الخليج والعالم
أحمد جبريل.. الوداع الأخير
محمد عيد
كان المنظر مهيبًا والعيون الشاخصة إلى مشفى "أمية" في ساحة الميسات بدمشق، حيث يرقد جثمان القائد الكبير أحمد جبريل، تترقب اللحظة التي سيخرج فيها النعش ليوضع في سيارة الإسعاف التي جللتها باقات ورود حملت تواقيع العديد من الفصائل الفلسطينية، حتى من أولائك الذي لم يتفق معهم في مقاربتهم "السلمية" لتحرير فلسطين.
اجتمعوا على رحيله
عرف الفلسطينيون في حضرة الموت كيف يتجاوزون الخلافات ولو وقتيًا. رئيس السلطة محمود عباس اتصل بعائلة الفقيد جبريل معزيًا، ومثله فعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية والعديد كذلك من الشخصيات الفلسطينية التي لم يجمع فكرها يومًا "شهر عسل واحدًا" مع فكر "أبي جهاد" الذي كان يريد فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر.
الحلفاء كانوا كعادتهم على الموعد، فالحكومة السورية احتفت بالراحل الكبير كواحد من أبنائها، فيما حرص السفير الايراني في دمشق مهدي سبحاني على مرافقة الجثمان في كل مراحل التشييع التي عبرها من المشفى إلى جامع العثمان، حيث صُلّي عليه إلى رحلة الختام في مخيم اليرموك.
سبحاني أكَّد في تصريح للاعلاميين أن يوم رحيل أحمد جبريل هو يوم "مؤلم" بالنسبة للشعب الفلسطيني وبالنسبة لكل شعوب محور المقاومة، مضيفًا أنه ووفد من مجلس الشورى الإسلامي الإيراني جاؤوا لتقديم التعازي إلى "رفاق درب" الراحل أحمد جبريل ولعائلته.
كذلك، أشار سبحاني إلى أنَّ جميع المسؤولين الإيرانيين ومنذ سماعهم بخبر رحيل "أبو جهاد" نعوه بكل تقدير واحترام وفي مقدمتهم آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الذي عبَّر في برقية التعزية عن الحزن الكبير لفقد "الحليف والصديق" أحمد جبريل.
مؤسّس النضال الفلسطيني
الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة- طلال ناجي قال لموقع "العهد الإخباري" إن أحمد جبريل مرَّ بفلسطين شبرًا شبرًا من موقعه الجهادي، وكان من مؤسّسي النضال الفلسطيني الحديث وكان نافذ البصيرة إلى الدرجة التي جعلته يُحسن اختيار حلفائه الصادقين ليؤسسوا معًا "جبهة الرفض لكل مشاريع الاستسلام".
بدوره، رئيس الدائرة الإعلامية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنور رجا لفت وفي تصريح خاص بموقع "العهد الإخباري" إلى أنَّه وعلى الرغم من ألم الفراق إلا أنَّ ما أسّسه أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "يجعل الأمور واضحة " والطريق بيِّنًا "فلا خوف على الجبهة".
واستشهد رجا باشتداد عود حركة "الجهاد الإسلامي" بعد استشهاد أمينها العام فتحي الشقاقي واجتراح المقاومة الإسلامية في لبنان لـ "النصر الإلهي" بعد استشهاد أمينها العام السيد عباس الموسوي.
المثوى الأخير
نعش أحمد جبريل عبر مخيم اليرموك للمرة الأخيرة، شقَّ طريقه وسط الركام باتجاه مقبرة الشهداء حيث طلب أن يُدفن بين القبور التي حطَّم الإرهابيون شواهدها، محترفين أشد أنواع الكيد بالشهداء أثناء بحثهم عن جثث الجنود الصهاينة الذين أودى بهم "أبو جهاد" وحلفاؤه في معارك التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982.
في مخيم اليرموك، رقد جبريل رقدته الأبدية، لكن تاريخه النضالي سيجد من يوقظه مجددًا حين يضعه على محكّ البحث والدراسة لرجل لم يفرط يومًا بفلسطين ولم يشك لحظة أنَّه عائدٌ إليها يومًا حتى لو بقي جثمانه بعيدًا عن روابيها.