الخليج والعالم
كيف يُهزم التمرّد المحلي في الولايات المتحدة؟
حذّر روبرت غرينير، المدير السابق للاستخبارات الأمريكية في باكستان وأفغانستان، والذي شغل أيضًا منصب مدير مركز مكافحة الإرهاب لدى "الـ-CIA" وكذلك مدير البعثة الأميركية الى العراق، من أن الولايات المتحدة ربما تشهد ولادة موجة متواصلة من التمرد العنيف الذي يرتكب على أيدي مواطنين أميركيين.
وفي مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، قال غرينير إن جماعات مثل "Proud Boys" و"Oath Keepers" وجماعات العنصريين البيض وغيرهم لما كانت تمكنت من دخول مبنى الكونغرس لولا موجة الغضب الشعبوي.
وتحدث عن وجود شريحة كبيرة من المحافظين "الدينيين" في أميركا وبشكل أساس في المناطق الريفية، مضيفًا أن هذه الشريحة مهمشة ثقافياً وتعتبر ان هناك تحالفا سياسيا وثقافيا صاعدا (مركز ثقله المدن وليس المناطق الريفية) يتكون من المهاجرين والأقليات والنخب العلمانية في قطاع التكنولوجيا ووسائل الاعلام الرئيسية. وتابع أن المحافظين "الدينيين" يرون أن هذا التحالف يقلص من حرياتها الدينية ويقوم بإلغاء معتقداتها ويسعى الى فرض الاشتراكية ومستعد في النهاية للاستيلاء على أسلحتها.
وبحسب غرينير، هذه الشريحة هي التي قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتوحيد صفوفها وتنشيطها سياسيًا.
غرينير شدّد على أن سدّ الفجوة الثقافية والسياسية بين سكان المدن وسكان المناطق الريفية من خلال تقديم الحقائق والتسامح وحسن النوايا هو مشروع وطني حيوي، لكنه نبّه في المقابل الى أن هذا المشروع أصبح مستحيلًا من الناحية الفعلية. كما نبه من ان مخاوف وغضب شريحة واسعة من المواطنين الأميركيين بلغ مستوى جديدا بسبب اعتقاد هذه الشريحة بأن الحزب الديمقراطي بالفعل فاز بالانتخابات الرئاسية عبر التزوير.
كذلك لفت الكاتب الى أن "الكذبة الكبيرة" التي قالها دونالد ترامب وحلفاؤه السياسيون وبعض وسائل الاعلام اليمينية (عن تزوير الانتخابات)، سيكون لها تداعيات كبرى ليس فقط على الصعيد السياسي بل على صعيد الأمن القومي.
وتحدث عن حالة غليان ستوفر أرضًا خصبة للمتطرفين الذين يسعون الى الانهيار المجتمعي. وبينما قال إن عدد هؤلاء قد يكون قليلا نسبيًا، أشار الى أن شريحة صغيرة في بلد يبلغ عديد سكانه ما يزيد عن ٣٠٠ مليون تشكل ثقلًا لا يستهان به، محذّرًا من أن المنتمين الى هذه الشريحة و"أتباعهم الجدد" قادرون على إشعال موجة عنف غير مسبوقة منذ الحرب الأهلية الأميركية بين عامي ١٨٦٥ و١٨٧٧، وذلك في حال عدم وضع برنامج عمل وطني فاعل.
الكاتب اعتبر أن التحديات التي تواجهها أميركا تأتي في سياق "مكافحة التمرد" التي يجب ان تتكون من ثلاثة عناصر أساسية، موضحًا أن العنصر الأول هو العدالة الجنائية، إذ تحدث عن ضرورة ملاحقة المتطرفين "المعروفين" واجراء التحقيقات اللازمة من اجل محاسبة مرتكبي الجرائم.
ووفق الكاتب، العنصر الأول لن ينجح من دون عنصر ثانٍ وهو عزل المتمردين "الملتزمين"، منبهًا في الوقت نفسه الى صعوبة هذه المهمّة.
وأضاف أن أميركا أمام احتمال تغلغل "الأقلية العنيفة" داخل المجتمع واستقطابها الاتباع الجدد، تمامًا كما اعتمد تنظيم القاعدة في العراق على الشارع السني من اجل الدعم وتجنيد الاتباع، وأردف أن رواية تزوير الانتخابات تشكّل معضلة صعبة والولايات المتحدة في أزمة "معرفية".
وشدد الكاتب في هذا السياق على ضرورة الكشف عما حصل في العملية الانتخابية، وعلى أن المسؤولية هنا لا تقع على عاتق الحكومة بل البلد بأكمله.
كما تحدث عن ضرورة الاستماع الى كافة الآراء، وقال إن "جمع الناس" يمكن ان يؤدي الى عزل المتطرفين.
اما بالنسبة للعنصر الأخير في برنامج "مكافحة التمرد"، فبيّن الكاتب أنه يتمثل بزعامة التمرد، فترامب أوجد الظروف التي تسمح بنجاح المتطرفين، وهو سيبقى مناصرًا لهم فيما تشكّل الأكاذيب التي يطلقها أقوى عامل تمكين لهم.
وبرأي المسؤول الأمريكي، هزيمة ترامب سياسيًا كانت الخطوة الأولى، وإدانته في مجلس الشيوخ ومنعه من الترشح السياسي في المستقبل لا يشكل جزاءً عادلًا فقط، بل هو ضروري أيضًا على صعيد الأمن القومي. كذلك شدد على أن رفض الشارع لترامب هو من شروط السلام المستقبلي.
وفي الختام، خلص المدير السابق في الاستخبارات الأمريكية الى أن معالجة الانقسام السياسي والاجتماعي تتطلب وقتًا وجهدًا من كلا الطرفين، محذرًا من الاستهانة بالتهديد.