لبنان
حادثة الكحالة: تصعيدٌ للتحريض يقابله رفضٌ للفتنة.. والتدقيق الجنائي لدى الحكومة
لا تزال حادثة الكحالة محط اهتمام الصحف اللبنانية، والتي ركَّزت على استمرار حملات التحريض والاستغلال السياسي ضدَّ المقاومة وسلاحها من قِبل من يريدون جرَّ البلد نحو الفتنة، ما أعاد إلى الأذهان تاريخ تلك الأطراف "الأسود" إبان الحرب الأهلية، خصوصًا وأنَّها رفعت سقف التصعيد وأعلنت عن منحى جديد للمواجهة مع حزب الله.
وأكَّدت الصحف أنَّ حزب الله تعمل على تطويق ذيول الحادثة في تصرُّفٍ مسؤول لطالما اعتادت عليه، سعيًا منها للحفاظ على السلم الأهلي وعدم الانجرار إلى فتنة لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني وعملاؤه، معلنًا أنّ التوتير وما نجم عنه بعهدة التحقيقات الجارية لتأكيد الوقائع وكشف المتورطين والحاقدين وسوقهم للعدالة.
على مقلب آخر، تناولت الصحف تسليم وزير المالية يوسف خليل التقرير الذي أعدّته شركة "ألفاريز أند مارسال" المتعلق بالتدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان، للأمانة العامة لمجلس الوزراء النسخة النهائية للتقرير الاولي للتدقيق الجنائي وعلى الفور وبناء لطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أبلغت الأمانة العامة لمجلس الوزراء هذه النسخة الى الوزراء، والى الأمانة العامة لمجلس النواب والمديرية العامة لرئاسة الجمهورية.
"البناء": الكتائب قادت الحملة في الكحالة ولحقتها القوات فأحرج التيار
تجاوز لبنان الكوع الذي تربّص عنده الذين أرادوا أخذ لبنان إلى الفتنة تحت شعار أولوية حسم مصير سلاح المقاومة، من بوابة انقلاب شاحنة السلاح والذخائر التابعة لحزب الله والتي انقلبت أول أمس عند كوع بلدة الكحالة، وبعدما نجح الجيش والقوة الأمنية بالسيطرة على الوضع وفتح الطريق، وتوضحت الصورة، قالت مصادر سياسية تابعت الأحداث إن حزب الكتائب هو من قام بالتحضير لدفع عدد من شباب وشابات بلدة الكحالة الى الصدام مع الشباب المرافقين للشاحنة، وإن مرور ساعتين بين انقلاب الشاحنة وبدء التعدي على الشباب المرافقين، ينفي رواية الغضب والانفعال ورد الفعل، وإن شعار نريد أن نعرف ماهية الحمولة ونكشف عنها كان مريباً ولا يزال، وقد تردد من عدد من هؤلاء الشباب كذريعة للتهجم على المرافقة، وردّده مسؤولون كتائبيون بينهم نواب. وقالت المصادر إن القوات اللبنانية لحقت بالكتائب، وإن التيار الوطني الحر تحرك متضامناً تحت ضغط الإحراج كما قال تصريح النائب سيزار أبي خليل، بخلاف مواقف عاقلة لكوادر التيار في الكحالة، إلى حين خرج موقف الرئيس العماد ميشال عون محذراً من خطر الفتنة واضعاً الأولوية للتهدئة، متحدثاً عن خطر سقوط الهيكل على الجميع، فوضعت الأمور في نصابها، أكثر مما فعلت بيانات التيار.
وفيما تجاوز لبنان قطوع فتنة الكحالة التي حاولت بعض الجهات السياسية والميليشياوية أخذ البلد إليها من خلال الحملات السياسية والإعلامية الممنهجة والموجّهة، شهدت مسلسل الأحداث الأمنية حدثاً جديداً أمس، تمثل بتعرّض سيارة وزير الدفاع موريس سليم لإطلاق نار في جسر الباشا، لم تحدّد الجهات الأمنية مصدره وما إذا كان محاولة اغتيال كما تردّد بداية، أم رصاص طائش.
وأثناء انتقال موكب وزير الدفاع من مكتبه في وزارة الدفاع، ولدى وصوله إلى منطقة جسر الباشا، تعرّضت السيارة التي تُقله لرصاصة بالزجاج الأيسر الأمامي. لم يُصَب الوزير بأي أذى ولا أي من العسكريين المرافقين. وفق بيان مكتب وزير الدفاع الذي لفت الى أن الشرطة العسكرية والأجهزة الأمنية تقوم بإجراء التحقيق اللازم والكشف على السيارة ومكان الحادث، بالتنسيق مع القضاء العسكري المختص.
وكشف وزير الدفاع في حديث تلفزيوني أن «هناك سيارة كانت تلاحقنا حسبما لاحظت المرافقة، فكانت على نفس مسارنا وعلى نفس السرعة وتبين أنها من دون لوحات»، وشدّد على «أنني لم أقل أنها محاولة اغتيال بل السيارة تعرضت لإصابة بالرصاص».
وفي غضون ذلك، لا تزال البلاد تحت تأثير التداعيات الأليمة لحادثة الكحالة، حيث تكشف المزيد من المعلومات والحقائق من مقاطع الفيديوات المسرّبة والتي التقطت من بعض المواطنين في مكان الحادثة، وسط استمرار حملات التحريض والاستغلال السياسي من قبل حزبي القوات والكتائب، فيما تتكثف الاتصالات السياسية لاحتواء الاحتقان والتوتر الطائفي في المنطقة ويبذل رئيس مجلس النواب نبيه بري جهوداً حثيثة عبر سلسلة اتصالات أجراها بالمراجع السياسية والأمنية والعسكرية لتطويق ذيول الحادثة وعدم الانجرار الى الفتنة، وفق ما علمت «البناء».
ونقل نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب عن الرئيس بري قوله إن «الأحداث الأمنية الخطيرة التي تحصل والتي نرفضها ونستنكرها قد تأخذ البلد الى مكان لا نتمنى أن نراه فيه».
ولفتت أوساط سياسية الى ترابط وثيق بين الأحداث الأمنية التي بدأت مع إشعال المعارك في مخيم عين الحلوة، لافتة لـ»البناء» الى أنه يبدو أن بيان السفارة السعودية استند الى تقارير استخبارية أميركية ما يؤشر الى قرار أميركي لتصعيد الوضع الأمني في لبنان للضغط السياسي باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية وفق الرؤية الأميركية لخدمة المصالح والمشاريع الأميركية الإسرائيلية في المنطقة. واتهمت الأوساط قوى سياسية وحزبية ووسائل إعلامية بـ»التحرك وفق التعليمات والتوجيهات الأميركية»، متوقعة المزيد من التوترات والأحداث الأمنية المتنقلة لا سيما تلك التي تقع على خطوط تماس طائفية ومذهبية. كما تربط الأوساط بين أحداث لبنان وبين التطورات على الساحة الإقليمية والدولية من التصعيد الإسرائيلي والإرهابي في سورية الى التصعيد في البحر الأحمر ضد إيران الى تسعير الحرب في أوكرانيا ضد روسيا. معتبرة أن واشنطن تريد تحريك كل أدواتها وأوراقها الأمنية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة لتحسين موقعها في المفاوضات غير المباشرة الدائرة مع سورية وإيران وحزب الله على ملفات استراتيجية وكبرى في المنطقة.
وبدأ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي التحقيق في حادث الكحالة. وأفيد بحسب تقرير الطبيب الشرعي أن فادي بجاني قضى بثلاث طلقات وأحمد علي قصاص بسبع طلقات.
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن «الشاحنة لم تكن تحمل أسلحة ولا صواريخ كما أشيع، بل ذخائر وعتاد تحتاجه المقاومة في أعمالها العسكرية في الجنوب ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدد ويتوعد لبنان بالحرب كل يوم ويعزز ترسانته العسكرية بشكل دائم». وأكدت المصادر أن «الشاحنة انقلبت بشكل عرضي وطبيعي بسبب الكوع الضيق في المنطقة، لكن فور علم جهات حزبية في المنطقة بأن الشاحنة تعود لحزب الله قامت بتحريض بعض الأهالي لرمي الحجارة عليها، كما تلقت هذه الجهات الحزبية أمر عمليات للاستنفار بالسلاح وإطلاق النار على عناصر حماية الشاحنة الذين ردوا بالمثل للدفاع عن أنفسهم، وبالتالي إطلاق النار بدأ من عناصر القوات والكتائب وليس من عناصر الحماية. وهذا ما تكشفه الفيديوهات وستكشفه التحقيقات الأمنية لاحقاً». كما كشفت المصادر تعرّض الجيش اللبناني الى وابل من الحجارة والشتم ودعوات للطرد من قبل عناصر حزبية.
وأعلنت قيادة الجيش أنه «لدى انقلاب شاحنة تحمل ذخائر على طريق عام الكحالة، حصل إشكال بين مرافقي الشاحنة والأهالي ما أدّى إلى سقوط قتيلين. وقد حضرت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على تطويق الإشكال، وتم نقل حمولة الشاحنة إلى أحد المراكز العسكرية، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص. بتاريخ 10 / 8 /2023 عند الساعة الرابعة فجرًا، قامت القوة برفع الشاحنة وفتح الطريق بالاتجاهين، فيما يواصل الجيش متابعة الوضع واتخاذ التدابير الأمنية المناسبة».
ولم يرق البيان للنائب نديم الجميع الذي شنّ هجوماً عنيفاً على الجيش اللبناني متهماً اياه بالتخاذل في حادثة الكحالة.
وتواصلت المواقف السياسية الداعية الى درء الفتنة والتحذير من محاولة أخذ لبنان الى آتون الفوضى والحرب.
وأدانت كتلة الوفاء للمقاومة بشدّة «التوتير المبرمج والظهور الميليشاوي المسلح الذي شهدته بلدة الكحالة عقب انقلاب شاحنة عند أحد منعطفاتها، وتعرض أفرادها للاعتداء في محاولة للسيطرة عليها وإطلاق النار الموجّه الذي أدّى إلى استشهاد أحد الإخوة، وإعاقة تدخّل الجيش اللبناني ومحاولة منعه من ضبط الاستفزاز».
ورأت الكتلة أنّ «ذلك هو نتاج التحريض والتعبئة الغبيّة والحاقدة التي تشكّل مادّة فتنويّة يعمد إلى توظيفها قاصرو النظر أو المتورطون في المشاريع المعادية لمصالح لبنان واللبنانيين. معتبرة أنّ «هذا التوتير وما نجم عنه هو بعهدة التحقيقات الجارية لتأكيد الوقائع وكشف المتورطين والمحرّضين وسوقهم الى العدالة. وتوجهت الكتلة بأحرّ التعازي والتبريكات لذوي الشهيد المغدور المجاهد أحمد علي قصاص المتميّز برباطة جأشه ومناقبيّته وشجاعته، راجيةً له من الله عظيم الأجر والثواب وعلو الدرجات في جنان الخلد والنعيم الدائم ولأهله جميل الصبر والسلوان».
"الديار": حزب الله يرفض الانجرار الى الفتنة
من المرجح ان تطوى حادثة الكحالة كما غيرها من الاحداث في بلد تبقى فيه الحقيقة دائما الضحية الاولى. ثمة من اراد افتعال فتنة كادت تجر البلاد الى مواجهة دموية مفتوحة، فمن اراد عن قصد او عن فعل مدبر المس بسلاح المقاومة يعرف مسبقا انه يتجاوز «خطوطا حمراء» لا يمكن لحزب الله ان يسمح بها مهما كانت النتائج والتضحيات. ومن حاول الاستثمار بحادثة انقلاب الشاحنة يعرف جيدا عن سابق تصور وتصميم ما يريده من وراء التحريض على الحزب في توقيت مشبوه باتت فيه الاسئلة مشروعة ومفتوحة على كل الاحتمالات. التحقيقات لا تزال في بدايتها وهي لا تستبعد اي سيناريو، وجمع المعطيات يحصل بدقة متناهية للوصول الى الحقائق بالسرعة المطلوبة بعد نجاح الجيش بسحب فتيل التوتر من الشارع متعاليا عن اتهامات سيقت بحقه من قبل قوى المعارضة التي رفعت سقف التصعيد واعلنت عن اجندة مختلفة للمواجهة مع حزب الله الذي شيع المقاوم الشاب احمد قصاص واختار عن قناعة عدم الانجرار الى اجندات تسعى الى هز السلم الاهلي مراعيا الكثير من الحساسيات الداخلية، دون ان يتخلى عن مطلب التوسع في التحقيقات ومحاسبة كل من شارك في الاعتداء وحرض عليه. اما الكحالة فهي تشيع ابنها فادي بجاني وطلب العائلة ان يكون شعبيا على وقع استمرار التصعيد من قبل بعض القوى، فيما اختار التيار الوطني الحر»صوت العقل» ورفض كل انفعال واستغلال للحادثة المؤلمة بهدف توتير الاجواء والتسبب بفتنة يسعى اليها الكثيرون في الداخل والخارج. وهو امر دعا اليه ايضا رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي طالب بمد جسور الثقة بدل سموم الكراهية. ومع تقدم الاحداث الامنية الى الواجهة داخليا، تخشى اسرائيل من مفاجآت على الحدود، فيما غابت السياسية، لكن اللافت قضائيا قيام الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وكندا وبشكل متزامن بوضع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على لائحة العقوبات بتهمة الفساد،ما يطرح ايضا اكثر من علامة استفهام حول التوقيت؟
في هذا الوقت نجحت قيادة الجيش في احتواء الازمة، وسحب فتيل التفجير من الشارع، وباشرت استخبارات الجيش تحقيقاتها في الحادث، وتم مقاطعة الفيديوهات والاستماع الى بعض الشهود. وقد اتضح من خلال تحرك الجيش على الارض ان التنسيق قائم بين المقاومة والقيادة العسكرية التي تعرف جيدا طبيعة وجهة هذه الاسلحة. وقد شهدت الكحالة منذ صباح امس هدوءا حذرا وتركت الساحة امس للتحقيقات التي ارتكزت على كاميرات المراقبة، حيث يتم التركيز على تحديد هوية من بدأ باطلاق النار، وما اذا كانت الشاحنة قد انقلبت بحادث عرضي، وسيحدد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي بدأ التحقيق في الحادثة الجهة المخولة متابعة التحقيق لاحقاً في ضوء النتيجة.
وكانت قيادة الجيش اعلنت أنّ الشاحنة التي انقلبت على طريق عام الكحالة كانت تحمل ذخائر، وقد تمّ رفعها ونقل حمولتها إلى أحد المراكز العسكرية. وأوضحت، في بيان انه لدى انقلاب الشاحنة، حصل إشكال بين مرافقي الشاحنة والأهالي ما أدّى إلى سقوط قتيلين. وقد حضرت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على تطويق الإشكال، وتم نقل حمولة الشاحنة إلى أحد المراكز العسكرية، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص. وأشارت إلى أنّه عند الساعة الرابعة من فجر امس، قامت القوة برفع الشاحنة وفتح الطريق بالاتجاهين، فيما يواصل الجيش متابعة الوضع واتخاذ التدابير الأمنية المناسبة.ووفقا للمعلومات، فان الذخيرة لن تصادر بل سيجري تسليمها لحزب الله باعتبارها مشرعة عبر البيانات الوزارية المتعاقبة التي تسمح بمقاومة الاحتلال بكافة الاساليب المشروعة.
ووفقا لمصادر مقربة من حزب الله بات واضحا ان بعض الجهات اللبنانية تعمد إلى استغلال كلّ حدث أمني أو سياسي، واستباق أيّ تحقيقات، لتوجيه الاتهامات بحق الحزب، ولفتت الى ان تدخل الجيش الحاسم منع انزلاق البلاد الى ما لا تحمد عقباه بعدما قامت مجموعة مسلحة تتبع جهة سياسية معروفة، بالاعتداء على فريق الحماية الذي كان يعالج مشكلة انقلاب شاحنة تابعة للمقاومة أثناء انتقالها من البقاع إلى بيروت. وتطرح حملات التحريض التي تبثّها بعض الجهات، واللعب على وتر إشعال فتيل حرب أهلية، اكثر من علامة استفهام. ولفتت الى ان رد فعل الحزب في الكحالة كان مسؤولا وراعى الحساسيات الداخلية، بهدف الحفاظ على السلم الأهلي وعدم السماح لهذه القوى بتحقيق أجندتها لجر المقاومة الى ساحة الاقتتال الداخلي،وهي خدمة مجانية لدولة الاحتلال الاسرائيلي. ولهذا ينتظر حزب الله التحقيقات لمعرفة ما اذا كان التوظيف السريع لما حصل من تحريض على المقاومة، يؤكد أن ما جرى في الكحالة كان مدبّرا لان التوقيت مشبوه والاستهداف واضح، وهناك من يحاول أن يستثمر في الفراغ الذي يعيشه لبنان، والتحريض على المقاومة، واللافت كان ظهور لافتات كبيرة كتبت عليها شعارات ضد ايران وحزب الله. وهذا يثير شكوك حول خلفيات الحادث.
في هذا الوقت، رفض حزب الله الانجرار الى الفتنة، وبمشاركة شعبية حاشدة، شيّع الحزب الشهيد أحمد علي قصاص في «روضة الحوراء زينب» في الغبيري. وخلال مراسم التشييع، قال مسؤول قسم التبليغ والأنشطة الثقافية في حزب الله، علي فحص، إنّ الشهيد شارك إلى جانب إخوانه المقاومين في الدفاع عن بلدة معلولا وأضاء شمعة أمام كنيستها لا ليُكافأ بالاعتداء عليه بالرصاص والقتل من قبل مسلحين أمام كنيسة الكحالة. ورأى أن ما جرى في الكحالة هو اعتداء فاضح في وقت كان يتواصل الأخوة مع الجهات الأمنية لسحب الشاحنة التي كان بالامكان أن تمر بعد اصلاحها بشكل طبيعي لكن تدخل المسـلحين بهذه الطريقة هو الذي أدى لحصول هذا الحادث المؤسف. وقال «من الذي أعطاهم الحق في اعتراض الشاحنة؟ شهـيدنا قـتل مظلومًا في هذا الاعتـداء السافر وغير المبرر، لكن لم ولن ننجر الى الفتنة. ولن نحقّق مساعي من يريد أخذ البلد إلى الفتنة وكلّ اللبنانيين يعرفون من يمتهن التحريض والمتاجرة بالدم واثارة الفتن بين اللبنانيين.
هذا وقد زار وفد من النواب كنيسة مار انطونيوس الكحالة لتقديم واجب العزاء بفادي بجاني. وضم الوفد النواب مارك ضو، سامي الجميل، غسان حاصباني، ميشال معوض، جورج عقيص، سليم الصايغ، ميشال الدويهي، سعيد الاسمر، اديب عبد المسيح، الياس حنكش، نديم الجميل، نزيه متى، ودان النواب، ما اسموه الاعتداء السافر والميليشياوي تحت نظر الأجهزة الأمنية والعسكرية الذين تقاعسوا عن ممارسة دورهم الحازم والمطمئن. واعتبرالنواب إن ما جرى شكل مفترقا سياسيا وأمنيا خطيرا، واكدوا إنهم بصدد التواصل الواسع مع قوى الاعتراض لإعادة النظر بشكل شامل بمسار المواجهة مع منظومة الحزب وحلفائه، ليتم إطلاق مرحلة جديدة لمواجهة وطنية سياسية شعبية مكتملة العناصر والقوى؟!
"الأخبار": نص التدقيق الجنائي: سلامة أدار «دكانة»
بدأت الحقائق التي أخفاها الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لسنوات طويلة بالظهور. فبحسب تقرير التدقيق الجنائي الذي أعدّته «ألفاريز أند مارسال»، وحصلت «الأخبار» على نسخة منه، كان سلامة إمبراطوراً يسيطر على المصرف المركزي بلا نقاش وبلا اعتراض. فهو يرسم السياسة النقدية، ويحدّد المعايير المحاسبية التي سيتم استخدامها لإخفاء الخسائر المتراكمة، ويقرّر أي المصارف تستفيد من قروض وهندسات مالية، ويوزّع المال العام على رعايات أو بالأحرى تنفيعات لأفراد وشركات ومؤسسات إعلامية...
ووسط كل ذلك، لم ينسَ نفسه وعائلته، فلجأ عبر شقيقه رجا سلامة إلى تأسيس شركة اسمها «فوري»، ووقّع رياض مع شقيقه رجا عقداً درّ على شركتهما ملايين الدولارات، رغم أن التقرير لم يجد لهذا العقد أي تبرير وظيفي. أما اللاعبون في «دكانة» مصرف لبنان بإدارة رياض سلامة، فكانوا عبارة عن أصنام في المجلس المركزي يكتفون بما يقدّمه لهم من شروحات مختصرة حول عمليات يريد القيام بها، وهم لا يناقشون فيها، ولا يتابعون أي تفاصيل متّصلة بها. لا رقابة داخلية في المصرف، وبياناته المالية لا تعبّر عن الوضع المالي الحقيقي، أي عن الخسائر، بل يكاد التقرير يقول إنه كان يزوّر القيود المحاسبية ليظهر المصرف المركزي رابحاً ويوزّع أرباحاً للدولة بقيمة 40 مليون دولار سنوياً. كلّ ذلك، كان يتم بتعليمات مباشرة منه لموظفي المحاسبة في المصرف المركزي لإبقاء الخسائر مجمّعة في بند واحد يسمى «pool». سمّوها ما شئتم، «بركة»، «تجمّع»، «حوض»... المهم أن كل القذارات المالية المرتكبة كانت تُخفى هناك.
في ما يلي بعض مما ورد في تقرير «ألفاريز أند مارسال» عن خسائر مصرف لبنان، وعن شركة «فوري» وعن أصنام المجلس المركزي، وعن الهندسات المالية. التقرير مؤلّف من 332 صفحة موزّعة على 14 باباً فيها الكثير من التفاصيل الوصفية للعمليات المحاسبية والمصرفية والإدارية المعقّدة التي تشير بوضوح إلى مسؤولية رياض سلامة في إدارة «دكانة» هائلة كانت تحفّز النموّ الاقتصادي بتنقيد الديون والخسائر المتراكمة، لا بل كانت تضع هذه الخسائر باعتبارها أرباحاً مؤجّلة. معظم ما ورد في التقرير كان معروفاً، أو لدى العامة فكرة مختصرة عنه، إنما التقرير جاء ليوثّق هذه العمليات على مدى فترة زمنية محدّدة، أي إنه لم يدقّق في كل فترة حكم سلامة، وهو لا يقدّم سوى توصيف تقني عما يحصل، أي إنه لا يتطرّق مطلقاً إلى الشراكة السياسية التي تركت سلامة يهيمن من موقع القائم على السياسات النقدية، على كل الاقتصاد وعلى عمل الحكومات. خلاصة التقرير أن مصرف لبنان كان يدير أكبر عملية توزيع انتقائي وبأهداف غير اقتصادية للأموال العامة.
استخدم مصرف لبنان معايير محاسبية «غير تقليدية» لتحضير بياناته المالية. هو إجراء تستخدمه العديد من المصارف المركزية عالمياً، لكنه في العادة يكون طبقاً لمعايير بديلة ثابتة وواضحة، وهو أمر تفتقر إليه المعايير التي اعتمدها مصرف لبنان. هذه الإجراءات سمحت لمصرف لبنان بنشر بياناته المالية بشكل غير شفّاف وإخفاء الكثير من المعلومات. المعايير المحاسبية التي بنى عليها مصرف لبنان بياناته المالية تعود إلى «الدليل المحاسبي» الخاص بمصرف لبنان، الذي يوافق عليه المجلس المركزي. هذا الدليل عُدّل في عدّة مناسبات، منها في عام 2016 وعام 2018.
بعض الإجراءات «غير التقليدية» التي قام بها المصرف تتضمّن:
- تأجيل أكلاف الفوائد لزيادة الربحية في البيانات المالية بشكل وهمي.
- خلق حسابات لأرباح سكّ العملة لتغطية الخسائر التي تمّ تأجيلها، أيضاً بهدف زيادة الربحية.
- تضخيم قيمة سندات الدين الحكومية من خلال عدم احتساب التراجع في قيمتها.
- تسجيل ارتفاعات/انخفاضات غير محقّقة في حساب الذهب في الميزانية، وهو ما تسبّب في تضخيم/تقليل قيمة أصول ورأس مال المصرف.
- مقاصّة مطلوبات وزارة المالية على مصرف لبنان بالدولار الأميركي، مقابل ودائع الخزينة، ما أدّى إلى خفض قيمة الموجودات والمطلوبات في ميزانية المصرف.
- مقاصّة القروض والودائع المصرفية بموجب عقود أدّت إلى تقليل قيمة الموجودات والمطلوبات.
كان لدى مصرف لبنان فائض في العملات الأجنبية بقيمة 7.2 مليارات دولار في نهاية 2015، إلا أن الأمر انقلب إلى عجز بقيمة 50.7 مليار دولار في نهاية 2020. سبّب ذلك زيادة الودائع لديه بالعملة الأجنبية بنسبة 119% والتي جرى تمويلها بواسطة عمليات الهندسات المالية، مقابل انخفاض في قيمة الأصول الأجنبية بنسبة 18%. (عملياً يتحدث التقرير عن استقطاب الودائع من الخارج وتحويلها إلى أصول محلية). هناك نسبة كبيرة ومتزايدة من الأصول بالعملات الأجنبية هي عبارة عن أصول محلية، وهذه المبالغ، إذا تم ردّها، ستشكّل ضغطاً هائلاً على الدولة اللبنانية والشعب والاقتصاد. وازداد النقص في الاحتياطات بالعملة الأجنبية إلى 71.9 مليار دولار في نهاية 2020، مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 31.2 مليار دولار، أي إن نسبة النقص بالعملة الأجنبية نسبة إلى الناتج بلغت 230%.
الوضعية المالية لمصرف لبنان تدهورت سريعاً، لكن لم يعبّر عن ذلك في الميزانية والبيانات المالية التي تم تحضيرها وفق معايير محاسبية غير تقليدية تتيح لمصرف لبنان المبالغة في تقييم أصوله وأرباحه بشكل كبير. اللافت أن الحاكم حدّد الالتزامات المترتبة على مصرف لبنان من دون أي تفسير. وقد بلغ العجز في رأس مال مصرف لبنان 51.3 مليار دولار. ردّ مصرف لبنان على ذلك في تموز 2023، بالقول إن «ذلك هو جزء من سياسات محاسبية أقرّها المجلس المركزي لمصرف لبنان. غالبية المصارف المركزية تتبنّى معايير محاسبية مصمّمة بحسب حاجاتها والسياسات النقدية المتّبعة. الفوائد المدفوعة على شهادات الإيداع والودائع تنسجم مع تطوّر العائد على سندات اليوروبوندز».
السياسات والمعايير المحاسبية التي اتّبعها مصرف لبنان، في سياق تنفيذ الهندسات المالية كانت استثنائية قياساً على العوامل الشخصية والدقّة والسرية التي اتّسم بها عمل الحاكم. حتى مع السياسات غير التقليدية، فإنه في سياق كونها سياسات، يجب أن تكون قابلة للتدقيق وواضحة وقابلة للتدقيق والفهم من قبل طرف آخر. سياسات مصرف لبنان في هذا الإطار فشلت.
الهندسات المالية كانت مكلفة جداً وتتضمن: علاوات مدفوعة لشراء سندات الخزينة وإطفاء شهادات إيداع، فوائد على الودائع وشهادات الإيداع، فروقات مرتفعة في سعر الصرف.
لاحظنا، أنه من أجل تفادي الخسائر الدفترية، حوّل مصرف لبنان الكلفة إلى الميزانية، وفي النتيجة كان المصرف قادراً على إظهار ربح في كل السنوات، وتوزيع أرباح بقيمة 40 مليون دولار لوزارة المال. كلفة الفوائد التي أبقيت في الميزانية سُجّلت كالتزامات بعنوان «مصاريف فوائد متفرقة وأكلاف شهادات الإيداع» المعروفة باسم «البركة». الكلفة الإجمالية للهندسات المالية تُقدّر بنحو 115 تريليون ليرة في نهاية 2020.
قرارات المجلس المركزي حول الهندسات المالية لم تكن عقلانية، أو مبنية على الواقع الاقتصادي والفوائد والأكلاف والمخاطر والبدائل، بل إن محاضر المجلس تتضمّن تفسيراً سريعاً من الحاكم الذي تجنّب الحديث عن أي مخاطر. لم يتبين وجود أي تبرير مكتوب في المجلس يتيح اتخاذ قرار. طلبنا مثل هذا المستند، إذا كان موجوداً، لكن لم يتم تزويدنا به. مصرف لبنان ردّ على مطلبنا بالإشارة إلى مقالة أعدّها نائب الحاكم الأول (رائد شرف الدين) وأوراق بحثية عن الهندسات المالية. وفق تحليلنا، هذه المستندات لا توضح أسس اتخاذ القرار بتنفيذ هذه الهندسات ولا تدعم أو تسمح بأن يتّخذ المجلس قراره بناءً عليها.
قرارات المجلس المركزي المتعلقة بالهندسات المالية تمنح، بشكل مبطّن، تقديراً غير مقيّد للحاكم لا يظهر توزيع العمليات على المصارف وليس هناك تدقيق في الأمر. لم نلحظ متابعة كافية من المجلس لهذه العمليات بما يتيح فهم، أو التدقيق، في هذا التقدير الممنوح للحاكم. برأينا، فشل المجلس المركزي قياساً على معايير الحوكمة المفترض اتّباعها في الممارسات الدولية للمصارف المركزية. ولاحظنا أيضاً نقصاً في الحوكمة الجيدة تجاه التدقيق في عمليات السوق المفتوحة المتعلقة بالهندسات المالية. كان يفترض بالمجلس المركزي أن يناقش ويراقب هذه العمليات، لكنه اكتفى بالتفسيرات السريعة وغير الكافية التي قدّمها الحاكم في سياق اتخاذ قراره.
بحسب محاضر المجلس المركزي، نرى أن الحاكم سيطر على النقاشات والقرارات.