الخليج والعالم
تونس 2019... سنة الاستحقاقات الانتخابية والتحولات السياسية
تونس روعة قاسم
2019 هي سنة التحديات والتحولات الكبرى في تونس لما شهدته من استحقاقات هامة انتخابية وسياسية شكلت مرحلة مفصلية هامة في مسيرة هذه الديمقراطية الوليدة . وقد بدأت السنة وتحديدا في شهر كانون الثاني/ يناير بانطلاق سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية التي اجتاحت مناطق عديدة من البلاد مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية الصعبة.
فبعد ان وصلت المفاوضات بين الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل إلى طريق مسدود، نفذ الاتحاد إضرابه العام في قطاع الوظيفة العمومية واحتكم إلى شارعه وإلى قدرته الرهيبة على الحشد. ودخلت تونس مع هذا الاضراب منعرجا حاسما خاصة مع القطيعة بين رئيس الجهورية الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بعد أن دعم الأخير استمرار رئيس الحكومة "المتمرد" يوسف الشاهد الذي يتمسك بالبقاء في القصبة خلافا لإرادة قائد السبسي وحزبه حركة نداء تونس.
القمة العربية
في آذار/ مارس 2019 احتضنت تونس اشغال القمة الثلاثين للجامعة العربية دون ان تأتي بجديد فيما يتعلق بالحلول العملية والعاجلة للقضايا الساخنة في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والموضوع السوري والازمة اليمنية وغيرها من الأخطار التي تحدق بالمنطقة.
ولم يختلف مشروع "إعلان تونس" عما سبقه من اعلانات وشعارات ظلت لقرن من الزمن هي الخطاب البروتوكولي الاوحد المتبع في الجامعة العربية، فكانت قمة عادية جدا رغم محاولات الرئيس التونسي آنذاك تجميع العرب تحت خيمة واحدة. ولكن سياسة المحاور الإقليمية كانت أكبر من اية مصالحة. ولعل الإشارة الإيجابية الوحيدة في هذه القمة انها وجهت رسالة قوية لترامب أن القدس والجولان والاراضي العربية المحتلة ليست للبيع وكان هناك رسائل قوية من الرئيس الفلسطيني والمجتمع المدني التونسي والعربي الذي تحرك طوال شهر تقريبا على هامش القمة دعما للقضية الفلسطينية ورفضا للتطبيع الصهيوني ولصفقة القرن عبر مسيرات وندوات تجمع على رفض المخطط الصهيوني الأمريكي في المنطقة.
عودة الإرهاب مجددا
يوم 27 جويلية/تموز او الخميس الأسود كان يوما صعبا على تونس بعد ان ضرب الإرهاب مجددا في عمليات متزامنة استهدفت مواقع حساسة في البلاد مما أسفر عن استشهاد وجرح أمنين ومدنيين. وتزامنت العملية مع مرض الرئيس التونسي وزاد من حدة الصعوبات على حكومة يوسف الشاهد، في وقت تعيش فيه البلاد ازمة اجتماعية واقتصادية معقدة في ظل مناخ سياسي صعب تطغى عليه التجاذبات والانقسامات ولعبة المحاور بين الاحزاب السياسية المتصارعة على الحكم.
كما ان رحيل الرئيس التونسي الذي توفي في 25 تموز/ يوليو بالتزامن مع ذكرى إلغاء النظام الملكي في تونس وإعلان الجمهورية كان حدثا استثنائيا هزّ البلاد وجعل التونسيين بمختلف اطيافهم يعيشون يوما حزينا لوداع رئيس اثر عميقا ولعب دورا محوريا في تونس بعد الثورة.
رئاسيات تونس
أفرزت الانتخابات الرئاسية التي حصلت في شهر أيلول/ سبتمبر نتائج مفاجئة مغايرة لتقديرات أغلب المتابعين وذلك بعد فوز الأستاذ الجامعي قيس سعيد، ورجل الاعمال نبيل القروي. وقد انكشفت عن مشهد سياسي جديد او " زلزال سياسي " في ظل تراجع الأحزاب السياسية الكبرى وصعود التيارات التي توصف بـ "الشعبوية" بمختلف مدارسها.
جرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 13 تشرين الأول/ اكتوبر ويبدو جليا أن الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد قد حظي بأكبر دعم شعبي منذ الثورة بالنظر الى عدد الأصوات التي حصل عليها وهي ما يعادل 2.777 مليون صوت، وأيضا نسبة المشاركة غير المسبوقة في كل الاستحقاقات الانتخابية والتي عرفتها البلاد منذ 2011 ووصلت الى 57 بالمئة من الناخبين. وشكل الصعود البارز لقيس سعيد الحدث الأبرز في تونس مما جعله شخصية العام لعدد من المؤسسات والمواقع الإعلامية في تونس او خارجها.
أسباب عديدة كانت وراء هذا الصعود الباهر للرئيس الجديد منها الدبلوماسية الشعبية والتحرك الميداني نحو الجمهور والجلوس معهم في المقاهي الشعبية والاستماع لمشاكلهم عن قرب.
عاشت البلاد استحقاقا انتخابيا آخر هاما خلال السنة وهو الانتخابات التشريعية الرابعة عشرة في تونس والثالثة بعد الثورة التونسية، وذلك في 6 تشرين الأول /أكتوبر. أشرفت على هذه الانتخابات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأفرزت سقوطا مدويا لبعض الأحزاب التي كانت مؤثرة في المشهد السياسي طيلة الأعوام الماضية مثل " نداء تونس" و"الجبهة الشعبية" فيما حافظت حركة النهضة على الصدارة فتصدرت النتائج بحصولها على أكثر عدد من مقاعد البرلمان.
وتنتظر تونس خلال العام الجديد استحقاقات أخرى هامة وهي عرض الحكومة الجديدة على مجلس نواب الشعب بأسرع وقت، وإجراء اصلاحات اجتماعية عاجلة من أجل النهوض بالوضع الاجتماعي ومحاربة الفقر والتهميش.
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
25/11/2024