عين على العدو
خبير عسكري صهيوني: الحرب المقبلة ستستهدف الجبهة الداخليّة غير المستعدة
حذّر الخبير والمؤرخ العسكري الإسرائيلي "أوري بار يوسف" - وهو بروفسور متقاعد في قسم العلاقات الدوليّة في ما تسمّى كليّة علوم "الدولة" في جامعة حيفا - من أن: "الأضرار التي ستلحق بالجبهة الداخلية ستكون قاسية في الحرب المقبلة"، مؤكدًا على أنّ السيناريوهات التي تتحدث عن آلاف الصواريخ التي ستُطلق على الأراضي المحتلة، خلال الأيام الأولى للحرب، واقعيّة.
ففي مقال، في صحيفة "هآرتس" العبريّة، قال يوسف: "إنّ رياح "حرب الغفران" (حرب تشرين الأول/أكتوبر)، والتي نحيي بعد شهر ذكرى مرور 50 عامًا على نشوبها, تهبّ على منطقتنا من جديد". وأكد أنّه في الأيام الأخيرة، استهلت النشرات الإخباريّة نشراتها بصورة لزعماء العام 1973، يقف أمامهم زعماء العام 2023، مضيفًا: "لدى معاينة هذا كلّه، لا يمكن عدم المقارنة بين ما حدث حينها وبين ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب، فالتآكل في قوة الجيش الإسرائيلي والتراجع في قوة الردع الإسرائيليّة والتصريحات الاستفزازية للسياسيين في الائتلاف، وقبل كلّ شيء، استمرار عدم مسؤولية رئيس الحكومة، كلّها أمور تدفع بنا نحو حرب متعدّدة الجبهات". وتابع أنّه: "إذا نشبت هذه الحرب، فستكون أكبر بكثير من حرب العام 1973، وأقسى منها بكثير لعدة أسباب أساسيّة".
وقال: "السبب الأول؛ هو نوع التهديد وقوته. فقد دارت حرب "يوم الغفران" على جبهتين: هضبة الجولان وقناة السويس، وليس في الجبهة الداخليّة.. وفي بداية الحرب، وقعت عدة هجمات في الشمال في حين كان الضرر الناتج منها محدودًا جدًا، وطوال الحرب، استمرت الحياة العادية في الجبهة الداخليّة، بالقدر الممكن، وكان الخوف الحقيقي على المقاتلين في الجبهة". ولكن ..:"في المعركة اليوم، فإنّ الصواريخ التي ستطلق على الكيان لن تصيب فقط مستوطنات غلاف غزة أو الجليل، بل أيضًا ستصيب بصورة أساسيّة منطقة "غديرا - الخضيرة"، وخصوصًا تل أبيب... الدمار الذي سيلحق بالمدن سيكون هائلًا، والخسائر البشريّة ستصل إلى الآلاف، كما ستتضرّر البنى التحتيّة للكهرباء والمياه والاتصالات والغاز".
وتابع يوسف: "يمكننا أن نتعلّم ممّا يجري في المدن الأوكرانية بشأن ما ينتظر "إسرائيل"، فالخسائر لدينا ستكون أكبر بكثير".
ولفت يوسف إلى أنّ: "السبب الثاني، هو جاهزيّة الجبهة الداخليّة والحصانة الوطنيّة، ففي العام 1973، كان الجمهور الإسرائيلي ]المستوطنون[ قد خبِر حرب الأيام الستة وحرب الاستنزاف وعمليات عسكريّة كبيرة في الحدود كلّها، وعمليات إرهاب وتخريب ]فدائيّة[، وكلّ هذا زاد في مناعتنا في مواجهة الحرب المقبلة. لذلك، على الرغم من المفاجأة والثمن الباهظ الذي دفعه الكيان، فإنّه لم تظهر في الجبهة الداخليّة ردات فعل هستيريّة، في حين تفرّغ الجيش وصنّاع القرار لإدارة القتال على الجبهات"؛ وفق قوله. وتابع: "أمّا اليوم، فالجبهة الداخليّة ليست جاهزة للحرب، لا على الصعيد العملي ولا على الصعيد الذهني، ويمكن أن ندرك ذلك من خلال المقارنة بين الحصانة الوطنّية، آنذاك، وما هي عليه اليوم، وفي المقاييس كلّها. ولأنّ الحرب المقبلة ستكون حربًا تستهدف الجبهة الداخليّة، ولأنّ هذه الجبهة غير مستعدة لذلك، فمن المتوقع حدوث أزمة ثقة وهستيريا عامّة بأحجام كبيرة، كذلك بالإضافة إلى الصدمة، فإنّ ذلك سيجعل من الصعب على الجيش وعلى قيادة الجبهة الداخلية وعلى صنّاع القرار إدارة القتال".
وأضاف: "ثالثًا، كان الجيش "الإسرائيلي"، في العام 1973، أفضل جيش خاضت "إسرائيل" به ساحة القتال، فقد كان مدرّبًا ومسلحًا بصورة جيدة، ولديه طاقم قيادي خبير في خوض حروب القلة ضد الكثرة. والدليل على ذلك القدرة الهائلة على التعافي من الهزائم التي نزلت بالجيش "الإسرائيلي" في أول يومين من الحرب- وفق تعبيره- أما اليوم؛ فالجيش غير قادر على الدفاع عن الجبهة الداخليّة بنجاعة كافية، والمشكلة هي أنّه على الرغم من الاستثمارات كلّها، فإنّ المنظومة الدفاعيّة ضد الصواريخ لا تقدّم ردًا جيدًا كافيًا، وهذا يعود إلى أنّ إنتاج الصواريخ أسهل بكثير من منظومات الدفاع ضدها. علاوةً على ذلك، الجيش (النظامي والاحتياطي) لا يتدرّب بما فيه الكفاية، وفي معظم الأحيان، فإنّ الوحدات على اختلاف أنواعها مشغولة بمهمات شرطيّة في المناطق الفلسطينيّة، وليس لدى القادة من مختلف الرتب خبرة حروب حقيقيّة".
وأمل يوسف في أن: "يكون أداء القوات المدرعة تحسّن عما كان عليه في العام 2006، لكن حتى في أفضل السيناريوهات، ستكون هذه القوات بحاجة إلى عدة أيام لاحتلال لبنان أو المناطق التي تُطلق منها الصواريخ. وإلى أن ينتهي الجيش من هذه المهمات؛ سيكون حجم الدمار الذي لحِق بالجبهة الداخليّة كبيرًا جدًا، فسلاح الجوّ الذي يُذكر دائمًا بصفته المنقذ الكبير، لا يمكنه أن يعيد لبنان إلى العصر الحجري، وهو لا يمكنه أن يمنع ضربات تُعيد "إسرائيل" عدة سنوات إلى الوراء، فيما مشكلة كفاءة الجيش التي كانت قائمة قبل البدء بالانقلاب القضائي ازدادت حدةً، وبصورة كبيرة".
وتابع: "رابعًا، نوعيّة القيادة، ففي الذاكرة الجماعيّة لحرب "يوم الغفران"، حُفر اسم غولدا مائير واسم موشيه دايان كوصمة عار أبديّة. وفي الواقع؛ ممّا لا شك فيه أنّ المستوى المدني الذي أدار الحرب تصرّف، بصورة جيدة، إذا أخذنا بالحسبان الأزمة في بداية الحرب. علاوةً على ذلك؛ طوال أيام القتال، لم تظهر لدى الجمهور ]المستوطنين[ مؤشرات تدلّ على عدم الثقة بالقيادة وقدرتها على القيادة في الأيام الصعبة. أمّا الانتقادات وعدم الثقة؛ فقد جرى التعبير عنهما بعد انتهاء المعارك. ولكن إذا نشبت حرب وكانت الحكومة الحاليّة ما تزال في السلطة، فمن الصعب أن تنجح "إسرائيل" في القيام بعملها، فمنذ الآن، تعاني الحكومة جرّاء أزمة ثقة لم نشهد لها مثيلًا من قبل، وأغلبية الجمهور لا يصدق أي كلمة تخرج من فم رئيس الحكومة، وهو يعتقد أنّ كلّ سياسته، حتى في الحرب، تهدف إلى إنقاذه من المحاكمة، فلا جدوى من الحديث كثيرًا عن ثقة الجمهور برصانة أعضاء المجلس الوزاري المصغر، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وياريف ليفين وميري ريغيف، وستبدأ الكارثة مع سقوط أول صاروخ وسط "تل أبيب"".
وختم يوسف: "تزداد معقوليّة نشوب حرب كلّ يوم ما تزال فيه هذه الحكومة تسيطر على مقاليد الحكم، ومع ذلك، لا شيء يؤكد نشوبها. لكن افتقار حكومة بنيامين نتنياهو إلى القدرة على الحكم يخلق مساحة رماديّة تزداد اتساعًا، وقواعد اللعبة تتغير. وهذا المسار يزيد في احتمالات نشوب حرب عن طريق الخطأ، كما جرى في العام 2006. ومثل هذه الحرب، من شأنها تغيير مصير "اسرائيل" بلمح البصر، وأكثر بكثير من التغيير في المنظومة القضائيّة، ومن أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة ومن هجرة الأطباء، وهذا يجب أن يكون الشاغل الأكبر لنا".
إقرأ المزيد في: عين على العدو
22/11/2024