لبنان
عودٌ على بدء: مزارع شبعا لبنانية
فاطمة سلامة
قبل الحديث عن أي سرد تاريخي يُثبت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ثمّة سؤال يرد الى الأذهان مباشرة لمجرّد سماع من ينفي هوية هذه المنطقة. لمصلحة من يصب هذا العبث بتاريخ لبنان وأراضيه؟. السؤال يأخذنا مباشرةً الى المستفيد الأوّل من هذه العملية، الى من يحتل هذه المزارع والتلال، أي العدو "الإسرائيلي". وكأننا نقول لهذا العدو ـ ولو عن غير قصد ربما ـ توسّع أكثر في احتلالك، نحن أصحاب الأرض ولا نريدها. الأمر الذي يتقاطع تلقائياً مع "بدعة" الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل شهر والتي أهدى فيها الجولان المحتل للعدو "الإسرائيلي".
على أي حال، فإنها ليست المرة الأولى التي يُطالعنا فيها من "يتنكّر" للبنانية هذه المزارع والتلال، سمعنا الكثير حول هذا الملف. البعض حدا به الأمر الى القول بأنّ مزارع شبعا "اختراع" ايراني ـ سوري، وكل ذلك لم يصب سوى في سلّة كيان العدو الذي يسلب هذه الأرض ويحوّلها الى منتجعات "سياحية" يتنعّم بها مستوطنوه، بدلاً من أن يتوحّد "المنظّرون" حول المقاومة لتحريرها وإعادتها الى أصحابها.
عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي قضية وطنية بامتياز، ولا تحتمل المواقف "الارتجالية" التي تثير الشك والريبة. برأيه، فإنّ مجرّد التشكيك في هوية هذه الأرض هو تخل بشكل أو بآخر عنها، وكل ذلك يصب في خدمة العدو. يُشدّد قاسم على أنّ الكلام الذي يُشكّك بهوية أرضنا هو كلام في غير مكانه وزمانه في ظل التطورات التي تعيشها المنطقة والهجمة الصهيونية. يسأل: أبهذه المواقف نواجه الأطماع الصهيونية ونعزز وحدتنا الداخلية أم نزعزها؟.
يؤكّد قاسم أنّ مزارع شبعا هي المنطقة الوحيدة في لبنان التي لا تحتاج الى ترسيم ولا الى اتفاقات جديدة، فكل الوثائق التاريخية تثبت لبنانيتها، خصوصاً بعدما تم الاتفاق بين لبنان وسوريا على أنّ الحدود هي حدود الملكية العقارية أي تبعاً لما يملكه لبنان من عقارات على هذه الحدود. القضية سياسية بامتياز ولا غبار على هذا الأمر، يُضيف قاسم.
هذه هي الأدلة
رئيس هيئة أبناء العرقوب محمد حمدان يستهل حديثه بالإشارة الى أنّنا "ملينا وكلينا من كثرة الحديث عن هذه القضية"، لكن وللأسف فلدينا في لبنان سياسيين ليسوا برجال دولة بل يمتهنون "النكد" السياسي والمماحكات، ولا حرج لديهم من التخلي والتنازل عن قضايا مبدئية ووطنية كبرى لأسباب شخصية هنا وهناك. تماماً كما يحصل اليوم في قضية مزارع شبعا التي تُثبت الوثائق والأدلة أنها لبنانية "أباً عن جد". الأمر ذاته ينطبق على تلال كفرشوبا التي تقع قبل المزارع من الجهة اللبنانية.
يوضح المتحدّث أنّ المزارع هي الخراج الطبيعي لبلدة شبعا وتتألّف من 14 قرية صغيرة كان يقطنها عام 1967 ـ أي قبل القضم التدريجي ـ 1200 عائلة، 600 عائلة بشكل دائم، و600 موسمياً، فضلاً عن أنّ هناك آلاف العائلات التي تمتلك أراض في هذه المزارع وليس لديها منازل. يؤكّد حمدان أن شبعا بلا المزارع هي عبارة عن أحجار واسمنت ولا يستطيع أهلها تأمين مصادر لعيشهم، إذ إنهم يعتاشون على المحاصيل الزراعية التي تُجنى من هذه المزارع. ما الذي يُثبت لبنانيتها؟.
يستعرض حمدان جملة أدلة تُبيّن ـ بما لا يحتمل الشك ـ لبنانية هذه المزارع ويدرجها على الشكل التالي:
1ـ عام 1934 جرى ترسيم للحدود بين لبنان وسوريا في منطقة المزارع بعد خلافات حصلت بين سكان القرى الحدودية، وتم تشكيل لجان، وأهم لجنة عين فيها القاضيان العقاريان رفيق غزاوي عن الجانب اللبناني، وعدنان الخطيب عن الجانب السوري، ولا تزال محاضر الترسيم موجودة إذ أودعت في حينها لعصبة الأمم، وبعدما نال لبنان استقلاله أرسلت المحاضر الى هيئة الأمم المتحدة التي حلّت مكان عصبة الأمم عام 1946، وكل هذا مسجّل ومدوّن منذ عقود. وهنا يشير حمدان الى أنه وفي علم الحدود فإن الخرائط لا يُعتد بها الا بعد ترسيم كافة الحدود والتصديق على الخرائط. تماماً كما يحصل في لبنان إذ لم يصار الى ترسيم كافة الحدود، لتشكّل الوثائق والمحاضر الرسمية المرجعية في هذا الملف.
2 ـ إنّ هذه الأرض مسجّلة لكنها غير ممسوحة، ومن حسن الحظ أن معظم الأهالي يمتلكون في حوزتهم سندات ملكية بسند اختياري سواء حجج أو رخص من القائمقام أو وثائق ملكية مسجّلة في الدوائر العقارية في صيدا، وبالتالي فإنّ هذه الأراضي تابعة لدائرة عقارية في لبنان. فهل أستطيع أن أجري مسحاً لأرض في الصين وأسجّلها في لبنان!!. أكثر من ذلك، فإنّ أملاكاً تعود للأوقاف الاسلامية السنية في مزرعة "مشهد الطير" والتي تبلغ مساحتها 3 ملايين متر مربع. هذه الأوقاف مسجّلة رسمياً وجرى نزاع حولها عام 1944-1945 بين الدولة والأوقاف. الأخيرة ربحت الدعوى، ولا زالت محاضر المحاكمة موجودة إذ عقدت في حينها برئاسة مفتي صيدا الراحل القاضي محمد سليم جلال الدين.
3ـ الادارات اللبنانية كانت تمارس كل السلطات على هذه المنطقة من جباية ضرائب وتسطير مخالفات.
4ـ في 7 آذار/ مارس عام 2006 صدر قرار بالاجماع عن مؤتمر الحوار الوطني الذي ترأسه رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن المزارع والتلال هي أراض لبنانية ويجب تحريرها.
5ـ الموقف السوري الرسمي الذي شدّد على أنّ المزارع لبنانية، وفي هذا السياق، يمكن استحضار الزيارة التي قام بها مبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن الى سوريا والتي طلب فيها من وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع القول بأنّ مزارع شبعا سورية، فما كان من الشرع إلا أن قال "شكراً على هديتكم لكن المزارع لبنانية وأنا أبلغت لبنان الرسمي بهذا الأمر".
6ـ استطاع لبنان أن ينتزع اعترافاً من الأمم المتحدة حول لبنانية هذه المزارع رغم الخلاف على حدودها. وقد جرى التأكيد على ذلك عام 2000 اثر الانسحاب "الاسرائيلي" من لبنان، إذ ذكر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان في تقريره بتاريخ 17/6/2000 بأنّ سوريا أبلغت الأمم المتحدة أن مزارع شبعا لبنانية. وفي هذا السياق، يُشير حمدان الى أن الكثير من الضغوطات مورست على الامم المتحدة التي حاولت تغطية كيان العدو للقول بأنه انسحب من لبنان وطبّق القرار 425 في الوقت الذي لا تزال "اسرائيل" تحتل فيه المزارع. ومن أجل ذلك، اخترعت الأمم المتحدة الخط الأزرق الذي تحفّظ لبنان حياله ولم يقبل به.
7ـ عام 2006 صدر القرار 1701 الذي ينص في المادة العاشرة منه على تكليف الأمين العام للامم المتحدة بوضع تقرير خلال 30 يوماً حول مزارع شبعا، وقد زار مسؤول الخرائط في الأمم المتحدة المنطقة، ومنذ ذلك الحين يبرز تقصير من الدولة اللبنانية حيال هذه القضية.
وفي الختام، يدعو رئيس هيئة أبناء العرقوب الى سحب قضية المزارع والتلال من البازار السياسي، فهذه القضية وطنية ولا يجوز المزايدة حولها، خصوصاً أن البيان الوزاري للحكومة الحالية أعاد التأكيد على ضرورة العمل بكل الوسائل لتحريرها.