الخليج والعالم
هل تتّجه الولايات المتحدة نحو تقليص دورها العالمي؟
كتب ميشال هيرش مقالة في مجلة فورين بوليسي لفت فيها إلى أن الولايات المتحدة قد تتراجع إلى لعب دور أكثر تواضعًا في حال انتخبت (كامالا) هاريس رئيسة في تشرين الثاني/نوفمبر، وذلك استنادًا إلى مقاربة معاونيها الكبار.
فقد رسم كلّ من مستشار الأمن القومي لهاريس المدعو فيليب غوردن ونائب مستشارها للأمن القومي ريبيكا ليسنر، رسمًا في كتاباتهم الخطوط العريضة لرؤية عالمية تعترف فيها واشنطن صراحة بتجاوزاتها وتخفض بشكل دراماتيكي سقف طموحاتها، أو كما قالت ليسنر في كتابها "عالم منفتح: كيف يمكن أن تنتصر أميركا في الصراع على القرن الواحد والعشرين"، وهو كتاب ألفته هي ومسؤولة أخرى في إدارة بايدن: ينبغي على الولايات المتحدة التخلي عن (سياسة) التفوق الإستراتيجي وعن "النظام الليبرالي الدولي" لحقبة ما بعد الحرب الباردة الذي بات أكثر فأكثر لا يتناسب والزمن الحالي.
وكتبت ليسنر، أنه وبدلًا من أن تسعى لتبقى المهيمن بلا منازع، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقلص بشكل حقيقي دورها العالمي. "تمثل إستراتيجية الانفتاح انتقالًا من الليبرالية العالمية في حقبة ما بعد الحرب الباردة والاحتواء خلال حقبة تلك الحرب والبديل التقليدي المتمثل بتقليص الدور، بحيث يكون هناك إصرار على دور الزعامة الأميركية للعالم ولكن بشكل يتخلى عن الاعتماد على التفوق كحجرة زاوية لمهمة ليبرالية مسيانية" (كما ينقل Hirsh عن كتاب ليسنر).
ستعني هذه المقاربة الجديدة التعامل الملحوظ مع أنظمة استبدادية وغير ليبرالية والتخلي عن حروب صليبية أيديولوجية أو سياسات الاحتواء، كلّ ذلك من أجل المصلحة البراغماتية بالحفاظ على التجارة المفتوحة وتعزيز التعاون في مجالات أساسية مثل التغير المناخي والأوبئة ووضع النظم للذكاء الاصطناعي.
وتابع ميشال هيرش قائلًا: "سيتفق غوردن على الأرجح مع ذلك، أقله في ما يخص التخلي أخيرًا عن النزعة المسيانية (الدينية) في السياسة الخارجية الأميركية. فكتابه (كتاب غوردن) "خسارة اللعبة الطويلة" هو عبارة عن تحليل مفصل للمساعي الأميركية الفاشلة في المنطقة على مدار سبعين عامًا تعود إلى الإطاحة بالرئيس الإيراني محمد مصدق بتدبير "ال CIA"".
وأوضح أن غوردن كان محقًا بتحديد سمة مشتركة: وهي أن تغيير الأنظمة قليل ما ينجح. كما يقول (غوردن) إن السياسيين الأميركيين على ما يبدو لا يتعلمون الدروس، على غرار المثل الذي يقول، إن المجنون يحاول القيام بنفس الشيء مرارًا على أمل ان يحقق نتيجة مختلفة.
يكمل كتابي غوردن وليسنر بعضهما: فبفضل السياسات الكارثية التي يفصلها غوردن قد يكون المطلوب نهجًا أكثر تواضعًا على غرار ما تقترح ليسنر وRap - Hooper Mira (وهي التي ألفت الكتاب مع ليسنر). كما أن هذه الإستراتيجية سيتبعها على الأرجح كلا الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) إلى حد معين.
وبالفعل ففي كتاباتهم يبدو واضحًا أن غوردن وليسنر هما في صدد تدوين محفز رافض للتدخلات ليصبح مترسخًا في كلا الحزبين، وربما لعقود قادمة.
من غير المرجح أن يتبنى ترامب إستراتيجية ليسنر بالانفتاح إذا ما انتخب هو بدلًا من هاريس، أقله ليس بشكل معلن. غير أن ترامب قد يستمر في تقليص الدور الأميركي كشرطي العالم. لعب ترامب دورًا محوريًا في تحريك عجلات الانسحاب من أفغانستان كما يكتب غوردن، وهو أيضًا راغب بالانسحاب من سورية.
تسببت سياسات الغطرسة أكثر من أي شيء آخر بالمشاكل للولايات المتحدة على مدار العقود. وامتدت (هذه السياسات) من رغبة Wilson الوهمية بجعل العالم مكانًا "آمناً للديمقراطية" بعد الحرب العالمية الأولى، وصولًا إلى إرشادات السياسة الدفاعية المتطرّفة التي تقدم بها المسؤول في "وزارة الدفاع" عام 1992 المدعو Paul Wolfowitz، والتي تبنت سياسة واضحة لحقبة ما بعد الحرب الباردة تقوم على منع صعود قوى عسكرية منافسة.
إذا ما استطعنا الحفاظ على مستوى معين من الانفتاح يمكن إنقاذ جزء من النظام القديم. كما تكتب ليسنر وRap - Hooper، فإن الانفتاح لا يشمل بالطبع مجموع الأهداف الإستراتيجية الأميركية. إلا أن مناطق النفوذ المنغلقة سواء على مستوى إقليمي أو في مجالات معينة، إنما تشكّل الخطر الأكبر على أمن وازدهار الولايات المتحدة، إذ إنها تمنع التعاون الدولي المطلوب.
هناك مشكلة أساسية أخرى تلمح إليها ليسنر وRapp - Hooper وهي أن الولايات المتحدة ربما لم تعد قادرة على إدارة النظام العالمي الذي أوجدته بشكل كامل. وهناك هوة متنامية بين تعقيدات النظام العالمي القائم ومستوى المعرفة عند الشارع الأميركي، وذلك بسبب التخلف التعليمي وخلل الأنظمة السياسية. ربما لم يعد الأميركيون يفهمون النظام بالشكل المطلوب للحفاظ عليه، مثل فهم كيف تعمل التجارة الحرة وكيف تبقيهم التحالفات العسكرية بأمان. وفي أقل تقدير ليس هناك من تأييد يذكر لدى الأميركيين لهذا النظام.
نتحرك بشكل واضح نحو شكل من أشكال العصر المعادي للتدخلات بحيث سيكون الميل نحو البقاء خارج النزاعات العالمية أينما كانت وبأي شكل كان، وذلك بغضّ النظر عمن سيكون في البيت الأبيض. ويبدو من المرجح أن يلعب غوردن وليسنر أدوارًا أساسية في حال فازت هاريس.