ابناؤك الاشداء

لبنان

26/04/2019

"عناقيد الغضب" سقوط آخر في قائمة الحسابات الصهيونية...(*)

محمد أحمد الحسيني
مرّت منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً المنطقة العربية والإسلامية، بمرحلة مفصلية، وشهدت تطورات وحوادث متسارعة ترجمت تفاصيلها على الساحة اللبنانية، التي كانت مسرحاً لعدوان أميركي ـ إسرائيلي، وأسست المجريات الميدانية وما تلاها من نتائج سياسية تقاطعات، أثمرت واقعاً جديداً اختلف عما كان مرسوماً له من قبل الإدارتين الأميركية والإسرائيلية.

ولم تكن فترة الستة عشر يوماً، وهي الأيام التي استغرقها العدوان الأميركي ـ الصهيوني على لبنان تحت عنوان "عناقيد الغضب"، مجرد برهة تاريخية عادية، أو موقعة عسكرية تقليدية تندرج في إطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بل جاءت محطة كاملة بعناصرها وتجليّاتها حفرت لها موقعاً وجعلت من نفسها مرجعية يعود إليها الباحثون في تاريخ لبنان، لرصد التحوّلات، وإدراك المتغيّرات، واستشراف التوقعات المستقبلية.‏

ويركّز هذا البحث على تبيان المحاور الأساسية لهذه المرحلة، وتم تقسيمها إلى فصول كي يتاح للقارئ تلمّس التجليّات التي أشرنا إليها من خلال التركيز على عرض الأجواء والوقائع السياسية، دون الخوض في التفاصيل الميدانية للعداون، والاكتفاء بعرض النتائج وتأثيراتها، وإجراء مقابلات ظرفية وزمنية لإجلاء الصورة والتقاط مؤشراتها.‏

الفصل الأول: ما قبل العاصفة، ويشرح المقدمات التي سبقت العدوان.‏

الفصل الثاني: أوار النار والسياسة، ويعرض للتطورات الميدانية والسياسية خلال العدوان، كما يعرض بداية التحوّل في معادلة القوى وموازين الصراع.‏

الفصل الثالث: موازين وقوى، ويعرض نتائج المواجهة على الصعيدين السياسي والميداني.‏

وتم إضافة ثلاثة ملاحق إلى البحث تتحدث عن تسمية "عناقيد الغضب" و نص "تفاهم نيسان" و"اقتراح حكومة لبنان لتشكيل لجنة المراقبة للتفاهم"، ولا بد من الإشارة إلى أن البحث يعتمد على المنهج التاريخي في السرد والعرض والربط، ومعظم المراجع التي تم الاعتماد عليها هي مراجع صحفية، خصوصاً أنه لم يمر وقت طويل على موضوع البحث، كما أن معظم ما كتب عن الموضوع اعتمد بدوره على مراجع صحفية، ولم يعمد أحد إلى توثيق هذه المرحلة بشكل منهجي، سوى ما ورد في إطار دراسات أو كلمات أو محاضرات أو كتب، وكل هذه الأعمال ارتدت طابعاً توثيقياً بحتاً دون الخوض في خلفيات تاريخية عميقة.‏

ولا ندّعي أن هذا البحث قد أحاط بالحدث بالمستوى الكافي، بل هو محاولة لتسليط الضوء على النتائج والانعكاسات، ونؤمن بأن الانتصار الذي تحقق في مواجهة نيسان 1996 يحتاج إلى الكثير من البحث والوقوف عند الكثير من المحطات التي تمخّضت عنه، ليس فقط من الجوانب العسكرية والسياسية، بل أيضاً من الجوانب الاجتماعية والثقافية، ونأمل أن يسهم هذا البحث في إطلاق عمل جدّي يقود إلى جعل هذه المحطة "مدرسة" تاريخية على غرار المحطات الأخرى من قبيل الحربين العالمية الأولى والثانية، أو الثورات التي اندلعت في فرنسا وروسيا وغيرها من المحطات في بقاع الأرض، التي ساهمت في تعديل مجرى التاريخ ونشوء كيانات وقوى كان لها الأثر في بناء مسار البشرية على نحو جديد.‏

تمهيد‏

سارعت الولايات المتحدة الأميركية، على إيقاع المخاطر الأمنية والسياسية التي أخذت تحاصر عملية التسوية في منطقة الشرق الأوسط التي بدأت في مدريد عام 1990، وأركانها الأساسيين، إلى حشد القوى الدولية الأساسية في العالم، والقوى الإقليمية المعنية بشكل مباشرة أو غير مباشر، بمسألة التسوية وذلك بهدف الخروج "بتأكيد قوي على تأييد المجتمع الدولي لعملية السلام في الشرق الأوسط، وبأفكار محددة لكيفية تكثيف المجتمع الدولي الحرب على الإرهاب".(1) وبأمل أيضاً، حسب ما ورد على لسان الرئيس الأميركي بيل كلينتون، التمكن من "تحريك بعض الإجراءات ضد إيران".(2)‏

وأعدّت واشنطن من أجل تحقيق ذلك تحضيرات لعقد مؤتمر بتاريخ 13 آذار 1996، جمعت فيه معظم الأطراف العربية والأوروبية والعالمية، وجعلت مقر عقده في منتجع "شرم الشيخ" المصري لإعطائه شرعية وغطاء عربيين، وقبيل انعقاد المؤتمر رشح تباين في وجهات النظر بين القاهرة من جهة، وبين واشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، حول الغرض الأساسي منه: هل هو "إحياء السلام"؟ الذي تريد القاهرة ترسيخه كتوجه وبلورته في مفردات التعاطي السياسي، إعلامياً في الحد الأدنى، أم "مكافحة الإرهاب"؟ وهو ما يعني وفق المفهوم الأميركي ـ الإسرائيلي استهداف مجموعات المقاومة المسلحة أينما وجدت والقضاء عليها، لا سيما في لبنان وفلسطين.‏

وتأرجح هذا المفهوم تجاذباً بين تيار عربي ـ فرنسي، وآخر أميركي ـ إسرائيلي. وتركز الخلاف حول الشعار الذي سينعقد المؤتمر في ظله. فبينما كانت واشنطن تريده تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، رغبت القاهرة في أن يتم تحت عنوان "صانعي السلام"، وهو العنوان الذي استقرت عليه تسمية المؤتمر به. فقد أرادت الولايات المتحدة، ومعها الكيان الصهيوني، من هذا المؤتمر أن يشكل مادة تزخيم معنوي لعملية التسوية المأزومة، وبالتالي إشعار الأطراف المناوئة لها، أو إعادة تذكيرهم على الأقل، بأن عملية التسوية قرار دولي وبأن مواجهتها هي مواجهة لقرار بهذا الحجم وبهذا المستوى.‏

وما كانت تريده واشنطن من المؤتمر على نحو فعلي هو أن يشكل غطاءً دولياً يؤسس لإرهاصات أولية، ينتج إمكان نهوض نظام أمني لمرحلة ما بعد التسوية، التي لم يكن واضحاً أنها قد تبلغ حدودها النهائية، ولتأمين الغطاء السياسي الدولي اللازم لتحرك أميركي ـ إسرائيلي يستهدف استئصال القوى المناوئة والمناهضة للتسوية، كما يشكل محاولة لحسم الأطر المفهومة لإشكالية الإرهاب، بما من شأنه أن ينتج إجراء عملية تمييز واضحة بين "الصديق والعدو"، يمكن استخدامها كأداة ضغط وتهديد لاحقاً، ما يشكل تأكيداً إضافياً على أن أحد أهداف هذا المؤتمر، في حده الأدنى توجيه رسائل إنذار مباشرة إلى الأطراف المناوئة للسياسة الأميركية ـ الصهيونية، وفي حدها الأقصى توفير غطاء سياسي دولي، لأي عمل عسكري يبدأ من لبنان ويمتد إلى فلسطين ويطال في المستقبل سوريا وإيران.‏

"عناقيد الغضب" سقوط آخر في قائمة الحسابات الصهيونية...(*)

الفصل الأول: ما قبل العاصفة‏

حظي مجمل الاستهدافات التي وضعتها الإدارة الأميركية، وتوخّت تنفيذها على ضوء مقررات مؤتمر "شرم الشيخ"، بتأكيد إضافي ظهر في مؤتمر صحافي عقده الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والمصري حسني مبارك عقب انتهاء أعمال المؤتمر، حيث أعلنا فيه إدانة جميع أعمال "الإرهاب"، ودعم الاتفاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية وعملية التسوية، ومنع "أعداء السلام" من تدمير الفرصة الحقيقية للسلام في الشرق الأوسط، كما أعلنا تشكيل لجنة متابعة لتنسيق جهود "مكافحة الإرهاب".‏

وفي المقلب الآخر كانت التطورات الداخلية في الكيان الصهيوني، قد قادت رئيس الحكومة الإسرائيلية شيمون بيريز إلى خيار المواجهة واتخاذ قرار بإجراء الانتخابات في حزيران من العام 1996، على خلفية التباين في التعاطي مع عملية التسوية، والتداعيات التي برزت في التوازن الحزبي بين الأحزاب الصهيونية ولا سيما مع تصاعد أسهم تكتل "الليكود" في مقابل ترهل حزب "العمل"، وهو ما لم يكن ينسجم مع التطلعات الأميركية ورؤيتها لمستقبل المنطقة.‏

وكان بيريز يأمل في أن تشكل دماء رابين مناسبة لتوظيفها انتخابياً، وحسم النزاع على الصعيد الداخلي والخروج من حالة الستاتيكو التي سادت المفاوضات على كل من المسارين اللبناني والسوري، بعد الفشل الصهيوني في فك الارتباط بين المسارين، وهو ما دفع الساسة الصهاينة إلى محاولة عزل بيروت ودمشق سياسياً، وتحقيق اختراق على المسار الفلسطيني.‏

كانت الحاجة الأميركية تقضي بالحفاظ على بيريز باعتباره "الشريك الاستراتيجي" للسير قدماً في مشروع التسوية، والعمل على رفع أسهمه السياسية، وإظهاره بمظهر القائد الحاسم وصاحب القرارات المصيرية، وهو الرجل الذي لم يتحدر من المؤسسة العسكرية، ما يقتضي بذل جهد استثنائي، خصوصاً بعد النكسة التي مني بها المشروع الصهيوني بعد مقتل "ضمير إسرائيل" إسحق رابين على يد المتشدد الصهيوني "إيغال عامير" في العام 1996على خلفية تفريط رابين بحقوق "إسرائيل" التاريخية، من جرّاء الإعلان عن تسوية مع الجانب الفلسطيني يلحظ تجميد المستوطنات، والانسحاب من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.‏

وبموازاة المشهد السياسي، كان المشهد الميداني على الساحة الفلسطينية قد أخذ طريقه للدخول على خط الأزمة المتعمقة في المجتمع الصهيوني، مع تنامي المد المقاوم الذي تمثل بسلسلة من العمليات الاستشهادية في قلب التواجد الأمني الصهيوني، وشكلت هذه الحالة مع تصاعد عمليات المقاومة في لبنان أزمة ذو وجهين حملت المزيد من الضغط في ظل تبلور حركات إسرائيلية تطالب بانسحاب قوات الاحتلال من جنوب لبنان بدأت تلقي بظلالها على الخارطة السياسية لمستقبل المشروع الصهيوني في المنطقة.‏

هذه الوقائع غير المدرجة في الحسابات الأميركية ـ الصهيونية، فضلاً عن حالة التململ التي ظهرت لدى ضباط جيش الاحتلال وشكواهم من تقييد حركتهم في الرد على عمليات المقاومة، وارتفاع حجم الخسائر في صفوف الجيش، حتّمت الحاجة إلى إيجاد تحوّلات جذرية من شأنها إعادة البوصلة إلى مسارها وفق التقويم الإسرائيلي، ومعالجة شاملة ومتزامنة للملفات العالقة والأزمات المستجدة، وشكّل الجنوب اللبناني المجال المتاح والساحة المؤاتية لتظهير هذه التوجهات، وتطبيق الخطط الموضوعة، والسبيل إلى رسم صورة جديدة للمنطقة، فعمدت الإدارة الأميركية، باعتبارها العامل الأقوى على الساحة العالمية، إلى حشد أكبر عدد من الأطراف العربية والدولية في منتجع "شرم الشيخ" المصري، لعقد مؤتمر تحت شعار "مكافحة الإرهاب".‏

واستبق الرئيس الأميركي بيل كلينتون رسم الملامح المتوخاة من هذا المؤتمر من خلال إعلانه، بعد انتقاله من شرم الشيخ إلى القدس المحتلة، في زيارة هي الثانية خلال خمسة أشهر، أن "شرم الشيخ ليس سوى بداية على طريق مكافحة الإرهاب" مجدداً الدعم والتأييد لإسرائيل، ومؤكداً أن تنظيمات: حزب الله، حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لن تنجح في ضرب "السلام".‏

تولى كلينتون العمل على تثمير ما تم التوصل إليه في "شرم الشيخ"، وتوظيفه في تأكيد الدعم الأمني للكيان الصهيوني، ومحاولة استنقاذ "الحليف" المنسجم مع المشروع الأميركي المرسوم للمنطقة، عبر رفع أسهم حزب العمل الصهيوني في موازين التجاذب الانتخابي داخل الرأي العام الإسرائيلي. ولهذه الغاية شارك كلينتون ووزير خارجيته وارن كريستوفر ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إيه) جون دويتش في اجتماع طارئ عقدته الحكومة الإسرائيلية ليعلن استعداد الولايات المتحدة تولي قيادة الحرب على "الإرهاب العالمي".(1)‏

تم في هذه الزيارة إبرام معاهدتين:‏

الأولى: تشمل تبادل المعلومات في مجال الاستخبارات وتقديم معدات لكشف المتفجرات ومنح كلينتون "إسرائيل" مئة مليون دولار لتمكينها من المباشرة بتنفيذ هذه المعاهدة.‏

الثانية: البحث في إبرام معاهدة دفاع مشترك بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وتقرر توقيعها بالأحرف الأولى، وتقر بما يلي:‏

1. التزام واشنطن المحافظة على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي في مواجهة الجيوش العربية.‏

2. منح إسرائيل وضعاً مماثلاً لدول حلف شمال الأطلسي في ما يتعلق بالحصول على التكنولوجيا العسكرية الأميركية، والتعاون ضد "التهديدات" البعيدة المدى، مثل صواريخ أرض ـ أرض والأسلحة غير التقليدية.‏

3. التعاون في مجال تطوير المعدات العسكرية، وإرسال أسلحة في الحالات الطارئة، وتخزين أسلحة وذخائر أميركية في "إسرائيل".‏
4. تعيين لجنة مشتركة لتشكيل قوة دفاع إقليمية بمشاركة دول أخرى في المنطقة.(1)‏

وأوضح موظف صهيوني كبير أن "لهذين الاتفاقين هدفاً واحداً هو تصعيد الحرب على الإسلاميين وعزل إيران"، في حين كشف وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر أن "واشنطن وتل أبيب ستقومان..بمحاولة لإقناع دول أوروبا وآسيا بتشديد سياستها حيال إيران".(2)‏

وصف معظم المراقبين البيان الختامي للمؤتمر بأنه "تظاهرة لدعم إسرائيل وأنصار عملية السلام وحزب العمل.. وأن قمة شرم الشيخ تحقق لإسرائيل كسباً كبيراً وتمنحها تفويضاً دولياً لمكافحة الإرهاب".(3) وفي 22 آذار 1996 اجتمع ممثلو الدول التي شاركت في المؤتمر وبحثوا في جدول أعمال لقاءٍ مخصص لمتابعة مقرراته، وعقد في واشنطن في 28 و29 آذار، وكان اللافت تغيير اسم المؤتمر من "صانعي السلام" إلى "مؤتمر مكافحة الإرهاب". وأعلنت باريس معارضتها لما ظهر وكأنه "تفرد أميركي" وطالبت بأن يكون الاتحاد الأوروبي شريكاً في رئاسة اللقاء، في حين أعلنت غالبية الدول العربية استعدادها للمشاركة بدون أي تحفظ باستثناء لبنان وسوريا، وأعلن السفير السوري في واشنطن خليل المعلم أن "كل ما ينبثق عن قمة شرم الشيخ غير مقبول من جانبنا.. لأنه يخدم مصالح إسرائيل على حساب العرب" موضحاً أن سوريا ترفض حضور اللقاء "لأن الراعي الأميركي يفرض أولويات جديدة على المنطقة ليست فقط تنحرف عن أسس مدريد، وإنما تضر بالمصالح العربية".(4)‏

سرعان ما بدأت تظهر مؤشرات ميدانية في ظل أجواء توحي بتحضيرات تحمل معها أجواء حربية، حيث زار رئيس الأركان الأردني عبد الحافظ الكعابنة تل أبيب لأول مرة بتاريخ 30/3/1996 والتقى شيمون بيريز بوصفه وزيراً للحرب، وأطلعه على خطة خمسية لتطوير الجيش الأردني، طالباً تزويد بلاده بالخبرات الإسرائيلية في مجال مراقبة الحدود لمواجهة عمليات التسلل عبر الحدود السورية والعراقية، وفي الأول من نيسان وصلت طلائع القوات الأميركية إلى الأردن استعداداً لمناورات مشتركة تتخللها طلعات للطائرات الأميركية في أجواء العراق، وفي اليوم التالي أعلنت كل من الدوحة ومسقط عن فتح مكتب تمثيل تجاري إسرائيلي فيهما، وجاء هذا الإعلان ثمرة زياريتين أجراهما شيمون بيريز إلى قطر وسلطنة عمان، وعاد إلى تل أبيب في حين كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك يطأ أرض مطار بيروت الدولي، وعلى خطٍ موازٍ كانت دمشق تستقبل الرئيس المصري حسني مبارك الذي أجرى مباحثات مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وفي الرابع من نيسان أعلن وزير الدفاع التركي أن بلاده وضعت أجواءها بتصرف سلاح الجو الإسرائيلي.. وقررت السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي وقواعدها العسكرية.(1)‏

في التاسع من نيسان عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى توفير ذرائع العدوان، وارتكبت قواته جريمة في برعشيت بتفجير عبوات ناسفة أدت إلى قتل فتى وجرح ثلاثة آخرين، فردّت المقاومة بإطلاق 16 صاروخ كاتيوشا على المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة أوقعت 36 جريحاً صهيونياً، وعلى الأثر هدد مسؤولون إسرائيليون بشن اجتياح واسع للبنان وإسقاط تفاهم تموز، وبالتالي إسقاط المعادلة الأمنية التي فرضتها المقاومة بإطلاق الكاتيوشا رداً على استهداف المدنيين اللبنانيين. وبدا أن رد المقاومة كان منتظراً لإعطاء الإشارة ببدء العدوان. وهو ما كشف عنه المحلل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية زئيف شيف الذي قال: "تقرر لجسر الهوة بين جموح العسكريين وحاجة بيريز لعدة أيام من الهدوء في لبنان أن يتم تنفيذ الخطة العسكرية المقررة حتى فترة أعياد عيد الفصح في حال حدوث تطور من اثنين، سقوط كاتيوشا على الجليل أو تنفيذ عملية موجهة ضد الجيش في الشريط".(2)‏

"عناقيد الغضب" سقوط آخر في قائمة الحسابات الصهيونية...(*)

الفصل الثاني: أوار النار والسياسة‏

جرت حرب "عناقيد الغضب" في ظل جملة تقاطعات في مسار التطورات السياسية والأمنية، وشكلت في مجملها خلفيات المشهد العدواني، ورسمت آفاق دلالاته المرتقبة، وتداخلت في ذلك مجموعة من العناصر التي تأسست على بواعث ومحرّضات إسرائيلية داخلية من جهة، وعلى واقع المحيط الإقليمي السائد من جهة ثانية. ويأتي في طليعة هذه المحرّضات التقويم الذي خلصت إليه دوائر صنع القرار السياسي في "إسرائيل" في النظر إلى نتائج عملية "تصفية الحساب" التي شنتها في 25 تموز من العام 1993 وأفضت إلى ما عرف بـ "تفاهم تموز".‏

دفع هذا التفاهم بنتائجه وانعكاساته الإسرائيليين إلى محاولة إرساء معادلة ميدانية جديدة، بعد أن نجحت المقاومة في أن تخرج من المواجهة في عدوان تموز العام 1993 منتصرة على صعيدين رئيسيين: الأول، تمثل في الصمود أمام الآلة العسكرية الصهيونية والاحتفاظ بالقدرة على المواجهة الميدانية، وإفشال أهداف هذا العدوان. والثاني تمثل في فرض تفاهم يحصر أطر المواجهة في شكلها العسكري البحت، ويخرج بالتالي، المدنيين من معادلة الصراع.‏

كمنت أهمية الانجاز الذي حققته المقاومة في تموز من العام 1993 في عدة محاور.‏

الأول: تحرير المدنيين اللبنانيين من كونهم عنصراً في لعبة المقامرة الإسرائيلية، وإفشال المحاولات الصهيونية الدائبة التي هدفت إلى فك الارتباط وإضعاف الالتفاف حول خيار المواجهة، وهما العاملان اللذان كانا يحكمان العلاقة بين المقاومة والشرائح الشعبية المختلفة.‏

الثاني: إفشال مسعى الاحتلال لزرع إسفين في العلاقة بين المقاومة والدولة اللبنانية بأجهزتها الرسمية السياسية والعسكرية، وإجهاض التوجهات الإسرائيلية ومعها الأصوات الداخلية التي كانت تطالب بوضع قيود على حركة المقاومة في الجنوب أو وضع حد لها تحت ذرائع مختلفة.‏

الثالث: بروز البعد الإنساني الذي مثّلته المقاومة على الصعيدين اللبناني والعربي، لأنها تمكنت من إرساء معادلة يفتقدها العالم العربي في ميزان الصراع مع "إسرائيل"، وتحوّل الإنسان العربي إلى عنصر قوي قادر على المبادرة والتحرك وفرض نفسه ضمن أرقام المعادلة.‏

كان لافتقار "تفاهم تموز" الشفهي لأي آلية أو ضوابط إجرائية وميدانية محددة، أن منح المقاومة مقدرة تكتيكية على الحركة وقوة دفع إضافية، ووجد المقاومون إمكانية للتحرك في دائرة أوسع من قبل، وترجمت المقاومة هذا الواقع المستجد في تزخيم العمليات العسكرية كماً ونوعاً، وهو ما أفقد الاحتلال، باعتباره تشكيلاً نظامياً، الكثير من أوراق الضغط وأضعف لديه زمام المبادرة، وقيّد حركة جنوده ضمن دائرة جغرافية محددة، وفقد نسبة كبيرة من المرونة والقدرة على المباغتة والتحرك في وقت قصير وهو ما تمتلكه المقاومة، في ساحة عمليات تشهد أسلوب حرب العصابات.‏
تركت إنجازات المقاومة وسياسة الاستنزاف التي اتبعتها في المواجهة مع الاحتلال أثرها البالغ على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وأسقطت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" التي عرف بها جيش الاحتلال بعد نكسات الحروب العربية ـ الإسرائيلية. وحوّلت الجنوب اللبناني إلى مستنقع أغرقت به جيش الاحتلال، ومن هذا المنطلق اتجه القادة الإسرائيليون إلى محاولة خلق واقع جديد يوقف تدحرج "كرة الثلج" ويسمح بإعادة صوغ المعادلة بأرقام إسرائيلية في سبيل استعادة ميزان القوة وزمام المبادرة، وهو ما استلزم العمل على تغيير "قواعد اللعبة" بشكل ينسجم مع الأهداف الإسرائيلية، تحت عنوان "عناقيد الغضب".‏

وضعت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية العليا في اجتماع حاسم اللمسات الأخيرة على خطة "عناقيد الغضب الإلهي" التي بدأ تنفيذها يوم الخميس 11 نيسان 1996، و"تمت دراستها من كل جوانبها العسكرية في المقام الأول، والنفسية السوسيولوجية، حتى أن تسميتها جرى اختيارها بدقة ملحوظة، حيث راعى الجوانب الروحية بالنسبة لليهود من ناحية والجوانب التاريخية بالنسبة للشعب الأميركي من ناحية ثانية".(1)‏

وفي الواقع كان كلينتون شخصياً من وقف وراء تسمية العدوان بـ"عناقيد الغضب" وانتقاها من رؤيا يوحنا (الإصحاح 14)، وكشف مصدر مصري أن واشنطن كانت على علم مسبق بالخطة الإسرائيلية وجرت اجتماعات سرية بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين قبل عدة أسابيع من العدوان، وأدت إلى تحديد الأهداف المرسومة، ومن بينهم وزير الدفاع الأميركي وليام بيري ورئيس الأركان الأميركي، والسفير الأميركي في بيروت ريتشارد جونز. وعكس الأخير منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب علمه المسبق بالموضوع، فعندما تلقى أول اتصال من رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ليطلب منه العمل على وقف الغارات الإسرائيلية، أجابه السفير جونز بالحرف الواحد: "إن بلادي لا تستطيع أن تطلب من إسرائيل وقف العمليات العسكرية، والحل هو معالجة مشكلة اسمها حزب الله".(2)‏

سرعان ما أخذت قرارات "شرم الشيخ" تجد طريقها على الأرض، في ظل تنسيق وتناغم شامل على المستويات كافة بين الإدارتين الصهيونية والأميركية، وشهدت مناطق الجنوب تصعيداً عسكرياً واسعاً وبوتيرة متفاقمة، وتطور الوضع الأمني إلى عدوان واسع شمل المناطق اللبنانية كافة.
وأعلن الأميركيون كما الصهاينة أن رأس استهدافاتهم القضاء على حزب الله لأنه "القاعدة الأساس للإرهاب". وفي المقلب الفلسطيني باشرت السلطة الفلسطينية إجراءات هدفت إلى تصفية التيارات المعارضة، خصوصاً الإسلامية منها، وتحركت ميدانياً في محاولة لإنهاء وجودها العسكري وتقويض بناها الاجتماعية والثقافية والقضاء على امتدادها الشعبي.‏

اعتمدت قوات الاحتلال في عدوانها ثلاثة أنماط على المستوى العسكري:‏

الأول: المستوى الأمني والعسكري الموجه مباشرة ضد مواقع ومراكز مفترضة للمقاومة، من خلال اتباع أسلوب الضرب من بعد باستخدام سلاح المدفعية والطيران والبحرية، وهو ما يكفل تقليص الخسائر البشرية إلى أدنى درجة ممكنة، مع اعتماد الكثافة والحصار الناريين.‏
الثاني: إجبار الناس على النزوح إلى شمال المناطق المستهدفة، وخصوصاً باتجاه العاصمة بيروت، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:‏

ـ عزل المقاومين عن الأهالي، لتسهيل عملية تعقبهم وضربهم، وإتاحة مجال أوسع لقوات الاحتلال في تنفيذ تكتيكاته العسكرية.‏

ـ إحداث قطيعة بين المقاومة والأهالي لجهة تحميل المقاومة المسؤولية عن الأكلاف التي يتحملها المواطنون، وتحريض الناس على المقاومة.‏

ـ الضغط على السلطة اللبنانية، من خلال تأزيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن النزوح السكاني الكثيف.‏

الثالث: ربط الاستقرار الداخلي في لبنان بمجريات الأمور على الساحة الجنوبية، والضغط على المشاريع الإنمائية التي أعلنت عنها الحكومة، بتوجيه ضربات مباشرة للمنشآت الحيوية والمرافق الحياتية (محطات الكهرباء، الجسور، المرافق السياحية..) واستهداف مراكز مفترضة لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإخراج العاصمة من دائرة الخطوط الحمراء الأمنية.‏

ثبت المقاومون، ومعهم كل لبنان، ومن خلفهم سوريا وإيران، في وجه آلة الدمار الصهيونية طيلة ستة عشر يوماً من العدوان في نيسان 1996، وأثبتوا قدرتهم على الاحتفاظ بزمام المبادرة، وإرساء معادلة "توازن الرعب" الذي مثلت صواريخ الكاتيوشا أحد أرقامها الرئيسية خلال التصدي لعدوان تموز العام 1993، واستطاعت المقاومة إجهاض الأهداف الصهيونية من وراء العدوان، وأبقت المستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة في مرمى النيران. وفي الوقت نفسه، جاء الإنجاز المقاوم ليقوّي عرى الرباط بين المقاومة والدولة من جهة وبين الشعب من جهة ثانية، بحيث حازت المقاومة على احتضان المواطنين؛ وأسقطت الحواجز الطائفية التي كانت تعصف بالساحة اللبنانية طيلة 17 عاماً من الحرب الأهلية، وشكلت نموذجاً وطنياً وقومياً فريداً من الالتفاف العارم حول خيار التصدي للاحتلال ليس من قبل الشعب اللبناني فحسب، بل من قبل الشعوب العربية. وتحوّلت المقاومة إلى محور رئيسي تلتقي حوله الآمال والتطلعات الوطنية العامة.‏

الفصل الثالث: موازين وقوى‏

استطاع كل من لبنان وسوريا أن يلعب دوراً نشطاً وفاعلاً في خرق المظلة السياسية الأميركية ـ الإسرائيلية للعدوان، من خلال إقحام العامل الفرنسي كطرف مؤثر في كبح دوافع العدوان ولجم نتائجه. وانعكس الموقف اللبناني ـ السوري بشأن العدوان على مجمل الأداء السياسي في التعاطي مع سائر القضايا، وكان لذلك الأثر البالغ في الحفاظ على المقاومة وزخمها في إطار الصراع مع الاحتلال، وعدم تكرار الأخطاء السياسية في الأداء اللبناني كما حصل عقب العدوان في العام 1993، حيث انطلقت آنذاك الأصوات الداعية إلى نشر الجيش اللبناني في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، وهو طرح كان من شأنه لو تحقق أن أدى إلى خلط الأوراق في معادلة المقاومة باتجاه تحييدها تحت عنوان الحفاظ على أمن المنطقة الجنوبية، بينما هو في الواقع حماية لأمن الاحتلال ومستوطناته في الشمال.‏

ولا بد من عدم إغفال عنصر أليم في واقعه، ولكنه اختزن العديد من عناصر القوة في نتائجه، حيث حمل عدوان نيسان العام 1996 مشاهد مأساوية ودموية تمثلت في المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال في قانا والنبطية الفوقا والمنصوري وسحمر وغيرها من المجازر المتنقلة، وأدت إلى استشهاد المئات من الضحايا المدنيين وآلاف الجرحى في صفوف المواطنين اللبنانيين. فقد عكست هذه المجازر الممارسات الوحشية للاحتلال، وفضحت أغراضه واستهدافاته ورسمت صورة عن المستقبل في ظل سيطرة "الإرهابي الإسرائيلي" في حال قُيّض له الانتصار في المعركة وفرض شروطه على لبنان وتالياً سوريا وإيران والمنطقة بأكملها.‏

كما بيّنت هذه المجازر سقوط ادعاءات "إسرائيل" بأنها تخوض حرباً "دفاعية" ضد الكاتيوشا في سبيل توفير الأمن للمستوطنات الصهيونية، وأظهرت الاستخدامات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في العدوان أن هذه الحرب لم تكن إسرائيلية بحتة، بل هي حرب أميركية على لبنان والمنطقة، خصوصاً أنها كانت تحظى في كل خطوة بدعم أميركي مباشر ومعلن، وهو ما استدعى ردود فعل غاضبة في الشارع العربي، خصوصاً في مصر والأردن والجزائر، وتحوّل العدوان إلى حدث عربي وعالمي استجلب اهتمامات كبيرة وفتح دائرة واسعة من المتابعات على أكثر من صعيد، تبدّل مواقف العديد من الدول والأطراف عما كانت عليه قبل العدوان.‏

أدت التطورات والانقلابات في الموازين بعد عدوان نيسان إلى نشوء معادلات جديدة وقوى معتبرة. وشهدت مرحلة العدوان مخاضاً سياسياً وجملة من التجاذبات والإشكاليات، إلى جانب المواجهة العسكرية، تمثلت في الجولات والمحادثات المكثفة التي أفضت إلى الإعلان عن "تفاهم نيسان"، وكانت أولى عناوينها الإعلان عما عرف بـ "تفاهم نيسان" بعد أن أجبرت المقاومةُ الاحتلال على وقف عدوانه والانكفاء سياسياً وعسكرياً والمطالبة بالتوصل إلى صيغة تنظم العمليات العسكرية، واختصر هذا التفاهم كل الوقائع التي سبقته، بحيث نستطيع القول إنه يعكس معظم النتائج التي رست عليها المعركة على مدى 16 يوماً من المواجهة، وبدأت التجاذبات عند الأدوار التي اضطلعت به الأطراف الراعية لهذا التفاهم، وهي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وروسيا، إلى جانب أطراف المواجهة لبنان وسوريا والكيان الصهيوني مروراً بالنقاش المستفيض للتوافق على بنوده والمصطلحات المستخدمة وصولاً إلى آلية التطبيق.‏

وعبّر حزب الله، بكونه العنصر الفاعل في المجريات الميدانية، عن اللغة التي توجب اعتمادها في صياغة هذا التفاهم من أجل الحفاظ على نقاط القوة في المعادلة العسكرية والأمنية، وتفويت الفرصة على الجانبين الأميركي والصهيوني في تشريع أي خطوة من شأنها تكرار العدوان على لبنان، وشدد على أن الإطار الأساسي الذي يجب أن يحكم التفاهم هو "تحييد المدنيين وتنظيم قواعد الاشتباك".(1)‏

أعلن حزب الله التزامه بروح "تفاهم نيسان" وفحواه، مع أنه اختلف شكلاً ومضموناً عن "تفاهم تموز"، ومن أبرز مضامينه:‏

أولاً: جاء التفاهم بصيغة مكتوبة، الأمر الذي أعطاه حضوراً وقائياً وقانونياً، واتخذ بعداً مرجعياً يمكن العودة إليه حين الاختلاف في تفسيره أو تطبيقه.‏

ثانياً: حدد التفاهم الدولة اللبنانية كطرف أساسي في مقابل الطرف الإسرائيلي، في حين أن تفاهم تموز حدد المقاومة كطرف، وهذا سمح للبنان أن يكون طرفاً أساسياً أيضاً في اللجنة التي تشكلت وتولت مهمة مراقبة تطبيق التفاهم إلى جانب الأطراف الأخرى، التي أشرنا إليها سابقاً، وهذا الأمر كان مطلباً لدى المقاومة التي كانت تتحمل سابقاً المسؤولية لوحدها، في حين أن دخول الدولة يجعل من مهمة التصدي للعدوان الصهيوني، داخل اللجنة وعلى الأرض، مسؤولية وطنية جامعة.‏

ثالثاً: حدد التفاهم سوريا كطرف في التفاهم من باب كونها عضواً في لجنة المراقبة، وهو ما شكل عنصر أمان رئيسي للمقاومة، وسقفاً ضابطاً لحركة السلطة اللبنانية في علاقتها بالمقاومة على ضوء المعطيات الجديدة التي فرضتها قواعد تفاهم نيسان.‏

رابعاً: لم تفرض بنود التفاهم قيوداً على حركة المقاومة، بل جاءت لتؤكد الثوابت الميدانية والأهداف التي أعلنتها، وهي حصر العمل المقاوم داخل المنطقة اللبنانية المحتلة التي يربض فيها الاحتلال، والاستمرار في المواجهة حتى تحرير الأراضي المحتلة.‏

خامساً: تضمن التفاهم اعترافاً صريحاً بدور المقاومة وممارسة حقها المشروع في الدفاع عن المدنيين، واتباع كافة الأساليب المتاحة لتحرير الأرض اللبنانية المحتلة، وعلى رأسها العمليات العسكرية. وهذا الأمر شكل نكسة للمساعي الأميركية وأسقط العناوين التي رفعتها في مؤتمر "شرم الشيخ"، التي هدفت إلى إقحام المقاومة في دائرة "الإرهاب".‏

سادساً: فرض التفاهم حضوراً سياسياً روسياً وفرنسياً موازياً للحضور الأميركي المنحاز إلى الكيان الصهيوني، وإن كنا لا نستطيع وضع الدور الروسي والفرنسي في الكفة اللبنانية والسورية مقابل الكفة الأميركية ـ الإسرائيلية، إلا أن التفاهم استحضر الروس والفرنسيين كطرف يحد من الهيمنة الأميركية على المجريات الدبلوماسية.‏

ملاحق‏
الملحق الأول: "عناقيد الغضب" تسمية توراتية.‏

تسمية "عناقيد الغضب الإلهي" مستوحاة من فصل في سفر إشعياء، ومستعار من عنوان الرواية المعروفة للكاتب المعروف جون شتاينبك "GRAPES OF WRATH" كما أنها عنوان أنشودة الروح الحماسية للزحف الجمهوري. (قصيدة نظمتها جوليا هاو (1819 ـ 1910) تحت عنوان "معركة ترنيمة الجمهورية"، وتقول القصيدة: إن عيني أبصرتا مجد الرب.. إنه يدوس غلة الكرم حيث تختزن عناقيد الغضب الإلهي) (1)‏
وجاء في سفر إشعياء: "زمن الغضب سابقاً لزمن النعمة النهائية، هلم يا شعبي أدخل مخدعك وأغلق أبوابك عليك.. فإن يهوذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثم سكان الأرض، فتكشف الأرض عن دمائها ولا تعود تستر قتلاها.. فمن قاومني بالحسك والشوك، أهجم عليه بالقتال وأحرقهم جميعاً وإلا فليتمسك بملجئي وليعمل معي سلماً ويسالمني. وفيما بعد يتأصل يعقوب وينبت ويزهر إسرائيل ويملأ وجه الدنيا ثماراً".(2)‏

الملحق الثاني: نص تفاهم نيسان. (*)‏
إن الولايات المتحدة تفهم أنه بعد مناقشات مع حكومتي إسرائيل ولبنان وبالتشاور مع سوريا، فإن لبنان و"إسرائيل" سوف يكفلان التالي:‏
1. إن المجموعات المسلّحة في لبنان لن تقوم بهجمات بصواريخ الكاتيوشا أو أي نوع آخر من السلاح إلى داخل "إسرائيل".‏

2. إن "إسرائيل" والمتعاونين معها لن يطلقوا أي نوع من السلاح على المدنيين أو الأهداف المدنية في لبنان.‏

3. بالإضافة إلى هذا، يلتزم الطرفان بالتأكد من عدم كون المدنيين هدفاً للهجوم تحت أي ظروف، وعدم استخدام المناطق المدنية الآهلة والمنشآت الصناعية والكهربائية قواعد إطلاق للهجمات.‏

4. بدون خرق هذا التفاهم لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس.‏

5. تم تشكيل مجموعة مراقبة مؤلفة من الولايات المتحدة، فرنسا، سوريا، لبنان وإ"سرائيل". ستكون مهمتها مراقبة تطبيق التفاهم المنصوص عليه أعلاه. ستقدم الشكاوى إلى مجموعة المراقبة.‏

6. ستنظم الولايات المتحدة أيضاً مجموعة استشارية تتألف من فرنسا، الاتحاد الأوروبي، وروسيا، وأطراف أخرى مهتمة بهدف المساعدة على تلبية حاجات الإعمار في لبنان.‏

7. من المعترف به أن التفاهم من أجل إنهاء الأزمة الحالية بين لبنان وإسرائيل لا يمكن أن يكون بديلاً عن حل دائم. تفهم الولايات المتحدة أهمية تحقيق سلام شامل في المنطقة. من أجل هذه الغاية، تقترح الولايات المتحدة استئناف المفاوضات بين سوريا و"إسرائيل"، وبين لبنان و"إسرائيل" في وقت يُتفق عليه، بهدف التوصل إلى سلام شامل. تفهم الولايات المتحدة أنه من المرغوب به أن تجري المفاوضات في جو من الهدوء والاستقرار.‏

8. سيعلن هذا التفاهم في الوقت نفسه الساعة 18.00 في 26 نيسان 1996 في جميع البلدان المعنية.‏

الملحق الثالث: اقتراح حكومة لبنان لتشكيل لجنة المراقبة لتفاهم نيسان. (*)‏

تقدمت الحكومة اللبنانية باقتراح لتشكيل لجنة المراقبة التي اتفق عليها في تفاهم نيسان إلى الولايات المتحدة بواسطة السفير الأميركي في بيروت ريتشارد جونز في 7 أيار 1996، وهذا نص الاقتراح:‏

1. تشكل لجنة لمراقبة تطبيق تفاهم وقف إطلاق النار من الدول الخمس الآتية: لبنان، الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، سوريا، "إسرائيل".‏

2. تجتمع هذه اللجنة في الناقورة كمقر رئيسي، ويكون لها فرعان. الأول في صور والثاني في نهاريا.‏

3. تجتمع اللجنة الفرعية في صور بحضور الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ولبنان و"إسرائيل‏".

4. تكون رئاسة اللجنة ونيابة الرئاسة مداورة بين الولايات المتحدة وفرنسا.‏

5. تتحمل كل دولة مصاريف الأعضاء الذين يمثلونها في اللجنة، إضافة إلى حصة من الميزانية المشتركة.‏

6. تتلقى اللجنة الشكاوى خلال 48 ساعة من حصول أي حادث، وتقوم بإجراء التحقيقات اللازمة وتصدر تقريرها خلال ثلاثة أيام ويمكنها ان ترفع هذا التقرير إلى حكوماتها.‏

7. تستند اللجنة إلى معلومات ميدانية ويمكنها الاستعانة بمعلومات توفرها لها قوات الطوارئ الدولية.‏

8. في حال لم تتمكن مداخلات اللجنة خلال ثلاثة أيام من حل المشكلة الطارئة، وفي حال لم تتمكن الحكومات بعدها وخلال ثلاثة أيام إضافية من ذلك، تستطيع الدولة المدّعية استخدام حقها باللجوء إلى مجلس الأمن.‏

9. تلتزم الدول المعنية بعدم الرد على أي خرق خلال الأيام الثلاثة الأولى التي تنظر فيها اللجنة بالشكوى.‏

10. عندما تنظر اللجنة بشكوى معينة لا تشارك الجهتان المعنيتان (المدعية والمدّعى عليها) في البحث.‏
(*) دراسة خاصة لموقع المقاومة الإسلامية في لبنان

إقرأ المزيد في: لبنان

خبر عاجل