الخليج والعالم
تداعيات عميقة للحرب الأوكرانية على ألمانيا.. تغييرات سلبية في المفاصل البنيوية للبلاد
تكشف الأحداث والتطورات المتراكمة عمق تأثير الحرب الأوكرانية على دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن التغييرات المفاجئة التي حصلت نتيجة هذه الحرب تفسّر اتجاهات الفوضى السياسية والاقتصادية التي تشهدها بلدان القارة العجوز نتيجة امتداد الأزمة الأوكرانية بتأثيراتها السلبية على كافة المفاصل البنيوية.
عن تفاصيل هذه التأثيرات، كتبت سوزان لوفتوس "Suzanne Loftus" مقالة نُشِرت على موقع "رسبونسبل ستيتكارفت" Responsible Statecraft أشارت فيها إلى أن التغييرات المفاجئة يمكن أن تُفسر جزئيًّا بالفوضى السياسية والاقتصادية التي تشهدها برلين نتيجة الحرب في أوكرانيا وكيفية تعامل ألمانيا مع تلك الحرب، مشيرة الى أنّ عدد طلبات اللجوء السياسي في ألمانيا ارتفع بنسبة ثمانية وسبعين في المئة أوائل هذا العام، وأن هذا الرقم لا يشمل ما يزيد عن مليون أوكراني دخلوا البلاد منذ ما أسمته "الغزو الروسي"، مضيفة أن هذين العاملين يشكلان "وصفة نموذجية" لتحريك المشاعر الشعبوية، إذ إن الكثير من الألمانيين يعتبرون أن هذا الوضع الراهن يتسبب في تقويض حالتهم.
ولفتت الكاتبة أيضًا إلى فوز حزب "البديل عن ألمانيا" اليميني في الانتخابات البلدية الشهر الفائت، لافتةً إلى أن الاستطلاعات إنّما تفيد بأنّ شعبية هذا الحزب باتت عند تسعة عشر في المئة، مباشرة خلف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه المستشار أولاف شولتز، والذي تبلغ نسبة شعبيته عشرين في المئة.
وقالت الكاتبة إنّ حزب "البديل عن ألمانيا" طالما كان معاديًا للاتحاد الأوروبي وللهجرة، مضيفة بأنّ شعبيّة الحزب تضاعفت منذ شهر أيلول/سبتمبر عام ٢٠٢١، حيث بلغت نسبة شعبيته وقتها عشرة في المئة.
وأشارت الكاتبة إلى أن ارتفاع شعبية "حزب البديل" يفيد أيضًا بأن نسبة متزايدة من الشعب ترى أنّ العقوبات على مصادر الطاقة الروسية تضر بمصالح ألمانيا الاقتصادية، مضيفة أن استطلاعات أجريت قبل عام كشفت أن نصف الألمان يرون أن العقوبات تضرّ بألمانيا أكثر مما تضرّ بروسيا.
وأضافت الكاتبة، أن الدعم لحزب البديل ينبع أيضًا من عدم الرغبة في إرسال السلاح إلى أوكرانيا، إذ إنّ الحزب معروف بانتقاداته لدعم الحكومة الألمانية لكييف، معتبرة أنه وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن مؤيدي "حزب البديل" قالوا، إن من ضمن الأسباب التي دفعتهم للتصويت لصالحه هو عدم شعورهم بالأمان بسبب زيادة الهجرة وعدم الرغبة بتزويد أوكرانيا بالسلاح.
ولفتت الكاتبة إلى أن ارتفاع وتيرة التطرف السياسي عادة ما يترافق مع تدهور الوضع الاقتصادي، وإلى أنّ الجماعات الشعبوية مثل "حزب البديل" عادة ما تشتغل على هذا الخطاب من أجل كسب المؤيدين، مشيرة إلى أنّه وبحسب دراسة حول صعود التطرف وأقصى اليمين في ألمانيا خلال الكساد الكبير، تبين أن هناك ارتباطًا بين التطرف السياسي وتردي الحالة الاقتصادية، إذ إن صعود الأحزاب اليمينية مرتبط بالناتج المحلي الإجمالي.
ورجّحت الكاتبة أن يحدَّ إنهاء الحرب في أوكرانيا عبر المفاوضات من نجاح "حزب البديل" في ألمانيا، مبيّنة أنّه كلما طال أمد الحرب، زادت احتمالات أن تشهد ألمانيا تطرفًا وتحديات مثل الركود الاقتصادي وأعداد متزايدة من المهاجرين، مشددة على أن مصير ألمانيا يجب أن يحظى باهتمام واسع، إذ إن البلد هو الاقتصاد الأكبر في الاتحاد الأوروبي ومن الدول الأوروبية الرئيسية التي تعول عليها الكثير من دول القارة على صعيد الدعم الاقتصادي.
وأشارت الكاتبة أيضًا إلى مجموعة "صوفان" التي اعتبرت أن فوز "حزب البديل" في الانتخابات المحلية في ألمانيا إنما يشكل سابقة، مضيفة أن الفوز لقي صدىً في كافة أنحاء البلاد مما يشير إلى قوة هذا الحزب.
كما تحدثت المجموعة عن أهمية رمزية، إذ إن فوز هذا الحزب إنما يعكس توجهًا على نطاق أوسع، مشيرة إلى استطلاعات تفيد بأن "حزب البديل" سيتساوى مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بكسب نسبة عشرين في المئة من الأصوات فيما لو جرت انتخابات في ألمانيا اليوم. كذلك أضافت أن هذا المستوى من الدعم إنما يمثل تحولاً لحزب البديل، حيث يعكس توسيع قاعدته الشعبية.
وتابعت المجموعة: إن زيادة شعبية "حزب البديل" لا يتنافى مع ما يقال عن تراجع الشعبويين في الغرب فحسب، بل يعكس القبول المتزايد بالرسائل التي يوجهها إلى الناخبين.
وأشارت المجموعة إلى أن الحزب بأكمله يخضع لرقابة الاستخبارات الألمانية وأنه جرى تصنيف الجناح الشبابي للحزب بالمنظمة المتطرفة التي تحاول انتهاك الدستور، إلاّ أنّها أضافت أن ذلك لم يتبيّن أنه كافٍ للحد من دعم الحزب، إنما يدل على التأييد الذي قد يحظى به على الأمد البعيد.