الخليج والعالم
بعد الانسحاب الأمريكي.. الصين تدخل أفغانستان من باب الاقتصاد
قال الضابط العسكري الصيني السابق والخبير في السياسات الاستراتيجية لدى الجيش الصيني بمجال الأمن الدولي، زهو بو إن بلاده مستعدة لملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان و"اغتنام فرصة ذهبية" في هذا البلد.
الكاتب وهو باحث في جامعة تسينغهوا الصينية، أشار في مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز إلى أن بكين وبينما لم تعترف رسمياً بعد بحركة "طالبان" كحكومة جديدة لأفغانستان، إلا أنها أصدرت بياناً يوم الاثنين الماضي قالت فيه إنها تحترم حق الشعب الأفغاني بتحديد مصيره، وإنها ستقيم علاقات صداقة وتعاون مع أفغانستان.
وأضاف الكاتب أن الرسالة واضحة ومفادها أنه ليس لدى بكين مانع في توطيد العلاقات مع "طالبان"، وأنها مستعدة لتصبح اللاعب الخارجي الأكثر تأثيراً في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.
وتابع "الصين قدمت لأفغانستان مساعدات بقيمة ملايين الدولارات والتي شملت القطاع الصحي ومحطات توليد الطاقة الشمسية وغيرها، بينما وقعت الولايات المتحدة في مستنقع في أفغانستان"، مضيفًا "بكين قامت كذلك بتوطيد العلاقات التجارية مع كابول لتصبح من أكبر الشركاء التجاريين لأفغانستان".
الكاتب لفت إلى أن بكين تستطيع أن تقدم لكابول ما تحتاج إليه الأخيرة أكثر من أي شيء آخر بعد الانسحاب الأميركي وهو "الحياد السياسي" و"الاستثمار الاقتصادي"، متحدثًا في الوقت نفسه عن وجود فرص على صعيد البنية التحتية وبناء الصناعات في أفغانستان، مشيرًا إلى أن هذا البلد يملك مخزونًا من المعادن بقيمة ترليون دولار والذي يشمل معادن صناعية أساسية.
وأضاف أن الشركات الصينية عادة ما تستثمر في دول "أقل استقراراً" إذا كان سيؤدي ذلك لكسب الأرباح، وفي نفس الوقت قال إن خروج القوات الأميركية يعني نهاية الحرب مع "طالبان" وإزالة الحواجز أمام الاستثمارات الصينية الضخمة.
ولفت الكاتب إلى أن انضمام أفغانستان إلى باكستان في مشروع "حزام واحد طريق واحد" الصيني سيفتح طريقا بريا أقل مسافة إلى أسواق الشرق الأوسط، وضرب مثلًا في هذا السياق بناء طريق سريع يربط بين مدينة بيشاور الباكستانية والعاصمة الأفغانية كابول، مشيرا إلى أن فتح طريق جديد عبر كابول سيقلل من شأن رفض الهند الانضمام إلى مشروع "حزام واحد طريق واحد".
ونبّه الكاتب إلى أن "طالبان" كانت تعهدت بحماية الاستثمارات الصينية في أفغانستان، وذلك قبل أن تسيطر على كابول، مضيفًا أن بكين أصبحت في موقع يسمح لها بأن تكون لاعبا أكثر تأثيرًا على المشهد السياسي الأفغاني، وذلك يعني أن بكين أصبحت في موقع أفضل لمنع من تعتبرها "بالجماعات المعادية للصين" من إنشاء موطئ قدم داخل أفغانستان.
وتابع الكاتب أن "حركة شرق تركمنستان الإسلامية" تمثل مصدر قلق أساسيًا للصين، مشيرًا إلى تقرير أعدته الحكومة الصينية جاء فيه أن لدى هذه الجماعة جذورًا في أفغانستان، لافتًا إلى أن هذه الجماعة كانت قد تلقت الدعم من "طالبان" و"القاعدة" بحسب الأمم المتحدة.
الكاتب أشار إلى أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي كان أعرب عن أمله بأن تقطع "طالبان" علاقاتها مع جماعة شرق تركمانستان، كون الأخيرة تشكل تهديدا مباشرا "للأمن القومي الصيني ووحدة الأراضي الصينية"، وذلك خلال لقائه نائب زعيم "طالبان" الملا عبد الغني بردار في شهر تموز/يوليو الماضي، كما لفت إلى أن وانغ أعرب عن أمله وقتها بأن تتبنى "طالبان" سياسة تشاركية، معتبراً أن ذلك يفيد بأن الصين تريد أن تفي "طالبان" بتعهدها حول تشكيل حكومة شاملة.
وبحسب الكاتب، تعهّد بردار وقتها بدوره بعدم السماح لأي جماعة باستخدام الأراضي الأفغانية للقيام بأي عمل ضد الصين.
عقب ذلك، قال الكاتب ان لباكستان دورًا في ترسيخ السلام والاستقرار في أفغانستان، وأن مصلحة بكين تقتضي إقامة علاقات جيدة بين باكستان وأفغانستان، ولا سيما من أجل إنجاح مشروع "حزام واحد طريق واحد".
وقال الكاتب إن وجود نفوذ قوي للصين في باكستان ليس بالأمر السري وإن بيكن تعهدت في شهر حزيران يونيو الماضي بمواصلة المساعي الهادفة إلى تعزيز العلاقات بين اسلام أباد وكابول.
وتحدث الكاتب عن وجود فرصة للعمل المشترك بين بكين وواشنطن من أجل ترسيخ الاستقرار في أفغانستان رغم الانسحاب الأميركي، مضيفا أنه سبق للجانبين أن تعاونا في أفغانستان في مجالات مثل تدريب الدبلوماسيين والخبراء التقنيين، وأن أيًا من البلدين لا يريد أن تدخل أفغانستان في حرب أهلية، وأن واشنطن وبكين تدعمان الحل السياسي الذي يتفق عليه الأفغان. وبناء عليه خلص إلى أن أفغانستان هي ساحة للعمل المشترك بين "العملاقين المتنافسين الاثنين".
كذلك أشار الكاتب في نفس السياق إلى أن وانغ قد أبلغ نظيره الأميركي أنتوني بلينكن أن بلاده مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة في ملف أفغانستان.
وفي الختام، قال الكاتب إن أفغانستان طالما صنفت على أنها مقبرة المحتلين سواء كان الاسكندر الأكبر أو الإمبراطورية البريطانية أو الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة (بعد انسحاب القوات الأميركية)، إلا أنه اعتبر أن أمام الصين فرصة لتغيير هذه المعادلة، وخلص إلى أن الأخيرة تأتي وهي تحمل مخططات البناء وليس القنابل.