الخليج والعالم
نشطاء تونسيون يرفضون التطبيع الخليجي المعلن مع العدو
تونس – روعة قاسم
يتصاعد نسق التطبيع بين بعض الدول الخليجية والعدو الصهيوني بشكل غير مسبوق، ليثير موجة من الغضب لدى جهات عربية شعبية واسعة. فشعوب المنطقة كانت ولا تزال تعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضيتها المركزية، وذلك بخلاف بعض الأنظمة التي تسعى لأخذ رضى الولايات المتحدة وكسب ودّها من خلال تمتين العلاقات في مختلف المجالات مع العدو الصهيوني.
التطبيع الذي كان يجري تحت الطاولة وبعيدًا عن أعين الكاميرات، بات اليوم معلنًا ورسميًا دون أي خجل لا من دماء الفلسطينيين المُسالة بسبب الاجرام الصهيوني ولا من الشعوب العربية التي خذلتها أنظمتها المتواطئة مع كيان العدو.
وفي هذا السياق، أكد مدير مركز مسارات للدراسات في تونس الناشط والأكاديمي فوزي العلوي في حديث لموقع "العهد" الإخباري انه "أمام انفلات حالة التطبيع الرسمي والعلني بين الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية الوظيفية في المنطقة المتمثلة في بعض دويلات الخليج، من خلال القيام بإجراءات وقحة ومباشرة ودون مراعاة الحد الأدنى من أشكال المواراة، وضمن هذا التمشي فإننا نرفض كل أشكال التطبيع الثقافي والرياضي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي"، داعيا إلى "محاسبة هذه الأنظمة نظرًا لما تسببت به من ضرر للقضية الفلسطينية وضرر استراتيجي بمصالح الأمة وشعوبها الحيّة".
وطالب العلوي شعوب الأمة وأحرارها بـ "إدانة سائر أشكال التطبيع المعلنة مع الكيان الصهيوني من طرف الأنظمة والدويلات الوظيفية وقيام جبهة شعبية تقف أمام هذه الموجة من التطبيع وتقوم بإجراءات قانونية واقتصادية واجتماعية لوضع حد لهذه المواقف الرجعية العميلة المناقضة للتاريخ والجغرافيا والحضارة، كما دعا كل مثقفي الأمة إلى "هبّة شاملة من خلال الإدانة ووقف هذه الحملة المسعورة لفائدة العدو الصهيوني".
بدوره، شدد الباحث في علم الاجتماع التونسي ممدوح عز الدين لـ"العهد" على "خطورة التطبيع الثقافي والنفسي والاجتماعي، الذي يعد أخطر من التطبيع السياسي لأنه يستهدف تغيير الذاكرة الجماعية وترسيخ فكرة ان هذا الكيان المغتصب ليس عدوًا بل صديق، ولشعوب المنطقة تاريخ مشترك معه وأواصر قربى وغير ذلك وهذا هو الخطير".
وقال إن "التطبيع الذي تقوم به بعض الأنظمة الخليجية ليس مستغربًا من هذه البلدان المطبّعة منذ زمن، خاصة ان الولايات المتحدة لا ترضى عن أية دولة إلا اذا كانت لديها علاقات جيدة مع الكيان وهذا لا نستغربه وهو سلوك قديم جديد"، مضيفًا أن المستغرب هو هذا النوع من التطبيع الثقافي فنحن نعرف ان البيئة العربية والشعوب العربية المسلمة في طبيعتها تعتبر ان كيان العدو هو مغتصب وان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لدينا.
واعتبر عز الدين أن "استراتيجية العدو تقوم على ان الآباء يموتون والأبناء ينسون ولا بد من ان يصبح وجود الكيان الصهيوني عاديا وطبيعيا ضمن المنظومة العربية بمعنى ان يكون مسيطرًا ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ في التسعينيات وروجّ له بيريز في ذلك الوقت".
وأضاف عز الدين لـ"العهد" أنه من "المهم الآن أن المقاومة اللبنانية وكل أشكال المقاومة الموجودة أعادت الأمل للشعوب العربية وللعالمين العربي والإسلامي وبرهنت على خطأ الإستراتيجية القائمة على التطبيع، بدعوى أن الكيان كيان قوي وقوة عظمى ولا يمكن التغلب عليها وانه يجب التأقلم مع العدو"، مضيفا أن "هذه العقلية التي فيها نوع من القبول بالأمر الواقع، أكدت فشلها وزيفها أمام الانتصارات التي حققتها المقاومة في أكثر من محطة، وانكسار العدو العسكري في أكثر من مناسبة مثل ما وقع في غزة وجنوب لبنان".
واشار عز الدين إلى ان "هذا البعد النفسي للانتصارات يعطي شحنة عاطفية ضرورية ليؤكد ان سوسيولوجيا الفشل انتهت ونحن الآن دخلنا في مرحلة جديدة هي سوسيولوجيا الانتصارات، وانه اذا آمنا بقضيتنا وبعدالتها فبإمكاننا المواجهة وانه لا بد ان نقاوم ليس فقط أشكال التطبيع السياسي بل كل أشكال التطبيع الثقافي والتربوي"، وقال: "الآن في أكثر من قناة تلفزيونة هناك تطبيع على مستوى المسلسلات والوثائقيات وتطبيع في البرامج التربوية، وفي العديد من الدول نجد الإشارة الى خريطة فلسطين وقد كتب عليها "اسرائيل"، وذلك ضمن قراءة للتاريخ تتماشى مع القراءة الاسرائيلية .. اذاً الخطير هو التطبيع التربوي والوجداني والنفسي وان يصبح الصهيوني صديقا".
وختم عز الدين قائلاً إن "العداوة هي عداوة استراتيجية وليست عداوة نفسية فقط، فهذا الكيان يمنع أي شكل من أشكال التقدم والتحرر والنهوض العربي والإسلامي، ويجب مقاومته من أجل تحررنا وتحقيق التنمية كي يكون لنا مكان فوق الأرض وتحت الشمس"، مضيفا أن "ما تقوم بعض الدول الخليجية يعارض في الأساس رغبات شعوبها الرافضة للتطبيع، وسلاح المقاومة لا بد ان يتوجه نحو الصهاينة ولا بد من فضح ممارسات المطبعين وخياناتهم لأن أبناءنا وأحفادنا والأجيال القادمة لن تسامحنا على هذا التطبيع".