معركة أولي البأس

 

الخليج والعالم

هل تدفع الولايات المتحدة نفسها إلى خوض حرب باردة مع الصين؟
02/04/2021

هل تدفع الولايات المتحدة نفسها إلى خوض حرب باردة مع الصين؟

يواصل صناع السياسة في الإدارة الأميركية اعتماد أسلوب بعيد كل البعد عن الواقعية، إذ إن قياس ما يمكن تسميته "قوة الدولة" لدى واشنطن بالإضافة إلى اتباع فرضية التفوق العسكري الأميركي في المستقبل هما أمران حكما سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين في الآونة الأخيرة.

"آسيا تايمز": معالجة الأسلوب الأميركي في قياس قوة الدولة بات أمرا ضروريا 

 وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب براندون ويتشرت في مقالة نشرها موقع "آسيا تايمز" أن "الأسلوب المعتمد لدى صناع السياسة الأميركيين في قياس "القوة الوطنية" غير ملائم للقرن الحادي والعشرين"، مشيرا إلى أن "الباحثين الصينيين اعتمدوا أسلوبًا أفضل بكثير على صعيد مقاربة "القوة التنافسية للدولة القومية"".

وأوضح الكاتب أن "المنهجية التي تتبناها الصين في قياس "قوة الدولة" مقارنة بالمنافسين تحمل اسم "zonghe gouli" والذي يعني "القوة الوطنية الشاملة""، مضيفًا أن "هذه المنهجية تساهم في تفسير تطور الصين لتصبح تحديا حقيقيا للولايات المتحدة وحلفائها". ودعا الخبراء الأميركيين إلى "دراسة هذه المنهجية وتطبيقها في سياق تقييم قوة الولايات المتحدة مقارنة مع المنافسين". 

الكاتب ذكر أن "نظريات الباحث الصيني هوانغ شو جينغ تمثل نموذجًا هامًا من "القوة الوطنية الشاملة""، لافتا إلى أن "نظريات شو جينغ تشمل "مؤشر القوة المادية أو الصلبة" (الذي يتضمن الثروة الاقتصادية والموارد الطبيعية والعلوم والتكنولوجيا والقوة العسكرية)، و"مؤشر القوة الروحية او الناعمة" (الذي يتضمن القوة السياسية والشؤون الخارجية والثقافة والتعليم)، و"مؤشر القوة المنسقة" (الذي يتضمن التسلسل القيادي والقيادة في اخذ القرارات)، بالإضافة إلى "مؤشر البيئة" (الذي يتضمن البيئة العالمية)". 

وأضاف أن "نظريات شو جينغ تشمل ايضًا "مؤشر التقييم" (الذي يتضمن أهداف الاستراتيجية القومية والاستقرار السياسي والقدرات على صعيد أخذ القرارات)، وذكر أن "شو جينغ توقع أن تبقى الولايات المتحدة القوة العالمية البارزة بين عامي 2000 و2020، وأن تصبح الصين في المرتبة الثانية مع حلول العام الجاري"، مضيفًا أن "هذه التوقعات على ما يبدو كانت في محلها". 

وشدد الكاتب على أن "المسألة تعود إلى "القوة الوطنية النسبية""، متسائلا: "إلى أي حد يمكن التعويل على التفوق العسكري الأميركي مع مرور الزمن، خصوصا أن أقل من 1% من الشعب الأميركي يخدم في الجيش خلال فترة زمنية معينة بينما تتعزز قدرات الخصوم مع مرور كل عام؟". 

ورأى أن "الجيش الأميركي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا من أجل تضخيم "حجمه الصغير النسبي".  

واعتبر الكاتب أن "الجيش الأميركي لا يستطيع مواكبة متطلبات قواته على الرغم من حجم ميزانيته العسكرية، ناهيك عن الدخول في مواجهة مع بلد مثل الصين أو مع تحالف مع "القوى السلطوية اليوروآسيوية""، وقال إن "وزير الحرب الأميركي الأسبق روبرت غايتس كان محقًا عندما حذر من خوض حرب برية في منطقة يوروآسيا، إذ يمكن لهذا السيناريو أن يتحقق إذا ما أرادت الولايات المتحدة الاحتفاظ بموقعها المهيمن في ظل تعاظم قوة الصين". 

الكاتب رأى أن الشعب الصيني سيصبح أكثر تقدمًا من الاميركيين في مجالات أساسية مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كما أن الصينيين هم أكثر وطنية بكثير من الاميركيين"، مذكرا بأن "البنية التحتية في الصين أكثر تقدمًا مقارنة مع الولايات المتحدة".  

وختم الكاتب مشددا على أن "القدرات في القرن الحادي والعشرين تستند الى "المعرفة"، وتعاظم هذه القدرات يعزز من القوة في مقابل الخصوم"، مضيفًا أن "المنهجية التي تتبعها الصين في قياس القوة تستند الى هذه المعادلة وبالتالي فإن صعود بكين خلال العقد القادم يجب ان يقلق الاميركيين". 

نمو  صيني متصاعد وانحدار أميركي نسبي في المقابل

وفي سياق متصل، رأى الباحث في جامعة "دنفر" الأميركية والكاتب كولين ميزل في مقالة نشرها موقع "ديفانس وان" أن "تطورات حصلت مؤخرًا تستدعي الكف عن اتباع فرضية التفوق العسكري الأميركي في المستقبل". 

وشدد ميزل على أن النهج الواقعي حيال ديناميات القوة يبدأ من اعتبار القوة مفهوما نسبيا"، مضيفًا أن ""قوة الدولة" تعتمد على عدد من العوامل مثل نوعها وحجمها مقارنة مع أطراف أخرى"، وقال إن "أدوات القوة الأميركية مثل القوات المسلحة والاقتصاد والسلك الدبلوماسي تبقى متينة، إلا أن كل ذلك ينطبق على الصين ايضا، إذ ان الأخيرة تحقق النمو بوتيرة أسرع بكثير، ما يعني أنها في تصاعد نسبي بينما الولايات المتحدة في انحدار نسبي". 

واعتبر الكاتب أن "المشهد هذا يتجلى عند مقارنة النمو الاقتصادي لكلا البلدين خلال الفترة الأخيرة"، لافتا إلى أن "توقعات عديدة، تشير إلى أن اقتصاد الصين سيكون الأكبر في العالم استنادًا إلى مقياس أسعار صرف السوق"، وتحدث عن "دراسات أعدتها جامعة  "دنفر" توقعت أن تحتل الصين الصدارة العالمية على الصعيد الاقتصادي في عام 2025 او 2026 استنادًا إلى مقياس أسعار صرف السوق". 

الكاتب أشار إلى أن "الصين تتفوق على الولايات المتحدة اليوم من حيث تبادل السلع عالميًا، خصوصا بعد أن أصبحت (الصين) الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي العام الماضي"، وقال إن "ذلك يعد في غاية الأهمية، إذ إن التجارة لا تتعلق فقط بالمال والسلع بل تخلق "سياسة القوة"". 

كما ذكر أن الصين "حققت تقدمًا كبيرًا على الصعيد الدبلوماسي". 

وتطرق الكاتب إلى التقدم الصيني في المجال العسكري، وقال إن "قدرة الصين على بناء جيش عالمي ستتعزز إذا ما سلمنا أن التطور الاقتصادي يُعزز قدرة الدول على انتاج معدات عسكرية متطورة وإيجاد عناصر عسكريين ذوي كفاءات"، مضيفا أن "زيادة الميزانية العسكرية في الصين إلى جانب خطط انتاج المعدات العسكرية المتطورة هي مؤشرات تصب في هذا الاتجاه". 

وشدد الكاتب على "ضرورة أن ينظر الاستراتيجيون الاميركيون في سيناريوهات مستقبلية ربما تكون فيها الصين متفوقة على الولايات المتحدة"، وتابع أن "على الاستراتيجيين ان يفترضوا ان النزاع سيكون سيد الموقف وليس الحالة الاستثنائية".   

اجماع أمير كي على ضرورة الدخول في حرب باردة مع الصين

وأكد الكاتب دانيال لاريسون في مقالة نشرها موقع "ريسبونسيبل ستاست كرافت" "ضرورة أن تميِّز واشنطن بين سياسات الصين التي ترفضها من جهة وبين سياسات الصين التي تشكِّل تهديدًا حقيقيًا للسلم والأمن العالميين من جهةٍ أخرى". 

وقال الكاتب إنَّ "المسؤولين والمحليين الأميركيين عادةً ما يدمجون بين هذه السياسات، ما يؤدي بهم إلى تضخيم التهديد الذي تشكِّله الصين، وما يدفعهم إلى تبني سياسة "احتواء" أكثر تشددًا من المطلوب".

وأشار لاريسون إلى "تصريحات المسؤول الصيني يانغ جيتشي خلال القمة الأميركية الصينية الأخيرة في ولاية "ألاسكا"، والتي تحدث خلالها عن أهمية القانون الدولي والأمم المتحدة"، لافتا إلى أنَّ "المسؤول الصيني قارن ذلك مع نظامٍ عالميٍ تقوده الولايات المتحدة". 

ورأى أنَّ كلام جيتشي هذا لافت، إذ يفيد أنَّ الحكومة الصينية تعتبر نفسها جزءًا من النظام العالمي السائد"، معتبرًا أنّ "القوة العدوانية ما كانت لترى حاجة للتعبير عن هكذا موقف".

وأضاف الكاتب أنَّ "الصين لا تزال تستفيد من النظام العالمي السائد في العديد من الطرق ولا تسعى إلى إسقاطه، وأنَّ موقف بكين هذا يجب أن يمكِّن من إدارة الخلافات بينها وواشنطن من دون الدخول في حرب باردة جديدة"، وتابع أنَّ "هناك اجماعًا متزايدًا في الولايات المتحدة على ضرورة الدخول في حرب باردة مع الصين". 

ولفت الكاتب إلى أنَّ "الخطاب المعادي للصين الذي استخدمه السياسيون الأمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي العام الماضي ساهم في ارتفاع نسبة الكراهية والعنف بحق ذوي الأصول الآسيوية"، محذرًا من أنَّ "هؤلاء سيواجهون خطرًا أكبر بينما يزداد التوتر مع الصين".

وتوقَّع أنَّ "التداعيات السلبية على صعيد المجتمع الأميركي ستكون أكبر بكثير من الإيجابيات في حال دخلت الولايات المتحدة في حرب باردة مع الصين"، موضحا أنَّه "كان يجب أن تتعلم الولايات المتحدة بعد 20 عامًا من "الحرب على الإرهاب" أنَّ النزاعات الطويلة الأمد في الخارج سترتد سلبًا على الأميركيين في الداخل من خلال تأجيج العنصرية والعنف ضد الأقليات العرقية والدينية". 

واعتبر الكاتب أنَّ ""الحنين" للحرب الباردة يتطلب نسيان عشرات ملايين الأشخاص الذين قتلوا في الحروب التي حصلت على خلفية الخصومة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي"، لافتًا إلى أنَّ "الدخول في خصومةٍ مشابهةٍ مع الصين يهدِّد في تحويل العديد من الدول إلى ساحات قتالٍ لن تجعل الولايات المتحدة أو حلفاءها أكثر أمنًا".

وأردف أنَّ "العداء الأميركي للصين هو خيارٌ وليس حتميا"، داعيًا إلى "تحفيف حدَّة التوتُّر بين الطرفين والعمل الثنائي في مجالات المصالح المشتركة".

واشنطن

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم