لبنان
تجمّع المعلّمين في لبنان يعقد "المنتدى التّربوي الثاني"
عُقد "المنتدى التّربويّ الثاني" تحت عنوان "استمرارية العمليّة التّعليميّة والتربويّة في لبنان: تحدّيات وتجارب"، وذلك برعاية وحضور رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمّد رعد وبدعوة من تجمّع المعلّمين في لبنان.
وشارك في المنتدى النائب إيهاب حمادة، النائب إدغار طرابلسي، مسؤول التّعبئة التربويّة في حزب الله يوسف مرعي، مدير عام وزارة التّربية عماد الأشقر، رئيسة المركز التربويّ للبحوث والإنماء هيام إسحق، مدير التّعليم الثّانوي في وزارة التّربية خالد الفايد، مدير عام مدارس المصطفى محمد سماحة، منسّق اتّحاد المؤسّسات التّربويّة الخاصّة أمين عام المدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر، الأمين العام للمدارس الإنجيليّة نبيل قسطا، ممثّلة المدارس الأرثوذكسية نايلة ضعون، ممثّل جمعية المقاصد أحمد غلاييني، عضو الهيئة الإداريّة لتجمّع الأطباء المسلمين فضل شحيمي.
وحضر ممثلون عن المؤسّسات والمكاتب التّربويّة: مدارس المهدي (عج)، العرفان، أمل التّربويّة، مدارس الإيمان، المكاتب التّربويّة في حركة "أمل" و"الحزب التّقدمي الاشتراكي" وتيار "المردة" و"الجماعة الإسلاميّة" و"الحزب السّوري القومي الاجتماعيّ" والمكتب التّربوي الإسلامي وتيار "الكرامة" وحزب "التّوحيد العربي"، إضافة إلى روابط التّعليم الرّسمي (ثانوي ومهني وأساسي)، وكذلك حضر نقيب المعلّمين في المدارس الخاصّة نعمة محفوض، ممثلون عن مديريات وزارة التّربية، وحشد من مدراء وأساتذة المعاهد والمدارس والثانويات الرسميّة والخاصّة الأكاديميّة والمهنيّة والفنّيّة.
وتحدّث النائب رعد، موجّهًا تحيّة إلى تجمّع المعلّمين لعقد هذا المنتدى التّربويّ ولتخصيصه من أجل عرض تجارب في مواجهة تلك التّحدّيات.
وذكر من هذه التحديات:
- غياب الخطّة الاستدراكيّة التّربويّة والتّعليميّة، الطّارئة والشّاملة.
- نضوب الموارد المالية الدّاعمة لتطوير البرامج وتحديث الإدارة.
- التّحدّي الأخلاقي الّذي يمسّ الهويّة الوطنيّة ويخدش مفاهيم بيئتنا وثقافتها.
- الخذلان الرّسمي المتزايد للجامعة اللّبنانيّة وللقطاع الرّسمي عمومًا.
- تهميش ثقافة الوفاق الوطني وإبعادها عن مناهج التّعليم، وإهمال التّربيّة الوفاقية.
- توسّع مساحة الفاقد التّعليميّ مع احتدام الأزمة الاقتصاديّة.
- تراجع مستوى جودة التّعليم.
- الكلفة المرتفعة لإجراءات النازحين السّوريّين، والجهات المانحة لا توفّر إلّا الجزء اليسير منها، فيما تتحمّل الخزينة اللّبنانيّة والمواطن اللّبناني العبء الأكبر.
ورأى النائب رعد أنّ "هذه التّحدّيات تحتاج إلى حكومة تدرك أهميّة العمليّة التّربويّة والتّعليميّة وضرورة استمرارها وتطويرها على الدّوام، وتتبنّى وضع ومتابعة تنفيذ خطّة تربويّة وتعليميّة شاملة وطارئة ووطنيّة واقعيّة وواعدة؛ كما تحتاج هذه التّحدّيات إلى تعاون مُحكَم ومتواصل بين الحكومة ووزارة التربيّة والتّعليم، وبين لجنة التربيّة والتّعليم النيابيّة"، وختم كلمته بوضع كلّ إمكانيات كتلة "الوفاء للمقاومة" في تصرّف ما تتوصّل إليه توصيات المنتدى ومقرّراته.
بدوره، تحدّث عضو لجنة التّربية النّيابية إيهاب حمادة عن "تحدّيات الإدارة التّربويّة لاستمراريّة العمليّة التعليميّة وانطلاقتها في القطاع الرسمي"، معتبرًا أنّ "لا نهوض للتّعليم في ظلّ الانقسام حول جدوى التّعليم الرّسميّ، فيما الواقع التّعليمي غير مُدرَج على أجندة الحكومة، ولن ينهض أيّ تعليم إذا تحوّل معلّموه لاستجداء الرغيف والاستشفاء والدّواء، وبغياب الهويّة الوطنيّة".
وشدّد على أنّ "لا تعليم لغير اللّبنانيّين قبل تعليم أبناء اللّبنانيّين"، وعدّد جملة من التّحدّيات تتّصل بغياب الرّؤية التّربويّة لدى المعنيّين في ظلّ الانهيار الاقتصاديّ والنّقديّ، وأثره على التّعليم وضعف مناعة النّظام التّربويّ اللّبنانيّ بوجه الأزمات وتكلفة التّعليم الخاصّ، وواقع التّعليم المهني وصولاً إلى تغليب الهويّة الوطنيّة اللّبنانيّة.
من جهته، أشار رئيس تجمّع المعلّمين في لبنان يوسف كنعان إلى أنّ "الهدف من هذا المنتدى هو تناول الواقع الحقيقيّ لاستمراريّة العمليّة التّعليميّة والتّربويّة في العام المقبل، والتّحدّيات التي تواجهه وكيفيّة التّعاطي معها، والإفادة من التّجارب الواقعيّة التي يمكن تعميمها في القطاع التّعليميّ الواحد أو ما بين القطاعات".
ودعا إلى العمل على إيجاد حلول محلّيّة مستدامة في ظلّ الانهيار المتسارع الّذي تشهده مؤسّسات الدّولة، وتوقّف عند التّعويل الرّسميّ المستسهل على الجهات المانحة التي تُعطي بشروط على حساب مصالحنا وبقاء مؤسّساتنا التّربويّة، وتستورد القيم الملتبسة الّتي تدمّر المجتمعات.
وبعد الافتتاح، انطلق المنتدى بجلستين متعاقبتين في محاور عدّة، الأولى بعنوان استمراريّة العمليّة التّربويّة والتّعليميّة وانطلاقتها: الواقع والتّحديات، أدارتها الدّكتورة هبة حيدر، حيث تحدّث فيها مدير عام وزارة التّربية والتّعليم العالي عماد الأشقر متناولًا خطّة وزارة التّربية في مواجهة تحدّيات انطلاقة العمليّة التّربويّة والتّعليميّة واستمراريّتها.
ولفت الأشقر إلى أنّ "الحمل كبير" ولا سيّما في ظلّ تراجع التّقديمات والمساعدات من الجهات المانحة والمنظّمات الدّولية، موضحًا أنّه منذ تولّيه المديريّة العامّة لم يدخل وزارة التربيّة أي تمويل؛ بل تذهب الأموال إلى المنظّمات غير الحكوميّة، والدعم مقتصر على المدارس التي تضمّ تلامذة سوريين.
وشدّد على أنّه "إذا لم يتعلّم اللّبناني لن يتعلّم السّوري"، و لن يقبلوا ـ كوزارة ـ بدمج التلامذة السّوريين مع التلامذة اللّبنانيين في مدارس قبل الظهر، أمّا في ما يتعلق بخطّة العام الدّراسي المقبل، فأشار الأشقر إلى أنّه لا يمكن أن تضعها وزارة التّربية وحدها، إنّما يضعها كلّ المعنيين والشركاء في التّعليم الرّسمي والخاصّ، لافتًا إلى أنّ وزير التّربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي سيطلق قريبًا سلسلة اجتماعات للتّوافق على شكل العام الدّراسي المقبل، وعلى أن يكون هناك تمويل مستقلّ عن الجهات المانحة "اللي مرمطوا قلبنا" لدعم الأساتذة، مشيرًا إلى "التفلّت المخيف" في أقساط المدارس الخاصّة الّتي يجب أن تلجم.
بدوره، تناول عضو لجنة التّربية النّيابية النائب إدغار طرابلسي موضوع التّوجيه المهني لاختيار مهنة المستقبل الّذي يجب أن يبدأ في المدرسة، كما يجب دمج التّعليم المهني مع التّعليم الأكاديمي في البرامج، ليستكشف التلاميذ قدراتهم الذّاتية وتحديد خياراتهم المهنيّة وتنمية الفكر العمليّ لديهم.
ورأى أنّ غالبية الأهل -ومعهم التربويّون والمعلّمون والقيّمون- غير مقتنعين بالتّعليم المهنيّ، ولا يُرسلون أولادهم إلى المدارس المهنيّة، مشيدًا بتبنّي المركز التّربويّ التّوجيه المهنيّ وتضمينه في الإطار الوطني للمناهج الجديدة، وختم مداخلته بشكر تجمّع المعلّمين لإعطائه فرصة المشاركة في المنتدى التربويّ.
أمّا رئيسة المركز التّربوي للإنماء والبحوث هيام إسحق فتناولت أبرز التّحديات التي تواجه استمرارية المركز التربويّ كمؤسّسة عامّة وتحدّي إنجاز المناهج التّربويّة والتّحضير للامتحانات الرّسميّة وتدريب الأساتذة.
واعتبرت أنّ الهوية الوطنيّة لا تنشأ إلّا من خلال مناهج وطنيّة لبنانيّة، ثمّ استعرضت منسّقة الهيئة الأكاديميّة في المركز التّربويّ الأستاذة رنا عبد الله خطّة المركز وعمله، وما ينشده في موضوع عدم قدرة المتعلّمين على الوصول إلى المدارس، والفقدان التّعلّمي والاستجابة البطيئة لتعويض هذا الفقدان، إلى جانب التّحديات التي واكبت تدريب المعلّمين.
ثمّ كانت كلمة الأمين العام للمدارس الإنجيلية نبيل قسطا حول "تعليم الطلاب النّازحين السّوريين: الأثر والتداعيات"، متناولًا الموضوع بأبعاده الستَّة، منها ما اعتبرها إيجابيّة وأخرى سلبية، فمن البعد الإنسانيّ وحقّ الطلّاب النازحين السوريّين بالتعلّم والبعد التربويّ، إلى التّداعيات السّلبيَّة، منها البعد السياسيّ الدّاخلي، فالخلافات الدّاخليّة حالت دون وضع آليات واضحة حول تعليم السّوريين، وأدّت إلى نجاح المموّلين في فرض أجندتهم.
ولفت إلى أنّ المسؤولين في لبنان يحقّقون بمواقفهم وقراراتهم ذات الصّلة بالنزوح، أَجندةً دوليّةً تبدأ في أميركا ولا تنتهي في أوروبا، وأنّ السياسات الدوليَّة في طريقها إلى الانكشاف. أمّا في البعد الماليّ والتمويليّ فالوضع كارثيّ وينذر بسوء أكبر، وختم في البعد الديموغرافيّ، وهو الأشدّ خطورةً لوجود شعب سوريّ يوازي النّصف المقيم من اللّبنانيّين.
وبعد ذلك عدّد ممثّل جمعية المقاصد أحمد غلاييني التّحدّيات المشتركة التي يمرّ فيها القطاع الخاصّ، وتأثيره على استمراريّة العمليّة التّعليميّة وانطلاقتها، واقترح تحويل التّحديات إلى فرص لتحسين جودة التّعليم وتطويره، رافضًا خصخصة القطاع العام، معتبرًا أنّ المدارس الخاصّة والرسميّة في المعاناة نفسها.
واختتمت الجلسة الأولى بكلمة لعضو الهيئة الإداريّة لتجمّع الأطباء المسلّمين فضل شحيمي عن "تحدّيات الصّحة النّفسيّة المدرسيّة للمتعلّمين والمعلّمين"، متحدّثًا عنها وتأثيرها على الإنتاجيّة التّربوية، داعيًا إلى اعتبارها أولويّة، ثم اقترح عدّة طرق لدعم الصّحة النّفسيّة للمعلّم والطالب.
أمّا الجلسة الثانية الموسومة بـ"تجارب واقعيّة تحاكي التّحدّيات التّربويّة والتّعليمية الحالية"؛ والتي أدارها الأستاذ أسامة ناصر الدين فقد تمحورت حول ثلاثة محاور أساسيّة.
وتحدّث في المحور الأوّل المعنون بـ"تجارب القطاع الخاص في مواجهة التحديات التربوية والتعليميّة" أمين عام المدارس الكاثولوكية الأب يوسف نصر الذي وجّه مجموعة من الأسئلة حول واقع التعليم وآلياته، ومن هو المسؤول وعلى من تقع مسؤولية التقصير؟، ووضع هذه التّساؤلات برسم المسؤولين اللّبنانين.
ثمّ توالى على الكلام ممثلو المؤسّسات التّربوية والمدارس: المصطفى، المهدي، العرفان، المبرات، مؤسّسات أمل التّربويّة، تبعهم ممثلو روابط المعلّمين، ومديرو الثانويات، والمدارس الرسميّة ونقابة المعلّمين في الخاصّ وممثلو بلديات، حيث قدّم الجميع التّجارب الّتي قاموا بها، وعرضوا المقاربات التي تمّ اعتمادها لضمان استمراريّة جودة التّعليم، وأسهمت في استمرارية العمليّة التّعليميّة والتّربويّة، إضافة إلى المتغيّرات والمستجدّات وإدارة التّحدّيات ومخرجاته، للتخفيف من وطأة الأزمات وتداعيّاتها.
واختتم المنتدى بشكر وجّهه يوسف كنعان إلى جميع المشاركين، مقدّرًا المناقشة الجديّة والمسؤولة التي تحلّوا بها لقضيّة تربويّة وطنيّة بامتياز، وواعدًا برفع ما ورد من مقترحات وتوصيات إلى الجهات الرّسميّة الإداريّة والتّشريعيّة للقيام بواجباتها الوطنيّة، مؤكّدًا أنّ تنظيم المنتدى التّربوي الثاني في ظلّ التّحدّيات التي تعصف بالبلاد جاء كمبادرة طيّبة لتشابك الأيدي لإنقاذه ونشر الخير فيه، ولْنكنِ المبادرين والمعنيين في ابتكار حلول تناسب واقعنا المعاش وتتفاعل مع التحدّيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتّربويّة القائمة.