الخليج والعالم
مشهد جديد شرق سوريا يُعيدُ كفة الميزان للدولة السورية
بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ ما وعد به في برنامجه الانتخابي، وما أعلنه قبل عام عن سحب قواته من شمال سوريا. الإجراء الأميركي الذي سينهي احتلالاً جاء بحجّة القضاء على "داعش"، دفع "قوات سوريا الديموقراطية قسد "، خصوصاً بعد بدء العدوان التركي على مناطقها، للتفاوض مع دمشق وإدخال الجيش السوري لمواجهة ذلك العدوان المدمر.
اليوم بات جزء كبير من مناطق شرق الفرات، خلال ساعات قليلة تحت سيطرة قوات الجيش السوري، بقرار من القيادة السورية ابتداءً من منبج بريف حلب وصولاً لشمال مدينة الحسكة بأقصى الشمال الشرقي لسوريا بهدف صد العدوان التركي و إيقاف تمدده السريع على المناطق الشرقية.
الباحث الإستراتيجي الدكتور أسامة دنورة اعتبر أنّ "قرار دخول الجيش السوري إلى المناطق الشرقية أتى في الوقت المناسب والتوافق بين "قسد" والحكومة السورية يقضي بدخول الجيش الذي سيكون قوة رادعة للتهور التركي في منطقة الشمال وتغيّر مسار العمليات العدوانية التركية الذي أصبح منذ بدايته ملوثاً بدماء الأبرياء"، مضيفاً أنّ "القرار السوري قرار استراتيجي للحد من التوغل التركي و يمكن القول أن العملية العدوانية التركية قد رُسمت حدودها وهذا الأمر يسبق الخسارة التركية المتوقعة".
وقال دنورة إن "القرار الأمريكي بالانسحاب هو تنفيذ لسياسة ترامب بالانسحاب من الحروب التي لا نهاية لها، ومن البوابة التركية وجدت تركيا نفسها أمام حجم كبير من الضغوط الدولية وردود الفعل المُدينة، كما ان التقدم التركي في سوريا كان سينقلب على رجب طيب أردوغان إن كان في الداخل التركي أو على المستوى الإقليمي و الدولي"، وتابع ان "الموقف الروسي المدين للظروف الإنسانية الصعبة بظل الهجوم التركي والمؤكد على وجوب إخراج القوات الأجنبية كاملة من سوريا، هو كلام موجه لعدوانها على سوريا، وبالتالي بدأت الظروف الاستراتيجية والمناخات الإقليمية والدولية بالتلبد في سماء العملية العسكرية التركية، ما مهّد لصيغة الرابح رابح".
وبحسب دنورة أنّ "التركي يربح بألا يغرق في المستنقع السوري وإيقاف تهوره و"قسد" توفر على نفسها الخسارة والمعاناة الكبرى من جرائم الجماعات الإرهابية التي كانت ستدخل مع الجيش التركي و تنفذ عمليات التطهير العرقي و الجيش السوري سيستعيد الجغرافيا ويستطيع بعمقه الاستراتيجي والوطني ردع التوغل التركي، وبالتالي بداية مشهد جديد في المنطقة الشمالية الشرقية".
وأشار إلى أنّ "ذلك لا يعني احتمال اختبار للقوة بين الجماعات الإرهابية و الجانب التركي من جهة والجيش السوري وحلفائه من جهة أخرى، إذ يمكن ان يحاول الجانب التركي الاستطلاع بالنار عن مدى تصميم الجيش على ردعه، وهنا سيجد تصميماً قوياً ورغبة بالدفاع عن الأرض والقتال من قبل الجيش السوري"، وقال: "الجيش ذاهب للحفاظ على أرض سوريا ووحدتها وسيادتها ومنع الأتراك من تنفيذ طموحاتهم التوسعية الاستعمارية".
وذكر أنّ الجيش السوري واجه ولا زال يواجه، الجماعات الإرهابية المتطرفة إضافةً إلى أنه يحمل عبئاً استراتيجياً يتمثل بردع العدو الصهيوني في الجبهة الجنوبية، وبذلك لا يستطيع أن يكون في ذات المستوى العسكري نداً للجيش التركي المتمتع بقدرات عسكرية هائلة ويشكل المرتبة الثانية بين جيوش حلف "الناتو"، إذا ما قورن الجيشان من حيث القوة والعتاد ولكن هناك العديد من الاعتبارات التي تثقل كفة الميزان لصالح الجيش السوري".
وأضاف أنّ "الجيش التركي دخل في عملية استنزاف مجهولة المصير في سوريا، كما أنه يغزو أرضاً غير أرضه ويهدف لاحتلال مناطق أهلها يرفضون وجوده سواء من الأكراد أم العرب، كما أنّ الرأي العام التركي يمكن أن يدعم أردوغان في عملية محدودة لكن أن تكون واسعة وتشمل مناطق الشرق السوري التي يتحدث أنه كان سيدخلها، فذلك يعني خسائر كبيرة واستنزاف لجنوده الذين سيعودون بالتوابيت، وبالتالي سيكون أردوغان في مأزق داخلي وسيرتد خنجره إلى صدره انتخابياً وسياسياً في الداخل التركي وبالتالي ليست من مصلحته مواجهة الجيش السوري على الرغم من الفارق العسكري بينهما".
ولفت إلى أنّ " الجانب التركي قد يذهب إلى صدام محدود يختبر قوة الجيش السوري، لكن المشهد سوف يذهب للتفاوض عاجلاً أم آجلاً عبر الوسيط الروسي، إلا إن حدثت مواجهة كبيرة بين الجيش السوري والجماعات الإرهابية ليتحول المشهد لحرب بالوكالة بين التركي والروسي، لكن هذا الأمرٌ مستبعد خصوصاً أن أردوغان لا يحظى بأي تأييد من حلف الناتو أو أوروبا بهذه العملية العدوانية التي قد تصدع جبهته الداخلية أيضاً ولذلك عليه إعادة الحسابات جيداً وعدم التهور بمواجهة الجيش السوري أبداً أو دفع جماعاته الإرهابية إلى ذلك".
وختم دنورة حديثه لـ"العهد" قائلا إنّ "أي استهداف أمريكي محتمل لقوات الجيش السوري في الشرق سيخلط الأوراق وسيولد رد فعل قويًا وحازمًا من قبل الجيش وحلفائه مقابل مثل هذا التصعيد، كما أن ترامب عجز عن أن يجمع الإرادة القومية الأمريكية حول أي تورط لأزمة واسعة النطاق فهناك رأي أمريكي يرفض المواجهات الكبرى وذلك ينسحب على مثل هذه المغامرة".
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
25/11/2024