لبنان
سلامة بعهدة القضاء اللبناني.. والعالم يترقب كلام السيد نصرالله اليوم
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم على الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بمناسبة عيد المقاومة والتحرير وما ستحمله من مواقف جديدة بعد المناورة الأخيرة للحزب.
وتناولت الصحف التطور البارز الذي حصل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومثوله أمام القضاء، وكما كان متوقعاً تم سحب جوازي سفر سلامة، اللبناني والفرنسي وأبلغ بمنعه من السفر، بما يحقق ما طلبه سلامة من حجبه عن القضاء الفرنسي، وتكامل الموقف القضائي بحق سلامة مع قرار فصل القاضية غادة عون، وما قررته الحكومة من استحالة عزل سلامة وتمكينه من البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته على الأقل.
كما لفتت الصحف الى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري بدعوته الى الحوار والتوافق، وحديثه عن مواصفات الرئيس المنشود وما يتصل بتطبيق إصلاحات الطائف ومنها اللامركزية الإدارية الموسّعة.
"البناء": القضاء يحجب سلامة عن القضاء الفرنسي ويمنعه من السفر… والحكومة تبقيه حتى نهاية ولايته
الحدث اليوم هو عيد المقاومة والتحرير مع إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفي الخلفية توتر متصاعد في الخطاب الإسرائيلي وصولاً للتهديد المباشر للبنان والمقاومة على ألسنة قادة الجيش والحكومة. وهي تهديدات تنقلت وتبدلت لكنها لم تتوقف منذ مناورة المقاومة يوم الأحد الماضي تحت عنوان العبور إلى الداخل الفلسطيني في أي مواجهة مقبلة، ومثلما ينتظر المحتفلون بالتحرير كلام السيد نصرالله ينتظره العالم وقادة الكيان والرأي العام في الكيان، لترتسم معادلة الأيام المقبلة.
بمناسبة عيد المقاومة والتحرير توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى اللبنانيين مهنئاً ومتحدثاً عن الاستحقاق الرئاسي داعياً للحوار والتوافق، مشيراً الى مواصفات الرئيس المنشود، مضيفاً للمرة الأولى ما يتصل بتطبيق إصلاحات الطائف ومنها اللامركزية الإدارية الموسّعة. وهو ما رأت فيه مصادر نيابية فتحاً لباب الحوار مع التيار الوطني الحر، في ضوء فشل مساعي ضم التيار الوطني الحر الى صفوف المعارضة الساعية لمرشح تحدّ ينافس المرشح سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حركة أمل وحزب الله، خصوصاً بعد الكلام الصادر عن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن استحالة التفاهم بين التيار والقوات، وكلام النائب ألان عون عن التمسك بمرشح يوافق عليه ثنائي حركة أمل وحزب الله، وتأكيد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن السعي للتوافق وعدم تبني خيار مواجهة أو تحدٍّ في الانتخابات الرئاسية.
في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان التطور البارز مثوله أمام القضاء، بعدما أبلغ القضاء اللبناني الى القضاء الفرنسي أنه لم يعثر على سلامة لإبلاغه مذكرة الاستدعاء للحضور أمام القضاء الفرنسي، وكما كان متوقعاً تم سحب جوازي سفر سلامة، اللبناني والفرنسي وأبلغ بمنعه من السفر، بما يحقق ما طلبه سلامة من حجبه عن القضاء الفرنسي، وتكامل الموقف القضائي بحق سلامة مع قرار فصل القاضية غادة عون، وما قررته الحكومة من استحالة عزل سلامة وتمكينه من البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته على الأقل!
وضع القضاء اللبناني يده على ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقد مثل أمام قاضٍ لبناني للمرة الأولى، وعلمت «البناء» أن مساراً قضائياً لبنانياً موازياً قد فتح بموازاة المسار القضائي الأوروبي وهناك قرار سياسي – قضائي باسترداد ملف سلامة من القضاء الفرنسي ووضع يده على تفاصيله.
وأشارت أوساط مطلعة لـ»البناء» الى أن القضاء اللبناني وضع الملف في عهدته انطلاقاً من المعاهدات الدولية، وحتى لو تم توقيف سلامة في إحدى الدول الأوروبية فيعود للقضاء اللبناني استرداده الى لبنان ومحاكمته وفق الأصول القانونية اللبنانية.
ولفتت الأوساط أن الاجتماع الوزاري التشاوري في السرايا الحكومية «لم يخرج بحل أو مخرج في قضية الحاكم، بل انقسم الوزراء على مقاربته، لكن لم يطرح أحد مسألة إقالة سلامة بشكل جدي لغياب التوافق على ذلك وعدم توافر ثلثي مجلس الوزراء والعجز عن الاتفاق على بديل، فإذا حصلت الإقالة فيجب إجراء التعيين في الجلسة نفسها، إذ لا يمكن ترك منصب الحاكمية للفراغ ما يؤثر على استقرار الأوضاع الاقتصادية والنقدية ويزيد من وطأة الانهيار، لكون مصرف لبنان على تماس مع كافة مفاصل الدولة المالية والاقتصادية والاجتماعية»، كاشفة عن قرار «باستمرار الحاكم في ولايته حتى نهايتها وبعدها يصار الى تطبيق قانون النقد والتسليف الذي ينص بوضوح على تسلّم النائب الأول للحاكم بالوكالة هذا المنصب».
وكما كان متوقعاً استمع المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى إفادة حاكم مصرف لبنان في قصر العدل في بيروت وحجز جوازي سفره الفرنسي واللبناني وتركه رهن التحقيق بعد جلسة استمرت ساعة وعشرين دقيقة. وأفيد أن سلامة أجاب عن كل أسئلة قبلان، معتبراً أن مذكرة التوقيف في حقه غير قانونية.
واجتمع القنصل الألماني أمس، بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ووضعه في صورة مذكرة التوقيف الألمانية الصادرة بحق سلامة. في المقابل، قال سلامة لـ»الحدث»: «لم أُبلّغ بصدور مذكرة توقيف ألمانية بحقي».
في موازاة ذلك، تقدّم وكلاء الحاكم سلامة القانونيون في فرنسا بطعن أمام القضاء الفرنسي لاسترداد مذكرة التوقيف الفرنسية المعمّمة عبر النشرة الحمراء.
وطلب سلامة من القضاء اللبناني عدم تسليمه الى القضاء الفرنسي ومحاكمته في لبنان.
وأفادت مصادر إعلامية أن «سلامة صرح أن راتبه الشهري كان 150 ألف دولار قبل أن يكون حاكماً للمركزي»، كاشفةً أنه «نفى كل ما نسب إليه من القضاء الفرنسي وتمسك بما قاله خلال التحقيقات السابقة ولم يتم الحديث عن المذكرة الألمانية».
ولفتت مصادر قانونية مواكبة للملف لـ»البناء» الى أن القضاء الأوروبي والفرنسي مستمرّ بمتابعة الملف وسيصل فيه حتى النهاية رغم كل العوائق القانونية والسياسية التي تحيط بالملف لا سيما في لبنان، وصحيح أن ملفات الفساد المتهم فيها سلامة تقع في لبنان، لكن جزءاً من هذا الفساد تم في دول أوروبية عدة كتبييض الأموال أي أن مصدر هذه الأموال التي أتى بها سلامة بطريقة غير مشروعة وتم إدخالها الى دول أوروبية ودمجها في النظام المصرفي لهذه الدول أيضاً بطريقة غير قانونية».
"النهار": سلامة يطالب بمحاكمة لبنانية والتداعيات تتوهج
قد يكون جدول اعمال من 73 بندا لجلسة سيعقدها مجلس الوزراء عصر غد الجمعة، والذي ينوب للشهر السابع حتى الان عن صلاحيات رئيس الجمهورية، بمثابة انعاش للذاكرة بحال الجمهورية البائسة قياسا بتراكم الحاجة الملحة الى نقل الاعتمادات من احتياطي الموازنة الى موازنات الوزارات وتخصيص الاعتمادات اللازمة للانفاق في القطاع العام، وهي البنود التي تطغى على معظم الجدول الذي وزع امس على الوزراء. ولكن هذا الاختناق المالي لم يكن الا الانعكاس المباشر للاختناقات الأكبر في الواقع السياسي الذي يبدو معه لبنان امام مواعيد وهمية لا تقدم ولا تؤخر في ازماته الزاحفة المنذرة بمزيد من التداعيات الخطيرة في كل الاتجاهات.
فصل جديد من فصول هذا التأزم ارتسم امس مع مثول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امام القضاء اللبناني على خلفية الملاحقة القضائية الفرنسية له في وقت اشتعلت داخليا جبهة الانقسامات والاتهامات المتصلة بملف الحاكم، علما ان الدوافع الأساسية لهذا الاشتعال تعود الى الازمة الرئاسية وتموضعات القوى والمراجع منها. ويبدو واضحا ان ملف الحاكم آيل الى تأجيج نار الازمة السياسية والرئاسية بعدما تداخلت تداعياته بقوة مع الحسابات المتضاربة بعنف للقوى السياسية. ولكن ما يثير القلق اكثر من التداعيات السياسية هي المحاذير المالية والمصرفية للاهتزاز المعنوي الحاصل في موقع الحاكم والتي يصعب تجاهل التحسب لها لجهة ما بدأ يثار حيال تعامل المصارف الأوروبية والأميركية المراسلة مع المصارف اللبنانية.
وسط هذه المناخات المقلقة عقدت امس جلسة استماع لحاكم مصرف لبنان رياض سلامه أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، ودامت ساعة و10 دقائق قرر قبلان بعدها ترك الحاكم ومصادرة جوازي سفره اللبناني الديبلوماسي وكذلك الفرنسي ومنعه من السفر بموجب مذكرة التوقيف الفرنسية المعممة بالنشرة الحمراء عبر الانتربول الدولي. وارسلت مذكرة منع السفر الى الامن العام على الفور لتنفيذ هذا المنع برا وبحرا وجوا، كما طلب من رئيس قسم المباحث المركزية العقيد نقولا سعد ابلاغ مذكرة للإنتربول الدولي عبر مكتبه في بيروت بطلب لبنان من السلطات الفرنسية استرداد ملف سلامة.
وعلم ان سلامه نفى خلال التحقيق معه كل ما أسند اليه من تهم في مذكرة التوقيف الفرنسية، وكرر جميع اجوبته السابقة التي أدلى بها امام القضاءين اللبناني والفرنسي. وشدد على انه بريء وان ملفه سياسي، مضيفا انه شخص ميسور ومليء ويملك عقارات في #فرنسا ولبنان وبراتب شهري حوالى 150 الف دولار قبل تسلمه مركزه في الحاكمية، طالبا محاكمته في لبنان.
وأبدت مصادر مطلعة اعتقادها أن فرنسا وخلافا لعدم طلبها سابقا استرداد رجل الاعمال اللبناني كارلوس غصن، فإنها ستطلب استرداد الحاكم سلامة بمعزل عن الموانع القانونية التي تحول دون تسليمه، وبمعزل أيضا عن قرار الحكومة اللبنانية في صدده والتي ربطت بته بتقرير القضاء الذي سيصدرعن هذا الموضوع.
ويشار الى ان القنصل في السفارة الالمانية ومسؤولا امنيا لديها التقيا امس النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في مكتبه واطلعاه شفهيا على إصدار المدعي العام الألماني مذكرة غيابية بتوقيف سلامة على ان يتسلم رسميا نسخة عن هذه المذكرة من السلطات الألمانية. وفي فرنسا تقدم وكلاء حاكم مصرف لبنان بطعن بمذكرة التوقيف الصادرة بحق موكلهم، فيما أرجأت محكمة الاستئناف الفرنسية الى مطلع تموز المقبل بت طلب سلامة رفع الحجز الاحتياطي عن عدد من ممتلكاته الذي كان القي الحجزعليها في إطار التحقيق في الملف الفرنسي الجاري بحقه وآخرين.
اشتعال سياسي
وسط هذه الأجواء تجدد اشتعال "الجبهة السياسية" بين "التيار الوطني الحر" ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اذ حملت الهيئة السياسية في "التيار" بعد إجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل كلاًّ من ميقاتي وسلامة "مسؤولية تصنيف لبنان في المنطقة الرمادية على لائحة GAFI/TAFT بما تعنيه من مخاطر وضع لبنان خارج النظام المصرفي العالمي نتيجة اصرار رياض سلامة، على الاستمرار في موقعه رغم صدور مذكرات توقيف بحقه".
ورد المكتب الاعلامي لميقاتي على " كلام التيار غير الصحيح على الاطلاق، لان ما يقوم به رئيس الحكومة والحكومة هو محاولة الابقاء على سير عمل مؤسسات الدولة في انتظار انتخاب رئيس الجمهورية. كما يصح هنا توجيه السؤال الى "التيار" هل ما يشاع عن وضع لبنان على اللائحة الرمادية سببه عمل الحكومة الحالية للحفاظ على البلد، والمشاريع الاصلاحية التي اقرتها وتنتظر الاقرار النهائي حسب الاصول البرلمانية ، ام نتيجة تراكمات ما تم القيام به في السنوات الماضية التي كان "التيار" مشاركا اساسيا في قراراتها، وخلال عهد استمر ست سنوات وما قبله في السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما ينبغي تاليا، اذا كان سيتم اعتماد "منطق" التيار في مقاربة مسألة حاكم مصرف لبنان، تذكير "قيادة التيار" بدور العهد السابق الاساسي في التمديد للحاكم". وقال: "إن القانون ينص على اجراءات لمعالجة قضية حاكم مصرف لبنان، فليتفضل التيار وعبر وزيره الناطق بالعدل ان يعطينا رأيا قانونا يسمح باتخاذ التدابير المناسبة بحق حاكم مصرف لبنان خلافاً لما ادلى به في اللقاء التشاوري الاخير، بدل ان يكتفي"التيار" ببيانات انشائية وقنابل اعلامية دخانية لا مفعول لها سوى محاولة ذر الرماد في العيون". وسارع وزير العدل الى الرد مبديا "الأسف أن يصدر عن الرئيس ميقاتي ما نسبه الينا كون ما قيل لا يمت الى الحقيقة بصلة وللتذكير يهمنا التأكيد بأننا وفي مسيرة تاريخنا القضائي ، لم نمتهن سوى الحق والعدل كما ان ما قلناه في اللقاء التشاوري بشهادة الوزراء الحاضرين لم يتبدل بتاتاً خارجاً، قولاً وتصريحاً متمسكين بكل ما صدر عنّا قانوناً وملاءمةً" .
فرنسا والاستحقاق
على صعيد الازمة الرئاسية ووسط تفاقم أجواء المراوحة نقل النواب المشاركون في اللقاءات التي عقدها وفد نيابي ضم معظم قوى المعارضة و"التيار الوطني الحر" في وزارة الخارجية الفرنسية ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية الفرنسية ومع لجنتي الصداقة اللبنانية - الفرنسية في مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية ان الفرنسيين اكدوا لهم ان فرنسا لا تدعم ايا من المرشحين وان ما يهم باريس حصول الاستحقاق الرئاسي في اسرع وقت لان وضع البلد لم يعد يتحمل الانتظار. واكد اعضاء الوفد الذين اكدوا رفضهم لترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجيه ان الموقف الفرنسي في الخارجية والاليزيه هو نفسه وان باريس ستستمر في مشاوراتها مع الاطراف اللبنانيين وستستقبل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في 2 حزيران المقبل، وانها لا تؤيد ولا تسوق أي مرشح وما زالت تتشاور مع الاطراف بغية اتمام هذا الاستحقاق في اسرع وقت .
وحضر الاستحقاق الرئاسي في مواقف القوى السياسية في "ذكرى المقاومة والتحرير". وعشية كلمة للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سيلقيها اليوم قال رئيس مجلس النواب نبيه بري "خلافاً لما يروج له البعض تضليلاً للرأي العام نؤكد من موقعنا السياسي والجماهيري والتشريعي بأن أبواب المجلس النيابي أبداً هي ليست موصدة لا أمام التشريع ولا أمام إنجاز الإستحقاق الرئاسي والذي نأمل ان يكون موعد إنجازه اليوم قبل الغد وذلك رهن بتوافر الارادات الصادقة بأن تبادر كافة الكتل النيابية والنواب المستقلون الى توفير مناخات التوافق فيما بينها وإزالة العوائق التي تحول دون إنتخاب رئيس للجمهورية يعبر عن إرادة اللبنانيين".
وكانت الهيئة السياسية في "التيار الوطني الحر"اكدت "أهمية إنجاز الإستحقاق الرئاسي بالتوافق بين النواب اللبنانيين على رئيس بإمكانه إنجاز الإصلاحات اللازمة بالتعاون مع الحكومة والمجلس النيابي، إضافة الى أولوية إستئصال الفساد".أضافت "يؤكد التيار الوطني الحر على موقفه الثابت في شأن الإستحقاق الرئاسي لجهة البحث عن رئيس يجمع ولا يفرّق ويكون إصلاحياً في سلوكه وبرنامجه، وفي هذا الإطار يؤكد التيار الإستمرار في الحوار القائم مع الكتل المعارضة من دون أي تراجع من قبله على ما تم الإتفاق حوله حتى الأن وذلك بغية التوصل الى مرشح غير مستفزّ لأحد فيكون جامعاً على الصعيد الوطني وتتوفر فيه ما حدّده التيار في ورقة الأولويات الرئاسية".
"الأخبار": تحذيرات متبادلة بين المقاومة والعدو: اختبار الردع!
23 عاماً، بالتمام والكمال، هي الفارقة بين تاريخين: الأول في 23 أيار 2000، والثاني في 23 أيار 2023. لكن هواجس العدو لا تزال هي نفسها حيال جبهته الشمالية. قبل 23 سنة، كان الثالث والعشرين من أيار اليوم الأخير الذي تدخل الصحف الإسرائيلية فيه إلى الشريط الحدودي المحتل. بعد يومين، أمكن العثور على بعض هذه الصحف، وبينها نسخة من صحيفة «معاريف»، تضمّنت تقريراً حول تسارع عملية الانسحاب من لبنان، وكتبت عنواناً رئيسياً هو: «حزب الله على السياج». قبل يومين، في الثالث والعشرين من أيار الجاري، تصدّر العنوان نفسه، «حزب الله على السياج»، صحيفة «يديعوت أحرونوت»!
23 سنة لم يغب خلالها هاجس ملامسة المقاومين السياج الحدودي مع فلسطين، عن عقول الإسرائيليين، مسؤولين ومستوطنين وصحافيين. لكن الفارق بين التاريخين، أنه في المرة الأولى، كان العدو أمام صدمة انتشار عناصر المقاومة على طول السياج الحدودي، أما في المرة الثانية، فهو يجد نفسه أمام هول التفكير بأن حزب الله يعدّ لتجاوز هذا السياج. ثمة تحوّل هائل، انتقلت فيه إجراءات المقاومة وخططها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وانتقل فيه العدو إلى مرحلة التحذير والدفاع، حتى ولو رفع صوته مهدداً بالويل والثبور.
المياه الراكدة... جارية
حتى بعد الحرب العنيفة عام 2006، بقي العدو يحاول إقناع نفسه ومستوطنيه بأن الهدوء على الجبهة مع لبنان حقيقي ومستدام، وأن المياه هادئة وراكدة في الجهة المقابلة. لكن، فجأة، استفاق قادة العدو المهنيون على أن ثمة ما تغيّر: المياه جارية، نسمع صوتها، لكننا لا نعرف خيوط مجراها!
في كيان العدو ثمة اهتمام عام لا يقتصر على جهات من دون غيرها، بما يجري على طول الحدود المحيطة بفلسطين. أما في لبنان، فلا يوجد، مع الأسف، غير المقاومة من يملك رأساً بعيون كثيرة تنظر إلى الداخل والمحيط القريب والخارج البعيد في الوقت نفسه. ولم يعد الأمر يقتصر على «ميزة الرؤية»، بل تجاوزها إلى «ميزة تشابك الأذرع»، مع انتقال المقاومة إلى مرحلة التفاعل العملاني مع قوى المقاومة المعنية بتحرير فلسطين، داخل الأرض المحتلة وخارجها.
في هذه النقطة، يمكن القول إنه يحق لأركان العدو الخشية من تطورات مختلفة. ويمكن الحديث أو التكهن أو البحث عن شكل جديد من أشكال مساهمة المقاومة اللبنانية في دعم مشروع المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين. وهذا يمثّل نقطة تحول استراتيجي في الصراع مع إسرائيل. بالتالي، يمكن فهم حالة الذعر والاستنفار والتحدي والتهديد القائمة في كيان الاحتلال.
قبل أيام، وفي إطار أعمال مؤتمر هرتسيليا، كان عنوان البحث هذه السنة: «رؤية واستراتيجية في زمن اللايقين». في سياق المؤتمر تحدث كثيرون، لكن البارز كان ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) اللواء أهارون حاليفا عن أن هناك «بداية فهم» لدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بأن «من الممكن تغيير المعادلة في مقابل دولة إسرائيل»، وأن «عملية مجدو ليست حدثاً لمرة واحدة». وأضاف حاليفا بصوت مرتفع: «نصرالله قريب من خطأ يمكن أن يودي بالمنطقة إلى حرب كبرى. هو قريب من هذا الخطأ، سواء من لبنان أو سوريا»، مشيراً إلى أن تفعيل القوة في الساحة الشمالية، سواء من لبنان أو سوريا، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد وصدام بأحجام نوعية بين إسرائيل وحزب الله ولبنان.
لم يبق كلام حاليفا غامضاً. إذ بادر رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال هرتسي هاليفي إلى القول: «حزب الله مردوع جداً عن شن حرب شاملة ضد إسرائيل. هو يعتقد أنه يفهم كيف نفكر، وهذا الاعتقاد يدفعه إلى الجرأة، وإلى أن يتحدانا لاعتقاده بأن هذا لن يؤدي إلى حرب. وأنا أرى أن هذه طريقة جيدة لخلق المفاجآت». وأوضح هاليفي «أننا ننظر إلى لبنان على أنه بلد يعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، وهو في أزمة عميقة». وبخصوص حزب الله، فإن «تعاظمه في لبنان هو تحدّ مركزي» لإسرائيل، مشيراً إلى أن جيشه يقوم بعمليات لـ «تأخير تعاظم قوة» الحزب، ليخلص إلى التوصيات الآتية:
- ينبغي أن نهتم، طوال الوقت، بأن نحافظ على الفجوة النوعية ونوسعها بين وتيرة استعداداتنا وتحسيناتنا وبين ما يقوم به.
- علينا أن ندرس التوقيت والمبادرة التي يمكن أن تحقق ميزة لنا.
- ينبغي أن نقول إن أقدامنا على الأرض، فالمعركة في الساحة الشمالية ستكون صعبة على الجبهة الداخلية، وستكون في لبنان أكثر صعوبة بسبعة أضعاف، وعلى حزب الله أكثر من ذلك.
الإنذار بالتهديد
من دون حاجة إلى كثير من المعطيات أو التحليلات، ثمة أحداث وأحاديث جرت الأسبوع الماضي، تعكس حالة «الاستنفار» على جانبي الحدود. إسرائيل تقول علناً إنها تخشى إقدام المقاومة على عمل عسكري أو أمني في الداخل، وتحذر من أنه سيقود إلى حرب. وعندما يقول العدو إن عملاً ما سيقود إلى حرب، فهذا يعني أن العدو يقول مسبقاً إنه سيرد بقوة وقسوة على هذا العمل، وأن طبيعة الرد ستجعل حزب الله يردّ بقسوة أيضاً، ما يعني تدحرج الوضع نحو حرب واسعة.
لكن، لنعد قليلاً إلى أيام مضت فقط. ففي ختام مناورة حية للمقاومة الإسلامية، السبت الماضي، ألقى رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين خطاباً، وقرأ عبارات مكتوبة - ما يعكس أن ما يقوله ليس وليد الساعة، بل نتاج قرار وطريقة تفكير - وخاطب قيادة العدو محذراً: «إذا فكّرتم في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها بدمائنا وقدرتنا، فسنكون جاهزين لنمطركم بصواريخنا الدقيقة وكل أسلحتنا، وستشهدون أياماً سوداء لم تروا لها مثيلاً، وعلى العدو أن يعلم جيداً أننا نقصد ما نقول».
هذا الكلام قد يبدو للبعض عادياً، لكن العدو كان أول من فكّ شيفرته، وقرأ تهديداً واضحاً بأن المقاومة في لبنان تستشعر احتمال لجوئه إلى خيارات مجنونة. وأن في قيادة العدو من يعتقد بأن ما جرى في غزة، يمكن أن يُجرّب في لبنان، وأنه في حال فكّر العدو وقرر ونفذ أي عمل أمني أو عسكري من النوع الذي يقلب المعادلات، فإن المقاومة سترد ليس بعملية عسكرية عادية، بل بشتاء من النار!
عملياً، كان العدو يعرف عن المقصود بالخطاب، ولو أن الطرفين لا يتحدثان علناً عما يجري خلف الجدران، إلا أن واقع الحال عاد العدو نفسه وشرحه، عبر تهديدات قادته العسكريين والأمنيين، ما يعني أن توازن الردع القائم منذ سنوات طويلة على طول الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة، قد انتقل إلى مستوى جديد.
ماذا يخشى العدو؟
بحسب المؤشرات، المعروفة أو المكتومة، يبدو العدو كمن اجتهد خلال السنتين الماضيتين لفك أحجية جديدة، وتجميع عناصر لوحة «البازل» الخاصة باتحاد قوى المقاومة وساحاتها. وهو لمس عملياً التطور الهائل في برامج عمل قوى محور المقاومة، داخل فلسطين وخارجها. ويدرك أن لبنان يمثل مركز الثقل في هذا المحور. وبالتالي، فإن قلقه من البرنامج النووي الإيراني لا يستدعي إثارة كل الضجيج الحالي، بل إن ما يفرض على العدو الاستنفار والتهديد والمغامرة بإثارة رعب المستوطنين قبل اللبنانيين، هو خشية من تحول نوعي في مقاربة المقاومة اللبنانية لدعم المقاومة في فلسطين.
أمس، أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «المؤسسة الأمنية والعسكرية تتفاخر كثيراً بإنجازات المعركة بين الحروب ضد تعاظم حزب الله، لكن فيما نحن نتبرّج بغارات قائمة على استخباراتٍ ممتازة، فإن العدو يمكن أن يستخلص خلاصات مختلفة كلياً»، وأن إيران وحزب الله «يرغبان بإنتاج معركة بين حروب، مضادة، تقوم على الإزعاج المتواصل في كل الجبهات، وكله بالفعل كما عندنا تحت سقف الحرب».
ما ورد في هذا التقرير يقارب الحقيقة، لجهة أن المعادلات التي حاول العدو خلال عشر سنوات فرضها على محور المقاومة خارج فلسطين، في طريقها إلى الزوال، وأن هامش المناورة الذي لجأ إليه العدو في توجيه ضربات إلى محور المقاومة بطريقة لا تقود إلى حرب، قد يكون سلاحاً مقابلاً من جانب المحور نفسه، مع فارق أساسي، وهو أن محور المقاومة يشير إلى مستوى من الجاهزية الكافية لمواجهة خيار الحرب المفتوحة، ولو أنه لا يريدها، في مقابل خشية العدو من جره إلى حرب مفتوحة وشاملة، قد لا يكون جاهزاً لها بصورة كافية.