الخليج والعالم
الإمام الخامنئي: العزم وقدرة المعرفة عنصران بارزان في شخصيّة حمزة (ع)
نشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي خلال لقائه بالقيّمين على مؤتمر تكريم جناب حمزة بن عبد المطّلب (ع) الذي عُقد بتاريخ 25/1/2022.
وفي اللقاء، أشار سماحته إلى أنّ جناب حمزة مع الدّور الذي أدّاه، رجلٌ عظيمٌ وغريبٌ حقّا، وهو بإعلانه إسلامه أمام العلن كان في قمّة الشجاعة، ولفت إلى أنّ رسول الله (ص) سعى لإبراز شخصيّة عمّه حمزة وجعلها أنموذجاً للتاريخ، واعتبر أنّ العنصرين المهمّين في شخصيّة حمزة كانا "العزم الرّاسخ" و"القدرة على المعرفة".
وفيما يلي النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي:
بسم الله الرحمن الرحيم،(1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
إقامة مؤتمركم بمنزلة إيجاد مصادر ومقدمة للأعمال الفنّيّة
أشكركم جزيل الشكر حقاً، أيها السادة المحترمون، لأنكم فكّرتم في هذا، وخضتم هذه المبادرة العظيمة. بالطبع هذه مقدمة، أيْ مبادرتكم وإحياؤكم ذكرى جناب حمزة (ع) بمنزلة تهيئة الأرضية وإيجاد المصادر للأعمال اللاحقة. العمل الرئيسي ينبغي أن يفعله الفن، ويجب حتماً استخدام الفنون التمثيلية واللغوية والتجسميّة في هذه المسألة لكي يتحقق الهدف من تكريم شخصية مثل جناب حمزة وإحياء ذكراها. وإلّا مجرّد إحياء الذكرى [لن يفضي إلى نتيجة]. طبعاً، الآن لأنه سيُبث في وسائل الإعلام من الممكن أن ينتشر اسم هذا الرجل العظيم زمناً لكن ما تريدون القيام به، إذ تريدون صناعة ثقافة وأنموذج، لا يمكن تنفيذه كلياً إلّا بالعمل الفني، وإلّا سيظل ناقصاً. لذا عملكم جيد جداً. بقدر ما تستطيعون - كما ذكرتم وهو صحيح - ركّزوا على الإتقان وارفعوا الجودة؛ هذا يؤدي إلى وصول الشخص الذي يريد إنجاز عمل فني إلى المصادر والمستندات اللازمة.
غربة حمزة (ع) وشخصيّته المؤثّرة في الوقت نفسه
أما بعض الجمل بشأن جناب حمزة (ع)، فحقاً إنه أحد أصحاب رسول الله (ص) الغريبين، خاصة مع ذلك الدور الذي أدّاه. عندما يؤمن... تلك الطريقة لإيمان هذا الرجل العظيم حين يصرخ علانية: «لقد أسلمت» ويعلن إسلامه، بعدما ضرب أبا جهل ضرباً مبرحاً، وفق قول ابن الأثير - في أسد الغابة(2)، فكذلك يقول ابن الأثير -، ثم موضوع الهجرة، ودخول المدينة المنورة والتأثيرات لدى شخصيته في بناء هذه العمارة الإسلامية العظيمة التي يريدها الرسول (ص) في تلك البيئة الصغيرة. ثم وفق رواية كانت أول سَريّة أرسلها الرسول (ص) هي سرية جناب حمزة (ع)، إذْ شدّ له راية وأرسله إلى الحرب. ثم في معركة بدر وتلك الحركة العظيمة التي فعلها مع الشخصين العظيمين الآخرين، ثم في معركة أحد. وعندما كان جناب حمزة يقاتل، كانت معه علامة، أي كان على ملابسه ومظهره علامة - على ما يبدو في معركة بدر - وأحد الأسرى يقول: من كان صاحب تلك العلامة؟ قالوا: لقد كان حمزة بن عبد المطلب (ع). قال: كل ما حلّ بنا كان على يده. هو الذي لوّع جيش الكفار في بدر! لقد كان مثل هذه الشخصية. رغم هذه الحال، فهذا الرجل العظيم ما زال مجهولاً، واسمه غير مطروح، وشرح حاله غير مطروح، وخصوصياته غير مطروحة. إنه [أمر] غريب حقاً.
الاهتمام الفنّيّ بأهمّ صحابة الرّسول (ص)
رحمَ الله مصطفى العقّاد حقاً، وينبغي أن نشكره على تصوير هذه الشخصية العظيمة في فيلم «الرسالة»(3) في إطار عمل فاخر - إنه فاخر للحقّ والإنصاف، خاصة الجزء المتعلق بحمزة (ع) الذي ممثله أيضاً ممثل مشهور ومهم جداً(4)، وكان متألقاً حقاً - استطاع تصوير حياة هذا الرجل العظيم إلى حد ما، إلى حد ما بالطبع. وهذا العمل يجب أن يُفعل. طبعاً هذا العمل يجب أن يُفعل لسائر صحابة الرسول (ص). يجب أداء العمل نفسه لعمار. يجب فعله لجناب سلمان ولجناب المقداد. مَن يعرف المقداد؟ من يعرف ماذا فعل؟ فبعض الصحابة من الدرجة الأولى «حاص حيصة»(5) بعد الرسول (ص) إلّا المقداد؛ كان الوحيد الذي لم يهتز. هذه الأشياء مهمة جداً، ويجب إحياؤها. أو جناب جعفر بن أبي طالب (ع) أيضاً... خاصة حياة جناب جعفر (ع)، إذ إن قابليّتها الفنية - بتعبيرهم- والدرامية عالية جداً: تلك الهجرة إلى الحبشة وجودة [تفاصيلها] والذهاب والإياب وما إلى ذلك. إنه عمل ذو جودة عالية ومن الناحية الفنية يمكن التطرّق إلى [تلك التفاصيل] بأسلوب جيد. لذلك ما يمكن قوله في المقام الأول هو أن هذا الرجل العظيم غريب للحقّ والإنصاف.
عظمة الشّخصيّة لجناب حمزة (ع) في كلام أمير المؤمنين (ع)
بالإضافة إلى هذه الأعمال - في رأيي - إن كلام أمير المؤمنين (ع) وتلك الرواية حول جناب حمزة التي ينقلها نور الثقلين عن الخصال - طبعاً رأيتها في نور الثقلين ولم أرجع إلى الخصال - هي رواية مهمة. ينقل الإمام الباقر (ع) عن أمير المؤمنين (ع) هذا [القول]، و[طبعاً] الرواية مفصلة وهذا جزء منها: «لقد كنتُ عاهدتُ الله - تعالى - ورسولَه أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عُبيدة». وهو نفسه عبيد ابن الحارث... ولا أحد يعرف هذا العظيم إطلاقاً. كان من بين أولئك الثلاثة الذين ذهبوا إلى النزال في معركة بدر، واستشهد في ما بعد. في الأساس لا أحد لديه خبر به. يذكر الأمير (ع) اسمه [ويقول]: أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة «على أمرٍ وفّينا به لله ولرسوله (ص)»، أي اتفقنا على موضوع ما، وعاهدنا الله ورسوله، أي جلسوا وتعاهدوا. جلس أمير المؤمنين (ع) الشاب مع عمه المُسنّ، جناب حمزة (ع) الذي كان عمره أكبر بسنتين أو وفق روايةٍ أكبر بأربع سنوات من النبي (ص)، وللعلم أيضاً هو أخو النبي (ص) في الرضاعة، جلس مع ذلك الأخ وابن العم وتعاهدوا على أمر، وهو بطبيعة الحال «الجهاد حتى الشهادة»، أي سنمضي في هذا الطريق وفي هذه الحركة بلا هوادة حتى لحظة الشهادة(6). ثم يقول الإمام (ع): «فَتَقَدَّمَني أصحابي» هؤلاء الرفاق، [هؤلاء] الثلاثة سبقوني. «وَتَخَلَّفتُ بَعدهُمُ لِمَا أَرادَ الله - عَزَّ وَجلّ - فَأنَزَلَ الله فِينَا: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} (الأحزاب، 23)... حتى آخر الآية. ثم يقول: «حَمَزةُ وَجَعفَرٌ وعُبَیدَة»، هؤلاء الثلاثة هم مَن {قَضَى نَحْبَهُ}، «وَأَنا وَاللهِ المُنتَظِر»(7). إذن، هذه مهمة جداً، التمجيد بهذه الشخصيات وتعظيمها والتفاخر بها على هذا النحو بلسان أمير المؤمنين (ع)، إذ يدل على عظمة هذه القضية وهذه الشخصية.
إبراز الرسول (ص) شخصيّة حمزة وجعله قدوةً
يبدو أن الرسول الأكرم (ص) نفسه أراد أن يجعل منه قدوة منذ اللحظة الأولى التي استشهد فيها حين أعطاه لقب «سيد الشهداء». وبعد ذلك [عندما] دخلوا المدينة ورأوا نساء الأنصار يبكين ويئننّ ويحزنّ - لأنه قد استشهد في معركة أُحُد سبعون شخصاً، أربعة منهم من المهاجرين و66 من الأنصار - استمع الرسول (ص) حيناً، ثم قال: حمزةٌ لا بواكي له! وصل هذا الخبر إلى نساء المدينة، وقالت كلّ واحدة إننا سنبكي على حمزة (ع) قبل أن نبكي على شهيدنا(8). لقد حثّهن الرسول (ص)، أي جعل كل المدينة [تبكي عليه]. أحدث النبي (ص) ضجّة في أنحاء المدينة كافة من أجل حمزة (ع). ماذا يعني هذا؟ هذا [يعني] أن النبي (ص) يريد إبراز حمزة (ع). إنه سيّد الشهداء (ع) وهو الشخص الذي يجب أن يبكيه الجميع. هذه هي صناعة الأنموذج، ليس لذلك اليوم فقط، وإنما إلى الأبد ولجميع المسلمين. لذلك، لا يتعلق عملكم بداخل البلاد وإيران [فقط]. إنكم تفعلون شيئاً إذا أنجزتموه جيّداً، إن شاء الله - أتمنى أن تنجزوا عملكم جيّداً -، فسيكون ذلك خدمة لجميع البلدان الإسلامية والدول العربية والدول التي تتحدّث بلغات أخرى، حيث يجب أن يستفيد الجميع منه، وسيستفيدون. ربما يأخذ فنانونهم زمام المبادرة وينتجون أعمالاً عظيمة.
العزم الرّاسخ وقدرة المعرفة عنصران مهمّان في شخصيّة حمزة
حسناً، الآن ما يتعين علينا فعله هو تحديد العناصر المكوّنة لشخصية حمزة (ع)، أي أحد الأعمال العظيمة هو [أن نعرف] ما الذي حدث حتى صارت هذه الشخصية عظيمةً إلى هذا الحد، وما خصائصها. أعتقد أن هذا أحد الأعمال. حينذاك تصير [الخصائص] أنموذجاً لنا لنستفيد منها، نحن والآخرين. في رأيي اثنان من هذه العناصر المهمة التي تشكّل شخصيته هما أولاً «العزم الراسخ» وثانياً «قدرة المعرفة» التي علينا ترويجها قدر الإمكان. العزم الراسخ! أحياناً يكون الإنسان على علم بشيء ما، أو يقبل شيئاً ما أيضاً، فيؤمن به لكنه لا يتصرف وفقاً لذلك بسبب ضعف النفس. الإرادة القوية والعزم الراسخ هنا عنصر مُحدد أنَّ هذا الشخصَ [يتصرف] بعزم راسخ.
ذاك اليوم الذي اعتنق حمزة (ع) فيه الإسلام - أسلم حمزة في السنة الثامنة للبعثة، وهذا موثّق في مصادر معروفة، أي أسد الغابة(9)، وآخرون قالوا السنة الثامنة - كان من أصعب أوقات النبي (ص)، لأن الإسلام قد صار علنياً، فكانوا يهاجمون النبي (ص) من كل حدب وصوب، ويهاجمون أصحاب النبي (ص). بالطبع، كان حمزة (ع) يدافع بجدية عن الرسول (ص) قبل إسلامه، وكان يدافع عنه منذ البداية. على سبيل المثال، عندما واجه أبو طالب (ع) مشكلات وآمن أمير المؤمنين (ع) بالنبي، أحضر [حمزة] جعفر (ع) إلى منزله منذ طفولته(10)، أي هناك أشياء من هذا القبيل في حياة حمزة (ع) قبل الإسلام. تلك المصاعب التي سمعناها تعود إلى هذه السنوات، وفي مثل هذه الظروف حيث يعيش المسلمون في ضائقة شديدة، يصرخ هذا الشخص في المسجد الحرام بجوار الكعبة: لقد أسلمت، وليعلم الجميع أنني مؤمنٌ بدينه!
واجباتنا تجاه أخذ الأنموذج من المعايير المُبيَّنة
حسناً هذه [الأمور] تدل على تلك الشجاعة وذاك العزم الراسخ والتشخيص الصحيح، وهذا التشخيص الصحيح مهم جدّاً. فلنعلّم أنفسنا وشعبنا التفكير في القضايا بأسلوب صحيح، والتشخيص بطريقة صحيحة. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)} (الملك). إذا لم نسمع ولم نفكّر ولم نتأمّل، فهذا ذنب. يذكر القرآن ذلك بصراحة. حسناً، إن هذا العظيم وبناءً على كلام أمير المؤمنين (ع) هو مصداق: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ} (الأحزاب، 23) كما ينقل الإمام الباقر (ع). إذن، كيف تكون {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ}؟ إن شكلها الكامل والتام هو أن يصنع الإنسان من نفسه مصداقاً للمعارف الإلهيّة والأوامر الإلهيّة والطريق الذي حدّده الله المتعالي ووضعه أمامنا، أي يجعل من نفسه مصداقاً لذلك. لنتعلم هذا، إن شاء الله.
بذل الخواصَ الهمّةَ لتربية الشّخصيات كمصاديق للمعارف الإلهيّة
وإذا بذل خواص المجتمع الهمّة لإنتاج مثل هذه الشخصيات، فسيكون كل واحد منهم قادراً على إنقاذ المجتمع في المواقف الحسّاسة. [الأمر] كذلك حقّاً. لا أن نكتفي بتربية بعض الأشخاص، وأن نعظهم، أو مثل هذه الأعمال، أي أن يقبلوا أمراً ما كيفما كان. كلا! فليكن سعي المؤسسات هو أن نصنع شخصيات تكون بحد ذاتها مصداقاً للمعارف الإلهية والمعارف الإسلاميّة والأحكام الإسلاميّة. بحمد الله، يمكن لجامعة المصطفى أن تكون مركزاً فعالاً في هذه المجالات. في قم، يمكن للمراكز التي أنشأتها حديثاً الإدارة الكفوءة للحوزة أن تمهّد إلى مثل هذه الأمور، وبعض مؤسسات التبليغ [الديني] أيضاً تعمل جيّداً في هذا المجال. إذا تم إيجاد مثل هذه الشخصيات، فسيكون بناء الحضارة الإسلامية أمراً قطعياً، أي لن يكون موضع شكّ أبداً.
جزاكم الله خيراً، وأسأله أن يوفقكم لتنجزوا هذا العمل والأعمال اللاحقة على أحسن وجه، إن شاء الله. من ناحيتي، أتوجّه إليكم بالشكر جميعاً، السادةَ الذين يعملون في هذا العمل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.