لبنان
الأمن إلى الواجهة من بوابة الجبل.. والدفاع الأعلى يجتمع استثنائيا
وكأن الأزمات المتعددة التي يعيشها البلد لا تكفي، ليضاف إليها الملف الأمني، حيث شهدت منطقة الجبل عصر أمس اطلاق نار وسقوط ضحايا، تبعها اقفال طرقات وتوتر في أكثر من منطقة، وانتشار أمني كبير.
وجرت اتصالات للتهدئة على أعلى المستويات تجنبا للانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه، وقد دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لانعقاد استثناشي لمجلس الدفاع الأعلى صباح اليوم في بعبدا، على ان يكون هناك مؤتمر صحفي لرئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان عند الساعة الواحدة ظهرا للوقوف على حيثيات الحادث.
"البناء": شهيدان من مرافقي الغريب ضمن جولة لباسيل
فيما كان مرتقباً أن يُعقد لقاء المصارحة والمصالحة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط هذا الأسبوع برعاية وحضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خطفت زيارة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الى منطقة عاليه كل الأنظار السياسية والأمنية، فالجولة لم يستكملها الوزير باسيل لدواعٍ أمنية، فمن جراء إطلاق مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي النار بين بلدتي قبرشمون والبساتين على موكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب استُشهد شابان من مرافقي الغريب هما سامر أبي فراج ورامي سلمان وأصيب كريم الغريب، فيما أصيب 3 أشخاص من الحزب الاشتراكي.
وفي التفاصيل، أن نهار أمس، بدأ بمحاولة مناصري التقدمي الاشتراكي قطع الطرقات وإطلاق الهتافات المناهضة لزيارة باسيل، ونظراً لتوتر الأجواء قرر وزير الخارجية عدم زيارة بلدة كفرمتى بعدما كان زار صوفر والكحالة وشملان. وقال: «نقف على أرض ثابتة من التفاهمات التي تزعج كثيرين فيحاولون أن يهزّوها، لكنها أقوى من أن تهتز وهي ضمانة الوحدة الوطنية».
وتشير المعلومات إلى أن الغريب ومن جراء توتر الأجواء قرّر أن يلاقي الوزير باسيل الى شملان وخلال محاولة موكبه مغادرة بلدة شملان والمرور بين بلدتي قبرشمون والبساتين، بعدما تجنّب سلوك الطريق الرئيسية التي شهدت تحركاً لمناصري الاشتراكي، تفاجأ بكمين مسلح قرب صيدلية الحسام حيث تعرّض لإطلاق نار كثيف مما أدّى إلى استشهاد مرافقيه أبو فراج وسلمان وإصابة آخر بجروح بليغة.
وشددت مصادر الديمقراطي اللبناني لـ«البناء» على ان وحدة الجبل تبقى الأساس، لكننا لن نسمح بأن تمر الأمور من دون أن يأخذ التحقيق مجراه ومعاقبة ومحاكمة مَن أطلق النار على الشهيدين أبو فراج وسلمان. واعتبرت المصادر ان ما جرى كان موجهاً ضدّنا على وجه التحديد لا سيما أن زيارة الوزير باسيل في الشوف لم تلقَ أي اعتراض او استهجان من قبل الاشتراكي، مشددة على أن الجبل ليس منطقة مقفلة لأحد، معتبرة أننا لسنا أصحاب فتنة، لكننا لن نقبل أن تُمسّ كرامات الناس ومتمسكون بالدولة وأجهزتها لتحقيق العدالة.
وأكد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب أن ما حدث في قبرشمون «كان كميناً مسلحاً ومحاولة اغتيال واضحة، وإطلاق النار على الموكب كان موجهاً الى الرؤوس»، منبّهاً إلى أن «شدّ العصب يوقع بالمحظور». كما أكد «حرصنا على السلم الأهلي ووحدة الدروز وتكاتفهم»، داعياً الى «ضبط النفس بعد الدماء التي سقطت»، وقال: «نحن نعتبر أنفسنا بي الصبي». وأضاف: «نحن لا نتفنن باستعمال الدم في السياسة».
واستغربت مصادر التيار الوطني الحر في حديث لـ«البناء» تعاطي الحزب التقدمي الاشتراكي، خاصة أن الوزير باسيل من خلال المواقف التي أطلقها من محطات عدة زارها ضمن جولته كانت إيجابية وتؤكد التفاهمات واليد الممدودة للجميع، مشددة على أن لبنان للجميع، وليس هناك من مناطق حكراً على زعيم من هنا وزعيم من هناك. ولفتت المصادر الى أن الحزب الاشتراكي المنزعج من التسوية السياسية والاستقرار في البلد يحاول أن يؤجج الفتنة فيه، لكننا لن نستدرج الى ما يريده. واشارت المصادر الى أن جولة الوزير باسيل المقررة منذ شهر كانت تهدف الى افتتاح مكاتب للتيار الوطني الحر في بعض المناطق ولقاءات مع الحلفاء في مناطق أخرى بعيداً عن استفزاز للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يبدو أنه يضرب المصالحة عرض الحائط، معتبرة أن كلام الاشتراكي عن مصالحة الجبل بين الفينة والأخرى دحضته كل تصرفات مناصريه ومسؤوليه، فالمصالحة لا تكون بالرصاص.
"الأخبار": فتنة الزعامة الآفلة
أما صحيفة "ألأخبار" فتحدثت عن عودة وليد جنبلاط إلى لعبة يهواها، رغم أنها لم تعد في أوانها. ذلك زمن مضى. عندما أراد السيطرة أمنياً على الجبل، سبقته الدبابات السورية. وعندما غامر مرة جديدة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، كان يظنّ أن أساطيل الأمبراطورية الأميركية ستؤازره. اليوم، يقف وحيداً، مصرّاً على إنكار الواقع. الزمن لن يعود إلى الوراء. لكن جنبلاط، في زمن السلم، وبعد فائض من «المصالحات» في الجبل، قرر أمس أن يقول للجميع إن «الجبل لي وحدي». سيطرته المسلّحة على عاليه أمس، بدت عرض قوة في غير زمانه، إذا ما اعتُبِر أن الهدف منها هو تثبيت شيء من التوازنات الطائفية في البلد. فلا قوة تبدو آتية لتعيد لجنبلاط ما خسره تباعاً منذ خروجه من حلفه مع سوريا. حتى عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011، ووصل ما انقطع بينه وبينها، لا يمكنهما إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لكن من يعرف جنبلاط يُمكنه أن يتوقّع أن الهدف من عراضته لم يكن ربما الوقوف في وجه جبران باسيل، بقدر ما هو تخويف آل فتوش من مغبة الاستمرار في بناء معمل لهم في عين دارة، سينافس معمل جنبلاط في سبلين! ولا ضير في توتير البلاد، وإعادة أهلها إلى أجواء الحروب، وسقوط ضحايا وتقطيع أوصال الجمهورية. المهم ألا تُمس امتيازات البيك الذي لم يعد له من يسلّيه. وبدلاً من تأمين وراثة هادئة لابنه تيمور، تراه «يخانق» ظلّه إن لم يجد ما «يخانقه».
يرفع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» من منسوب الأيديولوجيا والسياسة في خطابه، فيما همّه الأول شحّ الموارد المالية التي تمكّنه من الاستمرار في مراكمة الثروة والانفاق السياسي. وصل به الأمر إلى حد اعتبار موقع معمل ترابة الأرز في عين دارة «موقعاً عسكرياً متقدّماً للنظام السوري وحلفائه في الجبل. وكما لم يسقط الجبل في الحرب، لن نسمح بسقوطه سلماً». هذه العبارة نقلها عنه عدد من المقربين منه في الأسابيع الأخيرة. الرجل الشديد التطيّر يعتبر خسارته رئاسة بلدية في إقليم الخروب قراراً دولياً بمحاصرته. ولأجل مواجهة هذا «القرار»، لا بد من تنفيذ مناورة بالذخيرة الحية، ولا بأس إن سقط فيها قتيلان وجرحى حالتهم حرجة، وكاد يُقتَل وزير. رفع من مستوى التوتر بين أنصاره ومحازبيه، إلى حدّ انتشارهم أمس بكامل أسلحتهم، لمنع جبران باسيل من دخول كفرمتى. ولم يكن القرار ابن ساعته، ولا رد فعل على الخطاب المتهوّر لباسيل في الكحالة. قبل يومين، رُميت قنبلتان صوتيتان في كفرمتى. وعلى مدى الأيام الأربعة السابقة ليوم الأحد، كانت تقارير الأجهزة الامنية تفيض بمعلومات عن نية الجنبلاطيين منع باسيل من القيام بجولته في عاليه، بقوة السلاح.
على المقلب الآخر، يلاقي التوتر الباسيلي مثيله الجنبلاطي. التزاماً منه بالمسار الذي اختطّه لنفسه في السنوات الماضية، يستمر باسيل بخوض المعارك، أيّ معارك. صار رئيس التيار الوطني الحر معركة متنقلة. يزور المناطق كمن يقول «أنا فاتحها» لا مسؤولاً في الدولة المسؤولة عنها، ولا رئيس حزب يريد توسيع قاعدة انتشاره. يخوض المعارك تعويضاً عمّا فاته في حرب أهلية لم يشهدها. يريد تثبيت زعامته بين «أعضاء نادٍ» بنوا «شرعياتهم» إما على القتل أو القتال أو الدم. لا يريد باسيل القتل، ولم يأتِ على دم. فلا بد من القتال الدائم. وقوده شحن طائفي لا حدّ له. منذ لحظة دخوله السلطة عام 2008، حتى اليوم، لم يكفّ عن خوض المعارك. معركة في الحكومة، معركة في الوزارة، معركة في الإدارة، معركة في البلدية، معركة في العائلة، معركة في الحزب، معركة في الإعلام، معركة في مجلس النواب، معركة «لاستعادة الحقوق»، ثم أخرى لتثبيتها... معركته في «حراس الأحراج» كمعركته الرئاسية.
الادوات نفسها، والحشد الطائفيّ نفسه، والخطط هي هي. لا يكل ولا يملّ. لا يعني ما تقدّم أنه مقاتل في مقابل جيش من السلميين، ولا أنه طائفي يواجه علمانيين. على العكس من ذلك. أقصى ما يبتغيه هو تثبيت نفسه واحداً «منهم»، قبل الانتقال إلى معركة الفوز بالمركز الاول بينهم. وفي سياق الوصول إلى ذلك، لا بد من يأخذ الشحن الطائفي مداه. في الكحالة أمس، ذكّر بمعارك سوق الغرب وضهر الوحش والكحالة. هو من الذين لا يكفون عن التبشير بضرورة «طيّ صفحة الماضي»، لكن من دون الكف في الوقت عينه عن استحضار ذلك الماضي، ولو في غير سياقه المناسب. يذكّر بصفحات دامية فيما هو يتحدّث عن التفاهم. بالتأكيد، ليس كلام باسيل هو ما استفزّ جنبلاط. لكن أداء وزير الخارجية يساعد زعيم المختارة على الزعم أمام الدروز أنه يحمي مصالحهم المهدّدة منذ ما قبل أيام بشير الشهابي، تماماً كما أن العراضة الأمنية الجنبلاطية والجريمة الناتجة عنها تفيدان باسيل في بناء سرديته كزعيم مسيحي مستهدف، وخاصة من قبل «العدو التاريخي للمسيحيين» في الجبل.
ما جرى أمس لم يكن حدثاً أمنياً عابراً. ثمة زعامة تتراجع، وأخرى صاعدة. الاولى يمثلها جنبلاط، المستعد للتضحية بأيّ شي وأيٍّ كان لاستدراج الحماية، أما الثانية، فلم يعد مؤمّلاً منها وقف مسار الانحدار نحو قاع طائفي لا قعر له. جل ما في الأمر هو تمنّي تحقيق أهدافها بسلام. فالرؤوس الحامية لا تلد غير الفتن.
"الجمهورية": الجبل يهتزّ أمنياً.. ومجلس الدفاع يجتمع اليوم
وبحسب "ألجمهورية" فقد إهتزّ جبل لبنان، بل لبنان كله، امس، بحادثة أمنية خطيرة سقط فيها قتيلان وجريحان، وأعادت الى الاذهان صور الحرب المشؤومة التي كان شهدها الجبل وسقط فيها عشرات الآلاف من القتلى وخلّفت دماراً هائلاً ما زال العمل جارياً حتى الآن لمحو آثاره.
ولم تمرّ جولة باسيل على منطقة عاليه أمس هادئة، إذ إستُقبلت بإشعال الإطارات وقطع الطرق احتجاجاً، وأدّت الى مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وإصابة ثالث منهم، فيما اصيب رابع ينتمي الى "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وذلك لدى مرور موكب الغريب بين بلدتي قبرشمون والبساتين، أثناء الاحتجاجات على زيارة باسيل. ودخلت قوة كبيرة من الجيش إلى بلدة كفرمتّى محاولة فتح الطرق وحصلت احتكاكات بينها وبين المحتجين واوقفت عدداً منهم.
جنبلاط
وغرّد جنبلاط مساء أمس، قائلاً: "لن ادخل في اي سجال اعلامي حول ما جرى .اطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيداً عن الابواق الاعلامية. واتمنى على حديثي النعمة في السياسة ان يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كل التيارات السياسية دون استثناء، لكن الذي يرفض لغة نبش الاحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم".
الغريب
من جهته، قال الغريب، إنّ ما حدث في قبرشمون "كان مكمناً مسلحاً ومحاولة اغتيال واضحة، وإطلاق النار على الموكب كان موجّهاً الى الرؤوس"، منبّها إلى أنّ "شدّ العصب يوقع بالمحظور". وأكّد "حرصنا على السلم الأهلي ووحدة الدروز وتكاتفهم"، داعياً الى "ضبط النفس بعد الدماء التي سقطت"، وقال: "نحن نعتبر أنفسنا بي الصبي". وختم: "نحن لا نتفنن باستعمال الدم في السياسة".
مجلس الدفاع
في هذه الاثناء، أُعلنت حال الإستنفار على اعلى المستويات واجرى رئيس الجمهورية سلسلة من الإتصالات مع كل من رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش، وتلقى اتصالات مماثلة من قيادات روحية حزبية وسياسية، وطلب اتخاذ الاجراءات اللازمة لضبط الوضع.
وقالت مصادر مطلعة لـ "الجمهورية" انّه ونتيجة ما تلمّسه رئيس الجمهورية من مخاطر تهدّد أمن الدولة، دعا مساء امس المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع طارئ عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في بعبدا، للبحث في ما ستكون قد آلت اليه الإتصالات والتحقيقات التي بوشرت على مختلف المستويات الأمنية والقضائية والسياسية والحزبية، وعلى وقع سلسلة التدابير الإستثنائية التي نفذتها وحدات الجيش وقوى الأمن الداخلي في منطقة الشحار وبقية المناطق التي انعكست عليها احداث كفرمتى وبعض قرى عاليه والشحار الغربي، وصولاً الى خلدة، حيث قطع اهالي قتلى كفرمتى الطريق الساحلية امام اللبنانيين في الاتجاهين لساعات عدة، فيما شهدت محلة عين المريسة في بيروت تحرّكات شعبية لمناصري الحزب "الإشتراكي".
وللحريري اتصالاته
من جهته، رئيس الحكومة سعد الحريري أجرى اتصالات بالوزراء المعنيين والقيادات الأمنية والسياسية والحزبية، وشملت باسيل والمسؤولين في قيادتي "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"الحزب الديموقراطي اللبناني، والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني منصور، وشدّد الحريري على ضرورة تطويق الإشكال الحاصل في الجبل وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة الأوضاع وإعادة الامور الى طبيعتها.
بري
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره أمس، رداً على سؤال حول ما حصل في الجبل: "هذا أمر ما كان يجب ان يحصل، بل يجب أن يُعالَج هذا الأمر فوراً".