الخليج والعالم
ليبيا وإعادة خلط الأوراق من جديد
تونس – روعة قاسم
يبدو ان الأمور في ليبيا تتجه الى مزيد من التصعيد، وأفق التسوية بات أبعد من أي وقت مضى، بعد ان فشلت كل محاولات إيجاد الحل السلمي للأزمة واختار فرقاء الصراع في ليبيا الابقاء على السلاح كخيار وحيد لفرض الأمر الواقع بالقوة .
وتتجه كل الأنظار اليوم الى بلد عمر المختار، بعد ان أعلن المشير المتقاعد خليفة حفتر نفسه حاكما عاما للبلاد، لينسف بذلك اتفاق الصخيرات السياسي وكل ما تبعه من حلقات نقاش ومباحثات لإنهاء الصراع، وهي خطوة جوبهت بردود فعل واسعة داخليا ودوليا.
وقد أكدت روسيا أن الحل الوحيد للأزمة الليبية هو التواصل السياسي والدبلوماسي بين الأطراف المتنازعة بحسب ما صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، وذلك بالرغم من التقارب اللافت بين المشير وموسكو، الا ان الأخيرة ترى ان التسوية السلمية بين فرقاء الصراع هي الحل الوحيد لإنهاء الازمة.
ويشار إلى أن هناك اليوم اتصالات روسية حثيثة سياسية ودبلوماسية بين جميع الأطراف في محاولة لتهدئة الأوضاع وحث الفرقاء على العودة لطاولة المباحثات، في حين أكدت الأمم المتحدة أن اتفاق الصخيرات يجب ان يكون الإطار الدولي الوحيد للاعتراف بالوضع الليبي.
كما أكدت مصر- وهي حليفة أساسية لحفتر- تمسكها بالحل السياسي لتسوية الصراع في ليبيا على الرغم من وجود خلافات بين الأطراف الليبية حول كيفية تنفيذ ذلك.
علاوة على ذلك أدان الاتحاد الأوروبي تنصيب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، نفسه حاكما على ليبيا، واصفا ذلك بأنه انتهاك للاتفاق السياسي المبرم في 2015. كما أعلنت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء إعلان خليفة حفتر قائد ما يسمى بـ" الجيش الوطني الليبي"، إلغاء اتفاق الصخيرات.
وكانت برلين قد لعبت دورا هاما -بديلا عن الدور الفرنسي والإيطالي- في الفترة الأخيرة واستضافت قبل أشهر قمة عن ليبيا بمشاركة 16 دولة ومنظمة دولية أعلنت التزامها بإنهاء التدخل الخارجي في الصراع الليبي، غير أن إمدادات السلاح إلى ليبيا لم تتوقف وفشلت الهدنة المعلنة آنذاك.
ويبدو أن أسبابًا عديدة دفعت حفتر لهذا التحرك أولها هو قيام تركيا بمحاولة تغيير المعادلة الليبية وموازين القوى لصالح حلفائها في حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج بعد ان أغرقت البلاد بالمرتزقة الذين جلبتهم من سوريا.
التدخل التركي في ليبيا أدى الى مزيد من تصعيد الوضع، إذ سعت انقرة الى إيجاد موطئ قدم لها في الساحة الليبية لتعويض خسارتها في سوريا وارادت ان تستخدم الملف الليبي كورقة ضغط أخرى في اطار ميزان القوى في المنطقة.
وتتحدث التقارير عن وجود ما بين 5 و8 آلاف مرتزق في طرابلس ومصراتة والزاوية إضافة الى ضباط اتراك.
خطوة حفتر كانت متوقعة أيضا بالنسبة الى العديد من المتابعين، بالنظر الى التقدم الذي أحرزته حكومة الوفاق مدعومة من انقرة . فقد تمكنت من السيطرة على العديد من المناطق في الغرب الليبي على غرار صبراتة والتي كانت حتى الأمس القريب تحت سيطرة حفتر.
واليوم في خضم المخاوف من ان يخسر المشير المزيد من المدن والمواقع الهامة في ليبيا وخاصة قاعدة الوطية الاستراتيجية في جنوب غرب طرابلس، اتجه الى الحل الأقصى من خلال اعلان نفسه حاكما.
وكانت قاعدة الوطية وهي اكبر قاعدة عسكرية في المنطقة قد تعرضت لهجمات صاروخية ولقصف جوي مكثف من قبل حكومة الوفاق أدى الى اضرار كبيرة وسقوط ضحايا.
وبالنسبة لحفتر، الوطية هي مركز قيادة العمليات الغربية وهي نقطة القصف على طرابلس، وتعتبر أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة وتقع تحت سيطرة القوات الموالية لحفتر منذ 6 سنوات.
وكانت حكومة الوفاق قد اطلقت عملية عسكرية " عاصفة السلام" والتي استطاعت من خلالها السيطرة على العديد من المناطق.
وتشير كل التوقعات الى مزيد من التصعيد لأن الملف الليبي لم يعد أمرا داخليا ليبيا -ليبيا، بل بات بيد القوى الخارجية التي ليس من مصلحتها ان ينتصر طرف ضد طرف آخر.
كل السيناريوهات واردة الآن والحرب القادمة في هذا البلد تبدو أسوأ مما سبقها في ظل فشل كل الحلول السياسية والمبادرات الإقليمية والأممية والدولية لإنهاء الصراع، والخاسر الأكبر من هذه الحرب الأهلية الدائرة هم الليبيون أنفسهم الذين دفعوا من دمائهم وأموالهم ثمنا لهذه المعارك المتواصلة منذ سنوات بلا توقف.
الحرب الأخيرة كبدت الاقتصاد الليبي خسائر فادحة بعد ان تراجعت الصادرات النفطية الليبية بحسب آخر الأرقام بنسبة 30ر92 بالمئة، وهو ما يحرم الليبيين من عائدات نفطهم التي قد تساهم في إعادة الاعمار وإصلاح اقتصادهم الوطني الذي تضرر بسبب المعارك.
وعليه، يتجه الوضع في ليبيا الى مزيد من التعقيد في ظل فشل كل الدعوات الى هدنة إنسانية بسبب جائحة كورونا، ويبدو ان فيروس الحرب هو أخطر على الليبيين من "كورونا".
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
22/11/2024