لبنان
"الكابيتال كونترول" يراوح والدولار الجمركي يحرّك النقابات
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على مواصلة مجلس النواب عقد جلساته لمناقشة قانون "الكابيتال كونترول" الذي ما زال يراوح مكانه، إذ لفت النائب الياس بو صعب عن وجود قوى وازنة لا تريد إقرار القانون، وقوى وازنة أخرى لا تريد مناقشته وذلك لعدة أسباب.
كما تناولت الصحف الدولار الجمركي إذ أن موعد بدء تطبيقه كان موضوع اهتمام نقابي مع تهديد بالتحرك في الشارع، على ايقاع ارتفاع دولار السوق السوداء مجدداً تحت تأثير سحب مصرف لبنان للدولارات مقابل الليرات التي يقوم بطباعتها.
"الأخبار": لا حلّ بلا توزيع خسائر وخطّة اقتصادية: تعدّدية أسعار الصرف باقية
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أنه بعد ثلاث سنوات من فوضى أسعار الصرف، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدء «مرحلة جديدة» ترمي إلى توحيدها من خلال تبنّي الدولة سعر صرف جديداً هو 15 ألف ليرة، يحلّ مكان ما دونه من أسعار. بذلك، ستنحصر تعاملات السوق في ثلاثة أسعار: السعر المعتمد رسمياً، سعر «صيرفة» وسعر السوق الموازية. هذا يعني أن الهامش بين الأسعار الثلاثة سيبقى واسعاً ويشرّع البابَ أمام المضاربات والدوران في الحلقة المفرغة ذاتها. يقول الخبراء، إنه ما لم يُتفق على توزيع الخسائر والتعامل مع الأزمة من منظور اقتصادي، فلا جدوى لهذه الخطوة التي لا تُعدّ بأيّ شكل من الأشكال توحيداً لسعر الصرف
مع وقوع الانهيار عام 2019، قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إطفاءَ ما يمكن من خسائر القطاع المصرفي، وإدارة أزمة شُحّ الدولارات في ميزانيته، بفتح الباب أمام المضاربات. قامت خطّته على خلق أسعار صرف جديدة، وعلى زيادة الكتلة النقدية بالليرة. بالفعل، أغرق السوق بأكثر من 65 تريليون ليرة أُضيفت فوق 5 تريليونات ليرة كانت قيد التداول قبل مطلع 2019. بفعلته هذه، خلق الحاكم بيئةً خصبةً للمضاربة على الليرة، ما دفع سعر الدولار في السوق الموازية إلى التحليق، مرّة تلوَ أخرى. طبعاً، كان التضخّم يلحقه دائماً مسجّلاً هو الآخر أرقاماً قياسية تراكمت إلى أكثر من 1400% بين مطلع 2019 وتشرين الأول 2022.
قبل تبنّي الدولة سعر صرف يبلغ 15000 ليرة، أي بزيادة 10 أضعاف عمّا كان عليه، كان عدد أسعار الصرف خمسة، على النحو الآتي: 1507.5 (المعدل الوسطي للرسمي)، 8000 (التعميم 151)، 12000 (التعميم 158)، منصة «صيرفة»، والسوق الموازية. لكن، باعتماد الدولة سعر صرف 15000 ليرة للدولار الواحد ابتداءً من أول شباط المقبل، ستنحصر تعاملات السوق في 3 أسعار صرف:
- السعر الجديد الذي تبنته الدولة، وهو ثابتٌ يسري على موازنات إدارات ومؤسسات الدولة والضرائب (من ضمنها الدولار الجمركي) وميزانيات المصارف والشركات الخاصة.
- سعر منصة «صيرفة»، وهو متحرّك يسري على رسوم الاتصالات والكهرباء وبعض المعاملات التجارية التي تتمّ من خلال «مصرف لبنان».
- سعر السوق الموازية الذي يسري على المحروقات وغالبية التعاملات التجارية.
وفق سلامة، فإن تبنّي السعر الجديد، يأتي «ضمن عملية لتوحيد نظام سعر الصرف». لم يسأل الحاكم عن تفاصيل العملية، ولا هو بادر إلى مكاشفة الرأي العام بها، بل استمر في إخفاء الخسائر الحقيقية في ميزانيته وميزانيات المصارف. هذا ما ذهب إليه مدير «المركز الاستشاري للدراسات»، عبد الحليم فضل الله، في حديث لـ«الأخبار»، بإشارته إلى أن مقاربة توحيد أسعار الصرف كانت في السابق تجري «من منظور اجتماعي». أمّا بعد رفع الدّعم، فقد بات توحيدها يُقارب «من زاوية ميزانيات المصارف وتوزيع الخسائر»، إذ تُحتسب الميزانيات حتى اليوم على أساس السعر الرسمي، أي 1507.5 ليرات للدولار، ما يُخفي الخسائر الحقيقية بالعملات الصعبة. وبمجرد تبديل السعر المعتمد رسمياً، فإن ذلك سيُلزم المصارف بإعادة احتساب ميزانياتها على السعر الجديد، وهو ما «سيُرتّب عليها فجوة بمليارات الدولارات، وستخسر جزءاً من رساميلها». لذا، لا يرى فضل الله أنه يمكن توحيد أسعار الصرف قبل التوافق على خطة للتعافي الاقتصادي وإعادة هيكلة المصارف، وقبل التوصل إلى صيغة مقبولة لتوزيع الخسائر في القطاع المالي، تبدأ بحملة الأسهم ثم تصيب المودعين في النهاية.
متى يرشّحون قائد الجيش علناً؟
بات ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية عنوان عدد غير قليل من اللقاءات التي تجري في لبنان وخارجه. تتولى فرنسا الدور الأبرز نيابة (بصورة مؤقتة) عن الولايات المتحدة وبتفاهم (غير كامل) مع السعودية. بينما اتفق على دور خاص لقطر، القادرة على الوصول إلى من لا يصل إليه الغرب والسعودية، لا سيما أن الدوحة عادت وعزّزت تواصلها مع قوى لبنانية عدة، بعضها بصورة معلنة وأخرى بعيداً من الأضواء. وكما كل مرة، يجري ترغيب اللبنانيين بأنه في حال حصول الغرب والخليج على مبتغاه من الاستحقاق الرئاسي، فإن هناك من سيتولى تمويل الاتفاق السياسي. وإذا تمنّعت السعودية، لأسبابها الخاصة، وخافت الإمارات كما الكويت من غضب محمد بن سلمان، فإن لقطر خصوصية تتيح لها التمايز، وحتى التفلّت من دون خشية عقاب آل سعود.
عملياً، ليس سهلاً أن يتم الإعلان رسمياً عن ترشيح قائد الجيش. إذ أنه شخصياً ليس في وارد ذلك الآن، بل إنه، على العكس، يشدد على كل العاملين معه في المؤسسة العسكرية، وعلى أعضاء الخلية الإعلامية - السياسية القريبة منه، الامتناع نهائياً عن ترداد اسمه في كل المنتديات، ويترك لنفسه هامشاً لتواصل خاص مع القوى التي يهتم هو، كما غيره، بالحصول على دعمها أو موافقتها أو حتى عدم ممانعتها أي غالبية تتوافر لانتخابه.
لكن زوار العاصمة الفرنسية سمعوا هذه المرة كلاماً مباشراً عن أن جوزيف عون يمثل حيثية تسمح له بلعب دور خاص في المرحلة المقبلة. وزاد الفرنسيون أنه لا يجب التعامل معه على أنه مشكلة لأحد. فهو ليس سياسياً، ولا يمثل وجهة تجعله خصماً لهذا الفريق أو ذاك، ولديه تجربة في الجيش أتاحت له الحصول على دعم غالبية القوى السياسية ودعم «المجتمع العربي والدولي». وأضاف الغربيون على الفرنسيين مقولات من نوع أن البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يميل إلى عدم تعديل الدستور مرة جديدة من أجل عسكري، يؤيد قائد الجيش إذا حصل على دعم سياسي من قوى مسيحية وازنة وعدم ممانعة غالبية إسلامية. ويستند آخرون إلى أن «القوات اللبنانية» سبق أن أعلنت على لسان رئيسها، سمير جعجع، عدم معارضة وصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية. بينما يتحدث الأميركيون بثقة عن أنهم يملكون كلمة السر لعدد غير قليل من النواب المستقلين الذين سيؤيدون قائد الجيش، وأن قسماً لا بأس به ممن يصوتون اليوم للنائب ميشال معوض لن يعترضوا على قائد الجيش، خصوصاً الأصوات التي تقول إن معركتها هي ضد حزب الله، وتعتبر أن قائد الجيش لعب دوراً ندّياً للحزب، ولم يسمح له بالتدخل في شؤون الجيش، كما كان حازماً معه في أكثر من مكان بما في ذلك أحداث الطيونة.
"البناء": الكابيتال كونترول يراوح… والدولار الجمركي يحرّك النقابات… ودولار السوق يرتفع
أما صحيفة "البناء" نقلت عن مصادر إعلامية بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي شدّ عزمه الدعوة لاجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، وهو ما وصفته مصادر حكومية باختبار جدي لموازين القوى الوزارية بين ميقاتي والتيار الوطني الحر، ومحاولة استكشاف عدد الوزراء الذين يمكن أن يستجيبوا لدعوة التيار لمقاطعة الجلسة، خصوصاً أن ميقاتي أعاد التذكير قبل أسبوع في حوار تلفزيونيّ بأنه سيدعو عند الحاجة لجلسة حكومية وبأن الجلسة تعتبر دستورية بحضور ثلثي الوزراء.
على الصعيد المالي، واصل قانون الكابيتال كونترول المراوحة، مع كلام واضح لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن وجود قوى وازنة لا تريد إقرار القانون، وقوى وازنة أخرى لا تريد مناقشة القانون، بينما تعتقد مصادر مالية أن الهدف من التمييع أو تثقيل النقاش بقضايا أكبر ما يحتمله موضوع وقف التحويلات الذي يستهدفه القانون، بنية بقاء اللعبة مفتوحة أمام حاكم مصرف لبنان لسحب فائض الدولارات المحقق في السوق بفعل التحويلات والتدفقات التي تفوق حجم المستوردات، وضخ الليرات المطبوعة بدلاً منها، وإبقاء الباب مشرعاً لتحويل هذه الدولارات دون حسيب أو رقيب.
الدولار الجمركي وموعد بدء تطبيقه كان موضوع اهتمام نقابي مع تهديد بالتحرك في الشارع، على ايقاع ارتفاع دولار السوق السوداء مجدداً تحت تأثير سحب مصرف لبنان للدولارات مقابل الليرات التي يقوم بطباعتها.
فيما بات مؤكداً ترحيل الملف الرئاسي الى العام الجديد، تتقدّم الهموم المعيشية والأزمات الاقتصادية والمالية التي تتفاقم كل يوم وتضع البلاد والعباد أمام المصير المجهول، في ظل التخبّط الحكومي والنيابي في معالجة المشاكل والأزمات بدءاً بالكهرباء والاتصالات والمحروقات والاستشفاء والدولار الجمركي والدولار الرسمي ومطالب العسكريين المتقاعدين وأساتذة التعليم الرسمي والمهني وزيادة رواتب القطاع العام والمهدّدة بالتوقف بعد تقدم عدد من النواب بطعن أمام المجلس الدستوري بقانون الموازنة العامة للعام 2022.
وواصلت اللجان المشتركة أمس، مناقشة قانون الكابيتال كونترول في مجلس النواب وقد علقت البحث في البند ١٧ من المادة الثانية المتعلقة بالأموال الجديدة وناقشت البند الأخير من المادة الثانية المتعلقة بالتعريفات أي تعريف «اللجنة».
وأرجأت جلستها الى صباح اليوم، على أن يُصرّح نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد انتهاء الجلسة عن أجواء النقاش.
وعلمت «البناء» أن جبهة نيابية أصرّت خلال الجلسة على ربط إقرار هذا القانون بخطة التعافي المالي، بحجة الحفاظ على الودائع، فيما الهدف وفق مصادر نيابية تطيير القانون لأسباب متعددة. وتشير المصادر الى أن «لوبي» نيابياً لن يسمح بتمرير الكابيتال كونترول إلا اذا تضمن بنداً يمنع بموجبه رفع المودعين دعاوى ضد المصارف وأي ملاحقة قضائية لهم مع مفعول رجعي أي إسقاط كافة الدعاوى المرفوعة سابقاً.
ولدى خروجه من مجلس النواب، قال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي: «عند مناقشة المشروع، تطرّق بعض النواب الى خطة التعافي، وقلت إن هذا الموضوع منفصل وموضوع شطب الودائع غير موجود، نحن نريد أن نعيد التوازن والعمل في مصرف لبنان كسلطة نقدية. لدينا خطة مفصلة أرسلت الى مجلس النواب في ايلول والخطة الاولية أرسلت منذ أشهر، وهناك نوع من الشعبوية».
إلا أن مصادر مطلعة على الملف المالي تحذر عبر «البناء» من خطر كبير على الودائع الكبيرة والصغيرة، موضحة أن أموال المودعين التي كانت في المصارف لم تعد موجودة، وجرى تبديدها عبر استثمارات المصارف ومصرف لبنان والهندسات المالية والسندات وغيرها وتم تهريب القسم الآخر الى الخارج قبل أحداث 17 تشرين وخلالها وبعدها، وما بقي منها لا يشكل سوى 20 في المئة ويجري توزيعها على المودعين عبر التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان التي تشطب ما تبقى من قيمة الودائع والآن يجري إغراء المودعين وتخديرهم برفع سعر الدولار المصرفي الى 15 ألف ليرة. وتساءلت المصادر ما الدليل الذي يثبت وجود الودائع في مصارف لبنان؟ وكيف تكون موجودة فيما أغلب المصارف في لبنان أفلست وهربت أموالها الى الخارج؟ والدليل عدم قدرتها على إعادة الودائع ولا تمويل القطاع الخاص ولا حاجات الدولة ولا حتى تقديم قروض شخصية، ولفتت الى أن الخطة المالية التي وضعتها الحكومة لن تستطيع معالجة الأزمات لا سيما أزمة المودعين والودائع التي لن تعود قبل سنوات طويلة اذا ما استمرت هذه السياسات. وتوقعت المصادر أن تستعر المواجهة بين المصارف والمودعين.
وكان اعتصام المودعة التسعينية إدرو خضر، أمس، داخل بنك عودة فرع سليم سلام أبلغ تعبير عن ما يعانيه المودعون، إذ رفضت المودعة الخروج مطالبة بوديعتها وقيمتها 20 الف دولار.
وقبل ساعات من دخول قرار رفع الدولار الجمركي الى 15 الف ليرة حيز التنفيذ، رأس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي سلسلة اجتماعات مالية لا سيما ما يخص الدولار الجمركي.
وبحث هذا الملف مع رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي. كما رأس اجتماعاً خصص للبحث في موازنة العام 2023 شارك فيه نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي، وزير المالية يوسف الخليل، مستشار الرئيس ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس، مدير عام وزارة المالية جورج معراوي، مدير عام الجمارك بالإنابة العميد ريمون خوري. وأعلن الوزير الخليل بعد اللقاء أنه تم البحث بموضوع موازنة عام 2023 والتعديلات المطلوبة عليها، والانخراط في تصحيح جدي للمواضيع المالية والاقتصادية فيها.
وكان النائب علي فياض قد قال خلال جلسة اللجان: «نقدّم توصية تتعلق بقرار تعديل سعر الصرف من 1500 للدولار الى 15 الفاً»، وأضاف: «علمنا أن هناك نقاشاً في مصرف لبنان حول إدراج ذلك ضمن قروض التجزئة وأحذر من أن أمراً كهذا يضع الناس امام استحقاقات لا يمكن تلبيتها».
وحذرت أوساط اقتصادية عبر «البناء» من تداعيات رفع الدولار الجمركي على أسواق السلع والمواد الغذائية في ظل عدم فوضى السوق وطمع التجار واستغلالهم لأي قرار أو أزمة، وتساءلت ما هي المعايير التي وضعت للسلع والمنتجات التي سيشملها الدولار الجمركي؟ وهل سيشمل المشتقات النفطية؟ وما الضمانة بأن لا يرفع التجار كل المواد والبضائع التي استوردوها منذ أشهر وخزنوها في المستودعات؟ وهل تكفي فرق مراقبي وزارة الاقتصاد لمراقبة وضبط كل المخالفات التي قد تحصل في ظل عدم قدرة الأجهزة الأمنية على تغطية كل المهمات الموكلة اليها والتي زادت بعد اعتكاف القضاء؟
"النهار": جونية نكبة فضائحية… ومجلس وزراء قريبًا
أما صحيفة "النهار" اعتبرت أن تشكل الأزمة الرئاسية الحالية في عمقها الدستوري والسياسي والوطني أحد أخطر المفترقات المصيرية في مسألة وحدة لبنان، ليس من منطلق طائفي فقط بل على أساس سيادي أولاً وأخيراً، إذ إن القوى المستهينة مجدداً بتعطيل الانتظام الدستوري كعامل حيوي جوهري لا يجوز مسّه لاستدامة مبدأ وواقع نظام يحمي الوحدة الدستورية للبنانيين تغامر وتقامر الى ذروة الخطورة هذه المرة في تمزيق بقايا الهيكل وتقويضه على ركام الجمهورية. وبـ”العربي” الفصيح ترانا نقف حيارى أمام ذاك المرض المزمن الذي يجعل القوى المرتبطة بالنظامين الإيراني والسوري تمعن في فتح المسارب على الغارب لاستباحة الاستحقاق اللبناني ساحة مقايضات وصفقات لخدمة هذه الارتباطات السافرة رغم إدراك هذه القوى أن ما سيصيب لبنان من جراء الفراغ في زمن الانهيار الذي صنعه عهدها الراحل السابق غير المأسوف على رحيله لن تعوّضه عقود من التعافي إذا قُيّض للبنان التعافي.
ولأن التجارب حفرت عميقاً في واقع اللبنانيين الذين سيغدو معظمهم مهاجرين وفقراء بفضل رزوح لبنان تحت هذا العبث القاتل ترانا نعود الى البداية والنهاية في “دستور” مدوّن وغير مدوّن، وهي معادلة إعادة الصراع الى منطلقه الحقيقي غير الزائف وغير المزيّف وغير المزوّر وهو منطلق الفرز اللبناني العمودي والأفقي حول مسألة السيادة حصراً بلا أيّ شراكة أو تخالط أو تلاعب أو تمويه.
دارت دورة الزمان أكثر من 18 عاماً منذ اندلاع معركة التجديد القسري لإميل لحّود في عام 2004 التي كانت تاريخياً وواقعياً الشرارة الكبرى الأولى الأساسية للثورة السيادية التي تفجّرت عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وها هو لبنان الآن أمام استعادة من باب آخر لمعادلة فرض خيار قسري بقوة التعطيل التي لا تقل خطورة عن أسلوب الترهيب الذي توسّله وفرضه الوصيّ السوري آنذاك. وفي ظل ما يحاك وما يجري الآن من توسّل أساليب انقلابية “بيضاء” عبر كتلة التعطيل النيابية التي ترهن الاستحقاق الرئاسي وتضع لبنان في مهب أشد الأخطار المستعادة قديماً والطارئة حديثاً يبدو ملحاً أن يعاد تلميع توصيف الأزمة بحقيقتها وجوهرها لا بالعناوين الزائفة والمائعة والمزوّرة المتبعة من مختلف الاتجاهات المنخرطة في معركة العقم كأنها محصورة بالبعدين العددي والميثاقي وحدهما.
بلغت المعركة بعد شهر من إجبار لبنان على أيدي قوى الارتباط الإقليمي المتمثلة بسائر أحزاب وكتل وتيارات وشخصيات 8 آذار على الانصياع لتجربة تعطيل الدستور مجدداً الحد الأقصى الذي يجب أن تعلن أنها معركة تحرير فعلية من جانب القوى السيادية سابقاً وحالياً مهما يكن الثمن. ولعل أصدق العناوين إطلاقاً في وضع أزمة الاستحقاق الرئاسي في مكانها الصحيح هو أن تذهب القوى السيادية في اتجاهات حاسمة تعلن فيها أن المواجهة الدستورية هي مع شركاء انقلابيين بكل المعايير والامتناع عن تقديم الهدايا والفرص والخدمات الطوعية لهؤلاء الشركاء ما داموا يعطلون الدستور والى أن يغدو وصل الجلسات الانتخابية بلا انقطاع واقعاً مفروضاً عليهم تحت معادلة “تعطيل بتعطيل”.
الفراغ قاتل للجميع ولكن الرضوخ لعامل الابتزاز بات عنوان استسلام للاحتلال. ولذا لا نجد أفضل وأشجع من مبادرة “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني” و”لقاء سيدة الجبل” للعودة الى أصول الصراع بمانفيستو المبادئ الأساسية لمواجهة هذا الاحتلال المقنّع وتسمية الأزمة بأسمائها الحقيقية غير الزائفة. وأي احتلال أسوأ من أن يوهموا الناس بأننا أمام معركة ديموقراطية فيما يجري الحفر عميقاً لتحويل لبنان جمهورية ملحقة نهائياً بنظامي الملالي والبعث؟!
إقرأ المزيد في: لبنان
01/11/2024