الخليج والعالم
كيف دفعت الولايات المتحدة ثمن إخفاقات صنّاع سياستها الخارجية؟
وضعت مؤسسة صناعة السياسة الخارجية الأميركية الولايات المتحدة في مسار عسكري تسبب بدمار عالمي، وجعلها في حالة عدم جهوزية كاملة لمواجهة التحديات الأمنية الحقيقية. هذا ما خلصت إليه النائبتان الأميركيتان عن الحزب الديمقراطي باراميلا جايابال وباربارة ليي.
ورأت جايابال وليي في مقالة نشرتها مجلة "فورين بوليسي" أن "التهديدات الأخطر لأمن أميركا مثل الأوبئة والتغيّر المناخي والتفاوت الاقتصادي، لا يمكن أن تهزم بالسلاح".
وأشارتا إلى "مشروع قانون جديد تقدمتا به إلى "الكونغرس" يحمل اسم "سياسة خارجية من اجل القرن الواحد والعشرين""، وقالتا إنه "يقدم رؤية حول الدور الأميركي في العالم ويشير إلى بعض الحقائق مثل عدم إمكانية معالجة المشاكل الأمنية التي تعد الأخطر اليوم من خلال المغامرات العسكرية، وضرورة اللجوء أولًا إلى التعاون الدولي والدبلوماسية وبناء السلام في السياسة الخارجية".
وأكدتا في هذا السياق ضرورة تحقيق الانسجام ما بين العدالة والأمن، والتزام الولايات المتحدة بالقواعد نفسها التي تتوقع من الأطراف الأخرى ان تلتزم بها.
وتابعت الكاتبتان أن "مشروع القانون المذكور يحدد الخطوات المطلوبة من أجل تصحيح الأخطاء في "الاستراتيجية القديمة الفاشلة"، ولفتتا إلى تقليص ميزانية البنتاغون وإعادة سلطات الحرب إلى الكونغرس والحد من مبيعات السلاح والمساعدات الأمنية للأنظمة التي تنتهك حقوق الانسان، مشددتين على ضرورة وقف العقاب الجماعي بحق دول بأكملها من خلال العقوبات الاقتصادية ومحاسبة الولايات المتحدة أمام القانون الدولي.
وأضافت الكاتبتان أن مشروع القانون المذكور يحدد خطوات أساسية نحو تبني مقاربة بديلة تتضمن الاستثمار في الأدوات غير العسكرية مثل الدبلوماسية والتنمية وبناء السلام، وذلك من أجل معالجة جذور النزاعات ومنع اندلاع الحروب".
وقالتا إن "استمرار السياسة الخارجية الأميركية السائدة هو وصفة للفشل"، مشيرتين إلى "ما نشرته جامعة "براون" "Brown" عن مقتل ما يزيد عن 900000 شخص في الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول/ديسمبر وتشرد 38 مليون آخرين، بالإضافة إلى تكلفة هذه الحروب التي بلغت 8 ترليون دولار.
الكاتبتان اعتبرتا أن "صناع السياسة الخارجية أصبحوا يدركون أن عمليات الغزو للبلدان تحمل معها اثمانا سياسية باهظة، إلا ان العديد منهم بات يعتمد أكثر على أشكال أخرى من الحرب"، وقالتا إن "مبيعات السلاح تقوي أطرافًا تمارس الانتهاكات لحقوق الانسان من السعودية وصولاً إلى الفلبين"، خصوصا أن الضربات التي تُشن بواسطة الطائرات المسيرة تقتل المدنيين من دون محاسبة".
وتابعتا أن "هذه "الاشكال البديلة" للحرب غير فاعلة وعادة ما تسبب بنفس حجم الدمار"، واعتبرتا أن "الولايات المتحدة تمارس الحروب بعيدة عن الأضواء جراء مثل هذه المقاربة بدلاً من أن تقيّم الفشل في السياسة التي انتهجتها عقب هجمات 11 أيلول وتقدم مقاربة بديلة".
ولفتتا إلى أن "السياسة السائدة لا تقدم الكثير على صعيد توفير الامن لعامة الشعب، الا انها تحقق الكثير على صعيد النخب ومصالح الشركات الكبرى"، وقالتا إن" حوالي نصف المبلغ الذي أنفقه البنتاغون منذ العام 2001 والذي يبلغ 14 ترليون دولار ذهب مباشرة إلى مقاولين في القطاع الخاص، وأن حوالي ثلث العقود المبرمة كانت مع 5 شركات فقط. وأضافتا أن "هذه الشركات تحقق الازدهار من خلال الترويج لوجود عوامل تهدد الشعب الأميركي لا يمكن مواجهتها إلا من خلال العنف.. وتسيطر هذه الشركات على السياسة الخارجية الأميركية من خلال اللوبيات والنفوذ السياسي وغيره".
وذكرت الكاتبتان أن "مجموعات مثل "ايبك" (اللوبي الداعم لكيان العدو الصهيوني) و"اللوبي السعودي"، تتمتع بنفوذ سياسي هائل في واشنطن"، لافتتين إلى "القمع الذي يمارس بدعم أميركي والارباح التي تحققها الشركات العالمية، فضلا عن العنصرية البيضاء وممارسة اشكال أخرى من القمع التي تؤدي إلى الاستهتار بحياة الأجانب".
وختمت الكاتبتان بالقول إن "التهديدات الحقيقية التي يواجها الشعب في الولايات المتحدة والخارج مثل التفاوت الاقتصادي والفقر والأنظمة السلطوية والبيض العنصريين والأسلحة النووية، لا يمكن القضاء عليها عبر السلاح"، وأضافتا أن "الوقت حان كي تعكس السياسة الخارجية الأميركية هذا الواقع، وأن التهديد الأكبر "لأمننا" هو الوضع السائد حاليًا".