لبنان
بين صمت الحريري وخشية برّي.. لاحكومة.. والشارع يتظاهر
تبددت الأجواء الايجابية التي عوّل عليها اللبنانيون في الأيام الماضية، وبعد أن كان الحديث عن أمل بولادة الحكومة قبل عيد الميلاد، ذهبت الآمال أدراج الرياح بتعثر جديد في اختيار وزير يمثل اللقاء التشاوري وقد تكون المعضلة أبعد من هذا بكثير.
الكلمة الأقوى كانت للشارع حيث نزل عدد من المتظاهرين إلى ساحات بيروت بدعوة تم توجيهها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتعلو أصواتهم فوق الصمت الذي اختاره الرئيس المكلف سعد الحريري للتعبير عن موقفه..
صمت الحريري قابله استهجان من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأعرب عن خشيته من أن يكون خلف التعطيل شيء أكبر من قصة «اللقاء التشاوري».
"الأخبار": الأزمة تخرج إلى الشارع
تأثُّر المُتظاهرين، في بيروت أمس، بحركة السترات الصفر الفرنسية، لا يعني أنّ تحرّكهم غريب عن الواقع اللبناني. فالأوضاع هنا مأسوية، والأحوال الاقتصادية التي تُهدّد الفئات المُهمشة وأبناء الطبقة المتوسطة، تُشكّل عبئاً ثقيلاً على اللبنانيين. تداعى الشباب إلى الشارع في بيروت وطرابلس والجنوب، بمبادرة منهم، ومن دون أن يظهر أنّ لهم غطاءً حزبياً، سقفهم المطالب المعيشية
التظاهرات التي نُظِّمت أمس في بيروت وطرابلس والجنوب، قد لا تكون دليلاً على أنّ «الثورة» قد انطلقت، ومن الممكن أن لا تُعلَّق عليها آمالٌ كبيرة لزلزلة أركان «النظام».
إلا أنّها، وبالإضافة إلى التظاهرة التي نظّمها الحزب الشيوعي اللبناني في 16 الشهر الجاري، أساس يمكن المراكمة عليه، ومؤشر إضافي على حالة الحنق العامة التي وصل إليها أبناء الفئات المُهمشة والمواطنون من الطبقة المتوسطة. هؤلاء مُهدّدون بخسارة أبسط حقوقهم، وبأن يتحمّلوا النتائج الكارثية لسقوط النموذج الاقتصادي المعتمد منذ عقود. لم يعد أحدٌ منهم بمنأى عن صعوبة المرحلة، والجميع يشعر بوطأة الأزمة.
شهرٌ سابع يمرّ على الفراغ الحكومي في البلد، بسبب صراعات على مقعدٍ زائد من هنا وتمثيل من هناك. تضاف إلى الوضع السياسي المُعقّد، الحالة الاقتصادية الخطيرة، وما يُنشر من تقارير تحذّر لبنان بأنّه يقف على حافة الانهيار، إن لم يكن قد دخل في المسار الذي سيوصل في النهاية إلى السقوط العظيم. مُعدلات البطالة في لبنان هي شديدة الارتفاع، إذ تصل بعض التقديرات إلى تحديد نسبة العاطلين من العمل بين الشباب بنسبة 36%، وترتفع النسبة لتصل إلى 47% في المحافظات البعيدة عن العاصمة. الصورة سوداوية من كلّ جوانبها، ولا تترك أي مجال للأمل، حتى ولو حُلّت العقد الحكومية وانطلقت «الإصلاحات».
فثمة ما يشبه الاقتناع العام بأنّ الوضع لن يتحسّن، طالما أنّ السياسات هي نفسها، يجري تناقلها من حكومة إلى أخرى، بوجود القوى السياسية عينها. كلّ هذه الأمور، دفعت بلبنانيين أمس، وقبله في 16 كانون الأول، إلى الشارع. تحرّكات بيروت وطرابلس والجنوب، التزمت سقف المطالب المعيشية ومحاربة الفساد. الدعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يكون للتحرّك هوية واضحة أو تتبناه جهة سياسية ما. على الرغم من ذلك، تمكن المنظمون من حشد عدد لا بأس به من المتظاهرين، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ كثيرين يُفضّلون الانتظار إلى أن تتضح هوية التحرك ومآل الأمور، قبل أن يضعوا ثقتهم به وينزلوا إلى الشارع.
"البناء": «الثُلث المعطل» مجدداً يعرقل التأليف
في الملف الحكومي، لم يجد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري للتعبير عن امتعاضه مما آلت اليه الأوضاع سوى الصمت، مغرداً على تويتر بالقول: «لا بد أحياناً من الصمت ليسمع الآخرون.»
لكن مَن هم الآخرون الذين قصدهم الحريري؟ هل هم اللقاء التشاوري؟ بالتأكيد لا تجيب مصادر مطلعة لـ»البناء» لأن «الرئيس المكلف ليس مسؤولاً عن تعثر المبادرة الرئاسية، بل هو وافق على هذه المبادرة وعلى آلية إخراجها وهو كان ينتظر اتصالاً من رئاسة الجمهورية للحضور للقاء الرئيس ميشال عون وأعضاء اللقاء التشاوري والتشكيلة النهائية في جيبه، لكن الاتصال لم يحصل وتغير كل شيء»، ما يعني بحسب المصادر أن الحريري لا يقصد اللقاء التشاوري لأن المبادرة جاءت لمصلحة الرئيس المكلف، إذ إن الاسم الذي وافق عليه سنة المعارضة لا يشكل استفزازاً له ولا ينتمي الى 8 آذار كما أنه مُثِل من حصة رئيس الجمهورية وليس من حصة المستقبل، ما يؤكد بأن الحريري قصد الوزير باسيل وليس اللقاء التشاوري.
وفي سياق ذلك، رأت أوساط مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» أن «الأمور عادت الى الوراء ليل الجمعة الماضي حيث لم يأتِ عدرا الى الاجتماع مع اللقاء في دارة النائب عبد الرحيم مراد لإعلان انضمامه الى هذا اللقاء كما كان متفقاً عليه، بيد أنه لم يأخذ الضوء الأخضر من الوزير باسيل الذي يفسر البند الأخير في المبادرة بأن اللقاء التشاوري يسمّي أسماء عدة، لكن مجرد اختيار عون الاسم يصبح من حصة الرئيس وتكتل لبنان القوي»، ويبدو بحسب الأوساط بأن «باسيل مصر على 11 وزير، وما زاد الطين بلة هو أنه فيما كان حزب الله يبذل جهوداً كبيرة لإقناع اللقاء التشاوري بتسمية عدرا لإنهاء الأزمة كان باسيل يفتح معارك تبديل الحقائب على الجبهات كافة، فحاول انتزاع وزارة الشباب والرياضة من حزب الله مقابل وزارة المهاجرين واستبدال وزارة البيئة من الرئيس نبيه بري على أن يتولى الحريري إقناع الوزير وليد جنبلاط بالتخلي عن وزارة الصناعة مقابل الإعلام الى جانب الضغط على القوات اللبنانية لاستبدال مقعد كاثوليكي بماروني غير أن جميع الأطراف رفضت عروض الرئيس المكلف»، وقد تردّد بأن إصرار الوزير باسيل على وزارات الأشغال والبيئة والصناعة التي لها علاقة كبيرة بالمشاريع الاستثمارية المخصصة في مؤتمر سيدر.
إلا أن مصادر التيار الوطني الحر سرّبت عبر قناة للـ»ام تي في» ان «الاتفاق هو ان يكون عدرا من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون وأن يلتزم بقراراته»، وأضافت: «الأفرقاء كانوا يدركون التزام عدرا وبطليعتهم اللقاء التشاوري». وقالت المصادر: «تفاجأنا بعودة «اللقاء التشاوري» عن المتفق عليه»، وأشارت الى أن «الطرف الذي تراجع ليس رئيس الجمهورية وليس رئيس التيار جبران باسيل».
وختمت: «هناك قطبة مخفية في مكان ما لعرقلة العهد والمطلوب حالياً من الذي انقلب على المبادرة أن يعود الى رشده». وردت مصادر «التيار الحر» على اتهام الرئيس وباسيل بالتعطيل، وقالت لـ «أو تي في» إن «المنطق يقول إن أحداً لا يقوم بتعطيل نفسه والواقع أن الرئيس والتيار سهلا عملية التأليف الى الحد الأقصى، وقدما مبادرة من المستحيل أن يقوما بتعطيلها بأنفسهم». ولاحقاً كتب باسيل على «تويتر: «كان بدّن يانا نكذب ونحنا ما منكذب ويمكن بدّن يانا نستسلم ونحنا ما رح نوقّف لحتّى تتألف الحكومة متل ما لازم وتربح اماني اللبنانيين بهالعياد».
في المقابل ردت مصادر اللقاء التشاوري على وزير الخارجية عبر «البناء» قائلة: «حاول المعنيون بالتأليف تمرير اسم عدرا كمؤامرة لشق صف اللقاء التشاوري ودفعه للموافقة عنوة، بعدما استشعر ضعف موقف اللقاء بعد الخلاف بين أعضائه وضغط حلفائه عليه، فحاولوا الضغط أكثر علينا وعلى عدرا كي يكون من حصة التيار الوطني للاحتفاظ بالثلث المعطل. وهذا ما لن يحصل، فكيف فسّر التيار الحر المبادرة الرئاسية على أن الوزير الـ 11 سيكون من حصته؟ مطلبنا كان واضحاً منذ البداية نوافق على وزير يعبر عن موقف اللقاء ويعلن انتماءه لنا وليس لغيرنا».
وتشير المصادر الى «أننا دعونا عدرا أكثر من مرة لكنه رفض الحضور، وأعلن أنه سيكون من حصة الرئيس عون»، وأضافت المصادر: مصير الحكومة معلق على توجه رئيس الجمهورية هل يريد إنعاش مبادرته واختيار أحد الأسماء الأخرى أم الاستمرار في تغطية باسيل لنيل الثلث المعطل؟
أما عن احتفاظ التيار الوطني الحر بالثلث المعطل فأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن باسيل يريد الاحتفاظ بالثلث المعطل لاعتبار أنه بعد نهاية ولاية الرئيس عون لن يتم الاتفاق على رئيس آخر فتعيش البلاد فترة شغور رئاسي، وبالتالي ستملئ الحكومة العتيدة الفراغ والإمساك بالثلث الحكومي يمكن الفريق المسيحي الأقوى بالتحكم بمصيرها حتى انتخاب رئيس للجمهورية». وتضيف المصادر بأن «الحريري لا يريد وزيراً سنياً مع المقاومة بل يريد وزيراً مستقلاً أو مع رئيس الجمهورية».
وقد علمت «البناء» في هذا الصدد أن الاجتماع الذي حصل بين عدرا والنائب فيصل كرامي لم يؤد الى نتيجة بل رد عدرا على طلب كرامي بأن ينضم الى اللقاء التشاوري: «لا أستطيع أن التزم مع فريق محسوب على حزب الله والمقاومة. مصالحي في الولايات المتحدة والخليج لا تسمح لي».
"الجمهورية": بري قلق ممّا آلَ إليه ملف التأليف والتعطيل
بالمقابل أكد أحد أعضاء «اللقاء التشاوري» لـ«الجمهورية» أنّه لا يزال ملتزماً مبادرة رئيس الجمهورية ولم يسحب يده منها. وهو ينتظر ردّ الرئاسة الأولى التي وُضع بين يديها 5 أسماء، وبقي منها 4، وفي حال كان الردّ سلبياً، خصوصاً أنّ ما يتناهى إلى مسامع «اللقاء» حول رفض الوزير جبران باسيل أيّ من الأسماء المرفوعة من جانب النواب السنّة إلى رئاسة الجمهورية، لا يبشّر بالخير. فهذا يعني العودة إلى المربّع الأول، بحيث سيطالب «اللقاء» عندها بأن يكون أحد أعضائه وزيراً حسب ما كان مطروحاً في بداية المشاورات.
وحصلت «الجمهورية» على تفاصيل المبادرة التي كتبت خلال الاجتماع بين أعضاء «اللقاء التشاوري» والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، حيت تولى الأخير نقل موافقة رئيس الجمهورية عليها ونصّت على الآتي:
1- الاعتراف بحيثية «اللقاء التشاوري» وحقه بالتمثيل حكومياً.
2- مكان اللقاء الذي سيجمع «اللقاء التشاوري» مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة (القصر الجمهوري أو السراي الحكومي).
3- الجهة التي ستعلن الاعتراف.
4- حصر التسمية بشخص واحد إذا أمكن.
5- وزير «اللقاء التشاوري» سيلتزم التصويت لمصلحة «اللقاء» وحسب توجّهاته.
6- الاتفاق النهائي وإقراره في حضور النائب فيصل كرامي.
في هذا الوقت أعربَ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره عن قلق واضح ممّا آلَ إليه ملف التأليف والتعطيل المفاجئ الذي حلّ به، وقطع كل حبال التفاؤل.
وإذ استهجن بري الطريقة التي اتّبعها البعض في محاولة تمرير توزير جواد عدرا بطريقة تصادره من «اللقاء التشاوري»، أعرب عن خشيته من «أن يكون خلف التعطيل شيء كبير حتى الآن لم يتضح بالنسبة إلي، وبالتالي هو أمر أكبر من قصة «اللقاء التشاوري»، وأعمق من الحقائب، مع العلم انّ موضوع الحقائب كان مُنتهياً منذ زمن طويل والرئيس الحريري نفسه قال انه لم يعد ينقص شيء سوى أسماء وزراء «حزب الله»، واتُهِم «الحزب» بأنه يعطّل تأليف الحكومة لأنه لم يسلّم أسماءه. الّا انّ الايام الاخيرة أكدت أنّ المسألة لا علاقة لها بالحزب ولا بأسمائه، علماً بأنني أنا شخصياً لم أقدّم أسماء وزراء كتلة التنمية والتحرير».
وأشار بري الى «انّ الامور كانت منتهية، ووصلنا الى وضع على طريقة «قوموا لنهنّئ» اعتقاداً بأنّ الحكومة ستولد في ساعات. لكنّ هذا لم يحصل مع الأسف. أمّا لماذا لم يحصل فهذا ما لم نعرفه».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان هناك عامل خارجي في تعطيل الحكومة، قال بري: «أمام ما نراه وما حصل لا أستبعد هذا الاحتمال، فالمسألة تبدو كبيرة جداً».
وحول التظاهرة التي شهدها وسط بيروت أمس، قال بري: «مطالب المتظاهرين مُحقّة. هم يطالبون بحكومة، ونحن ايضاً نطالب بحكومة. مع الاشارة الى انّ هناك أعداداً كبيرة من المتظاهرين هم من الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، ولم يتم تعيينهم بعد وأنا شخصياً مع مطالبهم».
وتطرق بري الى التطورات الاقليمية والدولية، ولاسيما منها القرار الاميركي بالانسحاب من سوريا، فقال: «هذه التطورات تستوجب المواكبة، خصوصاً انها تشرّع باب الاحتمالات واسعاً».
"اللواء": عقد ثلاث تُهدّد بعودة الأمور إلى المربع الأول
"اللواء" رأت أنه في تقدير مصادر متابعة لتأليف الحكومة، ان ثلاث عقد باتت تُهدّد بعودة الأمور إلى المربع الأول إذا لم تتم معالجتها بين عطلتي الميلاد ورأس السنة، مشيرة إلى ان هذه العقد هي التالية:
{ عقدة تمثيل نواب «اللقاء التشاوري» الذي يضم ستة نواب متحالفين مع «حزب الله»، حيث يُصرّ الوزير باسيل ومعه فريق رئيس الجمهورية على اعتبار المرشح الذي سيمثلهم عضواً في تكتله الوزاري، ما أدى في نهاية المطاف إلى تخلي اللقاء التشاوري عن تسمية عدره، وطرح أسماء جديدة، لكن باسيل رفض، معتبرا ان الاتفاق الذي أرساه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم سقط مع سقوط ترشيح عدره.
{ وتتمثل العقدة الثانية، بمحاولة باسيل الحصول على وزير ماروني من حصة «القوات اللبنانية» بحيث تنال «القوات» مقعداً مارونياً واحداً، وهو ما ترفضه بشدة.
{ اما العقدة الثالثة، فتتمثل بمحاولة باسيل أيضاً، اجراء تبادل في الحقائب للحصول على حقيبة البيئة، وهو ما قوبل برفض شديد لم يخل من حدة من الرئيس برّي.
ويبدو من محصلة العقد الثلاثة ان جميع الأطراف تحمّل الوزير باسيل مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، ولا تعفي الرئيس المكلف من المسؤولية عبر تبنيه بعض طروحات باسيل بتبديل الحقائب، التي ربطها البعض بما قرره مؤتمر «باريس- سيدر» من دعم مالي كبير لوزارات معينة بينها البيئة والاشغال والصحة والصناعة والزراعة.
ومع ذلك، فإن المشكلة وان أصبحت أكبر من مجرد خلاف على تمثيل شكلي لوزير ما من حصة فريق ما، لارتباطها بالتوازنات السياسة الدقيقة، الا انها أصغر من ان تتحول الى ازمة سياسية خطيرة تطيح كل التفاهمات الكبرى التي تم التوصل اليها منذ الاتفاق على انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. ذلك ان «العبث واللعب « الجاري بالتسويات الكبرى من الصعب ان يستمر لأن الاقطاب الكبار رعاة التسوية لن يسمحوا باستمراره طويلا بسبب مطالب ظرفية ومصلحية لهذا الفريق السياسي او ذاك، لما يرتبه من محاذير ومخاطر على مجمل الوضع اللبناني في ظل الانهيار الحاصل على كل المستويات لا سيما المالية والاقتصادية والاجرائية.