لبنان
نواب حاكم "المركزي" نحو الاستقالة.. وانتظار عودة لودريان
على مرمى أيام من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تزداد التكهنات حول ما ستؤول إليه الأمور على الصعيد الرسمي، حيث بات من شبه المؤكد ذهاب نواب حاكم "المركزي" نحو تقديم استقالتهم الجماعية مطلع الأسبوع القادم، وسط تساؤلات وتكهنات لما سيكون عليه المشهد المالي في ظل فراغ هذا المنصب الحساس.
في ملف رئاسة الجمهورية، لا جديد يذكر سوى انتظار وترقب لعودة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، والذي قد يعود الأسبوع المقبل حاملًا في جعبته ما رشح من مقررات الاجتماع الخماسي في قطر الأسبوع الماضي، لا سيما التلويح بإجراءات ضدّ الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا الملف.
"الأخبار": نواب الحاكم إلى الاستقالة
خلال أيامٍ قليلة، قد ينقلِب المشهد رأساً على عقِب. كل المؤشرات تفيد بأن تداعيات التصعيد الأخير، منذ لقاء المجموعة الخماسية في الدوحة الإثنين الماضي، لن تتأخر في الظهور تباعاً، فوضى مالية واقتصادية واجتماعية وأمنية، مع اقتراب المواجهة من الساعة الصفر.
صورة شديدة القتامة يرسمها معظم المعنيين للأسابيع والأشهر المقبلة، بعد انتهاء شهور «الهدنة» الاضطرارية التي فرضتها المبادرة الفرنسية، وبعدما طوى لقاء الدوحة صفحة الدور الفرنسي، إيذاناً بجولة جديدة من إدارة الأزمة.
ويتزامن ذلك مع محطة حساسة تتمثل في انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (نهاية الشهر الجاري) بعد ثلاثين عاماً من إحكام قبضته على عالم المال، ورفض نوابه الأربعة تولّي المسؤولية من بعده، ما يضع مصير الوضع النقدي على المحكّ. وأقل التقديرات: تحليق جديد للدولار مع ما يستجلبه من مزيد من التضخم وأزمات معيشية وتوترات متنقّلة في الشارع.
هذه ليست مجرد تقديرات، وإنما وفق مصادر مطّلعة، «نتيجة طبيعية» للتطورات الأخيرة المتعلقة بملفين أساسيين: الرئاسة وحاكمية مصرف لبنان.
ففي اليومين الماضيين، سقطت كل المحاولات الحثيثة (والمتواصلة حتى الآن) لإبقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في منصبه، بالتمديد أو التجديد. كما سقطت كل محاولات نواب الحاكم الأربعة (وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وإلكسندر موراديان) لانتزاع «مشروعية» من مجلس النواب عبر طلب إقرار عدد من القوانين مثل موازنة 2024 وكابيتال كونترول، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وحماية المودعين وقوانين مالية أخرى. كذلك فشلت محاولاتهم للحصول على غطاء لاستكمال «بهلوانيات» سلامة المصرفية والنقدية، ما جعلهم أكثر تردداً في قبول المهمة. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن النواب الأربعة يتجهون إلى الاستقالة الجماعية الثلاثاء المقبل (في حال لم يطرأ أي تطور)، فيما أشارت مصادر مطّلعة إلى أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال يعارض تسلّم النائب الأول وسيم منصوري دفة الحاكمية، خوفاً من انفجار الوضع وتحميل المسؤولية للثنائي الشيعي». ولفتت إلى أن «النواب الأربعة سيستمرون في عملهم بعدَ الاستقالة لأن الحكومة ستطلب منهم ذلك تحت عنوان تسيير المرفق العام إلى حين تعيين حاكم مصرف جديد، إلا أن هذا الإجراء سيخفّف عنهم المسؤولية بحسب ما يقولون».
أما سياسياً، وفيما تقاطعت المعطيات التي توافرت عن اجتماع الخماسية في الدوحة عند «وجود نية للانتقال إلى مرحلة جديدة في التعامل مع الملف اللبناني»، كشفت أوساط سياسية أن «المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان سيصل إلى بيروت الثلاثاء أو الأربعاء المقبل من دون معرفة ما الذي يحمله من معطيات». وكشفت المصادر أن «القطريين سبقوا لودريان إلى بيروت، وبدأوا حراكاً موازياً، لكن مع هامش أكبر من الحراك الفرنسي»، مشيرة إلى أن «مسؤولين قطريين التقوا ببعض القوى السياسية من بينها نواب الاعتدال ومع مسؤولين من الثنائي». وأكّد أكثر من مصدر أن «القطريين نقلوا تقديراتهم بانتهاء المبادرة الفرنسية بعدَ الاجتماع الخماسي، وأن موضوع الحوار هو فكرة فرنسية، قد يحصل الحوار برعاية فرنسية لكن لا غطاء غربياً أو دولياً له». وكان لافتاً أن «القطريين لم ينقلوا جواً واحداً، فهم تناولوا اسم قائد الجيش جوزف عون مع بعض من التقوهم، وبحثوا معهم إمكانية وصوله إلى بعبدا وما إذا كانت المرحلة تسمح بتسويقه. لكنهم عمدوا مع قوى أخرى إلى نفي وجود مرشح للخماسية، مؤكدين أنهم لن يكرروا خطأ الفرنسيين في طرح الأسماء وحرقها».
واعتبرت مصادر مطّلعة أن «ما يقوم به القطريون حالياً يؤكد أن ثمة قراراً خارجياً بتقويض الدور الفرنسي وضرب مبادرة باريس، واستبدال الأخيرة بالدوحة. وستتبيّن في المرحلة المقبلة حقيقة الدور الموكل إليها».
ولا ينفصل التصعيد المستجدّ في الملف الرئاسي اللبناني عن المناخات الخارجية التي سادت في المرحلة الأخيرة والمعاكسة لأجواء التقارب والتصالح بين القوى الإقليمية، خصوصاً تلك المؤثّرة في المشهد اللبناني، لناحية التشدّد الأميركي في منع أي تأثير إيجابي للتقارب السعودي - الإيراني على ساحات سوريا واليمن ولبنان. وفي هذا الإطار، تقول المصادر إنّ «التصعيد الأخير الذي حمله بيان الخماسية الدولية، وأيضاً بيان البرلمان الأوروبي، يأتي في السياق الأميركي المتشدّد ذاته». وعليه، ترى المصادر أنّ «تحييد المسعى الفرنسي، وتقدّم الرؤية الأميركية للرئاسة اللبنانية، ومعها الرغبة السعودية، كلّ ذلك يمكن اعتباره محاولة جديدة للاستفادة من هذه المناخات لحلّ المعضلة الرئاسية على نحو يعطي للطرف المناوئ لحزب الله في لبنان انتصاراً رئاسياً يستكمل المشهد الذي لم يكتمل في الانتحابات النيابية الأخيرة»، وهذا «يُفسّر مسارعة القوات اللبنانية إلى رفض الحوار الداخلي ومجاهرة رئيسها سمير جعجع بأنّ الهدف هو هزيمة حزب الله في هذا الملف، الذي تمّ حصر الأحقية في البتّ فيه بالأطراف المسيحية وتصويره على أنه استحقاق مسيحي بالدرجة الأولى».
وحذّرت المصادر من أنّ «الخطأ الذي قد ترتكبه أطراف الخُماسية هو إذا ما اعتقدت أنّ الموقف الداخلي الرافض للحلول المفروضة رغماً عن رؤيته، ضعيف أو قاصر، فالتجارب، خصوصاً الرئاسية منها، تقول إنّ الداخل هو الحجرُ الأساسُ في الانفراجات أو التسويات الخارجية، وإنّ تجاوز فريق داخلي لن يؤدي إلى حلّ، حتى لو كان هذا الحلّ مدعوماً أميركياً أو سعودياً». ولفتت المصادر إلى أن «هذا لا يعني أن الفريق الداعم لسليمان فرنجية لديه مشكلة مع قائد الجيش، لكن عدم وجود مشكلة مع العماد عون لا يعني أن يكون رئيساً للجمهورية».
من جهة أخرى، أفادت معلومات بأن السفيرة السويدية في بيروت، آن ديسمور، قرّرت مغادرة لبنان بعدما عزّزت السلطات الأمنية اللبنانية الإجراءات في محيط السفارة السويدية في بيروت. وتأتي هذه الخطوة، بعدما دعا الأمين العام لحزب الله، في كلمة له أول من أمس «الشعوب العربية والإسلامية إلى مطالبة حكوماتها بسحب سفرائها من السويد وطرد سفراء السويد من بلدانها»، فيما تردّد أن وزارة «الخارجية» اللبنانية استدعت السفيرة حيث تم إبلاغها بأنه «من الأفضل لها المغادرة».
"البناء": بدء العد التنازليّ للأيام العشرة قبل الاستحقاق الغامض في لبنان
يبدأ الاثنين العد التنازلي للأسبوع الأخير لوضع مصرف لبنان الذي عرفه اللبنانيون مع الحاكم رياض سلامة خلال ثلاثين عاماً، توهّموا خلالها أنه صانع الاستقرار والازدهار، قبل أن يكتشفوا فجأة أنه وضع اليد على ودائعهم وتصرف بها دون موافقتهم وعلمهم وبددها على تثبيت سعر الصرف، لتثبيت الصيغة السياسية التي منحته موقع الدولة العميقة المتحكمة برسم السياسات على إيقاع ما يسميه بالضرورات المالية، ومدخلها ارتهان لبنان مالياً للقرار الغربي والأميركي تحديداً. وقد نجح سلامة بجعل خروجه خطراً داهماً بعيون اللبنانيين، مع حملات مبرمجة لدب الذعر في الأسواق المالية حول مستقبل سعر الصرف، بظل وجود حكومة تريد التمديد لولايته ولو مستقيلاً تحت عنوان تصريف أعمال، ونواب عُيّنوا ليخلفوه مع انتهاء ولايته يعلنون أنهم غير جاهزين لفعل ذلك إلا بشروط يعلمون استحالة تحقيقها في ظل الفراغ الرئاسي الذي لو لم يكن موجوداً لما كان ثمة حاجة لتوليهم صلاحيات الحاكم، في ظل إمكانية تعيين حاكم أصيل جديد.
مصادر سياسية متابعة لفتها التزامن في العدّ التنازلي لمحطة فاصلة في الأزمات، في لبنان وكيان الاحتلال، الذي يدخل مع أول آب المقبل مرحلة جديدة ببدء عطلة الكنيست والسعي المحموم لإنهاء التعديلات على النظام القضائي قبل حلولها، بينما تتصاعد الاحتجاجات وتنتقل الى الجيش وسلاح الطيران خصوصاً، الذي أعلن أكثر من ألف من الطيارين والتقنيين فيه رفضهم الانضمام إلى الخدمة، في ظل تلويح بالعصيان المدني من قبل قادة المعارضة، وسعي أميركي لاستثمار الربع الأخير من الساعة للتوصل الى تسوية، سوف لم تنهِ الانقسام في حال حدوثها، بل تنقل القوى من ضفة الى أخرى، إذا تلاقى نتنياهو مع المعارضة على حكومة موحّدة دون قوى اليمين المتشدد، التي ستجد في الشارع ملاذاً بديلاً لها.
وبينما تبدو أزمة الكيان وجودية مستعصية على الحل بسبب كونها نتاجاً لتراجع القوة العسكرية والعجز عن خوض الحروب، والفشل المتلاحق في المواجهات مع قوى المقاومة، وصولاً الى مشهد جنين الملحمي، تبدو أزمة لبنان مبرمجة لفرض موازين قوى موازية لتعطيل صعود المقاومة، التي شكلت الرقم الصعب في عناصر قوة لبنان في العقدين الأخيرين، من تحرير الجنوب إلى استعادة الثروة البحرية، ويبدو التلاعب بعناصر التوازن الطائفي والضغط المالي ومن ضمنه التلاعب بسعر الصرف، والتلويح بالعقوبات وتعطيل أي حل لملف النازحين السوريين، ضمن سيناريو واحد يهدف لفرض رئيس للجمهورية يعاكس ما تستحقه المقاومة، برئيس يطمئنها، وهي التي تواضعت في كل طلباتها السياسية ورفضت أي تعديل في الحصص الطائفيّة في النظام السياسي، وتمسّكت بالحفاظ على قوتها بوجه كيان الاحتلال فقط، حيث يبدو الوضع الحدوديّ حقيقة ثابتة، بما يشهده من توتر يؤكد أن الحق اللبناني المنسيّ والمهمل من أغلب القوى السياسية، معرّض للضياع لولا حقيقة قوة وحيدة تمثلها المقاومة، ربما تكون على موعد مع مواجهات يستدعيها انتزاع هذا الحق السليب أسوة بما جرى في ملف ثروات النفط والغاز في الحدود البحرية.
وأشارت مصادر «البناء» إلى أن المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يصل بيروت مطلع الأسبوع المقبل لنقل نتائج اجتماع اللقاء الخماسي في باريس الى المسؤولين اللبنانيين، علماً أن لودريان أجرى سلسلة مشاورات خلال جولته على قطر والسعودية.
وقبيل انتقاله الى بيروت أطلع لودريان الرئيس ايمانويل ماكرون ووزيرة الخارجية كاترين كولونا على حصيلة مشاوراته، وآلية العمل المفترض اتباعها لمحاولة حل أزمة لبنان.
وعلمت «البناء» أن المبادرة الفرنسية لم تسقط بل تعرّضت لنكسة وسيجري لودريان تعديلات عليها ويضيف إليها اقتراحات جديدة من ضمنها خيار الوزير السابق سليمان فرنجية وخيار المرشح الثالث ومرشحون آخرون محتملون يمكن أن يشكلوا نقطة تلاقٍ بين الأطراف كافة.
وإذ رأت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن بيان اللقاء الخماسي كان محاولة التفافية على المبادرة الفرنسية لجس نبض الأطراف بخيار المرشح الثالث تحت ضغط التهديد ومزيد من الحصار واستحضار عناوين التصعيد والحرب مثل تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسلاح المقاومة والتلويح بفرض عقوبات جديدة على جهات سياسية معينة دون غيرها، والتهديد بتمديد الحصار الاقتصادي والمالي وضرب الأمن الداخلي.
وإذ أكدت مصادر مقربة من فريق المقاومة لـ»البناء» أن هذا البيان وغيره وكل التهديدات التي تضمنته لن تدفع المقاومة إلى التراجع عن خياراتها السياسية ولن تنجح بليّ ذراع المقاومة، وصف رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك البيان الخماسي بـ»أفكار أميركية بصياغة خماسية، حيث لا يبتغى من وراء ذلك إلا فرض أوصياء يتجاوزون حواراً وطنياً لبنانياً، لأن وراء الأكمة ما وراءها».
وشدّد السفير السعودي في لبنان وليد بخاري بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى على أن «السعودية حريصة على لبنان وشعبه كحرصها على المملكة العربية السعودية وشعبها الذي يكنّ كل محبة واحترام للبنانيين الذين تربطهم به علاقات تاريخية أخوية مميزة». وأوضح المكتب الإعلامي في دار الفتوى انه «تم التأكيد خلال اللقاء على الدور المميّز الذي تقوم به اللجنة الخماسية للتوصل الى قواسم مشتركة لمساعدة اللبنانيين وإيجاد الوسائل والحلول الناجعة لانتخاب رئيس للجمهورية، وأن اللبنانيين هم أسرة واحدة إسلامية مسيحية في عيشهم المشترك وحفاظهم على اتفاق الطائف وتحصينه وتنفيذ كامل بنوده والبديل عنه هو المجهول، وهذا يتطلب مزيداً من الحكمة والوعي والتعاون والتضامن والتفاهم حول كيفية اتجاه البوصلة اللبنانية التي هي مكان انتظار الدول الشقيقة والصديقة، وهو ما ينبغي العمل عليه في أسرع وقت ممكن لكي ينهض لبنان من كبوته بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وتنفيذ الإصلاحات ليعمّ الاستقرار والازدهار من جديد. وهذه القضايا تقع على عاتق المسؤولين اللبنانيين الذين عليهم أن يحسموا خيارهم ويوحدوا صفوفهم للخروج مما هم فيه ليتمكّن الأشقاء والأصدقاء من الوقوف مع لبنان ليبقى كعهدنا به سيداً حراً عربياً مستقلاً».
وجددت أوساط الثنائي الشيعي لـ»البناء» تمسّكها بفرنجية كمرشحٍ جدي يملك جبهة نيابية وازنة وقوى سياسية لها وجودها وحجمها السياسي الكبير في البلد ولا يمكن تجاوزها، مشيرة الى أن «الثنائي» «غير معني بما يرمى في الإعلام من طروحات وخيارات تشكل امتداداً للسياسات الماضية بفرض إملاءات وشروط خارجية».
وعن خيار ترشيح قائد الجيش ردت الأوساط مؤكدة بأنه «لم يطرح علينا الخيار ولم نناقشه ولم يسقط خيار فرنجية لكي ننتقل الى خيارات أخرى رغم انفتاحنا على خيارات أخرى، لكن فليقل لنا معارضو انتخاب فرنجية ما هي أسباب رفضه وهل هي مقنعة ومن هو البديل وما هي مواصفاته؟ وحذرت من سيناريو نقدي اقتصادي ومالي لخلق واقع اجتماعي يمهّد للتفجير الأمني يكون ذريعة لفرض خيار قائد الجيش لرئاسة الجمهورية تحت العنوان الأمني. مشيرة الى أنه لا يفكر أحد بانتخاب رئيس للجمهورية من دون فريق المقاومة وحلفائها خصوصاً في ظل موازين القوى الجديدة لتي أفرزتها الحروب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية خلال العقد الماضي.
ولفتت الأوساط الى أن «بيان اللقاء الخماسي مشروع حرب سياسية اقتصادية جديدة على لبنان لتوتير الساحة الداخلية، ربما على ساعة نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان وأزمة انتقال الصلاحيات الى نواب الحاكم الذين يهددون بالاستقالة ويرفضون الاستمرار بالتعاميم المصرفية الماضية بالتزامن مع تحريك التوتر بين المودعين والمصارف التي تتوجّه الى الإقفال التام قريباً مع احتمال وقف منصة صيرفة تدريجياً، ما سيرفع سعر صرف الدولار الى رقم قياسيّ لا يستبعد الخبراء الاقتصاديون أن يصل الى 200 ألف ليرة وربما أكثر خلال الأشهر المقبلة اذا ما استمرت الأزمة السياسية والفراغ الرئاسي».
ووفق معلومات «البناء» فإن الخيار المرجح في استحقاق حاكمية مصرف لبنان هو تقديم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري والنواب الآخرين استقالتهم للحكومة وترفضها الأخيرة ويبقون في منصبهم لتصريف الأعمال، ويعزز هذا الخيار فشل التفاوض بين نواب الحاكم ولجنة الإدارة والعدل التي لم توافق على خطة نواب الحاكم في ظل صعوبة إقرارها بسبب الخلاف على تشريع الضرورة ورفض قوى سياسية وكتل نيابية التشريع في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية، ولفتت المعلومات الى أن الرهان على الأسبوع المقبل للتوصل الى حل بين نواب الحاكم من جهة ومجلس النواب والحكومة من جهة ثانية، لكن المعلومات تستبعد التوصل الى حل خلال الفترة القصيرة التي تسبق نهاية ولاية الحاكم.
كما كشفت مصادر المعلومات عن مخطط بين الحاكم ونوابه لفرض التمديد الإداري لسلامة لعام تحت ضغط وقف نواب الحاكم تطبيق التعاميم المصرفية التي كان يفرضها سلامة لا سيما منصة صيرفة، ما سيؤدي الى انفلات الوضع النقدي وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني.
"الجمهورية": لا حوار ولا انفراج... لودريان إنْ حضر: جعبة فارغة
أزمة الرئاسة في لبنان ما زالت في المربّع الأول الذي دخلت فيه مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل نحو 9 أشهر، وليس ما يؤشّر حتى الآن، إلى خروجها منه في المدى المنظور.
وإذا كان الحلّ الرئاسي مفقوداً في الداخل، فإنّه منعدم كلّياً من الخارج، والحراكات العربيّة والدوليّة التي تحصل بين الحين والآخر، تارة في فرنسا، وتارة في الدوحة، وكذلك الزيارات الاستطلاعية الى بيروت، فإنّ القاسم المشترك بينها هو انّها جميعها بلا بركة، ولم تتمكّن من دفع الأزمة الرئاسيّة ولو خطوة واحدة خارج مربّع التعطيل.
الخماسية؛ الاميركيّة - السعوديّة - الفرنسيّة - القطريّة - الفرنسيّة، وفي سياق ما قالت انّه تعبير عن تعاطيها الجدّي مع الملف الرئاسي اللبناني، اجتمعت في الدوحة الاثنين الماضي، وخرجت ببيان فضفاض تقاطعت القراءات لمضمونه على انّه لم يرق إلى مستوى الآمال التي عُلّقت على اجتماع «الخماسيّة» قبل انعقاده، وقاربته كمحطة تذخيريّة لمهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت بما يجعلها تأسيسية لانفراج رئاسي.
بيان مستعمل
في الشكل، بدا البيان عالي النبرة، انما في مضمونه جاء مستنسخاً بكل تفاصيله عن بيانات سابقة، ولعلّ عودة لعشرة أشهر الى الوراء، تؤكّد انّ بيان «خماسية الدوحة»، هو «بيان مستعمل»، حيث انّ مضمونه بحرفيته ورد في بيان وزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية الذي اصدروه بعد اجتماعهم في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول من العام الماضي. وكذلك في سلسلة المواقف الغربية وبيانات الاتحاد الاوروبي تحديداً التي اعتمدت منطق الترغيب بمساعدات والترهيب بعقوبات على معطلّي انتخاب رئيس الجمهورية.
هذا البيان المكرّر، الذي يبدو انّه أقصى ما يمكن أن يُقدّم للبنان في هذه المرحلة، أكّد بما لا يقبل ادنى شك، انّ المقاربة الدولية للملف الرئاسي لم تتبدّل عمّا كانت عليه قبل عشرة اشهر، ولم تتسم بعد بالجدّية الحقيقية والفعلية، التي من شأنها ان تؤسس لنقلة نوعية في الملف الرئاسي في الاتجاه الذي يُسرّع في انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان. وضمن هذا السياق، جاء اجتماع «خماسية الدوحة»، ليؤكّد أنّ هذه «الخماسية» برغم «الهالة» التي احاطت نفسها بها، لا تملك مشروعاً لحلّ لبناني، او حتى عناوين عريضة لمسودة خطة عملية لبلورة انفراج على الخط الرئاسي. وبالتالي بدل ان تتقدّم بهذا الملف إلى الأمام، أعادته خطوات الى الوراء.
هل سيعود لودريان؟
تبعاً لذلك، فإنّ أقصى ما نتج من «خماسية الدوحة» هو استهلاك للوقت لا أكثر، والمراوحة في مربّع حراكها من بعيد، وإلقاء كرة الحسم الرئاسي في الملعب اللبناني، ما يؤكّد بما لا يرقى اليه الشك انّ اجتماعها كان فاشلاً بكلّ المعايير، وهذا الفشل يلقي على سطح المشهد اللبناني السؤال التالي: تحت ايّ عنوان ستندرج مهمّة لودريان، إن حضر الى بيروت في الموعد المحدّد في الرابع والعشرين من الشهر الجاري؟ وهل انّ الموفد الرئاسي الفرنسي سيحضر الى بيروت في زيارة جديدة، ام انّه سيعدّل برنامجه ويؤجّل هذه الزيارة او يلغيها؟
مصادر متابعة لمهمّة لودريان تقول لـ«الجمهورية»، إن «لا شيء مؤكّداً حتى الآن، فالموفد الفرنسي يفترض ان يعود الى بيروت في 24 تموز الجاري، (اي بعد يومين)، ولا نستطيع ان نؤكّد انّ هذا الموعد ثابت، ذلك انّ لودريان عدّل برنامجه بعد مشاركته في اجتماع الخماسية، الذي لم يكن أعضاؤها على قرار وموقف واحد من الملف الرئاسي، وقررّ ان يقوم بجولة اتصالات مباشرة مع كلّ طرف من اطراف الخماسية على حدة، لعلّه يتمكن من بناء ما سمّاه تصوّراً لحل ما، يأتي به الى لبنان، وخصوصاً انّ الحوار اللبناني حول رئاسة الجمهورية، الذي قال انّه سيطلقه في زيارته الثانية، بات فكرة ضعيفة جداً، لعدم جدواه بين أطراف حسمت مواقفها سلفاً برفض الحوار وعدم التوافق».
أيّ حوار منتظر؟
وفي الموضوع نفسه، قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»: «قبل السؤال عن اطلاق الحوار، ينبغي السؤال عمّن يريد الحوار الآن، بالتأكيد أن لا احد يريده، لا ثنائياً ولا جامعاً، اوّلاً لعقم السياسة في لبنان، وثانياً لأنّه لن يؤدي إلى أيّ نتيجة، وبالتالي فكرة الحوار ساقطة سلفاً، وتبعاً لذلك من المستبعد ان يكون لودريان قادراً على اطلاق او إنضاح حوار لبناني، ليست العقدة فقط انّ الداخل اللبناني متهرّب من هذا الحوار، بل انّ «الخماسية» نفسها لا يبدو انّها مشجعة لهذا الحوار او متحمّسة له، والدليل واضح للعيان في بيانها الاخير الذي لم يلحظ اي اشارة من قريب او بعيد الى هذا الحوار».
في هذه الحالة يبرز السؤال التالي: على ايّ أساس ستقوم مهمّة لودريان في زيارته الثانية؟ تجيب المصادر السياسية عينها: «الموفد الرئاسي الفرنسي مكلّف بمهمّة ايجاد مخرج للاستحقاق الرئاسي في لبنان، وإن حضر في زيارة ثانية الى بيروت، فجعبته قد تكون خالية من اي طروحات من شأنها ان تؤدي الى اختراقات نوعية في جدار الأزمة، وتبعاً لذلك فإّن هذه الزيارة قد لا تكون اكثر من زيارة إثبات وجود، للتأكيد على انّ فرنسا مستمرة في السعي الى حل في لبنان لا أكثر ولا أقل، وبالتالي حصول هذه الزيارة او عدمه واحد لا يبدّل في الواقع اللبناني شيئاً».
أين تكمن العقدة؟
تؤكّد مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ مكمن العقدة الرئاسية هو نفسه منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، الأولى في الداخل يعبّر عنها الانقسام الحاد بين المكونات السياسية، الذي يستحيل معه التوافق على رئيس للجمهورية، والثانية في الخارج، وتتبدّى في مقاربات مختلفة، وخصوصاً بين دول «الخماسية»، حيث تتوزّع هذه المقاربات كما يلي:
اولاً، الولايات المتحدة الاميركية، قلباً وقالباً مع وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إلى رئاسة الجمهورية، ويدعون إلى إتمام ذلك بصورة عاجلة، إلّا انّهم لا يقومون بأي خطوات عملية او دافعة في هذا الاتجاه.
ثانياً، القطريّون يشدّون بصورة علنيّة في اتجاه قائد الجيش، ويتناغمون في ذلك مع الأميركيين والمصريين، ويعتبرون انّ اي مسعى للحل، ينبغي ان يصبّ في هذا الهدف.
ثالثاً، المصريّون، منحازون من الأساس الى قائد الجيش، ولديهم مقولة تفيد بأنّ في الحلبة الرئاسية مرشحين جدّيين هما سليمان فرنجية والعماد جوزف عون. ومهمّة السياسيين في لبنان ان يتوافقوا على اي منهما، او بمعنى أدق على الشخصية التي تتمتع بالمستوى الأدنى من المعارضة المسيحية عليها، فإن تمكنوا من التوافق على فرنجية فليكن، وإن لم يتمكنوا من ذلك فقائد الجيش هو الخيار الموجود. وينطلق المصريون في هذا الطرح ما يعتبرونها صعوبة التوافق الداخلي على فرنجية.
رابعاً، السعوديون منخرطون في العنوان العريض للحراك الدولي الذي يؤكّد على إتمام الاستحقاقات الدستورية في لبنان بصورة عاجلة، انما في ما خصّ الترشيحات، فهو منكفئ الى الخطوظ الخلفية، بحيث انّه لا يتبنّى ترشيح أحد، ويبدو انّ هذا هو الخيار النهائي للمملكة العربية السعودية، بانّها ملتزمة بما اعلنته بأن لا فيتو على اي من الاسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، كما انّها لا تفاضل اسماً على آخر، ومن هنا فإنّ المملكة تماشي الاستعجال في اجراء الانتخابات الرئاسية، واما في مجال الأسماء فهي تكتفي بالاستماع للجميع، من دون ان تكون لها شراكة في اي منهم.
خامساً، الفرنسيون، مع خماسية او من دون خماسية، فهم ماضون في مساعيهم حتى بلوغ نقطة انفراج في الملف اللبناني، ولا يبدو انّهم في وارد الانكفاء عن الملف اللبناني، الذي كثفوا فيه حضورهم منذ ما بعد انفجار مرفأ بيروت، ثم انّهم ما كانوا ليطرحوا «معادلة رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة»، كعنوان للدعم الفرنسي لوصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، لو لم يحصلوا على موافقة مسبقة عليها من اللجنة الخماسية. الاّ انّ نقطة الضعف في هذه المعادلة تكمن في انّ باريس لم تتمكن من تسويقها في الداخل اللبناني. وهو الامر الذي شكّل ذريعة لبعض دول الخماسية بالتراجع عن موافقتها على تلك المعادلة. ولكن الفرنسيين، حتى الآن، والكلام للمصادر الواسعة الاطلاع، لم يطووا تلك المعادلة، كما لم يخرجوا من دعمهم لفرنجية، بل هم لا يزالون يعتبرون انّ هذه المعادلة هي الخيار الافضل لحلّ الأزمة الرئاسية في لبنان».
كيف نزيد أصواته؟
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ زيارة لودريان السابقة التي تلت جلسة الفشل الثاني عشر في انتخاب رئيس للجمهورية، عكست في بعض لقاءاته الوقائع التالية:
اوّلاً، شعوراً بالإحباط الفرنسي من النتيجة التي انتهت اليها الجلسة، حيث انّ حصول فرنجية على 51 صوتاً مقابل 59 صوتاً لجهاد أزعور، هي نسبة قليلة جداً، تصعب على باريس تسويق ما كانت بصدد تسويقه قبل تلك الجلسة، اي موافقة الأطراف اللبنانيين على «معادلة رئيس جمهورية مقابل رئيس الحكومة».
ثانياً، انّ باريس تدعم وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية ولكن كيف سنزيد اصواته؟
ثالثاً، الجواب الذي أُبدي حيال هذا الإحباط، حمل ما مفاده اننا نتفهم هذا الاحباط، ولكن لا نرى موجباً له، انتم تقاربون الانتخابات التي جرت في جلسة مجلس النواب الثانية عشرة، من منطلق الديموقراطية التي تعتمدونها في فرنسا، أي ديموقراطية الأقلية والأكثرية، ولذلك نحن مدركون انّ الارقام تعني لكم في ترجمة هذه الديموقراطية، ولكن الامر مختلف هنا في لبنان، حيث انّ ديموقراطيتنا ليست ديموقراطية أكثرية وأقلية، بل هي ديموقراطية توافقية، وبمعنى أدق ديموقراطية توافق طوائف أقوى من لغة الارقام، وهذا التوافق على أساسه تُحتسب النسب، حيث انّه يمكن ان نصل الى نتيجة 1+1= 2، او 1+1= 11. ولذلك انّ ما صدر من نتائج في جلسات الانتخاب كلها لا معنى له، ولا يُبنى عليه. وهذه النتائج التي حصلت، وهذه الاصوات التي نالها هذا او ذاك من المرشحين، مرشحة لأن تنتقل من ضفة الى ضفة اذا ما استدعت الديموقراطية التوافقية ذلك».
ماذا عن العقوبات؟
وإذا كانت بعض القراءات الداخلية، قد اقتطفت من بيان خماسية الدوحة، الفقرة التي تشير الى «انّ الدول الخمس ناقشت في اجتماعها الاثنين الماضي خيارات محدّدة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدّم»، وبناءً على هذه الفقرة تبرّعت بعض المنابر السياسية والاعلامية في تحديد وتسمية المرشحين للعقوبات. الّا انّ مرجعاً سياسياً أبلغ الى «الجمهورية» قوله: «المنطق الفوقي مرفوض كلّياً اياً كان مصدره، ومنطق العقوبات لا يخدم الحل، بل يصعّبه اكثر، ويدفع الاطراف المعنية الى التصلّب في مواقفها اكثر. وبمعنى اوضح، انّ خيار العقوبات إن لجأوا اليه، معناه انّهم قرّروا ان يخربوا لبنان، وهذا ما نخشى منه، وخصوصاً انّ مسلسل العقوبات قد بدأ مع القرار الاوروبي بتوطين النازحين السوريين في لبنان، وعرقلة عودتهم الى بلادهم».