عين على العدو
عملية "تل أبيب" تزعزع أمن المستوطنين والفدائيون يُرعبون جمهور العدو
العمليات الفدائية المتنقّلة في الأراضي المحتلة تشغل الكيان الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية. أحدث العمليات وقع مساء أمس في "تل أبيب"، حيث ظهر ضعف وهشاشة العدو أمام مجاهد فلسطيني واحد، استطاع إرباكه لساعات حتى ارتقائه شهيدًا.
المحلّل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل خلُص في قراءته للعملية الى أن "الأمن الشخصي للمستوطنين تزعزع، معتبرًا أن هذا التحدّي يحتاج إلى حكومة لمعالجته"، ورأى أن "على الحكومة أن تُمارس ضغطًا كبيرًا لتقديم خطوات هجومية تكون مرئية أيضًا للجمهور الإسرائيلي".
وأشار في مقالته الى أن منفّذي العمليات قادرون على قتل مستوطنين في قلب المدن، وإبقاء توثيق مصوّر خلفهم وإلقاء الرعب في الجمهور بعد سنوات من الهدوء النسبي.
وفيما يلي نصّ مقال عاموس هرئيل الوارد في "هآرتس":
بعد توقف دام أكثرمن أسبوع، عاد "الإرهاب" مساء أمس إلى شوارع غوش دان. "مواطنان" قُتلا إضافة إلى عشرة مُصابين في عملية إطلاق نار في شارع ديزنغوف، وسط تل أبيب. طوال ساعات الليل استمرت ملاحقة "المخرّب" بأعداد كبيرة من الشرطة. وقد عُثر عليه في النهاية في ساعات الصباح الباكرة وهو يختبئ بالقرب من مسجد في يافا، وتمّ قتله على يد قوة من الشاباك ووحدة مكافحة الإرهاب، وهو فلسطيني من شمال الضفة.
رئيس الحكومة نفتالي بينيت أجرى بالأمس مشاورات أمنية في الكريا بتل أبيب. العملية، الرابعة من نوعها منذ 22 آذار، تظهر أنها جزء من هجوم "إرهاب" متواصل. حتى ولو لم يتمّ تحديد اليد الموجهة التي تقف خلفها، فإن هذا لا يغير بشكل أساسي الواقع الأمني والسياسي بين "إسرائيل" والفلسطينيين. يبدو أن تراكم العمليات سيُجبر الحكومة على فرض قيود على حركة التنقل بين المناطق (الفلسطينية) ومناطق الخط الأخضر، خلافًا للنوايا المعلنة.
وضعُ بينيت أكثر تعقيدًا، هو موجود الآن بين كماشة نصفها أمني والنصف الآخر سياسي. وينضم إلى الأزمة الأمنية الأخطر منذ حوالي العام، التحدي السياسي الأصعب لحكومة بينيت- (يائير) لابيد منذ تشكيلها في حزيران/يوليو من العام الماضي. استقالة رئيسة الائتلاف، عضو الكنيست إيديت سيلمان (من حزب يمينا)، أول من أمس فاجأت بينيت. لقد أبقت الائتلاف في وضع من التوازن السياسي في مواجهة المعارضة في الكنيست، مع 60 صوتًا ضد 60. هذا واقع يصعّب كثيرًا على الحكومة أداء عملها لفترة طويلة.
حملة إطلاق النار، التي بدأت قرابة الساعة التاسعة مساءً، حُددت من قبل القوات الأمنية فورًا على أنها عملية "إرهابية". لكل واحدة من العمليات الأربع الأخيرة -في بئر السبع، في الخضيرة، في بني براك وفي تل أبيب- هناك مميّزات مشابهة. كلها وُجهت نحو مدن كبيرة في مناطق الخط الأخضر ونفّذها "مُخرّب" أو اثنان. لم يسبق أيّة عملية تحذير استخباري مفصّل. انعدام المعرفة المسبقة يُقلق كثيرًا القوات الأمنية، لأنه يصعّب عليهم العمل بشكل مركّز ويُعزز الحاجة إلى انتشار واسع قدر المستطاع، وهو أمر غير مجدٍ ولا يستند لمعلومات استخبارية. "المخرّب" في عملية الأمس الذي تم التعرف عليه صباح اليوم هو من مخيم اللاجئين جنين. الشاباك سيحقق ما إذا كان لديه معرفة مسبقة مع أحد من منفّذي العمليات السابقة.
حقيقة أنه في ثلاثة من الحوادث الخمسة الأخيرة يتورّط فيها "مخرّبون" من جنين والمحيط، تتطلّب الآن جهدًا أمنيًا مركّزًا لـ"إسرائيل" في المدينة وفي مخيم اللاجئين المجاور لها. يجب على الحكومة أن تُمارس ضغطًا كبيرًا لتقديم خطوات هجومية تكون مرئية أيضًا للجمهور الإسرائيلي. أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تتجنّب على الأغلب، منذ سنوات، الدخول إلى مخيمات اللاجئين في شمال الضفة. الجيش الإسرائيلي أيضًا يُقلّل من العمل هناك. في شباط من هذا العام، في عملية إسرائيلية نادرة لاعتقال مطلوب من حماس، قتل فلسطينيان اثنان في تبادل إطلاق نار مع القوات. وقبل عشرين عامًا بالتحديد، اعتُبرت المعركة على المدينة أنها الحادثة الأصعب في عملية "السور الواقي". يمكن الافتراض أنه في الفترة القريبة أيضًا سنشهد نشاطًا كبيرًا في جنين وفي المخيم. حماس والجهاد الإسلامي قد تحاولان خلق رمز فلسطيني متجدّد من المواجهة العسكرية في المكان.
الصورة المرسومة، حيث في الخلفية شهر رمضان، هي لهجومٍ لا يُدار عبر مقر قيادة واحد، بل تنفّذه "ذئاب" منفردة وخلايا محلية صغيرة، من الضفة وفي حادثتيْن على الأقل أيضًا من جانب ناشطين إسلاميين متطرفين وسط "عرب إسرائيل". العنصر الأساسي هنا هو محاكاة وإلهام: قدرة "المُخرّبين" على قتل اسرائيليين في قلب المدن، وإبقاء توثيق مصوّر خلفهم وإلقاء الرعب في الجمهور، بعد سنوات من الهدوء النسبي، يؤدي إلى المزيد من المبادرات المحلية لنشطاء "إرهاب" آخرين.
إزاء ذلك، لا يوجد في هذه المرحلة مؤشرات على احتجاج شعبي واسع في الضفة الغربية. لكن تقييد حرية التنقل بيد إسرائيل، وتقليص عدد العاملين في المستوطنات وفي مناطق الخط الأخضر وخاصة تقييد حرية أداء الشعائر الدينية في الحرم القدسي- كلها خطوات تدرسها الحكومة الآن- يمكن أيضًا أن تؤدي إلى نتائج معكوسة، حيث إن هجومًا "إرهابيًا" من المنفردين سينزلق إلى ثورة جماهيرية.
خلافًا لذلك، ليس لدى بينيت والحكومة في الحقيقة خيار عدا اتخاذ خطوات أشدّ. بناء على توجيهاتهما، نشر الجيش الإسرائيلي والشرطة أعدادًا كبيرة من القوات قبل أسبوعيْن، حيث تم إرسال 20 كتيبة عسكرية وقوات كبيرة من الشرطة إلى الضفة وإلى مناطق الخط الأخضر، في محاولة لوقف العمليات. إذا كان لهذه الخطوات تأثير مهدئ، فإنه نُسيَ مساء أمس، على ضوء المشاهد من تل أبيب والتردّدات المفتوحة في قنوات الإذاعة والتلفزيون. وسط المدينة، في ساعات ما بعد العملية، كان هناك ضجيج هائل ومتواصل لسيارات الإسعاف، سيارات الشرطة ودراجات "نجمة داوود" الحمراء وأجهزة الإنقاذ. لا شك أن الأمن الشخصي لـ"المواطنين" تزعزع. هذا التحدّي يحتاج إلى حكومة لمعالجته، وهي تفكّر في النهوض متأخرة بعد أن فقدت أول من أمس أغلبيّتها في الكنيست.