الخليج والعالم
تونس تدخل مرحلة خطرة في حربها ضد "كورونا"
تونس-روعة قاسم
تتسارع وتيرة عدوى فيروس "كورونا" بشكل غير مسبوق في تونس، إذ ارتفعت الإصابات بنسبة 70 بالمئة عما كان مسجلًا خلال الموجة الأولى من العدوى، في حين أن الوفيات وصلت إلى 40 بالمئة، بحسب آخر الدراسات العلمية الصادرة عن أطباء متخصصين في علم الوبائيات في تونس.
أمام هذا الواقع الجديد، لم تجد الحكومة من حل سوى إعادة فرض حظر التجول الإجباري ليلاً في عدد من الولايات التي تشهد أكثر نسبة من التفشي الوبائي، مثل سوسة، والمنستير، وسي بوزيد وجندوبة، وقد تشمل القائمة ولايات أخرى خلال الأيام القادمة.
كل المؤشرات تؤكد أن تونس قادمة على أيام صعبة ومصيرية وسط مطالبات من شرائح تونسية عديدة بإعادة فرض حظر التجول الإجباري لأسبوعين على الأقل من أجل تطويق الأزمة الوبائية وحلقات التفشي المتزايدة قبل أن تنفلت الأمور من عقالها، فالتعويل على وعي المواطن أثبت عدم جدواه مع وجود حالة تساهل في التعامل مع التدابير الوقائية المنصوص عليها محليًا وعالميًا، مثل ارتداء الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي والتعقيم المتواصل للأيدي.
اليوم وصل عدد المصابين في قسم الإنعاش إلى 87،وعليه تصبح الخشية في أن تفقد المستشفيات طاقتها الاستيعابية، كما تُسجل البلاد ألف إصابة يوميًا ليبلغ إجمالي عدد الإصابات حتى الآن 18 ألفًا، فيما بلغ عدد الوفيات 265 وفق آخر حصيلة.
رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي تسلم مهامه قبل شهر، استبعد فرضية العودة إلى فرض حظر التجول الإجباري العام، كما حصل في شهر آذار/مارس الماضي خشية من الانعكاسات الاقتصادية الخطيرة وشلّ البلاد، وهو وضعٌ لا تقدر اليوم الدولة على تحمل أعبائه.
ويبدو أن الحكومة التونسية اليوم أمام خيارين أحلاهما مّر، فإما التضحية بالاقتصاد والدخول في إغلاق عام مع ما يحمله ذلك من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الهش، وإما التضحية بالمواطنين مع تزايد حلقات العدوى والإصابات بشكل جنوني ومتسارع، خاصة أن التزام إجراءات الوقاية لم يُجدِ نفعًا مع تساهل المواطنين في تطبيق الإجراءات.
اليوم يتفشى الفيروس في مختلف القطاعات، ولعل أخطرها قطاع الصحة ، إذ توفي عدد من الأطباء والصيادلة وأصيب البعض الآخر بكوفيد 19، ودخلوا في حجر إجباري، دفع رئيس قسم الإنعاش في مستشفى سهلول الحكومي في سوسة إلى إطلاق صيحة فزع بعدما أصيب عدد كبير من الطاقم الطبي بالعدوى.
يُحمّل البعض حكومة الفخفاخ السابقة مسؤولية تفشي الفيروس بسبب الخطأ في تصنيف بلدان كـ "مناطق خضراء"، مثل فرنسا وغيرها من أجل المصالح التجارية والاقتصادية المتبادلة بغض النظر عن خطورة هذا القرار، وهو ما أغرق البلاد لاحقًا مع فتح الحدود بأعداد كبيرة من الوافدين الحاملين للفيروس.
والمفارقة أنه في خضم هذا الوضع الصعب، لا تزال الطبقة السياسية غارقة في خلافاتها وصراعاتها السياسية والإيديولوجية، ويبدو أن الأحزاب التي انضمت للمعارضة وفي مقدمتها "التيار الديمقراطي"، تتحضر لتكوين جبهة جديدة ضد ما تسميه بـ"الترويكا الحاكمة والحكومة" على حد سواء، في حين أن البلاد اليوم تواجه حربًا ضروسًا وخطيرة ضد فيروس قد يُزهق أرواح المئات إذا لم تتحد الطبقة السياسية ولو مؤقتًا وتضع خلافاتها جانبا حتى تمرّ أزمة "كورونا"، بأقل الأضرار، وكي لا يدفع الشعب التونسي من أرواحه، ثمن إخفاق السلطة وثمن القرارات الخاطئة أو المتأخرة.