الخليج والعالم
رمضان في العراق.. طقوس وتقاليد غيّبها وباء كورونا
بغداد: عادل الجبوري
اختلفت صورة شهر رمضان الكريم في العراق خلال هذا العام عن الاعوام السابقة بسبب وباء فايروس كورونا الذي ألقى بظلاله الثقيلة المرعبة على كل مناحي الحياة، اذ ان مجمل العادات والطقوس والشعائر الدينية والاجتماعية والتراثية اختفت بشكل شبه كامل ان لم يكن بالكامل، وحلت محلها اجواء ومناخات وضوابط وقيود غير مسبوقة ولا معتادة من قبل.
مراقد ومساجد فارغة
ولعل واحداً من ابرز مظاهر شهر رمضان في العراق، اكتظاظ المراقد الدينية المقدسة للائمة (ع) والصحابة الاطهار في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية وسامراء ومدن اخرى بحشود الزائرين، لا سيما خلال الفترة الممتدة من عصر كل يوم وحتى صباح اليوم التالي، اذ ان مختلف المراقد كانت تحتضن الكثير من البرامج الرمضانية من قبيل جلسات تلاوة القرآن الكريم، والادعية والزيارات، مثل دعاء الافتتاح ودعاء السحر وزيارة الامام الحسين عليه السلام، والمحاضرات الدينية والثقافية والمجالس الحسينية، وصلوات التراويح، فضلا عن احياء ليالي القدر المباركة وذكرى استشهاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.
الأمر نفسه يصدق على المساجد والحسينيات، التي كان الكثير منها يقوم اضافة الى تنظيم البرامج الرمضانية بتقديم وجبات الافطار للصائمين، ومساعدة العوائل الفقيرة بتزويدها بالسلات الغذائية الاساسية.
ولان أحد الاجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية المعنية، لمواجهة وباء كورونا هو اغلاق المساجد والحسينيات وكذلك المراقد الدينية، وفرض حظر التجوال داخل المدن وبينها، فإن تلك الشعائر والطقوس توقفت ولم يعد لها وجود في شهر رمضان الحالي.
طقوس اجتماعية شبه غائبة
ولم تقتصر تبعات واثار وباء كورونا على الطقوس والمظاهر الدينية، بل انها امتدت الى الطقوس والعادات والمظاهر الاجتماعية، فبينما كانت المطاعم والاسواق والمولات والمتنزهات والحدائق العامة تعج بالعوائل، لا سيما في اوقات المساء، فلأن ذلك لم يعد ممكنا في ظل شمول العديد من الاماكن العامة بقيود واجراءات الحظر، من قبيل المطاعم والمولات والاسواق الكبيرة والمتنزهات، ناهيك عن تحديد أوقات حظر التجوال من الساعة الخامسة عصرا وحتى الخامسة صباحا.
مضافا الى ذلك فإن تبادل الزيارات واقامة الولائم الرمضانية من قبل الاقارب والاصدقاء والجيران، انحسر الى حد كبير، إما بسبب صعوبة وعدم امكانية التنقل بين المدن والمناطق، او نتيجة التزام اعداد كبيرة من الناس بضوابط وتعليمات التباعد الاجتماعي وتجنب الاختلاط واقامة التجمعات، وحتى حركة الاسواق -وان لم تتوقف تماما- الا انها تراجعت بصورة واضحة وملموسة، حيث ان التبضع بات يقتصر في جانب كبير منه على الحاجات الاساسية، في ظل تعطل وتوقف نشاط وحركة مختلف مفاصل القطاع الخاص، وفقدان الكثير من الاشخاص فرص عملهم، وهو ما اثر بالتالي على مجمل أوضاع الأسواق التجارية، في ذات الوقت، غابت الامسيات الرمضانية التي كانت تقام في معظم المناطق الشعبية، وتتخللها مسابقات لالعاب شعبية تراثية، من قبيل المحيبس، وكذلك بعض النشاطات والفعاليات الرياضية المتعارف عليها.
ليس هذا فحسب، بل ان اللقاءات السياسية التي كان يحفل بها شهر رمضان في السابق، غابت وانحسرت هي الاخرى، ولم تعد تعقد في شهر رمضان الحالي الا في حالة الضرورات القصوى، كعقد جلسة البرلمان لمنح الثقة للحكومة الجديدة، او اجتماعات مجلس الوزراء واجتماعات خلية الازمة الحكومية لمواجهة فايروس كورونا.
بدائل واقعية
في مقابل ذلك، فإن اجراءات حظر التجول والحجر المنزلي – الطوعي أو الاجباري - ساهمت في اتساع نطاق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في انجاز بعض الاعمال التي يمكن انجازها الكترونيا وعن بعد، أو للتعويض عن فقدان امكانية التواصل والتزاور والتنقل ضمن العالم الحقيقي عبر اللجوء الى العالم الافتراضي، وبالتالي سد اوقات الفراغ الطويل، حتى ان هناك دراسات وتقارير احصائية تشير الى تزايد اعداد المستخدمين لشبكة الانترنت في العراق منذ تفشي وباء كورونا وبقدر أكبر خلال شهر رمضان، مع تزايد ساعات وأوقات الاستخدام، خصوصًا وأن القنوات الفضائية التلفزيونية، راحت تخصص المزيد من أوقات بثها للبرامج التفاعلية، مثل المسابقات الرمضانية، وتلاوة القرآن الكريم وزيارة الأئمة الأطهار عن بعد وغيرها، ناهيك عن التركيز على عرض الاعمال الدرامية التلفزيونية، التي أثار البعض منها الكثير من الجدل والسجال في أوساط الرأي العام والمحافل الثقافية بسبب خوضها في موضوعات سياسية واجتماعية تنطوي على محاذير أو قضايا حساسة.
ومع رغبة وتطلع أعداد من المواطنين الى تخفيف اجراءات حظر التجوال مع قرب حلول عيد الفطر، فإن ارتفاع حالات الاصابة بالوباء في الآونة الأخيرة، خصوصا في العاصمة بغداد ومحافظة البصرة، دفع الجهات الحكومية الى التلويح بامكانية اعادة فرض حظر التجوال الشامل، فضلا عن ذلك، فإن خلية الازمة الحكومية المعنية بفايروس كورونا استبقت الامور واعلنت منذ الاسبوع الماضي ان ايام عيد الفطر ستشهد حظرا شاملا للتجوال، وهو ما يعني ان تقاليد وعادات وطقوس العيد ستغيب هي الاخرى بصورة شبه كاملة كما غابت تقاليد وعادات وطقوس شهر رمضان.