الخليج والعالم
بعد نيلها الثقة.. حكومة الفخفاخ أمام تحديات واستحقاقات
تونس – روعة قاسم
بعد طول انتظار وساعات طويلة من التجاذبات والمعارك الكلامية بين الكتل النيابية المؤيدة والمعارضة، تمكّنت حكومة الياس الفخفاخ من تجاوز الامتحان الصعب ونالت ثقة البرلمان بموافقة 129 عضوًا ورفض 77 عضوًا من أصل 217 نائبًا.
وتضم التركيبة الوزارية 32 عضوا، ما بين وزراء وكتاب دولة ويشارك فيها كل من حزب "النهضة" بستة وزراء وحزب "التيار الديمقراطي" بثلاثة وزراء و"حركة الشعب" بوزارتين وبمثل ذلك لكل من حركة "تحيا تونس" حزب رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ولكتلة "الاصلاح الوطني" في البرلمان، في حين أُسندت وزارات السيادة لمستقلين وذلك في محاولة للخروج من أزمة تقاسم " الكعكة الوزارية" والتنافس على وزارات السيادة بين الأحزاب السياسية.
متابعون يرون أن حكومة الفخفاخ ضمنت الأغلبية المطلوبة لنيل الثقة عبر الأحزاب الممثلة في البرلمان، ليس لأنها تحظى برضى هذه الطبقة السياسية، بل لأنها كانت أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإمّا القبول بهذه الحكومة او المرور الى انتخابات سابقة لأوانها خاصة بعد تلويح رئيس الجمهورية قيس سعيد بحل البرلمان اذا لم تنل الثقة.
وتتألّف الحكومة الجديدة من الائتلاف الذي يضمّ أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، إضافة إلى كتلة الإصلاح.
تحديات كبرى
وفي خطابه أمام البرلمان وضع الفخفاخ لائحة بالملفات الحارقة التي اعتبرها أولوية لحكومته وهي مكافحة الجريمة والغلاء والفساد، إلى جانب انعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد والحد من التضخم وزيادة انتاج الفوسفات، مؤكدا في خطابه أمام المجلس النيابي ضرورة إصلاح المؤسسات العمومية والتعليم والخدمات الصحية.
حكومة الفخفاخ تدرك أنها ستكون أمام أزمات معقدة وان مهمتها ليست بالسهلة بالنظر الى حجم التحديات التي تواجهها سواء سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا، وهذا يتطلب بحسب عدد من المحلّلين أن تدخل الحكومة في هدنة مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومع الجهات الداخلية والفاعلين فيها حتى يعود نسق تصدير الفوسفات الى وضعه الطبيعي ويزدهر قطاع الفلاحة مجددا ليجلب العملة الصعبة وتنظيم القطاع مثل السابق.
ويعتبر الناشط والباحث السياسي ناصر الخشيني في حديثه لـ"العهد الاخباري" أن التحديات التي تواجه الحكومة التونسية هي ما تخفيه قوى اليمين، بحيث تشعر أنها مهزومة في هذه الحكومة ولا تملك فيها اليد الطولي، وبالتالي يمكنها أن تلتقي بعد مرور ستة أشهر لإسقاطها واختيار رئيس حكومة تختاره في نفس الجلسة حسبما ينص عليه الدستور إضافة إلى أن هذه القوى تمتلك لوبيات وقدرات من شأنها تعطيل عمل الحكومة، إضافة إلى كوادرها المبثوثة في ثنايا الدولة، إذ يمكنها أن تفعل أيّ شي في هذا المجال.
وبحسب الخشيني، يمكن تجاوز هذه العقبات بالتآزر بين الشرعية المكثفة للرئيس قيس سعيد والسند الذي يلقاه من الكتلة الديمقراطية وقوى الثورة من شباب ومجتمع مدني ومنظمات وأحزاب وطنية من غير قوى الثورة المضادة.
استبعاد المطبعين
وفي قراءة لتركيبة الحكومة الوزارية، يُشير الخشيني الى خلوها من المطبعين مع الصهاينة مضيفا، ويقول "نلاحظ استبعاد روني الطرابلسي وزير السياحة والصناعات التقليدية بعد ثبوت تعامله مع الكيان الصهيوني وجلبه سياحا صهاينة لمعبد الغريبة وتحديه للتونسيين بزيارته للبيت الذي كان يقيم به الشهيد خليل الوزير الذي اغتالته الموساد عام 1988 ببيته بتونس .
ويعود الفضل في استبعاده، وفق الخشيني، الى حركة الشعب التي كانت حاسمة في رفض أي مطبع مهما كان، فمقاربة حركة الشعب تؤكد أن الذي يعيبه هو تصهينه وما قام به من خطوات تطبيعية كالإدلاء بتصريحات لوسائل اعلام صهيونية فضلا عن كونه لم يدن الكيان الصهيوني في اي جريمة اقترفها.
أعباء اقتصادية واجتماعية
ومن التحديات التي تواجه حكومة الفخفاخ أيضا الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية في البلاد، فمعظم التونسيين لهمم مطالب عاجلة وملحّة وإمكانيات الدولة غير قادرة على تلبية كل الحاجيات.
الخشيني يعتبر هنا أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية تتمثل في سيطرة لوبيات وعائلات بعينها على الاقتصاد وخاصة في سنوات ما بعد 2011 ، بحيث كانت معظم مقدرات البلاد بأيديهم (تجارة ومقاولات) إضافة الى فرض سياسات الاقتصاد المعولم التي أفقرت الطبقة الوسطى مما جعل معظم الشرائح الاجتماعية في حاجة عاجلة لتدخل الدولة في كل القطاعات إضافة إلى انتشار الفساد والمحسوبية وانعدام النزاهة والبيروقراطية. هذه كلها – بحسب الخشيني - أعباء مضافة تتحملها الحكومة التي تتضمن داخلها جملة من التناقضات ضمن فريقه، فمن ناحية تتضمن عناصر من حركة الشعب المصنفة بكونها قوى الثورة وتحمل بدائل اقتصادية واجتماعية من شأنها احداث تغيير نوعي في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لكنها في الوقت نفسه تضم عناصر يمينية حداثية لا ترى مانعا ان تخدم الأهداف الغربية بارادتها او تحت تأثير الضغط، وبالتالي فإن هذه الحكومة ستواجه صعوبات جمّة.
اليوم أمام وجود لوبيات التهريب والتجارة الموازية والتمعش من الفوضى العامة التي تعيشها البلاد، لا بد من إصلاح جذري وعميق لمختلف القطاعات وخاصة الحيوية منها كالتعليم والصحة والنقل والفلاحة والسيطرة على الثروات الوطنية.
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
25/11/2024