد بأن تركيا ستنسحب من الأراضي السورية، وهذه الأمور ستكون تحت رعاية وضمانات دول هي روسيا الراعي لهذا الاتفاق، وإيران إحدى أطراف أستانا، والعراق الراغب في استضافة هذه المفاوضات رغم عدم وجود مؤشرات على أن هناك اتفاقيات قريبة ستُعقد في هذا الإطار، مشيرة إلى أن الكرة الآن في الملعب التركي الذي لم يصدر حتى هذه اللحظة أي تصريح يؤكد فيه أنه سينسحب من الأراضي السورية.
وأشارت رزوق إلى أنّ الإعلام التركي لم يركز على انسحاب وزير الخارجية السوري في أثناء كلمة فيدان، وقد شاعت بعدها تسريبات تقول إن ما جرى لن يؤثر على مسار التفاوض والرغبة التركية بالتفاوض مع دمشق.
وأضافت أن تركيا الآن بحاجة ماسة لحل الكثير من القضايا العالقة، مثل قضية اللاجئين التي بدت ورقة سياسية ضمن التجاذبات الداخلية بين الأحزاب التركية، والتي أثّرت على شعبية الحزب الحاكم وتحوّلت لعبء عليه، فيما تركيا اليوم باتت بحاجة إلى التفاوض في هذا الملف، ومن أرادتهم ورقة سياسية بيدها تحولوا الآن إلى عبء عليها.
وينسحب الأمر كذلك على ترتيب موضوع الميليشيات التي تحوّلت أيضًا بدورها إلى عبء أمني وعسكري وسياسي ومادي على أنقرة، بمعنى أن العائد السياسي والميداني لأنقرة لم يعُد يستحق كل هذا الدعم، كما أنها بحاجة إلى ترتيب الملف الأخطر والأهم وهو وجود الميليشيات الانفصالية في شمال شرق سورية، والتي زادت واشنطن من دعمها لها على المستوى السياسي والعسكري، حيث زودتها بشحنات أسلحة كبيرة ومتطورة، وخصوصًا عقب الصراع مع العشائر العربية ومحاولات أميركا تكريس ما سمّاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحه اللافت مؤخرًا بـ"شبه دولة"، أيّ أنّ أميركا تقوم بإنشاء شبه دولة متكاملة الأركان في مناطق شمال شرق سورية، وهذا الأمر لا يُشكّل خطرًا على الدولة السورية فحسب، بل يُشكّل خطرًا كبيرًا على الدولة التركية، حيث إنّ هناك ملفات أمنية كبرى على الحدود السورية التركية تحتاج إلى حلّ، ولا يُمكن حلّها إلا بالتفاوض مع دمشق، كذلك الأمر على الجانب الاقتصادي فإنّ حاجة تركيا إلى استعادة العلاقة مع دمشق كبيرة، لأن سورية تربط طريق الترانزيت التركي مع دول الخليج، وقد حرمت أنقرة نفسها من عوائد مالية ضخمة نتيجة القطيعة التي أحدثتها مع سورية والتدخل السافر في شؤونها.
ولفتت المحللة السياسية رزوق إلى وجود "تسريبات إعلامية" تحدثت عن جدول الأعمال الذي أنجزته روسيا، وكان من ضمنها تسمية الإرهابيين بمسمياتهم والتعاون الأمني في مكافحة هذه المجموعات الإرهابية وملاحقة الإرهابيين أيًّا كانت مسمياتهم.
كما جرى الحديث عن تعديل اتفاقية أضنة التي لم ولن تُشرعِن وجود الاحتلال التركي ولكنها قبل الـ2011 كانت تعني وجود تنسيق أمني رفيع المستوى بين دمشق وأنقرة، يمنع وجود أي قوى إرهابية على الأرض.
تعليق افتتاح معبر أبو الزندين
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي مضر غانم أنّه لم يجرِ حتى الآن افتتاح معبر أبو الزندين بشكل رسمي ودائم بين مناطق سيطرة الحكومة السورية والمجموعات المسلّحة، والذي كان افتتاحه الموقّت مؤشرًا على حصول تقدّم في مسار المفاوضات السورية التركية.
وفي تصريح خاص لموقع العهد الإخباري، أشار غانم إلى أنه لم يجرِ افتتاح المعبر حتى الآن بسبب معارضة بعض الميليشيات المموّلة من قبل أنقرة، والتي قامت بنصب خيم للاعتصام وخاضت ما يشبه التمرّد، مشيرًا إلى أنّ الحديث هنا عن ميليشيات "الجبهة الشامية"، وهي ميليشيات كما غيرها مدعومة بالكامل من قبل أنقرة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول قدرة أنقرة على ضبط هذه الميليشيات من أجل افتتاح هذا المعبر.
وشدد غانم على أنّ الإشارة إلى افتتاح المعبر لا ترتبط بالضرورة بخطوات ما يسمى التطبيع وعودة التقارب بين دمشق وأنقرة، لأنّ ما جرى تم وضعه تحت بند التفاهم بين أنقرة وموسكو وهذه كانت إحدى بوادر حسن النية من قبل أنقرة تجاه موسكو، وترافقت مع إعادة تسيير الدوريات المشتركة في تلك المناطق، وبالتالي فإن الاستعصاء في افتتاح المعبر يُمكن ربطه بعدم حصول أيّ تقدّم على مسار العلاقات السورية التركية، لأنّه من غير المعقول أن تكون تركيا غير قادرة على ضبط هذا المسار ومنع إطلاق النار على الشاحنات التي تحاول العبور من خلال هذا المعبر.
وأضاف أن التسمية الرسمية السورية له هي "المنفذ"، لأنّه يربط بين مناطق تسيطر عليها الدولة والميليشيات المسلحة، وهو ليس معبرًا لأنّ المعبر هو بين دولتين، كما يجب الإشارة إلى نقطة مهمّة وهي أنّ دمشق لم تصدر عند الإعلان عن افتتاح هذا المنفذ أي موقف رسميّ، لأن أنقرة لا تزال تربط بين افتتاحه بشكل رسمي والتقدم على مسار العلاقة بينها وبين دمشق، مشيرًا إلى أنّ عدم التعليق الرسمي السوري على ما يجري هو تأكيد سوريّ بأن دمشق لن تعترف بالسلطات القائمة في الأراضي التي تحتلها تركيا، وربما تسمح دمشق بخطوة فتح هذا المنفذ لدواعٍ تتعلق بدعم الاقتصاد الوطني ولمدة مؤقّتة دون الاعتراف بذلك، لأن كل هذه هي أراضٍ سورية تنتظر دمشق أن تنكشف الصورة النهائية عنها مع خروج القوات التركية من أراضيها.