لبنان
أزمة الإسكان.. الحل عند المصرف المركزي!
فاطمة سلامة
كيفما اتجهنا نُصادف من يتحدّث عن أزمة القروض السكنية كواقع مُر فُرض على اللبنانيين. يتمنى هؤلاء عودة القروض الى سابق عهدها، ولو أنّها تُشكّل عبئاً ثقيلاً إذا ما جرت مقاربتها من ناحية "الدفعة الشهرية" التي يقول عنها كُثر إنها "تقصم الظهر". لكنّها بنظرهم شر لا بد منه وأحلى الخيارات في بلد أصبح فيه امتلاك منزل بمثابة "حلم". ولا شكّ أنّ تعليق العمل بالطلبات الإسكانية حمل ما حمله من تداعيات على دورة الحياة الاقتصادية، وحتى على الجانب الاجتماعي. والملفت أنّ أمد هذه الأزمة طال بشكل لم يكن متوقعاً. حين توقّف العمل بالقروض نهاية عام 2017 قيل إنها "سحابة صيف" وستمر، وأطلقت الوعود بانفراجات. في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، حصل تقدم في هذا الملف تمثّل بإقرار مجلس النواب فتح اعتماد إضافي بقيمة مئة مليار ليرة لدعم قروض الإسكان لمدة سنة، وأدرج هذا الأمر في موازنة العام 2019. وفي الثلاثين من شهر كانون الثاني المنصرم، حصل تقدم أيضاً، تمثّل بالتعميم الذي أصدره مصرف لبنان والذي أطلق فيه رزماً جديدة سُرعان ما تبّخر جزء كبير منها بفعل الطلبات الكثيرة المتراكمة. ورب مواطن يسأل: أين أصبح ملف الإسكان اليوم؟.
يُجيب مدير عام المؤسسة العامة للإسكان الأستاذ روني لحود عن السؤال المذكور، فيوضح أنّ الأزمة لا تزال تراوح مكانها، مختصراً المشهد بالآتي: لا تمويل من المصرف المركزي للقروض السكنية. الرزمة التي أطلقها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ أشهر والتي بلغت 790 مليار ليرة، لم يتبق منها حينها سوى 300 مليار ليرة، بعدما جرى اقتطاع أكثر من 400 مليار ليرة العام الماضي من موازنة العام 2019. ذهب من مبلغ الـ(300 مليار ليرة)، 140 مليار ليرة للقوى الأمنية، والباقي (160 مليار ليرة) لا تزال رهن أسر المصارف التي ترفض التعاون بإعطاء القروض بحجة أنّ الفائدة منخفضة (5.5 % من الزبون، و4 % من المصرف المركزي) ما يعني أن الفائدة 9 ونصف بالمئة وهي فائدة "لم تعجب" المصارف. أضف الى ذلك، رفض المصارف الامتثال لطلب المصرف المركزي باستبدال الدولار بالليرة اللبنانية، وهو الأمر الذي لا تراه المصارف لمصلحتها ما يجعلها تتجه لحصر قروضها بموظفيها والزبائن الذين تقترض منهم.
وفيما أُعلن مؤخراً عن حصول مصرف الإسكان على قرض بقيمة 165 مليون دولار أميركي من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، يأخذ لحود على مجلس الإنماء والإعمار اللبناني استبعاد المؤسسة العامة للإسكان من هذه "الفرصة"، خصوصاً أنّ اللبنانيين لم يعودوا يتحملون أزمة الاسكان التي "خنقتهم" وأثّرت على الدورة الاقتصادية وعلى الأمن الاجتماعي. أمام هذا الواقع، المطلوب -برأي لحود- أن يتحرّك المصرف المركزي ويُزوّد المؤسسة العامة للاسكان برزم جديدة من الاحتياط الالزامي الموجود لديه، وهذا أمر مقدور عليه، إلا أنّ مصرف لبنان في المقابل يقول إنه لا يستطيع فعل ذلك حفاظاً على السياسة النقدية.
وفيما ينفي لحود علمه بكمية الطلبات العالقة بعدما أُعطي حق "الكوتا" للمصارف التي تتواصل مباشرةً مع المصرف المركزي، يوضح أنّ المؤسسة العامة للإسكان استقبلت ما يُقارب الـ500 طلب جديد إلا أنّ السيولة غير متوافرة.
وفي الختام، يشدّد لحود على ضرورة حل أزمة الإسكان بعدما ضاقت الناس ذرعاً، خصوصاً أنّ المؤسسة العامة تستقبل سنوياً حوالى 5500 طلب، وتُيسّر أمر 5000 قرض سكني، وخصوصاً أنّ الإسكان يُحرّك العجلة الاقتصادية ويدر أموالاً في خزينة الدولة لا العكس.
قرداحي..لا حل قريباً
لا يرى الخبير الاقتصادي شربل قرداحي أفقاً لحل أزمة الاسكان في المدى القريب. صحيح أنّ الموازنة تحتوي على بند يُوافق على صرف مبلغ المئة مليار ليرة الذي أقره مجلس النواب، إلا أن هذه القيمة لا تحل المشكلة في ظل الفوائد المرتفعة والطلبات الكثيرة. يتحدّث قرداحي عن معاناة الناس وعن الفوائد المرتفعة، والقيود التي وُضعت على المصارف لجهة عدم السماح لها بإعطاء قروض أكثر من ربع موجوداتها بالليرة اللبنانية حفاظاً على السياسة النقدية.
يُعيد المتحدّث التأكيد أنه لا يرى بوادر حل، متوقعاً أن يصار أكثر الى تصحيح الأسعار في السوق العقاري، أي الى خفض الأسعار في ظل انعدام الطلب. ويلفت الى أنّ هناك عدداً كبيراً من القطاعات مرتبطة بتحرك أزمة الاسكان، خصوصاً أن 60 بالمئة من الاقتراض المصرفي مرتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالإنشاءات والقطاع العقاري وغيره.
يُعطي قرداحي وجهة نظره لناحية أنّ الموازنة التقشفية التي يُعمل على إنجازها، ستسمح بخفض النفقات في الحكومة وخفض الاستدانة ما سيسهم تلقائياً في خفض الفائدة وعندها سيسير ملف الاسكان على طريق الحل. وهنا يُشدد قرداحي على أن لا حل للقطاع العقاري إلا بموازنة تقشفية تُخفّض العجز وكل كلام مخالف هو حديث هواة وأصحاب مصالح لا أكثر ولا أقل.