الخليج والعالم
الناطق باسم "التيار الشعبي" في تونس لـ"العهد": مقاومة التطبيع لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة
تونس – روعة قاسم
أكد الناطق الرسمي باسم "التيار الشعبي" في تونس محسن النابتي أن فيروس كورونا فرض على تونس تحديات كبرى اقتصادية واجتماعية مشيرًا الى أن هناك إصلاحات حتمية يجب الشروع في تنفيذها لتجاوز الأزمة، مشيرًا الى أنه إذا لم يحصل تحول جذري في الرؤية الاقتصادية فإن تونس مقبلة على هزة اجتماعية عنيفة جدًا. وفي حديثه لموقع "العهد" الاخباري، تطرق الى مستجدات الوضع في تونس وليبيا محذرًا من خطورة الدور التركي في المنطقة، مؤكدًا أن تركيا مرت من الهيمنة الى الاحتلال حيث تحتل أراضيَ عراقية وسورية وليبية وتحاول نشر قواعدها في أغلب أقاليم الوطن العربي. وقال إن التدخل التركي قوّض كل فرصة للسلام في ليبيا. وفيما يلي نص الحديث:
هل يمكن القول إن تونس سيطرت على الموجة الاولى من وباء كورونا بعد تسجيل صفر حالات؟
الوضع الوبائي في تونس الى حد الآن تحت السيطرة ولم يصل الى مستوى خطير على غرار بلدان أخرى على الأقل حسب الاحصائيات الرسمية. وعموما الوضع في تونس متقارب مع أغلب الدول العربية والإفريقية التي وبحمد الله لم تسجل اصابات قياسية بوباء كورونا على غرار البلدان الأوروبية وأمريكا. ونتمنى أن تكون هناك عوامل طبيعية ساعدت هذه الشعوب على تخطي الأزمة الى جانب طبعًا الإجراءات التي اتخذت. ولكن لا يجب الاطمئنان للوضع ويجب استمرار الاجراءات حتى لا تحصل الانتكاسة، فالوضع في تونس بات هشًّا جدًا ولا يتحمل حظرًا شاملًا مرة أخرى.
ما رأيكم في استراتيجية الحكومة الاقتصادية؟ وهل هي كافية لإنقاذ الوضع الراهن؟
إذا لم يحصل تحول جذري في الرؤية الاقتصادية فإن تونس مقبلة على هزة اجتماعية عنيفة جدًا. وهذه الرؤية يجب أن تقطع مع النهج النيوليبرالي بالكامل، هذا النهج الذي سيطر على البلاد، بما فيه من عمليات خصخصة واسعة، وتحرير للسوق ولحركة رؤوس الأموال، وتركيز الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الأكثر ربحية، قطاعات البنى التحتية والعقارات والسياحة والبنوك، مما أغرق البلاد في المديونية والعجز المالي، ودمر المؤسسات الإنتاجية في الصناعة والقطاعات الحرفية، وفكك الإنتاج الريفي الفلاحي. هذا النهج فرض تخلي الدولة عن دورها التنموي وأفقدها سيادتها الاقتصادية، وباتت الأوضاع تنذر بكارثة خاصة بعد أزمة جائحة كورونا.
لذلك، المطلوب اليوم وبسرعة وقبل فوات الأوان إعادة النظر في الأولويات الوطنية وذلك بالاهتمام بتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب في مجالات الصحة والتعليم والنقل وتوفير فرص العمل وتحقيق الأمن الغذائي وذلك بعودة الدولة بخطة مركزية للإنقاذ والبناء الاقتصادي من خلال الشروع في وضع خطط طموحة، مرنة، قصيرة ومتوسطة بالنسبة لمجالات الاستثمار وتشكيلة الإنتاج وأهداف التصدير، واستخدام معايير اقتصادية رشيدة في وضع هذه الخطط ومن أهمها معيار الميزة النسبية الدينامية التي تأخذ بأسعار المنافسة العالمية وظروفها على المدى القريب والمتوسط.
وعودة الدولة للتدخل في سياسة الأسعار والحوافز للإسراع في عملية التوسع في مجالات معينة مثل تصدير السلع الصناعية، والاكتفاء الذاتي في الإنتاج الفلاحي، والحد من استهلاك السلع الترفيهية.
الشروع الفوري في تعبئة الموارد المالية حيث يعتبر شح الموارد المالية قيدًا خانقًا على التنمية في تونس لا يمكن تجاوزه إلا بالسيطرة الكاملة على قطاع المال والبنوك، وإلغاء قانون استقلالية البنك المركزي الحالي والعودة للقانون السابق. وفرض الضرائب التصاعدية على الثروات الكبرى والحد من الإنفاق غير المنتج وإيقاف عملية الهدر في الإنفاق والبلبلة في الأولويات، وإجراءات حاسمة لمقاومة التهريب وإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم وإصلاح جبائي عميق يكرس العدالة الجبائية ويمنع التهرب الجبائي، وتعليق سداد الديون بقرار سيادي مثلما حصل مع ايسلندا في أعقاب أزمة 2008.
ما تأثير الملف الليبي على الأوضاع في ليبيا خاصة في ظل تصعيد الوضع؟
الأزمة الليبية تداعياتها كارثية على تونس اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا. فليبيا كانت أهم شريك عربي وإفريقي لتونس وكانت من أكثر الدول التي يوجد بها عمال تونسيون، ناهيك عن حجم المبادلات بين البلدين، منذ احتلال ليبيا 2011، فإن ثقل التدخلات والضغط أكبر على تونس داخليًا وخارجيًا وقد فشل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في الخروج من هذه الشرنقة وبقيت تونس هامشية في الأزمة الليبية حتى الآن.
ما هي أهداف ومطامع اردوغان في ليبيا؟ وكيف أثرّ التدخل التركي سلبًا على المعادلة الليبية وقوض أفق الحل السياسي؟
السياسة التركية تجاه الوطن العربي بدأت مع حزب العدالة والتنمية بصفر مشاكل الى مائة بالمائة مشاكل حاليًا، لأنه باختصار بعد فشل تركيا في الانضمام للاتحاد الاوروبي تحولت لبناء علاقات مشرقيًا، وكانت في البداية شراكة حيث وقعت الاتفاقيات مع سوريا وليبيا وتونس وغيرها، بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي" تحولت تركيا من استراتيجية الشراكة الى محاولة الهيمنة. وهي الآن تحاول أن تمر من الهيمنة الى الاحتلال حيث تحتل أراض عراقية وسورية وليبية وتحاول نشر قواعدها في أغلب أقاليم الوطن العربي. وبالتالي باتت تقوض الأمن القومي العربي وفي ليبيا قوض التدخل التركي كل فرصة للسلام في ليبيا وأصبح الصراع تناحريًا قد يفضي الى تصادم اقليمي في المنطقة أمام رفض القوى الإقليمية الاخرى سواء عربيا مثل مصر والجزائر أو أوروبيا الوجود العسكري التركي.
للأسف الموقف التونسي غريب وعجيب لأنه لا نفهم الى حد الآن كيف تعتبر تونس تدخل تركيا في ليبيا شأنًا ليبيًا تركيًا في الوقت الذي تستغل فيه تركيا مليشيات اجرامية وتضع المنطقة على فوهة بركان من خلال جلب العناصر الارهابية من سوريا ومن خلال تواجدها العسكري المباشر. فتونس مطالبة بإدانة التدخل التركي ورفضه من منطلق الأمن القومي لتونس.
ماذا عن الحراك التونسي المتواصل لإعادة العلاقات مع سوريا ودوركم في الحراك؟
ما يجري بخصوص سوريا ايضا غريب وعجيب فالدولة التي شاركت في العدوان فعليا على سوريا بدأت تعيد علاقتها وسفاراتها فتحت، أما تونس فترفض ذلك، بكل وضوح لان تركيا وبعض الدول الخليجية لا تريد للصراع في سوريا ان ينتهي. ولكننا سنواصل ضغطنا من أجل عودة العلاقات التونسية السورية الدبلوماسية.
اين أصبحت المعركة التونسية ضد الارهاب التكفيري اليوم؟
الارهاب التكفيري ما زال يشكل خطرا في تونس، والوضع في ليبيا عقدّ الوضعية كذلك عودة الارهابيين من سوريا. ولكن عمومًا، الارهاب التكفيري فقد الحاضنة الاجتماعية التي حاول البعض بناءها في السنوات الماضية، والأداء العسكري والأمن تطور في المواجهة بشكل جيد.
وكيف يمكن مواجهة موجة التطبيع مع الصهاينة؟
موجة التطبيع مع الصهاينة في تونس لدى البعض هي جزء من الموجة العامة التي تجتاح المنطقة العربية باعتبار التطبيع أحد الأهداف الرئيسية لصفقة القرن واحد ضمانات استمرارها في آن واحد. ولذلك نعتبر في التيار الشعبي أن مقاومة التطبيع لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة في الأرض المحتلة. لأن المقاومة المسلحة تنزع عن العدو الأمن والاستقرار، ومقاومة التطبيع تنزع عنه الاعتراف وكل الآليات الشعبية والسياسية والقانونية ستفعّل في المواجهة . ولكن أهم سلاح غائب الى حد الآن هو توحيد وتشبيك الجهود عربيا في مواجهة موجة التطبيع، وهذا ما سنعمل عليه في الأيام القادمة بدءا من احياء ذكرى النكبة ويوم القدس العالمي.