لبنان
هدوء حذر يسود جبهة الجنوب.. ودعوات لمظاهرات مليونية دعمًا لغزة
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم على الوضع الميداني عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وفي غزة، ومع أنه لم يطرأ أي جديد بارز على المشهد الميداني جنوبًا كما على المشهد السياسي داخليًا، فإن الأسبوع المقبل قد يحمل دلالات مهمة وبارزة لجهة تبين تطور مسار المواجهات التي تشهدها الحدود الجنوبية ومدى تأثرها المباشر بحركة ديبلوماسية غير مسبوقة تضغط بكل الاتجاهات لمنع انفجار حرب واسعة على هذه الجبهة.
وفي السياق، لفتت الصحف الى الحركة الديبلوماسية الساخنة المتصلة بالوضع في غزة ولبنان، عبر زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف بيروت في الأسبوع المقبل، التي ستركز على ضرورة عدم دخول لبنان في حرب مع "إسرائيل"، وتأتي زيارة ليف للبنان ضمن جولة إقليمية تشمل الامارات العربية المتحدة والأردن ومصر والكيان الصهيوني.
"البناء": ثالث جمعة تضامن عربية إسلامية دولية مع غزة وتوقعات بتظاهرات مليونية
فيما تستمرّ آلة القتل والهمجية الإسرائيلية بارتكاب المجازر في قطاع غزة حاصدة المئات من الشهداء والجرحى وتدمير المنازل والمستشفيات والمرافق العامة، تترقّب قيادة العدو الإسرائيلي والإدارة الأميركية ردّ محور المقاومة الذي لوّحت قيادته بتوسيع الحرب بحال لم يتوقف القتل المتعمّد والتدمير الممنهج لقطاع غزة، وقد أكد وزير الخارجيّة الإيرانية حسين أمير عبداللهيان أن «الإبادة الجماعيّة الجارية ضد السكان المدنيّين في غزة، والدّعم الشّامل الّذي تقدّمه الولايات المتحدة الأميركية وعدد قليل من الدّول الأوروبيّة بشكل أعمى للكيان الصّهيوني، قد وصل إلى نقطة مثيرة للقلق لجميع البلدان في المنطقة. وهناك احتمال أن تخرج السّيطرة من أيدي جميع الجهات». وسبق هذا التصريح الإيراني، اجتماع عقد بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس صالح العاروري للبحث «ما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحسّاسة لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان الغادر والوحشي على شعبنا المظلوم والصامد في غزة وفي الضفة الغربية»، وفق بيان المجتمعين. ما يؤشر وفق ما تشير مصادر مطلعة لـ»البناء» بأن «محور المقاومة سيفتح مرحلة جديدة من الردّ والعمليّات ضد كيان الإسرائيلي من خلال استخدام حركات المقاومة في فلسطين أنواعاً جديدة من الصواريخ وتوسيع مدى إطلاقها وتكثيفها لتشمل كل نطاق تل أبيب وما بعدها، بموازاة رفع المقاومة الإسلامية في لبنان وتيرة عملياتها النوعية ضد مواقع الاحتلال الإسرائيلي على طول الجبهة وربما يكشف عن مفاجآت جديدة قد تكون على جبهة الجولان السوري، وبالتوازي ستشدد المقاومة العراقية استهدافها للقواعد الأميركية في العراق وسورية مع إطلاق أنواع مختلفة من الصواريخ من اليمن على كيان الاحتلال أو ضرب أهداف العدو في البحر الأحمر». وتشير المصادر الى أن «لدى محور المقاومة الكثير الكثير من المفاجآت ستكشف تدريجياً طيلة المدى الزمني الحرّ ومهما طال، وستؤلم العدو في البر والبحر والجو وستدفعه للتراجع في نهاية المطاف ويرضخ لوقف إطلاق النار والتفاوض حول تبادل الأسرى ونقاط أخرى لا سيما رفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات الى القطاع عبر معبر رفح».
ويشير خبراء عسكريون إلى أن تأخير كيان الاحتلال للاجتياح البري لغزة يكشف عجز هذا الجيش وضعفه ومعنوياته المنهارة لا سيما أن قيادة العدو تدرك ما ينتظرها من مفاجآت في الأحياء والزواريب ومن تحت الأنقاض في غزة، ما سيكبّدها خسائر فادحة ستؤدي الى هزيمة جديدة لن يحتملها الكيان بعد ضربة 7 تشرين، ولذلك وفق ما يشير الخبراء لـ»البناء» فإن «المرجّح هو أن يشنّ جيش الاحتلال عملية برية محدودة في جيب ما لتحقيق نصر وهمي بموازاة استمرار القصف الجوي لتدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية للقطاع وتهجير ما يمكن من الفلسطينيين إلى الجنوب ليسهل نقلهم الى سيناء في ما بعد، وأيضاً للضغط على بيئة المقاومة في غزة وتحميل حركات المقاومة المسؤولية»، لكن الخبراء يتوقفون أمام مخاوف قادة الاحتلال وكذلك الأميركيين الذين نصحوا الكيان بعدم المخاطرة بحرب برية، بسبب مخاوفهم من توسيع حزب الله للجبهة الشمالية وتكرار سيناريو 7 تشرين في شمال فلسطين المحتلة».
وفي سياق ذلك، رأى المراسل العسكري لموقع «واللا» الإسرائيلي أمير بوحبوط أن كلّ لحظة تمرّ، منذ أن أعلن الجيش جهوزيته الكاملة للمناورة البرية، يمكن أن تضرّ بالروح المعنوية العامة للمُقاتلين وبحافزية قوات الاحتياط الذين تركوا كل شيء وتجنّدوا وفقًا للأمر 8 للحرب الكبيرة.
ونقل بوحبوط، عن مصادر رفيعة المستوى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن «المناورة البرية في غزة هي مسألة وقت، على الرغم من الإنجازات من الجو».
ولفت المراسل الى أن «الساحة الجنوبية ترتبط أيضًا بالمعركة المحدودة للجيش الإسرائيلي ضد حزب الله. إسرائيليون على الحدود الشمالية صرّحوا أنهم لن يعودوا إلى منازلهم من دون إزالة التهديد على الحدود، حيث إن مقاتلي وحدة النخبة في حزب الله، قوة الرضوان، يجولون على طول الحدود ويخطّطون للسيطرة على المستوطنات».
ووفقًا لبوحبوط، فإن كابينت الحرب الذي كان يُفضّل في هذه المرحلة التركيز على الساحة الجنوبية، لكون لبنان ساحة ثانوية، سيكون مطالبًا قريبًا جدًا بحسم أساليب العمل لتغيير الواقع الأمني أيضًا في المنطقة الشمالية. في هذه المنطقة، هناك ثلاثة احتمالات: إما أن تظل المعركة محدودة، أو أن الجيش الإسرائيلي سيفاجِئ بهجوم واسع على تشكيلات حزب الله – أو أن حزب الله سيوسّع المعركة بنفسه وسينضم إلى الحرب. الجيش الإسرائيلي يستعد لكل السيناريوهات، بما في ذلك خيار القضاء على معظم قدرات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله.
وذكرت القناة «12» العبرية أنّ «المستوطنات خالية على بعد نحو 5 كلم من الحدود الشمالية، موضحةً أنّه جرى إخلاء 60 ألف مستوطن على الأقل من الشمال، 20 ألفًا منهم فقط من «كريات شمونة». وقالت إنّ إخلاء المستوطنين، جرى «من دون تحضير مسبق»، فيما رأت أنّه «حتى لو انتهت الحرب اليوم، لن يسارع الكثيرون للعودة إلى الشمال».
وقال مستوطن إسرائيلي للقناة «12» إنّه على المستوطنين في «كريات شمونة ومنطقة إصبع الجليل، أن يعتمدوا على الأمن الشخصي»، مضيفاً أنّه: «في حال لم يعُد الردع واضحًا في هذه المنطقة، فإن المستوطنين لن يبقوا في الشمال».
وزفّت المقاومة الإسلامية أمس الشهيد المجاهد حسين محمد علي حريري «سلمان» من مدينة النبطية في جنوب لبنان، والشهيد المجاهد علي إبراهيم جواد «دماء» من بلدة لبّايا في البقاع، اللذين ارتقيا شهيدين على طريق القدس.
الى ذلك، شدد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق، على أن «عمليات المقاومة الإسلامية في الجنوب أثبتت أن غزة ليست وحدها، ولن يُستفرد فيها، وأن المقاومين الشرفاء في اليمن والعراق وسورية ولبنان لم ولن يُتركوا نصرة غزة، وينتصرون لها بسلاحهم ودمائهم، وهذا ما أفشل على العدو خططه في الاستفراد بغزة».
وتوجّه لـ»دول التطبيع العربي بالسؤال، ماذا تنتظرون لتطردوا السفراء الإسرائيليين من البلاد العربية، ألا يكفي سبعة آلاف شهيد فلسطيني جلّهم من الأطفال والنساء والآلاف من الجرحى حتى تطردوا هؤلاء السفراء من بلادكم»، مؤكداً أن «رجال حزب الله النجباء هم أسود الميدان وصناع الانتصارات، وها هم يشاهدون أننا رغماً من كل الحشود العسكرية في البحر ما تركنا الواجب في نصرة غزة، ولن نبدل تبديلاً. وهذا موقفنا قبل حاملات الطائرات وبعدها». وشدّد على أنه «لو احتشدت كل أساطيل العالم، ما تركنا نصرة غزة ولا تركنا حماية أهلنا وشعبنا في لبنان».
وتراجعت حدة التوتر والاشتباكات على طول الحدود الجنوبية أمس بين المقاومة وجيش الاحتلال مع تسجيل المقاومة عدداً من العمليات التي استهدفت مواقع آليات وتحركات جيش الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة، ونشر الإعلام الحربي في حزب الله، مقطع فيديو للحظة استهداف عناصره وسائط الجمع الحربي في الموقع البحري للجيش الإسرائيلي في رأس الناقورة عند الحدود اللبنانية بالأسلحة المناسبة وحققوا إصابات مباشرة.
وواصل الطيران الاستطلاعي والحربي لأكثر من مرة عدوانه على أطراف القرى والبلدات الحدودية، وقصف بشكل عشوائي مساء أمس، المنطقة المحيطة بالناقورة وألقى القنابل الضوئية. كما اشتعلت الحرائق في محيط عيتا الشعب بفعل القصف الاسرائيلي بالقذائف الفوسفورية وهدّد المنازل. كما استهدفت مدفعية جيش الاحتلال خراج بلدة بليدا محلة غاصونا بقذيقتين عيار 155 ملم بهدف إرهاب المزارعين الذين يقطفون الزيتون بالقرب من الشريط الحدودي. كما شنّت مسيرة غارة على أطراف بلدة عيتا الشعب من دون التسبّب بخسائر بشرية.
وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني في وزارة الداخلية والبلديات في بيان، أن «عناصرها تمكنوا من إخماد النيران التي أتت على مساحات حرجية شاسعة في البلدات الحدودية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، نتيجة القصف الإسرائيلي».
واللافت وفق مصادر ميدانية أن جيش الاحتلال يتهيب استهداف منازل المدنيين في القرى والبلدات خشية ردة فعل المقاومة التي ستبادر الى قصف المدنيين في المستوطنات بالصواريخ، ويعمد العدو بالمقابل الى قصف الأحراش لإشعال الحرائق لإحراق منازل المواطنين وأرزاقهم بهدف تهجيرهم ولكي يحرق الغابات ليحول دون تخفّي المقاومين فيها.
وتابع رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع الجهات المعنية العدوان الإسرائيلي على الجنوب، وأكد أنّها «سياسة الأرض المحروقة تنتهجها «إسرائيل» ومستوياتها العسكريّة والسّياسيّة، ضدّ الحجر والبشر في قطاع غزة، كما على طول خطّ الحدود اللّبنانيّة مع فلسطين المحتلّة»، مشدّدًا على أنّ «ما يحصل من حرائق تضرمها قذائف الفوسفور الأبيض المحرّمة دوليًّا، هو برسم المجتمع الدولي وكلّ الموفدين الدّوليّين الّذين يحتشدون في المنطقة».
ولفت الرئيس بري عبر مكتبه الإعلامي إلى أنّ «لهذه الغاية، بقي بري على اتصال مع قيادة الجيش ومع أجهزة وزارة الداخلية والبلديات والدفاع المدني فيها وجهاز الإطفاء في «كشافة الرسالة الإسلامية»، من أجل المسارعة والمؤازرة في إخماد الحرائق».
بدوره، أعلن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل خلال مؤتمر صحافي عقده أمس، في ميرنا الشالوحي، عن «خمس أفكار يتقدم بها التيار الوطني الحر بغية التوصل الى تفاهم وطني حولها وهي:
1- الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني وحقه في دولته ومقاومته في وجه آلة القتل والتدمير الاسرائيلية.
2- التأكيد على حق لبنان بالدفاع عن نفسه بوجه أي اعتداء تقوم به «اسرائيل»، وضرورة حماية لبنان ومنع استخدام الأراضي اللبنانية كمنصة لشن هجمات تجر لبنان الى الحرب، ومنع انزلاقه اليها.
3- الإسراع في إعادة تكوين السلطة تحت عنوان التوافق الوطني، وذلك عبر انتخاب رئيس إصلاحي جامع بالتفاهم والا بالانتخاب في جلسة مفتوحة، وتسمية رئيس حكومة مع حكومة وحدة وطنية تنفذ برنامج الإصلاحات المطلوبة واللازمة وتحمي لبنان ووحدته الوطنية».
"الأخبار": إنجازات حزب الله بعد «طوفان الأقصى»: اشتباك مفتوح يروّض العدوّ ويردع الحرب على لبنان
شكّل «طوفان الأقصى» متغيّراً إستراتيجياً مفصلياً في حركة الصراع، دفع العدو إلى محاولة احتواء مفاعيله عبر شنّ حرب على قطاع غزة. وأسهبت تقارير أميركية وإسرائيلية في الإشارة إلى مداولات شهدتها مؤسسة القرار السياسي والأمني في إسرائيل، ومع واشنطن، حول إمكانية استغلال هذا الحدث لشنّ حرب على حزب الله. ومن يعرف كيان العدو والمنطق الذي يحكم خياراته فلن يُفاجأ بمثل هذا الطرح الذي يتّسق مع أولوياته بضرورة التخلص من حزب الله باعتباره التهديد الإستراتيجي الأول، بحسب التوصيف الرسمي لجيش العدو. كما أن منطق توظيف أي حدث في اتجاه ساحات أخرى، أمر مألوف لدى كل الأطراف الدولية والإقليمية.
طرح هذا الاقتراح، في هذا التوقيت، يعود إلى فكرة وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت وعدد من كبار ضباط الجيش والمنظومة الأمنية، باستغلال الحضور العسكري الأميركي المباشر واستعداد الجمهور الإسرائيلي لتقديم خسائر بفعل التعبئة الداخلية نتيجة التداعيات الضخمة لـ«طوفان الأقصى»، وتوظيف كل ذلك لمعالجة التهديد الذي يمثّله حزب الله، قبل الانتقال إلى المقاومة في قطاع غزة، انطلاقاً من تقديرات بأن ذلك قد يساهم في إضعاف المقاومة في فلسطين.
ويكشف هذا الطرح الذي لا يزال يتردّد صداه في الساحة الإسرائيلية أن عدم حصول توافق عليه لم يكن أمراً مسلّماً به، بل تبلور نتيجة تقديرات فرضها حضور قوة المقاومة لدى جهات القرار في تل أبيب وواشنطن، وإدراك أن خياراً كهذا سيؤدي إلى توسيع نطاق الحرب والتدحرج نحو مواجهة كبرى في المنطقة.
وبالتالي، فإن عدم تعرّض لبنان لهذا السيناريو في لحظة جنون إسرائيلية لم يكن ليتحقق لولا حضور قدرات المقاومة وتصميمها وإرادتها لدى الجهات المختصة في تل أبيب وواشنطن. والخصوصية الإضافية لهذا الإنجاز أنه يصبّ في معركة دعم المقاومة في فلسطين. والأهم أن المعارضة الواسعة لتوجيه ضربة وقائية إلى حزب الله في لبنان، ووصف مؤيّديها بالحماقة، يعمّقان دلالة الردع الإستراتيجي للمقاومة.
تحصين العمق الأمني
لم يقتصر ردع المقاومة، في ضوء المتغيّرات المتلاحقة التي تشهدها فلسطين، على تجنيب لبنان حرباً يبادر إليها العدو، بل فشلت رسائل الردع الأميركي والإسرائيلي أيضاً في ثنيها عن الدفاع عن أمن لبنان (بالمعنى التكتيكي) ودعم القضية الفلسطينية ونصرة المقاومة في غزة. وتجلّى ذلك أيضاً في منع العدو من إحداث تغيير في قواعد الاشتباك، إذ تمّ ردعه عن محاولة استهداف العمق اللبناني بمستوياته المتعددة، رغم الاشتباك «المفتوح» على الحدود. ولم يكن ذلك ليتحقق إلا نتيجة إدراك مؤسسات القرار السياسي والأمني الإسرائيلي أن حالة «الجنون» التدميري لن تثني حزب الله عن الرد التماثلي على أي تجاوز لخطوط محدّدة حتى لو تطوّرت إلى أخطر السيناريوهات.
بتعبير آخر، نجح حزب الله، حتى الآن، في فرض خيار عملياتي شكَّل تطوراً نوعياً تحت سقف معادلة الردع التي سبق أن أرساها، وفي الوقت نفسه حماية العمق اللبناني. ولا يعني ذلك إغفال حقيقة أن هذا الإنجاز لا يزال مفتوحاً على متغيّرات متنوّعة، كون المعركة مستمرة، إلا أن المقاومة فرضت اتجاهاً يصبّ في مصلحة لبنان وفلسطين، فكيف إذا ما اقترن ذلك بمتغيرات إقليمية تصاعدية لمصلحة محور المقاومة.
الفشل الأميركي
صحيح أن الحشد العسكري الأميركي والأطلسي المباشر هو من تداعيات «طوفان الأقصى»، إلا أنه تحوَّل أيضاً إلى متغيّر مؤثّر في مجرى الأحداث من بوابة محاولة بلورة معادلات تهدف إلى حماية الكيان الإسرائيلي، والتأثير في خارطة التحولات الإقليمية على أمل أن تكون لها تداعياتها في كل ساحة إقليمية ومن ضمنها لبنان. وفي هذا الإطار قرنت الولايات المتحدة تعزيز حضورها العسكري البحري، بتهديدات من كل الطاقم السياسي والعسكري بدءاً من الرئيس جو بايدن لأطراف محور المقاومة في حال تدخّلت في المعركة. وبذلت الإدارة الأميركية جهوداً حثيثة لانتزاع موقف من حزب الله بعدم التدخل، أو حتى استيضاح سقفه العملياتي، باءت جميعها بالفشل رغم كل الحشد الأميركي البحري.
في ضوء ذلك، شكّلت العمليات التي ينفذها حزب الله حماية للبنان ودعماً للمقاومة في غزة إسقاطاً لكل التهويل الأميركي، وأحبطت الرهان على أن يؤدي الحضور العسكري الأميركي المباشر إلى فرض معادلة في مواجهة حزب الله - وبقية أطراف محور المقاومة - بعدما ثبت عجز العدو الإسرائيلي عن ذلك. ومن أبرز دلالات هذا البعد أنه حال أيضاً دون فرض معادلة جديدة (من البوابة الأميركية) تؤدي إلى تأسيس مسار جديد في المنطقة ولبنان.
كشف أداء قيادة المقاومة في مواجهة الأميركي والإسرائيلي معاً، على وقع المتغيّرات المتتالية، عن شجاعة وحكمة في القرار والأداء. ومع الوقت سيصبح هذا البعد أكثر جلاء ووضوحاً لأن الأميركي هو الذي يدير الحرب وحدَّد أهدافها ووتيرتها وضبط ساحتها وأوضح قيودها. ومما لا يحتاج إلى استدلال أن التأسيس لتقويض المعادلة الأميركية في الساحة الإقليمية، شرط رئيسي لإسقاط أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن دونه لن يكون ذلك متاحاً.
تعزيز الردع الإقليمي
تعزيز معادلات الردع الإقليمي لمصلحة محور المقاومة، حتى الآن، هو نتيجة طبيعية لما تقدّم من إنجازات، إلا أنه يشكل أيضاً قاعدة ومنطلقاً لمزيد من الإنجازات المتصاعدة وسداً منيعاً أمام محاولات الأميركي والإسرائيلي إحداث خرق فيه. ويشكل أداء المقاومة العملياتي على الحدود مع فلسطين المحتلة، إلى جانب ما تشهده ساحات محور المقاومة في اليمن والعراق وسوريا، تأسيساً للارتقاء نحو تغيير جذري في البيئة الإقليمية، إن تطوّرت الحرب القائمة نحو سيناريوهات أكثر خطورة على المقاومة في فلسطين وغزة.
هامش عملياتي مفتوح
تعقيدات المشهد الميداني والإقليمي والتداخل بين الساحات، وتحديداً بين القضية الفلسطينية والساحة الإقليمية، كل ذلك ينطوي على فرص وتهديدات، وعلى قيود ومخاطر، تؤثر كلّها في بلورة الخيارات العملياتية لكل طرف من الأطراف. لذلك فإن نجاح المقاومة في فرض هامش عملياتي مفتوح على سقوف ومستويات متعددة، يشكل إنجازاً نوعياً ستتضح معالمه في ضوء إدراك مفاعيل هذا التداخل في اتجاه الفرص أو القيود والمخاطر. وهو أمر برز على ألسنة المعلّقين الإسرائيليين الذين اعتبروا أن حزب الله نجح في «ترويض» إسرائيل مع سقف عمليات أصبحت روتينية، بعدما كان أقل من ذلك بكثير يمكن أن يُشعل مواجهة عسكرية كبرى. وبقدر اتساع الهامش العملياتي الذي فرضه حزب الله، يتعبّد الطريق لتعاظم تأثيره في اعتبارات جهات القرار الإسرائيلي والأميركي.
حزب الله في «مجلس الحرب»
امتداداً لما تقدّم، تحوَّل إنجاز حزب الله في فرض وتوسيع هامش عملياتي متحرك، تحت سقف معادلة الردع القائمة، إلى معطى إستراتيجي فرض حضوره لدى جهات القرار في تل أبيب وواشنطن، في التخطيط للحرب على غزة. وتحوّلت جبهة لبنان وصولاً إلى اليمن، إلى أحد الكوابيس التي تحضر مع كل خيار تتم دراسته في «مجلس الحرب» الإسرائيلي الذي أصبح الأميركي شريكاً رئيسياً، بل مديراً له من الناحية العملية.
استمرار المعركة مفتوحة على متغيّرات إقليمية وميدانية يترتّب على كل منها سيناريوهات محتملة متعددة، لا يعني أنه لا يمكن الحديث عن إنجازات منذ الآن، خصوصاً أن هذه العناوين تشكل مؤشراً إلى اتجاه تعاظم هذه الإنجازات، وتشمل المزيد من العناوين الميدانية والإقليمية. يبقى أن الإنجاز الذي ينتظره المقاومون في فلسطين والمنطقة، هو أن يتحامق الإسرائيلي بشن عملية برية يتحوّل معها قطاع غزة إلى مستنقع يستنزف جيش العدو، وإمكانية أن يقترن ذلك بتطور استنزافه أيضاً على الحدود مع لبنان الذي بدأ بسقف استهداف المواقع والآليات واصطياد الجنود على الحدود، وإشغال جزء مهم من القوات العسكرية، ونزوح عشرات الآلاف من المستوطنين في اتجاه إيلات وغيرها، وتعطيل الحياة الاقتصادية... وهذا كله في ضوء السقف العملياتي القائم حتى الآن.
"النهار": ليف تزور لبنان ورصد ديبلوماسي لترابط الجبهتين
اختلطت الاهتمامات والمتابعات الرسمية والسياسية بين الواقع الميداني عند الحدود الجنوبية مع إسرائيل وعودة اثارة ملفات داخلية في مقدمها ملف ملء الشغور المحتمل في قيادة الجيش في مطلع كانون الثاني المقبل وهو الملف الذي تداخلت فيه كل عوامل التناقضات السياسية نظرا الى ارتباطه الوثيق بمعركة رئاسة الجمهورية. ومع ان أي جديد بارز لم يطرأ على المشهد الميداني جنوبا كما على المشهد السياسي داخليا، فان اوساطا ديبلوماسية معنية بمتابعة المعطيات التي يجري تداولها في شأن الوضع الناشئ على الحدود الجنوبية مع إسرائيل لفتت الى ان الأسبوع المقبل قد يحمل دلالات مهمة وبارزة لجهة تبين تطور مسار المواجهات التي تشهدها الحدود الجنوبية على امتداد الخط الأزرق بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي ومدى تأثرها المباشر بحركة ديبلوماسية غير مسبوقة تضغط بكل الاتجاهات لمنع انفجار حرب واسعة على هذه الجبهة. وإذ بدت الأوساط نفسها شديدة الحذر في ايراد أي توقعات مسبقة غير مضمونة الصدقية نظرا الى استمرار الخطورة الميدانية في مستويات عالية جدا، فان ذلك لم يحجب ملاحظتها بان التاخير المتعمد الثابت في الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة يبدو عاملا مهما لتبريد ولو نسبي في المواجهات الجارية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ولو انه لا يركن لموجات التبريد والتسخين التي غالبا ما ترتبط بعوامل ميدانية. ومع ذلك تتحدث هذه الأوساط عن جلاء متوقع للغبار الميداني والديبلوماسي الكثيف المتعلق بمسار حرب غزة الأسبوع المقبل سينعكس حتما على تصويب الرؤية للمواجهات على الجبهة الجنوبية التي قد تشهد انحسارا مماثلا لما حصل امس.
في أي حال فان الحركة الديبلوماسية الساخنة المتصلة بالوضع في غزة ولبنان تبدو الى تصاعد. وفي معلومات لـ"النهار" في هذا السياق ان مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف ستزور بيروت في الأسبوع المقبل وقد ادرج على جدول لقاءاتها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون. وعلم ان ليف ستركز على ضرورة عدم دخول لبنان في حرب مع إسرائيل مع التشديد على التزام لبنان تطبيق القرار 1701 . وتاتي زيارة ليف للبنان ضمن جولة إقليمية تشمل الامارات العربية المتحدة والأردن ومصر وإسرائيل .
الوضع جنوباً
وامس ساد هدؤ حذر الحدود الجنوبية بعد ليلٍ هادئ نسبياً لم تشهد فيه القرى والبلدات الحدودية تطورات أمنية لافتة. وحلّق الطيران الاستطلاعي والحربي الإسرائيلي لأكثر من مرة واشتعلت الحرائق في محيط عيتا الشعب بفعل القصف الاسرائيلي بالقذائف الفوسفورية وهدد المنازل. واستهدفت مدفعية الجيش الاسرائيلي خراج بلدة بليدا محلة غاصونا بقذيقتين عيار 155 ملم بهدف إرهاب المزارعين الذي يقطفون الزيتون بالقرب من الشريط الحدودي. وبعد الظهر، شنت مسيرة للجيش الاسرائيلي غارة على أطراف بلدة عيتا الشعب من دون التسبب بخسائر بشرية.
ومساء استهدف الجيش الاسرائيلي برج مراقبة للجيش اللبناني في رأس الناقورة بقذيفة مباشرة ما أدى إلى تدميره بالكامل .
بري وميقاتي
اما في المشهد الداخلي وغداة بروز الخلاف حول ملف التعيينات في الشواغر العسكرية، وضع هذا الملف في غرفة العناية المركزة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اللذين اجتمعا امس في عين التينة وتداولا وفق المعلومات التي وزعت عن اللقاء "كل العناوين والقضايا والمستجدات ومن بينها موضوع المؤسسة العسكرية التي كل أنظار اللبنانيين تتجه نحوها لجهة تعزيزها والحفاظ عليها بإعتبارها المؤسسة الوطنية الجامعة والحاضنة لتطلعات اللبنانيين في أمنهم وحفظ سيادة وطنهم. وأكدا أن موضوع المؤسسة العسكرية يجب مقاربته بهدوء وروية ويمكن الوصول الى النتائج المرجوة".
وشكل موضوع تمسك لبنان بقوة "اليونيفيل" محور لقاء بين ميقاتي وسفيرة إيطاليا نيكوليتا بومباردييري التي أكدت "أن ايطاليا تدعم الجهود التي تقوم بها الحكومة اللبنانية للحفاظ على الامن في جنوب لبنان". وحيّت زيارة رئيس الحكومة الى الجنوب ولا سيما الى قيادة اليونيفيل، "لكونها تشكل رسالة دعم قوية لقوات الامم المتحدة". وشددت على"أن ايطاليا حريصة على حماية قوات اليونيفيل وقيامها بالمهام المطلوبة منها".
القوى المسيحية
وسط هذه الأجواء تصاعد "الرصد" السياسي الداخلي على مواقف القوى المسيحية سواء في ما يتصل بالمواجهات الحدودية جنوبا بحيث يرتفع صوت المعارضة بالتحذير من الانزلاق الى حرب ام بخصوص هذا الوضع والملفات الداخلية التي جاءت الجولة "المنقوصة" لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والتي انتهت الى لقائه وخصمه الإساسي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لتعيد نفض الغبار عنها واولها ملف الشغور الرئاسي علما ان تركيزا إعلاميا وسياسيا برز على تصوير لقاء بنشعي من زاوية أساسية هي اعلاء ركنيه تأييدهما "للمقاومة والسيد حسن نصرالله".
وغداة جولته المحدودة، طرح باسيل في مؤتمر صحافي خمسة أفكار "بغية التوصّل الى تفاهم وطني حولها" تتلخص بـ"الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني وحقَّه في دولته ومقاومته في وجه آلة القتل والتدمير الاسرائيلية، والمطالبة بفتح تحقيق دولي حول احداث غزّة وخاصةً بمحاسبة اسرائيل على جرائم الحرب والإبادة الجماعية ، وتأكيد حق لبنان بالدفاع عن نفسٍه بوجه اي اعتداء تقوم به اسرائيل، وضرورة حماية لبنان ومنع استخدام الأراضي اللبنانية كمنصّة لشن هجمات تجرّ لبنان الى الحرب، ومنع انزلاق لبنان اليها ، والإسراع في اعادة تكوين السلطة تحت عنوان التوافق الوطني، وذلك عبر انتخاب رئيس اصلاحي جامع بالتفاهم والاّ بالانتخاب في جلسة مفتوحة، وتسمية رئيس حكومة مع حكومة وحدة وطنية ، واعتبار ملف النزوح السوري امراً ملحّاً والتعاطي معه كعنصر تفجير للبلد خاصةً في مرحلة التوتر العالي الراهنة". وقال أن "التيّار الوطني الحرّ مستعّد للقيام بأي جهد مطلوب لتحقيق هذا التفاهم الوطني، وهو منفتح على اي مبادرة او حوار منتج ينهي الفراغ في المؤسسات ويعيد للدولة حضورَها وهيبتَها ودورَها، ويوفّر شروط الوحدة الوطنية كضامن اساسي في مواجهة الأحداث والأخطار من حولِنا".