لبنان
الحكومة تستكمل دراسة الموازنة اليوم على وقع الاضرابات
طغت التطورات في قطاع غزة على سواها من الأحداث في المنطقة، وفي وقت كان الهدوء يسيطر على الساحة السياسية الداخلية، يعود النشاط اليوم إلى الحكومة التي تستكمل دراسة الموازنة، وسط اضرابات وتوقف الاعمال في عدد من المؤسسات والمرافق الحيوية في البلاد، ابرزها المرفأ ومصرف لبنان.
"الجمهورية": الموازنة يتنازعها "الخفض" و"البدائل"
يستأنف مجلس الوزراء اليوم جلساته المخصصة لدرس الموازنة، وسط أجواء توحي بتوجّه الى تسريع النقاش، توصّلاً الى إقرارها وإحالتها الى المجلس النيابي خلال فترة لا تتعدى الاسبوع الجاري، أللهم إلّا اذا شكلت البنود الاشكالية المتعلقة بخفض الرواتب للمدنيين والعسكريين عائقاً يحول دون ذلك.
وفيما بات التسريع في إقرار الموازنة ضرورة بالنسبة الى بعض السياسيين، خشية ما يعتبرونه السقوط في المحظور إذا شابَها مزيد من التأخير، فإنها في رأي الخبراء الاقتصاديين تبقى أشبه بحقنة مسكنة مؤقتة، يفترض ان تقترن بسَعي الحكومة جدياً لإيجاد العلاج الشافي من المرض الاقتصادي المُستعصي، والطريق الى ذلك يتأمّن عبر إعداد الرؤية الحقيقية لسبل معالجة الازمة.
وإذ يلفت الخبراء الى خلو الموازنة مما يمكن تسميتها "إصلاحات نوعية" او "إصلاحات جدية"، الا انها تضمّنت ما يمكن اعتباره إيجابية، اذ انّ إيجابيتها هنا بالنسبة الى الخارج والمجتمع الدولي ومؤتمر "سيدر" انها تحقّق هدف خفض العجز في المالية العامة من 11,5% الى 8,8%، وهو أمر يعكس جدية الحكومة إزاء خفض العجز، فضلاً عن انّ هذه الحكومة أعطت اشارة ايجابية منذ فترة قصيرة بإقرارها خطة الكهرباء.
وفي رأي الخبراء "انّ هذه الموازنة، على تواضعها، تؤسس الى ان تحقق موازنة 2020 عجزاً دون الـ 7% من الناتج المحلي لأنه في 2020 تكون نتائج خطة الكهرباء بدأت تظهر، ولكن هذا يتحقق اذا صَفت النيّات، وتمّت ترجمة خطة الكهرباء بصورة سليمة، ونحن اعتدنا في لبنان على انّ العبرة تبقى دائماً في التنفيذ، وليس في الكلام او الحبر على الورق".
وفي الوقت الذي عبّرت مراجع سياسية وحكومية عن مخاوفها من تداعيات إضراب موظفي مصرف لبنان المفتوح، كشفت مصادر مطّلعة لـ"الجمهورية" عن اتصالات مكثفة يجريها بعض المراجع لوقف هذا الإضراب وتلافي تردداته السلبية على مستوى حركة الأموال والمعاملات المصرفية في لبنان إبتداء من اليوم.
وقالت هذه المصادر انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شجّع المساعي الجارية في هذا الاتجاه لضمان عودة الحركة الطبيعية الى سوق القطع وغرفة المقاصّة للشيكات المتبادلة واستمرار الحركة الطبيعية في سوق الصرافة في لبنان، ومنعاً لتقلّص حجم النقد اللبناني والأجنبي في السوق والمصارف.
ولفتت المصادر الى انّ لقاءات عون المالية والنقدية الأسبوع الماضي مع كلّ من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف جوزف طربية تناولت مختلف وجوه التعاون بين المصارف ومصرف لبنان والمؤسسات الرسمية، وأبلغ رئيس الجمهورية الى المعنيين "أنّ المَس بمصرف لبنان واستقلاليته ليس مطروحاً في اي لقاء او إجراء".
وكانت أوساط سياسية تحدثت عن محاولات لوضع اليد على موازنة مصرف لبنان من خلال المادة 60 في مشروع قانون الموازنة، التي تلمّح الى إخضاع الموازنات الخاصة في بعض المؤسسات العامة والهيئات المستقلة لمراقبة وزارة المال من دون الإشارة الى الاستثناء الذي كان يجب ان يُشار اليه بالنسبة الى مصرف لبنان، لأنه من المؤسسات التي لها نظامها وقانونها الخاص والذي يميّزه عن بقية المؤسسات العامة، إذ لا يحكم العلاقة بينه وبين وزارة المال سوى قانون النقد والتسليف.
"الأخبار": سلامة يقود إضراب مصرف لبنان!
اعلنت نقابة موظفي مصرف لبنان إضراباً مفتوحاً، اعتباراً من يوم السبت الماضي. حدّدت النقابة عنوانين لهذا التصعيد «الخطير»: حقوق الموظفين، ووضع اليد على مصرف لبنان. العنوان الأول واضح بعدما جرى تضمين الموازنة المادة 61 التي ستلغي كل الأشهر الإضافية للموظفين، أي ربع رواتبهم. لكن قصّة وضع اليد على مصرف لبنان تأتي بخلفية أخرى، إذ يتقاطع العنوان الثاني مع معطيات كثيرة عن أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو الذي يقود اضراب الموظفين فعليا! فما الذي يريد سلامة تحقيقه من هذا
يجب التمعّن بإضراب موظفي «المركزي». أعلنوه إضراباً مفتوحاً بعد إضراب تحذيري يومي الجمعة والسبت الماضيين، أي بتأخير يوم واحد عن إضراب اتحاد المصالح المستقلة الذي بدأ الخميس. يرتبط توقيت إعلان الإضراب بإشارة جاءت من سلامة فور عودته من زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون. يومها أبلغ الحاكم نقابة الموظفي بأنه ليس قادراً على «ضمان عدم المس بالرواتب، خصوصاً ما تقترحه المادة 61 من مشروع قانون موازنة 2019 لجهة إلغاء الرواتب الإضافية».
لعلّه أول إضراب مفتوح تنفذه نقابة موظفي مصرف لبنان منذ إنشائها. هو إضراب ضد المس بالمكتسبات والحقوق، ويشكّل الاداة النقابية الاهم والامضى. الا انه في الوقت نفسه يحمل خلفيات وتبعات تتجاوز حقوق الموظفين المكتسبة. ففي يومي الإضراب التحذيري، أي الجمعة والسبت، شهدت كونتوارات المصارف قصوراً في تلبية طلبات الزبائن، خصوصاً العمليات النقدية بالدولار. كذلك، ظهرت ملامح أزمة في مقاصة الشيكات، ستتفاقم في حال الالتزام بالاضراب المفتوح اعتبارا من اليوم. فالاضراب في مصرف لبنان يكاد يشلّ عمليات المصارف ويعرقل تعاملات زبائنها، كونه يدير نظام المدفوعات ويمدّ السوق بالسيولة النقدية ويجري المقاصة بين شيكات التجار.
يأتي الاضراب في مصرف لبنان في لحظة حساسة. فالطلب على الدولار يرتفع باطراد، ولم يعد البنك المركزي يلبي كل الطلب في السوق، ما أدّى الى ظهور ملامح لسوق موازية (السوق السوداء) لتداول الدولار بسعر بلغ 1550 ليرة نهاية الاسبوع الماضي. ويتوقع مصرفيون ان يرتفع السعر اكثر في حال استمرار الاضراب، اذ سيتوقف البنك المركزي عن تلبية الطلب وعن تسعير الدولار ايضا.
لا شك في أن سلامة يعلم تماماً النتائج المترتبة على إضراب مفتوح لموظفي مصرف لبنان. فهل قصد من تشجيعه هذا الاضراب تحقيق اهداف غير حماية حقوق الموظفين؟ أليس سلامة من أبرز الداعين الى التقشّف وتقليص حجم القطاع العام؟ ام انه يتوقع حدثا جللا ويريد رمي مسؤولية حدوثه على سوء الادارة السياسية؟
مهما كانت الأهداف التي يسعى سلامة إلى تنفيذها عبر اضراب الموظفين، فهي تتصل بمشروع موازنة 2019، اذ استبق مناقشتها في مجلس الوزراء، بتصريحه الشهير عن أن «القطاع العام بات يستأثر بـ35% من الناتج المحلي... وسوء الإدارة هو الذي يسهم في عجز الموازنة والتضخم ويهدّد استقرار البلد والقدرة الشرائية للمواطن... في حين ان البنك المركزي يقوم بكل واجباته للحفاظ على الاستقرار». يومها، رسم تصريح سلامة حدود النزاع، فالقوى السياسية هي المسؤولة عن تنامي الإنفاق وتضخّم القطاع العام، فيما مصرف لبنان حافظ على سعر صرف الليرة الثابت وتولّت المصارف تمويل الانفاق العام. وبالتالي، اذا ارادت هذه القوى ان يبقى سعر الصرف ثابتا، فعليها ان تقبل التضحية بمصالح جماهيرها عبر تقليص القدرة الشرائية لأكثر من 300 الف اسرة تعتاش من الاجور ومعاشات التقاعد في القطاع العام.
وجدت هذه المعادلة صداها في الاجتماع الذي عقد في بيت رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بحضور كل القوى السياسية المشاركة في الحكومة. يومها عرض وزير المال علي حسن خليل ورقة أعدت بالتنسيق مع رئيس الحكومة سعد الحريري، تتضمن اقتراحات بحسم 15% من الرواتب ومعاشات التقاعد وتجميدها لمدة ثلاث سنوات. شكّل هذا الإجراء البند الاساسي في خفض العجز لأنه يؤمن وفراً بقيمة مليار دولار، وفي مقابله ستوافق القوى المالية (مصرف لبنان والمصارف) على زيادة الضريبة على ربح الفوائد من 7% إلى 10% ما يؤمن للخزينة نحو 500 مليون دولار.
الكشف عن هذه الاقتراحات أربك القوى السياسية. فعمد كل طرف إلى تحريك ”جماعته“ في مواجهة هذه المقايضة. الاكثر حرجاً كان رئيس مجلس النواب نبيه بري، لان وزير المال هو الذي تلا هذه الاقتراحات، فأوعز اليه بعدم تضمين مشروع الموازنة خفض الأجور، ما أبقى على الإجراء المتعلق برفع ضريبة الفوائد. لكن وزير المال شنّ هجوماً في مقابلته التلفزيونية الأخيرة (على قناة MTV) على من أفشل المقايضة، وركّز جلّ حديثه على التحريض على القطاع العام والعاملين فيه.
تحت الضغط، أحيل مشروع موازنة 2019 على مجلس الوزراء، رغم أن الصيغة التي كانت متداولة حينذاك كانت تقضي بأن يحال بعد التوافق عليه. يومها، أعاد سلامة التذكير بحدود النزاع من خلال استنفاز المصارف في اللقاء الشهري بين جمعية المصارف وحاكمية مصرف لبنان. وقال لمجلس إدارة الجمعية إن الحريري أبلغه بأن لا زيادات ضريبية على المصارف في موازنة 2019، وأنها لن تكون مجبرة على المشاركة في سندات بفائدة مخفضة، بل ستكون مشاركتها طوعية. ولكن النقاشات في مجلس الوزراء بينت وجود ميل الى رفع الضريبة على ربح الفوائد بمعزل عن خفض الاجور والرواتب ومعاشات التقاعد. في مواجهة ذلك، تحرّك سلامة مجددا، وحمل رؤيته وشروحاته لرئيس الجمهورية ميشال عون، إلا أنه بحسب مصادر مطلعة، لم يكن هناك تجاوب من الرئيس معه.
في هذه اللحظة تحديدا، التقى سلامة نقابة موظفي مصرف لبنان وابلغها بأنه لا يستطيع ضمان عدم المس برواتبهم… وفورا، اعلنت النقابة الإضراب التحذيري ليومين، وفجأة حولته الى اضراب مفتوح.
"البناء": ملف المصارف ومصرف لبنان عقدة الموازنة... وجلسة اليوم حاسمة
يعود مجلس الوزراء اليوم الى استكمال اجتماعاته المخصصة لدراسة مشروع الموازنة، بعد عطلة استمرت يومين بدواعي الجولة الوزارية المناطقية التي قام بها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الى جبيل يومي السبت والأحد، بالتوازي مع تنفيذ مجلس نقابة موظفي مصرف لبنان الإضراب التحذيري لمدة يومين متتاليين الجمعة والسبت، مبقياً اجتماعاته مفتوحة لمتابعة التطورات كافة، معلناً «الإضراب المفتوح اعتباراً من اليوم استنكاراً لما أسماه الهجمة الشرسة غير المبررة التي يتعرض لها المصرف وموظفوه ورفضاً للمحاولات التي تهدف الى وضع اليد عليه، الأمر المخالف لكل القوانين والاعراف الدولية». وحمّلت نقابة موظفي مصرف لبنان السلطات المعنية «مسؤولية الشلل الذي سيصيب حركة العمل في البلاد»، وأكدت «انها على تنسيق تام مع الاتحاد العمالي العام وكل النقابات وممثلي موظفي الادارات المتضررة من الإجراءات المنوي تنفيذها التي تحرمهم من حقوقهم».
وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر معنية بالوضع الاقتصادي والمالي لـ«البناء» أن عدم التزام المصارف في الإضراب لا يعني ان الامور ستبقى على ما يرام في ما خص السيولة بالليرة اللبنانية، مشددة على ان مصرف لبنان هو الذي يزوّد المصارف بهذه السيولة، وفي ظل الإضراب المفتوح فان التعاملات بالليرة قد تتأثر اذا استمر هذا الإضراب لأكثر من نهاية الاسبوع.
ما تقدّم دفع رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه الى القيام بزيارة عاجلة الى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قائلاً إنّ الهجمة على المصارف وجمعية المصارف تستهدف البلد واقتصاده، مؤكدًا عدم الرغبة بالدخول في جدل مع أحد، مشيرًا إلى أنّ المجتمع اللبناني يمنح ثقته للمصارف. وتمنى طربيه على الرئيس عون أن يضع اصبعه على ملف توقف موظفي مصرف لبنان عن العمل لمعالجته بأسرع وقت لأن العمل المصرفي حساس للبلد وخصوصاً في هذه الظروف، لافتًا إلى أنّه لا يمكن فرض ضرائب إضافية في وقت الأزمات الاقتصادية. في وقت غرّد وزير المال علي حسن خليل عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً «إن كل الحديث حول مشروع لتغيير في العلاقة القانونية بين وزارة المال والمصرف المركزي محض اختلاق ولا أساس له وجزء من حملة ضخ المعلومات المغلوطة والمشبوهة للتشويش على إقرار الموازنة».
وعلى خط عين التينة، فرئيس المجلس نبيه بري على موقفه أن الموازنة يجب أن لا تمسّ رواتب ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة والعسكريين، مشدداً بحسب زواره لـ«البناء» على أن تكون الإصلاحات محطّ تفاهم المكوّنات السياسية، وإلا فإن الأمور ستأخذ وقتاً طويلاً، قائلاً يجب العمل على اتخاذ سلسلة إجراءات في حق الكثير من الجمعيات والصناديق.
"اللواء": الموازنة: عود على بدء بين ألغام الضرائب والتخفيضات!
وبحسب "اللواء"، تعود موازنة العام 2019 إلى مشرحة طاولة مجلس الوزراء، في جلسة خامسة، يتوقع ان تكون هادئة، إذا جرت الرياح بحسب ما يشتهي رئيس الحكومة سعد الحريري، ولكن في ظل مواجهات مفتوحة مع القطاعات والنقابات العمالية والتربوية والمصرفية، ومع القضاة والعسكريين ولا سيما المتقاعدين منهم، وبصورة اخص مع موظفي مصرف لبنان الذين شلوا باضرابهم المفتوح معظم الأعمال المصرفية، ولا سيما التحويلات والتبادلات المالية، وينذر بارباك مرتقب على الصعيد السيولة بالعملة اللبنانية، في حال استمر الإضراب لأكثر من أسبوع للمطالبة بعدم المس بحقوقهم وتعويضاتهم ومكتسباتهم أو اخضاعهم لإدارة القطاع العام.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ان نجاح التحركات المطلبية في ثني الحكومة عن خفض بعض الرواتب والتعويضات والتقديمات سيؤدي إلى احراج الحكومة امام الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» وغيرها من دول وصناديق مالية دولية لعدم تمكنها من تخفيض نسبة العجز في الموازنة المرتقبة؟ وبالتالي هل سيؤثر ذلك على ثقة هؤلاء بلبنان واقتصاده وتضيع معها مليارات «سيدر» ومعها كل الآمال باستعادة نسبة النمو؟ طالما ان السلطة الحاكمة لا تستقوى سوى على الفقراء، ولا تستطيع ان تفعل شيئاً حيال مزاريب الهدر والسرقة والفساد والتهريب بمختلف ممراته ومجالاته؟
ويرى مصدر وزاري في «التيار الوطني الحر» انه من المبكر الحسم في كل هذه الأمور قبل انتهاء نقاش الموازنة واقرارها، إلا انه تحدث عن حلول وخيارات أخرى لا زالت قيد البحث من أجل تحقيق الهدف المرجو في خفض العجز، داعياً إلى عدم استباق الأمور.