الخليج والعالم
عام 2019 في سوريا.. بين السياسة والميدان
علي حسن
لم تشهد سوريا في عام 2019 تلك المعارك الضخمة. الجيش السوري قد أعاد معظم المناطق الاستراتيجية الهامة لسيطرته وحسم معاركها لصالحه في الأعوام السابقة و جدارة، ولم يبقَ سوى الشرق الذي يبدو أن المسار السياسي سيحسم عودته عاجلاً أم آجلاً بالتوافق مع "قسد"، بعكس ادلب التي تسير فيها العمليات العسكرية على مراحل بعد تعثر اتفاق سوتشي وعدم التزام الجانب التركي بتعهداته فيه، ما أدى لاستئناف العمل الميداني كما غيرها من المناطق التي عادت خلال السنين السابقة.
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا الصادر في التاسع عشر من شهر كانون الثاني/يناير 2018 دفع للاعتقاد بأنّ 2019 سيكون عاماً سياسياً بفعل نتائج ذلك من مفاعيل سياسية محلية وإقليمية. القرار الذي لم ينفذ بَعد انعكس هدوءاً على الميدان السوري في بداية العام على الأقل و فتح المجال لمحطات سياسية عديدة، تخللها العمل الميداني على مراحل متقطعة على طول مداره، حيث انشغل العالم طوال الأشهر الثلاث الأولى بقرار الانسحاب الذي لا يزال يُماطل فيه حتى اليوم، ولكن حلفاء واشنطن ممن شكلوا رأس حربة الهجوم على سوريا عاشوا على أعصابهم حينها وحاولوا ثني ترامب عن قراره في مشهد اتضح أن الهدف الأمريكي منه كان ابتزازهم ومساومتهم على دفع ثمن بقاء القوات، و لذلك بدا تفاؤل السوريون بالانسحاب غير كامل لتوقعهم بالمراوغة الأمريكية وبعد أن كانت الأشهر الأولى متروكةً منهم للمسار السياسي، عادت الكلمة للميدان و بدأ الجيش السوري في شهر نيسان مرحلته الأولى من معركة ادلب، تخللتها هدنة ناتجة عن مسار أستانة واتفاق سوتشي، عاد الجيش بعدها لاستئناف هجماته في شهر أيار/مايو بعد خروقات الإرهابيين.
ريف حماه الشمالي كان الهدف حينها وحرر الجيش قرىً عديدة و قطع الطريق الواصلة بين بلدة كرنبوذة وقلعة المضيق، مسيطراً على الأخيرة في التاسع من شهر أيار /مايو ما مهّد للانطلاقة نحو بلدة الهبيط والسيطرة عليها في الحادي عشر من شهر آب/اغسطس، وعزل ريف ادلب الجنوبي عن ريف حماه الشمالي.
في شهر تموز/يوليو فُتح باب السياسة مجدداً على ملف لجنة مناقشة الدستور وشهد حركةً دبلوماسيةً أوحت بتوافق الأطراف المعنية حولها بينما كان المشهد الحقيقي معقداً ومتشابكاً بفعل التدخلات الغربية، وفي شهر آب كانت جولة جديدة من مسار أستانة توازت مع عمل عسكري أوسع من سابقه مهّد لانتصار كبير تمثل باستعادة مدينة خان سيخون في الثاني والعشرين منه بعد هدنة قصيرة جداً نتجت عن جولة أستانة المذكورة و خرق الإرهابيين لها.
السيطرة على خان شيخون كانت محطة فارقة في الميدان وفرض الجيش السوري واقعاً عسكرياً جديداً في ادلب من خلالها، واستمر بتقدمه طيلة شهر آب حتى استعاد في الثلاثين منه مدينة التمانعة ليعلن في اليوم التالي قبوله بهدنة جديدة انتهى بها الشهر، وفي السابع من شهر أيلول/سبتمبر وقعت تركيا وأمريكا اتفاقيةً بإقامة ما تسمى بالمنطقة الآمنة في مشهد غامض خصوصاً مع التصريحات المتناقضة من الطرفين، بالتزامن مع تحضيرات الدولتان السورية والعراقية لفتح معبر البوكمال – القائم الحدودي وإعادة التواصل البري ليتم افتتاحه في الثلاثين من أيلول رسمياً، بعد عشر أيام من جلسة لمجلس الأمن الدولي طالبت بوقف إطلاق نار كامل في ادلب قوبل بفيتو روسي صيني، تقدمت موسكو ببديل عنه يستثني الجماعات الإرهابية التكفيرية ولكنه لم يُقر أيضاً ما دفع روسيا لتنديد ساخرٍ بازدياد المشاعر الإنسانية لأعضاء مجلس الأمن الدولي كلما خطَت الدولة السورية خطوةً جديدة على طريق استعادة سيادتها على أراضيها، وفي الثالث و العشرين من ذات الشهر أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تشكيل لجنة مناقشة الدستور على أن تكون جلستها الأولى في الثلاثين من شهر تشرين الأول ليكون شهر أيلول شهراً سياسياً بامتياز.
في أول شهر تشرين الأول/أكتوبر بدأت وسائل إعلام أمريكية بالتحدث عن احتمال تنفيذ الانسحاب الأمريكي من سوريا، على خلفية توتر بين واشنطن و أنقرة و تهديد الأخيرة بتنفيذ عدوان منفرد ليعلن ترامب في السابع منه بدء سحب قواته فعلياً و بدى ذلك جدياً مع التحركات العسكرية الأمريكية على الأرض، ليبدأ أردوغان في التاسع من الشهر ذاته بعدوانه بذريعة القضاء على الجماعات الكردية التي تهدد الأمن القومي التركي، ليقطع الجيش السوري الطريق على هذا العدوان ويبدأ في الثالث عشر من تشرين الأول انشتاره في الشمال السوري ودخل مدينة منبج بريف حلب مباشرةً و في السادس عشر من ذات الشهر مدينة عين العرب وفي الثاني والعشرين منه دخل لطريق حلب الحسكة على امتداد ستين كيلومتراً.
في السابع والعشرين من تشرين الأول خرج الرئيس ترامب ليعلن بشكل مفاجئ مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي في عملية بالقرب من الحدود التركية بريف ادلب، وانتهى الشهر بعقد جلسة للجنة مناقشة الدستور السوري وكأن مقتل البغدادي على يد الأمريكي قبل يومين لم يكن.
في شهر تشرين الثاني/نوفمبر أعادت القوات الأمريكية انتشارها في حقول النفط السورية بذريعة حمايتها من عودة تنظيم داعش الإرهابي حسب زعم وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، بالتوازي مع استمرار الجيش السوري لانتشاره في الشمال ووصوله لقرب مثلث الحدود العراقية التركية السورية بطول انتشار تجاوز المئتي كيلو متر.
ختام أشهر عام عام 2019 كان بزخمٍ ميداني كبير في ريف ادلب، حيث بدأ الجيش السوري مرحلته الثانية من العمل العسكري واستطاع في منتصف كانون الأول عبر القضم التدريجي السيطرة على مناطق وبلدات عديدة أهمها تل الشيح الاستراتيجي تحديداً في العشرين من الشهر وفي اليوم التالي له استعاد بلدة التح ليدخل في الثالث والعشرين بلدة جرجناز الاستراتيجية، وبالتالي بات الطريق مفتوحاً نحو مدينة معرة النعمان التي تشكل نقطةً مهمةً على طريق حلب – دمشق الدولي الذي يشكل فتحه الهدف الأكبر لهذه المرحلة من العمل العسكري