لبنان
الشيخ الخطيب دعا إلى موقف عربي جامع لمواجهة "الغطرسة الإسرائيلية"
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب "أن الغطرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني في لبنان وغزّة وسورية واليمن، تنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأكملها". وحمل رعاة الاتفاق الدوليين في لبنان، بخاصة الأميركيين والفرنسيين، مسؤولية وقف الانتهاكات "الإسرائيلية" فورًا والعمل الجدي على تنفيذ هذا الاتفاق وتسهيل انتشار الجيش اللبناني على كامل الأراضي الجنوبية حتّى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة".
وقال العلامة الخطيب في خطبة الجمعة من مقر المجلس الإسلامي الشيعي في الحازمية "إنّ ما تمر به المنطقة يشكّل أعلى درجات الخطورة، وينبئ بكوارث محدقة بالعالم العربي بأكمله، في ظل الفلتان العدواني الصهيوني من دون وازع أو رادع. ما يستدعي موقفاً عربياً جامعاً في مواجهة هذه الغطرسة، وليس أقل من عقد قمة عربية طارئة تتّخذ موقفاً حاسماً في مواجهة هذا الصلف المنقطع النظير".
وتابع الشيخ الخطيب "لبنان يعكس صورة مصغرة عن الواقع العربي والإسلامي المزري. فكلّ القوى الطائفية لا تفكر خارج دائرتها الطائفية، بل وتتآمر على القوى التي تخاصمها في السياسة، وبعضها يتمنى للعدو الانتصار على خصومها السياسيين من القوى المقاومة للعدو، ويعد انتصارها خسارة وهزيمة له".
وأردف الشيخ الخطيب: "وهذا مع الأسف معمم على الأغلب من بلداننا، حيث تختفي مظاهر الوحدة الوطنية، وتبرز مظاهر الانقسامات الطائفية والمذهبية في أشد الأوقات حراجة وخطورة، أمام ما يرتكبه العدوّ من فظاعات في حق بلداننا وشعوبنا، مما يعطيه الجرأة على ارتكاب المزيد ويبرر سلوكه أمام العالم الذي يمثل عجزاً عربياً وإسلامياً وقومياً ووطنياً عن إنتاج الحلول لمشاكلنا الداخلية، وإقامة علاقات طبيعية بين مكونات بلداننا، واستثمار التنوع الطائفي والمذهبي إيجابياً لمصالحنا الوطنية والقومية والإسلامية، فهل يستحيل على عقلائنا وحكامنا أن يجدوا السبيل لحل هذه الإشكالية؟ وهل هي معضلة لا تقبل الحل في الوقت الذي نرى فيه شعوباً وأمماً تتّجه نحو تكتلات عالمية تحقق من خلالها مصالحها؟
وسأل الشيخ الخطيب: "هل الاستسلام للعدو أسهل علينا من الوصول إلى قدر مشترك من التفاهم في ما بيننا يحفظ كرامتنا وشعوبنا ويمنع العدوّ من استباحتنا، أرضاً وكرامة، ويتحكم في مصيرنا القومي والوطني والإسلامي؟.وقال: " من هنا نناشد حكامنا وصلحاءنا أن يبادروا إلى التلاقي والعمل على حفظ الحد الأدنى مما تبقى من كرامة أمام الخطر الكبير القادم الذي يشكله العدوّ على الجميع وبلا استثناء. فمصلحة العدوّ هو ما يجري من تناحر طائفي ومذهبي واقتتال داخلي يعمم على كلّ أقطارنا.. سنؤكل إن لم نبادر في خطوات سريعة لرأب الصدع وإيجاد الصيغة التي تحفظ وجودنا ومصالحنا كأمة وكدول وأوطان".
واستطرد الشيخ الخطيب: "وأرى على الصعيد الوطني في التجربة اللبنانية واحتواء النزوح من البيئات اللبنانية المختلفة، وإفشال إرادة العدوّ في سعيه لاستغلال التنوع الطائفي لتحقيق فتنة طائفية قياسًا على موقف بعض القوى الداخلية. إن قياس موقف الشعب اللبناني على موقف بعض القوى السياسية قياس خاطئ، وإن الشعب اللبناني لا يتماشى مع هذه السياسات، وهو متمسك بالوحدة الوطنية مع التمسك بالحفاظ على التنوع الذي يؤكد أن هذا التنوع ثروة يجب التمسك بها، وأن المسيحي ضرورة إسلامية، وأن المسلم ضرورة مسيحية، وهما العمود الفقري لقيامة لبنان، وأن من دونهما لا بقاء له، وهما بهذه الثنائية الثقافية والدينية يجسدان فرادة لبنان ورسالته التي تزعج الكيان "الإسرائيلي" الغاصب، لأنها تفضح عنصريته وعدوانيته وبشاعته وإجرامه، أمام العالم وتظهر ضعفه، وإن بدا قوياً بما تزوده القوى الدولية به، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أسلحة فتاكة لن تشكّل الفيصل في حسم الصراع، كما لم تكن في يوم من الأيام".
وأضاف: "وما هذا الإجرام الذي تمارسه في غزّة ولبنان، إلا تعبيرًا عن الإحساس بالرعب والخوف على المصير المحتوم، حيث لم تستطع هزيمة المقاومة رغم كلّ جرائم القتل والتدمير والفظائع الإنسانية بحق الناس العزل والأبرياء، كما لم يستطع العدوّ ومن معه ومن خلفه رغم كلّ الدعاية الإعلامية أن يهزم جمهور المقاومة نفسيًا رغم الألم الذي أصابه، أو يحط من عزيمته أو يجعله محبطاً أو متراجعاً عن احتضانها، بل زادته شهادة الشهداء، وعلى رأسهم سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله وإخوانه، والبطولة الأسطورية للمجاهدين على خط المواجهة مع العدو، قناعة بصدق هذه المقاومة وأهميتها، رغم ما أصاب هذا الجمهور وما قدمه من أثمان باهظة، ولكنهم تعلموا من تجاربهم التاريخية والحروب مع هذا النوع من الأعداء الذي لا يعرف الإنسانية ولا يلتزم بعهد ولا ميثاق..".
وقال الشيخ الخطيب: "إن الحرب الإعلامية التي يسوق لها بعض الفرقاء وحالة التشفي التي يظهرها بعضهم الآخر، هي لإشعار جمهور المقاومة المتنوع مذهبيًا وطائفيًا بالإحباط ولتحقيق ما عجزت عنه آلة العدوّ العسكرية في الميدان، وفي الواقع إنّهم هم المحبّطون، لأنهم توقعوا أن تتفكك وتنتهي هذه المقاومة باسشهاد قيادتها، وهذا ما لم يحصل، وهي محاولات طالما خبرها هذا الجمهور وباءت بالفشل وأجبرت العدوّ على وقف إطلاق النار، بعد أن قاتلته على خط النار الحدودي، وقد عبرت قيادته من الأساس عن أن ما تقوم به هو عملية مساندة لغزّة، وليس دخولًا في حرب، مع أن العدوّ توعد المقاومة بالاستئصال بعد الفراغ من غزّة، وسبق له أن قام بمناورات كان يكرّرها في كلّ سنة استعداداً للانتقام من المقاومة، فهو في حرب معلنة مع المقاومة بشكل مستمر".
وقال: "إن الغطرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني في لبنان وغزّة وسورية واليمن، تنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأكملها"، "ففي لبنان التزمت المقاومة باتفاق وقف إطلاق النار التزاماً كاملاً، فيما يواصل العدوّ "الإسرائيلي" انتهاك الأراضي اللبنانية ويسجل خروقات كبيرة تجاوزت الخمسين، وكان آخرها التوغل في وادي الحجير التي عجز أن يصل إليها قبل الاتفاق. إن هذه الخروقات تحمل رعاة الاتفاق الدوليين، بخاصة الأميركيين والفرنسيين، مسؤولية وقف هذه الانتهاكات فورًا، والعمل الجدي على تنفيذ هذا الاتفاق وتسهيل انتشار الجيش اللبناني على كامل الأراضي الجنوبية حتّى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة. كما تحمل هذه الانتهاكات الحكومة اللبنانية مهمّة بذل أقصى الجهود لدى المراجع الدولية ورفع الصوت عالياً من أجل إلزام العدوّ بوقف الخروقات وتطبيق وقف النار".
ولفت إلى أنّه "وفي كلّ الاحوال، فإن هذه الغطرسة الصهيونية ما كانت لتحصل قبل اتفاق وقف النار، وهي بالتالي تمنح لبنان حق الدفاع عن الأرض، والمقاومة بشتى السبل من أجل حماية أهلنا في كلّ المناطق. لكننا على الرغم من ذلك نؤكد من جديد تمسكنا بمشروع الدولة القوية القادرة التي تحمي مواطنيها، وهو ما شددنا ونشدد عليه حتّى في ظل غياب الدولة، هذا الغياب الذي فرض علينا نهج المقاومة لتحرير الأرض، وكلفنا الكثير من الدماء والدمار والتخريب".
وختم الشيخ الخطيب "إن ما تمر به المنطقة يشكّل أعلى درجات الخطورة، وينبئ بكوارث محدقة بالعالم العربي بأكمله، في ظل الفلتان العدواني الصهيوني من دون وازع أو رادع، خاصة الاحتلال "الإسرائيلي" الجديد لمناطق في جنوب سورية وضرب مقدرات الجيش السوري، واستمرار حرب الإبادة في غزّة، والعدوان المتكرّر على اليمن، كل ذلك يستدعي موقفاً عربياً جامعاً في مواجهة هذه الغطرسة، وليس أقل من عقد قمة عربية طارئة تتّخذ موقفاً حاسماً في مواجهة هذا الصلف المنقطع النظير، قبل أن تتمادى "إسرائيل" في غيها وتحقق حلمها التاريخي ومشروعها الرامي إلى تحقيق ما يسمّى ""إسرائيل" الكبرى"، بحيث لا ينفع الندم ساعتئذ"".