الخليج والعالم
ما تكشفه أزمة كورونا عن الولايات المتحدة ورئيسها
ترجمة قسم اللغة الانكليزية في موقع "العهد الإخباري"
نيك براينت - مراسل "بي بي سي" في نيو يورك
بعد أن كانت معروفة بطاقتها المعدية، تحوّلت مدينة "نيويورك" الصاخبة إلى بؤرة "كورونا" في الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا فجأة انقلب عالم الأمريكيين رأسًا على عقب، تمامًا كما حصل في 11 أيلول/سبتمبر 2001.
في الأزمات، تُكشف معادن الأمم. وفي حالات الطوارئ، يتبيّن ما إذا كان الرئيس الحالي بقدر المسؤولية. أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا في هذه الأوقات:
ما الذي عرفناه عن الولايات المتحدة من خلال مواجهتها لهذه الكارثة الوطنية والعالمية؟ هل سيرتقي المشرعون في مبنى الكابيتول الأمريكي إلى مستوى التحدي؟ وماذا عن الرجل الذي يجلس في المكتب البيضاوي والذي وصف نفسه بأنه "رئيس زمن الحرب"؟
من بين الأسئلة الثلاثة، السؤال الأخير هو الأقل إثارة للاهتمام، والسبب إلى حد كبير يرجع إلى أن رد دونالد ترامب كان متوقعًا للغاية. فهو لم يتغيّر ولم ينمُ ولم يعترف بالأخطاء. بل أظهر القليل من التواضع.
بالرغم من أنه يدعي تقديره بشكل كامل لحجم وباء كورونا في وقت مبكر، إلّا أنه قلّل من أهميّته لأسابيع في بادئ الامر. زد على ذلك هجماته المستمرة على المؤسسات الحكومية في طليعة مواجهة الأزمة. حبه للدعاية، حيث انه أعلن عن مزيج الهيدروكسي كلوروكوين وأزيثروميسين كـ "أحد أكبر العوامل التي تغير قواعد اللعبة في تاريخ الطب" بالرغم من تحذيرات خبراء الطب من تقديم آمال زائفة، افتقاره إلى العاطفة. بدلاً من القائه الخطابات المهدئة لأقارب الذين قضوا أو كلمات التشجيع والتقدير للأطقم الطبية، يستهل ترامب بياناته اليومية في البيت الأبيض بتهنئة نفسه.
ثم هناك رهاب الأجانب الذي كان دائمًا شرطًا لا غنى عنه في عمله السياسي، إذ وصف الرئيس الأمريكي جائحة "كورونا" بـ "الفيروس الصيني".
أما محاولته الإشراف الاقتصادي فكانت أكثر إقناعًا من إتقانه للصحة العامة. فهو يفضل الحلول البسيطة على المشكلات المعقدة. وفي خطوة معقولة ولكن متأخرة، منع الأشخاص الذين سافروا الى الصين من دخول البلاد.
ويبقى سؤالٌ محيّرٌ، لماذا لا تمتلك أغنى دولة في العالم نظام رعاية صحية شاملًا؟
إضافة إلى كل ما تقدم، أظهرت الأزمة كيف أن الأمريكيين أجروا على مدى عقود نسخة سياسية من التباعد الاجتماعي - تجمُّع المحافظين والليبراليين كل في مجتمعات متشابهة التفكير بسبب رد الفعل التحسسي تجاه المواطنين الذين يبدون آراء سياسية معارضة. وهكذا، يستمر الاستقطاب السياسي وسط الوباء.
أما بالنسبة إلى الجمود في مبنى الكابيتول فمن المؤكد أن تفشي الوباء سيكسره في نهاية المطاف، ولو للحظات. فلا خيار أمام المشرعين سوى التشريع نظرا لضخامة الأزمة الاقتصادية وتخييم شبح الكساد الكبير على القرن الحادي والعشرين.
كما هو الحال مع هجمات 11 ايلول/ سبتمبر، تم تجاهل التحذيرات بشكل متكرر داخل الحكومة. وفي السنوات الأخيرة، تم اجراء العديد من التدريبات لاختبار استعداد البلاد لمواجهة وباء ما. وكما هو الحال دائمًا كانت التوترات قائمة بين الوكالات الفيدرالية والولايات. وهذا التراجع المؤسسي للحكومة جلي الآن سواء من حيث النقص في الأقنعة والأثواب الواقية أو من حيث قلة التحاليل المبكرة.
بناء على ذلك، فإن ادعاء أمريكا التفوق العالمي يبدو أقل إقناعًا يومًا بعد يوم. فالولايات المتحدة لم تقدم نموذجًا لكيفية التعامل مع هذه الأزمة. ولم يعد يتوقع منها أحد أن تقوم بتعبئة استجابة عالمية كما في الازمات السابقة.
سياسيا، سيكون لهذا الوباء الكثير من التداعيات. قد يُعيد فيروس "كورونا" تشكيل السياسة الأمريكية بشكل كبير مثل الكثير من التشنجات التاريخية الهائلة الأخرى التي حدثت في القرن الماضي. فالحياة الطبيعية ليست شيئًا يمكننا توقع رؤيته لأشهر وربما حتى لسنوات. ولكن الكيفية التي تتغير فيها أمريكا نتيجة للوباء ستحددها طريقة استجابتها.
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
25/11/2024