الخليج والعالم
أميركا عاجزة عن مواجهة نفوذ الصين وروسيا في آسيا الوسطى
أدّت الحرب في أوكرانيا إلى التأثير على النفوذ الأميركي في العالم، في وقت تواصل فيه واشنطن تركيز دعمها الحروب والتسليح وفرض العقوبات على روسيا عبر حلفائها، الأمر الذي أنتج نتائج سلبية في ملفات مختلفة، منها نفوذ واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، كما برز هذا التأثر السلبي لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من خلال توجه العديد من الدول نحو الصين التي تتنافس اقتصاديًا وبشكل تصاعدي مع أميركا، وتتحد مع روسيا نحو عالم متعدد الأقطاب.
في هذا الإطار، كتب Stephen Bryen (ستيفن براين) مقالة نُشرت على موقع "Asia Times" (آسيا تايمز)، اعتبر فيها أنّ صناع السياسة في واشنطن يوقعون الولايات المتحدة الأميركية في الحفر، مشيرًا إلى أنّ الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي تسبب بشلِّ القدرة القتالية الأميركية في المناطق الأخرى من العالم.
ولفت إلى أنّ "ذلك اتضح في الشرق الأوسط حيث أن صناع السياسة الأميركيين فقدوا مكانتهم مع السعودية والإمارات"، مؤكدًا أنّ" الأخيرة قامت بتعليق مشاركتها في قوة الملاحة التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة الخليج".
وبيَّن براين أنّ "السعوديين قرّروا خفض إنتاج النفط مجددًا، ما تسبب بزيادة سعر النفط"، مضيفًا أنّ "ذلك إنما هو تحدٍّ للرئيس الأميركي جو بايدن الذي طالب بخفض أسعار النفط".
إلى ذلك، اعتبر أنّ من أهم الخلاصات هي أن الولايات المتحدة فقدت الكثير من نفوذها في الشرق الأوسط، وبأن مساعيها "لاسترضاء" إيران إنما توجه رسالة إلى المنطقة، مفادها بأن الخاسر الحقيقي هو واشنطن.
وفي ما يخص قضية تايوان التي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها، أشار الكاتب إلى أن الصين أعلنت رفضها لأي نشاط في إطار "حرية الملاحة" في مضيق تايوان ومناطق أخرى في بحر الصين الجنوبي، حيث اعتبرت أن مثل هذا النشاط هو استفزازي، لافتًا إلى أنّه "وبينما أبقت الولايات المتحدة حتى الآن على موقفها باستمرار مثل هذه النشاطات، فإنه يجب الانتظار لمعرفة ما ستقدم عليه إدارة بايدن". كما رجّح أن تتوقف عمليات "حرية الملاحة" لفترة.
وتابع براين، بأن إدارة بايدن تميل نحو الصين، حيث ترسل الوفود العالية المستوى إلى بكين، موضحًا أنّ تايوان لا تصطف في هذا السياق مع سياسات إدارة بايدن. كذلك قال، إن واشنطن لا تقدم الدعم المطلوب لتايوان، حيث تخصص الموارد الحربية لأوكرانيا على حساب تايوان.
وفي مقالة للكاتبة Suzanne Loftus (سوزان لوفتس) على موقع "National Interest" (ناشيونال إنترست)، تحدثت من خلالها عن النفوذ الصيني الروسي في آسيا الوسطى ودور أميركا، وأشارت إلى تزامن ختام قمة الدول السبع الكبرى في اليابان مع كشف الرئيس الصيني شي جينبينغ عن خطته لدعم التنمية في آسيا الوسطى، وذلك من خلال تكثيف التجارة ودعم قطاع البنية التحتية والمساهمة في دعم القدرات الدفاعية وأجهزة إنفاذ القانون.
واعتبرت، أنّ ذلك، إنما يشير إلى تنامي دور الصين في آسيا الوسطى، مشددة على أنّ الولايات المتحدة هي في الغنى عن السعي لتكون القوة المهيمنة في هذه المنطقة، وهي غير قادرة على ذلك أيضًا.
وقالت لوفتس، إن آسيا الوسطى ستبقى دائمًا منطقة يكون فيها نفوذ الصين وروسيا أقوى من نفوذ أميركا، كما رأت أنّ دخول واشنطن في صراع قوى كبرى هناك لن يؤدي سوى إلى إبعاد اهتمامها ومواردها من مناطق أكثر أهمية، محذرة من أن الأمور قد تصل إلى النزاع حتى في أسوأ السيناريوهات.
واعتبرت أنّ خطوة الصين تتزامن وتراجع نفوذ الولايات المتحدة في آسيا الوسطى بعد انسحابها من أفغانستان، وأيضًا مع تراجع نفوذ روسيا هناك في ظل حرب الأخيرة مع أوكرانيا.
وفي هذا السياق، ذكرت الكاتبة أنّ الصين وروسيا لن تدخلا في صراع على النفوذ في ما بينهما، وذلك كون هناك تفاهم بين البلدين في آسيا الوسطى، حيث روسيا هي الشريك الأمني الأساس، بينما الصين هي القوة الاقتصادية الأساس، موضحة أن كلا الطرفين يخشيان الولايات المتحدة وسيتحدان "بنجاح" في مواجهتها.
وأشارت الكاتبة إلى رزمة المساعدات التي قدمتها الصين لآسيا الوسطى بقيمة 3,8 مليار دولار، وذلك مقارنة مع مبلغ خمسين مليون دولار فقط قدمتها الولايات المتحدة لتلك المنطقة، خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى هناك في وقت سابق من هذا العام. وشددت على أنّ هذا الفارق إنما يعكس مدى أهمية هذه المنطقة للصين مقارنة مع الولايات المتحدة.
كما أوضحت أنّ حكومات دول آسيا الوسطى بدت مرحبة بتعزيز التعاون مع الصين، وذلك رغم بيان مجموعة الدول السبع الذي أدان بكين على عدد من الملفات، من بينها ملف بحر الصين الجنوبي.
وتابعت الكاتبة بأنّ قمة الدول السبع ورد الصين عليها، يؤكد بشكل لا لبس فيه أنّ المواجهة بين المعسكر الغربي وكل من الصين وروسيا تحتدم وتنتشر في مناطق مختلفة من العالم.
ولفتت إلى أنّ ردود الفعل العالمية على الحرب في أوكرانيا تثبت أنّ روسيا والصين نجحتا في جعل دول عالم الجنوب تنظر إلى الغرب على أنّه كيان يستغل الدول غير الغربية لأسباب أنانية، وبأن بعض السياسات الغربية لجهة فرض العقوبات على أطراف ثالثة لا تؤدي سوى إلى تأجيج الوضع، حيث قالت، إن السعي إلى معاقبة دول خارج المعسكر الغربي بسبب التبادل التجاري مع روسيا سيجعل دول عالم الجنوب تنظر إلى أميركا على أنها تفرض نفسها وتنتهك حق تلك الدول في اتخاذ قرارات سيادية.
وأوضحت الكاتبة أنّه جرى طرح موضوع الاعتماد الاقتصادي على روسيا والصين خلال قمة الدول السبع، وذلك مع دول مدعوّة مثل البرازيل والهند وإندونيسيا وفيتنام، معتبرة أنّه من السذاجة الاعتقاد بأنّ دول عالم الجنوب ستضحي اقتصاديًا من أجل الولايات المتحدة.
وحذرت من أنّ الولايات المتحدة على الأرجح ستخسر النفوذ في حال ضغطت على الدول كي تتبنى سلوكًا يتناقض ومصالحها القومية. كما قالت إنّ "لدى روسيا والصين استثمارات أكبر بكثير من الولايات المتحدة في آسيا الوسطى، وبأن المعادلة ستبقى كذلك". كذلك نبّهت من أنّ أميركا قد تدفع بدول المنطقة إلى أحضان الصين وروسيا في حال حاولت الضغط عليها للوقوف في معسكرها.