الخليج والعالم
العَلاقات الأميركية السعودية.. من الشراكة إلى المنافسة
توقف تقرير نشره موقع "ذا كرادل" عند المنعطف الحسّاس الذي تمرّ به العلاقات الأميركية السعودية بسبب المتغيرات على الساحة الدولية خاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022 واحتدام منافسة القوى العظمى.
ورجّح التقرير عدم تعافي العلاقات الأميركية السعودية عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد مستشهدًا بعلاقة البلدين في مجال الطاقة (وتحديدًا النفط) التي تحولت من الشراكة إلى المنافسة، في ظلّ سعى الرياض لحفظ مصالحها مع بكين وموسكو على حساب واشنطن.
وأوضح أنّ واردات الولايات المتحدة من النفط السعودي تراجعت في الوقع الحالي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، واستمرت مشتريات الصين من "المملكة" في النمو، كما تلاقت مصالح الطاقة الروسية السعودية بشكل كامل.
واستعرض التقرير تاريخ وتداعيات ربط الولايات المتحدة الأميركية عملتها "الدولار" بالبترول بدلًا من الذهب عام 1974، في مقابل وعد أميركي بتقديم الدعم العسكري والأمن والحماية للرياض، إلى جانب المساعدة في تنمية الاقتصاد السعودي من خلال مختلف الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية.
وأوضح أنه بعد اتفاق ربط الدولار بالبترول (اتفاق البترودولار) تزايدت صادرات النفط السعودية إلى الولايات المتحدة بشكل كبير، وكانت حماية مصادر نفط المملكة أمراً ضروريًا لواشنطن، فما يقارب ثلث وارداتها النفطية تأتي من هناك. كما أن السوق الأمريكي كان مهماً جداً للرياض التي كانت تصدّر أكثر من ربع صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة.
لكن واشنطن، بحسب الموقع، أدركت بعد ذلك أنها تعتمد بشكل كبير على الواردات النفطية، وخاصة من "السعودية"، فانخرطت في مسار لتخفيف ذلك وزيادة إنتاجها النفطي، ونجحت في تحقيق ذلك بالفعل. بالتالي "لم تعد أميركا سوقًا جذّابًا للرياض ولا السعودية مصدرًا نفطيًّا ضروريًا للولايات المتحدة، بل إن زيادة واشنطن لإنتاجها من النفط الصخري بشكل كبير دل على أن منافسًا جديدًا دخل سوق الطاقة الأمر الذي ساهم في دفع السعودية إلى التفكير بأن دورها المؤثر كمورِّد استراتيجي للنفط في العالم قد تم تقويضه".
وأورد التقرير أنّه "بعد تراجع صادرات النفط السعودية إلى الولايات المتحدة، وجدت الرياض في الصين سوقًا جديدًا لتلك الصادرات، فمَن أفضل مِن المستورد الأكبر للنفط في العالم؟. وبين عامي 1994 و2005 زادت واردات النفط الصينية من المملكة بنسبة 16.3%".
اليوم أصبحت الرياض المصدّر الأول للنفط الذي تحتاجه بكين، حيث صدّرت عام 2022 نحو 1.75 مليون برميل في اليوم إليها، وفقًا للموقع.
وأضاف "بعد 35 عامًا من تعاون الولايات المتحدة والسعودية ضد الاتحاد السوفيتي بإغراق سوق النفط، باتت الرياض تنظر إلى واشنطن كمنافس لها في السوق بسبب زيادة الأخيرة إنتاج النفط الصخري لديها. فبين عامي 2010 و2021 زادت الولايات المتحدة الأميركية إنتاجها من النفط الصخري من ما يقارب 0.59 مليون برميل في اليوم إلى 9.06 ملايين برميل. هذا التزايد الكبير كان دافعًا رئيسيًا لاتخاذ الرياض قرار زيادة إنتاج النفط عام 2016، بهدف خفض الأسعار وضرب الإنتاج الأمريكي، لكون كلفة إنتاج النفط الصخري أعلى من غيرها".
واعتبر التقرير أنّه "في أيامنا هذه باتت السعودية عقبة أمام المصالح الطاقوية الأميركية وداعمًا لمنافسي واشنطن الذين تتقاطع مصالح الرياض الطاقوية معهم، فبعكس التوقّعات، فشلت كل خطوات الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لإقناع الرياض بزيادة ضخ النفط في السوق العالمي لضرب الاقتصاد الروسي المعتمد على صادرات الطاقة بشكل كبير. والواضح أن السعودية اليوم ليست مثل "سعودية العام 1985"، التي كانت عونًا وسندًا لأمريكا في وجه الاتحاد السوفياتي".
أمن "السعودية"
في غضون ذلك، يدور نقاش اليوم في واشنطن حول جدوى الحفاظ على التزام أميركا بأمن "السعودية"، خاصة أن الرياض لم تعد مصدرًا رئيسيًا للنفط بالنسبة لواشنطن.
ونقل الموقع الاعتقاد السائد في أميركا لناحية تقديمها خدمة كبيرة للصين من خلال تأمين مصادر الطاقة التي تحتاجها الأخيرة بينما يرى البعض الآخر أن انسحاب واشنطن سيخلق فراغًا تملأوه بكين لضمان أمن الطاقة. "وقد أثبتت الحرب في أوكرانيا أن الرياض مستعدّة للوقوف بوجه الولايات المتحدة في حال شعرت أن مصالحها النفطية مهدّدة، فاليوم تبدّلت الأحوال، ولم تعد أميركا شريكًا طاقويًا للسعودية، بل منافسًا، وفي المقابل أصبحت الصين وروسيا شريكين ضروريين لضمان مصالح الرياض النفطية.
وعليه، لا شك أن المصالح النفطية المتزايدة بين الرياض من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى، مقابل تراجع أهمية واشنطن النفطية بالنسبة للسعودية، كانت عاملاً رئيسياً دفع بولي العهد محمد بن سلمان للعمل على تنويع خياراته في السياسة الخارجية اليوم".
محاولة الانضمام إلى "بريكس"
وتجدر الإشارة إلى أن "السعودية" التي يتألف عملاؤها النفطيون الآن بشكل رئيسي من الصين والهند قد أبدت مؤخرًا اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وهي مجموعة تضم أسواق النفط الرئيسية في "المملكة العربية السعودية" – الهند والصين.
وستكون مسألة توسيع الكتلة على جدول أعمال قمة البريكس المقرّر عقدها في جنوب إفريقيا هذا العام.
يذكر أنه في حزيران/يونيو من العام الماضي اقترحت وزارة الخارجية الروسية عملة احتياطية جديدة للبريكس على أساس سلة من عملات البريكس مدعومة بالذهب والسلع الأخرى.