لبنان
جمود في الملف الرئاسي ينتظر الحوار.. ورهان على الدفع الخارجي
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الثلاثاء بالأزمة الرئاسية التي لا تنفك تعود أسبوعيًا عبر جلسةٍ في مجلس النواب باتت أشبه بحلقة مسلسل تُعاد. وأكّدت الصحف أنه ليس في الأفق ما يوحي بوجود اختراقات في ملف الفراغ، وسط جمود الاتصالات والمشاورات، ما سيُترجم في الجلسة الانتخابية الخميس المقبل برفعها لفقدان النصاب.
كما ركّزت على القمة التي ستجمع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في واشنطن، حيث سحضر الملف اللبناني عمومًا بنقاشهما، والتي سبقتها زيارة لوفد من الكونغرس إلى بيروت ولقائه عددًا من المسؤولين، وسط توقعات بأن تفتح القمة احتمالات التسوية الرئاسة.
وتناولت الصحف انتقاد البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الأخيرة، لمجلس النواب عدم إكمال دورة الاقتراع الثانية في الجلسات النيابية لانتخاب الرئيس، في حين يتمسك رئيس مجلس النواب نبيه بري بنصاب الثلثين لانتخاب الرئيس لكي لا يتجاوز الميثاقية والشراكة الوطنية.
الأخبار: انتخاب الرئيس: عاجزون أم لا يريدون؟
ما يصح في جلسات انتخاب الرئيس أن المأزق الفعلي لا يكمن في نصابها. الثلثان يحضران وكذلك الأكثرية المطلقة. الدورة الأولى تجري على أكمل وجه. ذلك هو الوجه الدستوري المألوف. ما بعد ذلك تُكتشف العلّة. لا يعجزون عن انتخاب الرئيس، بل لا يريدون
لا يملك الرئيس نبيه بّري سوى أن يدعو الى جلسة تلو أخرى لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، الى أن يأتي الأوان الجدي. لا يملك كذلك إلا أن يقفل الجلسة ويطلب تلاوة المحضر بعد التأكد من تطيير نصاب الانعقاد قبل مباشرة الاقتراع للدورة الثانية. تكمن المعضلة في تعذر انتخاب الرئيس، والأصح في عدم إرادة انتخابه، أكثر منها في أيٍّ من الصلاحيتين اللتين لرئيس المجلس أن يستخدم. تحديد مواعيد الجلسات الى أن يُنتخب الرئيس مؤداه عدم انقطاع المجلس عن محاولته الوصول الى الاقتراع الأخير، وإظهاره أنه معنيّ بالواجب الدستوري هذا ولا يتخلّف عنه. في المقابل، فإن إبقاء الجلسات مفتوحة، وتالياً المحضر بدوره مفتوحاً، مرتبطان بنصاب الثلثين المحتوم توافره في القاعة قبل مباشرة الدورة الثانية أو التي تليها وانتخاب الرئيس بالأكثرية المطلقة. ما يصحّ في الدورة الأولى قبل مباشرة الاقتراع ينسحب على الدورات التالية، وهو وجود ثلثَي النواب لافتتاح دورات الاقتراع.
هو لبّ المشكلة، سواء تلي محضر الجلسة المنعقدة ثم أُقفلت، أو ظلت مفتوحة. ربما يكمن المأخذ المصوَّب الى برّي في إصراره جلسة بعد أخرى على العودة الى ذي بدء، وهي الدورة الأولى من الاقتراع التي تتطلب نصاب الثلثين مرتين، أولى للانعقاد وثانية للتصويت. النتيجة نفسها في نهاية المطاف. إن لم يحضر ثلثا المجلس وإن في جلسة مفتوحة من التي سبقتها، فلا جدوى من الذهاب فوراً الى الدورة الثانية للاقتراع للفوز بالنصف + 1.
ليست المشكلة الفعلية الدائرة من حول تعاقب الجلسات عبثاً سوى أن الانقسام السياسي وحده الذي يحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لا تملك أيٌّ من القوتين الرئيسيتين في المجلس، الى الآن على الأقل، الأكثريتين المطلوبتين الموصوفة والعادية لانتخاب رئيس، أياً يكن أو من أيٍّ منهما انبثق. لا قوى 8 آذار وحلفاؤها ولا التيار الوطني الحر معاً أو منفرديْن يمسكان بنصاب ثلثَي الانعقاد، ولا الفريق المقابل مُرشِّح النائب ميشال معوّض قادر على الحصول على النصاب الموصوف كذلك.
الأمر نفسه ينطبق على كليهما في الأكثرية المطلقة المتعذر توافرها لدى أيٍّ منهما. أعلى رقم وصلت إليه قوى 8 آذار وحلفاؤها جميعاً كان 63 ورقة بيضاء المفترض أنها تحمل اسم مرشحها في جلسة 29 أيلول، وأدنى رقم كان 46 ورقة بيضاء في جلسة 17 تشرين الثاني. كلا الرقمين دون الأكثرية المطلقة الملزمة للفوز. كذلك بالنسبة الى معوّض. الرقم الأعلى الذي حازه الى الآن هو 44 صوتاً في جلسة 10 تشرين الثاني، والرقم الأدنى في أولى الجلسات في 29 أيلول وهو 36 صوتاً. أقل بكثير من النصف زائداً واحداً. القياس هذا لا يزال ساري المفعول الى إشعار آخر قبالة القوة الثالثة المرجِّحة والمشتّتة في الوقت نفسه الموزعة على النواب المسمّين «تغييريين» ونواب سنّة وآخرين متفرقين.
لذا، سواء ذهب البرلمان الى الدورة الأولى كما في كل من الجلسات السبع المنصرمة، أو انتقل فوراً الى الدورة الثانية لينتخب الرئيس، سيجد نفسه أمام حائط مسدود: في ظل موازين القوى الحالية بين الكتل، لن يلتئم إلا الثلثان على الأقل أولاً، ولا يملك أي من الفريقين أصوات الفوز من الدورة الثانية للاقتراع الملزم الحصول عليه مهما يبلغ عدد الدورات التالية. حتماً لا يُنتخب رئيس بالأكثرية النسبية، ولا الدستور يسمح.
أما أن يحصل الانتخاب، فمؤداه أن ثمة تسوية ما قد حصلت قبل الذهاب الى الجلسة، أو تمكّن أيٌّ من الفريقين من ليّ ذراع الآخر.
من أين تأتي التسوية إذذاك؟
الانطباع السائد أن الأبواب موصدة من الداخل، وأصحاب الأقفال لا يملكون المفاتيح. لا يتراجع أيٌّ من الفريقين عن خط الوصول الذي أضحى عليه حتى الجلسة السابعة: فريق الورقة البيضاء يظلّ يتمسك بها الى أن يفصح عن مرشحه، والفريق المؤيد لمعوّض كذلك الى أن يشعر بأنّ أوان التخلي عنه حلّ للذهاب الى مرشح ثالث. ربما يتطلب الانتظار وقتاً أكثر من مُضاعف للعدد الحالي من الجلسات المنعقدة. إلا أن المعلوم حاضراً أن كلا الفريقين غير مستعجل لتقديم تنازلاته. الجميع بذلك ينتظر الخارج الذي بدوره ينتظر الداخل.
على نحو كهذا، يدورون في الحلقة المقفلة وفي الوقت نفسه هم عاجزون عن كسرها.
لدى مسؤولين رسميين اعتقاد بمصدر مثلث للإخلال بالمعادلة الحالية المستعصية: الأميركيون والفرنسيون، والسعوديون، والإيرانيون. هم أصحاب التأثير على الكتل وتوجيهها. لكل منهم إصبعه الذي يمنع ويأذن ويُؤنّب.
بحسب هؤلاء ممن سمعوا من ممثلي أولئك مباشرة أو بالواسطة، ليس ثمّة ما يدعو الى توقع دور لهم في الوقت الحاضر:
1 - يقول الأميركيون والفرنسيون للمسؤولين اللبنانيين إنهم لن يتدخلوا في انتخابات الرئاسة اللبنانية، ما خلا الحضّ على إجرائها. لن يُسمّوا أيّ مرشح لئلّا يتحمّلوا تبعة إخفاقه أو خذلانه إياهم. لن يتدخلوا في الأسماء أياً تكن، لكنهم سيوافقون حكماً على مَن يتوافق عليه اللبنانيون لانتخابه رئيساً. إذذاك يدعمونه ويجهرون بموقف التأييد. سوى ذلك، هم المحسوبون الأكثر اهتماماً بلبنان، سينتظرون.
2 - لا يريد السعوديون التدخل في الاستحقاق الرئاسي وليس لديهم مرشح. يعرفون مَن يرفضونه من دون أن يصرّحوا بمَن يؤيدونه. يقاربون المشكلة من بعدها الأوسع الذي يتخطّى انتخاب الرئيس المقبل الى التحقق من الدور الذي سيضطلع به حزب الله في عهده. لا يريدون حتماً ما يرغب الحزب في تكراره في الاستحقاق الحالي، وهو إيصال أقوى حلفائه الى الرئاسة استعادة لتجربة الرئيس ميشال عون. بعض غلاة الذين يستنتجون وجهة نظر المملكة، أنها تفضّل أن لا تبصر لبنان أسير قبضة حزب الله. فحوى الموقف يكمن في الآتي: عندما يطالبها أفرقاء لبنانيون بالتدخل لإنقاذ انتخاب الرئيس، الجواب السعودي إذا كان ثمة جهد دولي وعربي فهي حاضرة للانضمام إليه. في صلب رأيها أن استمرار الشغور يقود الى خراب لبنان، وسيكون حزب الله جزءاً منه. أما انتخاب رئيس يقرره الحزب فخرابُه أعمّ.
3 - من غير المنطقي توقع استعداد إيران لتقديم أيّ تنازل في إنجاز الرئاسة اللبنانية في مرحلة تحتاج فيها الى التشدد والتصلب، وهي تخوض فيها اشتباكين ضاريين في آن: اضطرابات داخلية ونزاعات مفتوحة مع الخارج.
البناء: لا رئيس في ما تبقى من العام الحالي
فيما ينشغل اللبنانيون كسائر شعوب العالم بمشاهدة مباريات مونديال 2022 لكرة القدم في قطر، ويستعدون لاستقبال أعياد الميلاد ورأس السنة، يمضي أركان الدولة ومسؤولوها ومؤسساتها في تضييع الوقت وملء الشغور في سدة الرئاسة والفراغ الحكومي بسجالات سياسية عقيمة واتهامات متبادلة مبتذلة وقرارات مالية ومصرفية واجتماعية مجحفة واعتباطية وعشوائية، لن تؤدي إلا إلى مزيد من تفاقم الأزمات وإفقار الموظفين والمواطنين عموماً، وسط مخاطر تحذر منها مراجع سياسية واقتصادية ومالية في الاجتماعات المغلقة من وصول ارتفاع نسب الفقر والجوع والجرائم على أنواعها في المقبل من الأيام واقتراب البلاد من حافة الانهيار الأوسع والانفجار الأخطر في أول أشهر العام المقبل، في ضوء تحذير وزيري الشؤون الاجتماعية والمهجّرين من مخاطر أزمة النزوح على كافة الصعد في الداخل واقتراب نارها من أوروبا قريباً.
وفقدت ساحة النجمة بريقها بعدما تحوّلت جلسات مجلس النواب لانتخاب الرئيس إلى مسرحيات متكررة ملّ منها اللبنانيون الذين يستمتعون بمشاهدة مباريات المونديال بعيداً عن متاعب السياسة والهموم المعيشية، إذا لم يسجل مطلع الأسبوع ما يشي بتغير ما في جلسة الخميس المقبل التي ستكرّر نتيجة الجلسات الماضية.
ويجري البحث بين بعض القوى السياسية بأسماء مرشحين ويجري تداولها في السوق الرئاسي لكنها غير جدية، إلا أن معلومات “البناء” تؤكد بأن لا رئيس في ما تبقى من العام الحالي، على أن تعقد جلسة أخيرة في هذا العام ويتوقف رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة الى جلسات وينصرف الى مروحة اتصالات ولقاءات وحوارات فردية وثنائية وثلاثية في محاولة لتجسير الهوة بين الأطراف السياسية. وقد يتضمن هذا الحوار طرح أسماء على الكتل تستطيع تأمين نصاب الانعقاد والأغلبية للانتخاب. ووفق المعلومات، فإن الأسماء الثلاثة المتداولة بجدية حتى الساعة هم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير السابق زياد بارود وقائد الجيش العماد جوزيف عون.
ويتمسك الرئيس بري وفق ما نقلت عنه مصادر نيابية لـ”البناء” بنصاب الثلثين لانتخاب الرئيس لكي لا يتجاوز الميثاقية والشراكة الوطنية ولكي لا تنفرد أي طائفة أو فريق بفرض مرشح على الطائفة الأخرى، على الرغم من انتقاد البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الأخيرة، عدم إكمال دورة الاقتراع الثانية في الجلسات النيابية لانتخاب الرئيس.
في المقابل توضح مصادر فريق المقاومة لـ”البناء” أن “المواصفات التي يطلبها حزب الله في المرشحين للرئاسة غير تعجيزية وغريبة بل هي طبيعية في بلد كلبنان تحكمه التوازنات السياسية والطائفية والتسويات والمؤثرات الخارجية، ولذلك نتمسك بأن يكون الرئيس المقبل وطنياً ويملك قراره المستقل، ولا يخضع للضغوط والإملاءات الخارجية التي تستهدف البلد وإمكاناته وعناصر قوته وعلى رأسها المقاومة”.
وتشدّد المصادر على أن “تصويت كتلة الوفاء للمقاومة والكتل الحليفة بورقة بيضاء لا يخفي نية بتعطيل الاستحقاق الرئاسي أو انتظار الخارج وحساباته، بل لتجنب الطروحات التصعيدية ومرشحي التحدي. وهذا ما يعطل الحوار والانتخاب في آن معاً،ـ لذلك نحن بالورقة البيضاء ننتظر الحوار ونعطي الوسطاء فرصة للتوفيق بين الكتل للاتفاق على مرشح معين لانتخابه، لكن الطرف الآخر مصرّ على مرشح تحدٍّ يعلم انعدام حظوظه في سبع جلسات، ما يعني أن هذا الفريق ينتظر مؤشرات وإشارات خارجية لكي يتحرك على أساسها باتجاه تسوية كما حصل في تسويات سابقة حيث تنازل رئيس حزب القوات سمير جعجع عن ترشيحه وعقد تسوية مع التيار الوطني الحر أدّت الى انتخاب الرئيس ميشال عون».
ولفت وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري رداً على سؤال حول إمكانية حصول إبرام تسوية مع “القوات اللبنانية»، الى أن “كل شيء وارد”، ونحن نتمنى ان يكون هناك تفاهم مع التيار “الوطني الحر”. مشيراً الى أن فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون هما مرشحَان جديَان لرئاسة الجمهورية.
وفيما تتجه الأنظار الى القمة التي ستجمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أن يحضر الملف اللبناني عموماً بنقاشهما في ملفات عدة، في إطار الحراك الفرنسي في هذا السياق، تلفت أوساط نيابية مطلعة على الموقف السعودي في لبنان لـ”البناء” الى أن المملكة لم تعلن أي موقف بشأن الاستحقاق الرئاسي ولم تعلن تأييدها أو انحيازها لأي مرشح دون غيره، وبالتالي لا تؤيّد فرنجية ولا تضع فيتو عليه ولا تؤيد قائد الجيش أو غيره، بل ما يهمّها أن يتفق اللبنانيون أولاً، وأن تكون سياسة وتوجّهات المرشح واضحة لا لبس فيها، وأهمها شخصية سيادية وتتمسك باتفاق الطائف والإصلاحات ولا تخضع لنفوذ أطراف سياسية تملك مشاريع خارجية أبعد من لبنان، ولا تغطي تهديد أمن السعودية ودول الخليج والمحيط العربي. وهذه المواصفات التي تدفع القيادة السعودية لدعم أي تسوية رئاسية وحكومية لدعم لبنان مالياً واقتصادياً”.
وقبل أيام من الجلسة الثامنة وقد تكون ما قبل الأخيرة في هذا العام، جال وفد من الكونغرس الأميركي برئاسة النائب مارك تاكاتو وعضوية النائبين كولن الريد وكاتي بورتر على المسؤولين اللبنانيين، حيث أكد الوفد أهمية انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي والمضي بالإصلاحات.
وبعد زيارته السراي، حيث استقبله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، هنأ الوفد الحكومة على “جهودها في إنجاز مشاريع القوانين التي طلبها صندوق النقد الدولي والتي أحيلت الى مجلس النواب متمنياً الإسراع في إقرارها”. وشدّد “على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية”. والتقى الوفد الرئيس بري في عين التينة بحضور السفيرة الأميركية.
الديار: زيارة إستطلاعيّة أميركيّة دون نتائج... والتحرّك الفرنسي ــ القطري لملء الفراغ
اذا كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، قد طمأن الى وجود تطمينات خارجية «تصل إلى حدّ القرار» بأنّ أخذ لبنان إلى توترات وفوضى أمنية «ممنوع»، فان ما لم يقله ان هذه الدول لا تمنح الساحة اللبنانية اي اهتمام في الوقت الراهن، وهي منشغلة بقضايا اكثر اهمية، حيث لا يشكل لبنان اي اولوية لدى أحد، طالما ان الامن ممسوك والفوضى التي تهدد «اسرائيل» مستبعدة.
هذا يؤشر الى فترة فراغ طويلة بانتظار «لا شيء» محددا، وانما «القضاء والقدر»، ولعل جولة وفد الكونغرس الاميركي الاستطلاعية في بيروت، هي آخر الدلائل الحسية على غياب اي رؤية خارجية واضحة لكيفية الخروج من الازمة، عبر اجراء الاستحقاق الرئاسي العالق في «عنق زجاجة» الخلافات داخل البيت السياسي الواحد.
وفي هذا السياق، لا يعول كثيرا على اللقاء المرتقب بين الرئيس الاميركي جو بايدن مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون في واشنطن، فيما تبدو بعض المفارقات غير حاسمة، لكنها مثيرة للانتباه في الحراك الداخلي البعيد عن الاضواء، ومنها ان «الثنائي الشيعي» يخوض غمار التسويق لمرشحه غير المعلن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية عبر تقسيم الادوار، حيث يقوم حزب الله بمهمة الحوار الصعب مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، فيما يجري رئيس مجلس النواب نبيه بري محادثات متقدمة مع كل من الحزب «التقدمي الاشتراكي» و»القوات اللبنانية» لمحاولة ايجاد قواسم مشتركة حول فرنجية، الذي يبدو انه اقرب الى «معراب»، حيث تجري الاتصالات على «قدم وساق»، منه الى «ميرنا الشالوحي» حيث كل «الطرق» لا تزال مقطوعة».
في المقابل، تبقى الاجواء على ايجابياتها بين بكركي وحزب الله ، حيث يستمر تبادل «الرسائل» والافكار حول الاستحقاق الرئاسي على نحو مباشر ورسمي، فيما «يتخبط» حزب «الكتائب»، ويبدو مربكا وهو يحاول نفي «تهمة» لقاء حصل دون ادنى شك مع حزب الله، لكنه اختار «التنصل» منه، لانه يبدو محرجا امام جمهوره، بعدما اتضح انه يقول شيء في العلن ويعمل عكسه في السر! كما تقول مصادر مطلعة على اجواء اللقاء.
وفي الانتظار، تتقلب المنطقة على وقع تطورات استراتيجية سياسية وامنية متلاحقة تقودها تركيا التي تعد لعملية عسكرية في سوريا، وفي المقابل تبدي انفتاحا سياسيا على دمشق والقاهرة، فيما يمضي رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتانياهو قدما في تشكيل حكومة يمينية متطرفة، تؤشر الى انفجار كبير في الاراضي الفلسطينية المحتلة، دون ان تغيب الحدود الشمالية عن واجهة الاحداث، حيث عادت «اسرائيل» عبر تسريبات امنية في اعلامها للحديث عن ادخال حزب الله منظومة كاسرة للتوازن الجوي الى لبنان، وهي انظمة ايرانية متطورة، ستؤثر حتما في نتائج اي مواجهة محتملة؟!.
رئاسيا، وعشية جلسة الاخفاق الثامنة المقررة يوم الخميس المقبل، لا يبدو ان «طريق» التفاهم على رئيس تسوية في «متناول اليد» في غياب الحد الادنى من الاهتمام الاقليمي والدولي، حيث لا يمكن الرهان على اي حراك خارجي سواء فرنسي او قطري، وكل ما يحكى في هذا السياق مجرد «ثرثرة» لملء الفراغ «القاتل» في البلاد.
ووفقا لمصدر سياسي بارز، فان «الخواء» في جولة وفد الكونغرس الاميركي بالامس من اي افكار جادة او فهم لحقيقة ما يحصل على ارض الواقع، يؤشر الى وجود غياب اميركي تام عن الاهتمام بالساحة اللبنانية. وكان واضحا في اللقاءات مع اكثر من مسؤول ان اعضاء الوفد لديهم الكثير من الاسئلة، ولا يملكون اي اجوبة عن الاستحقاقات وكيفية مقاربة واشنطن لحل الازمات المتفاقمة. طبعا لم يغب حزب الله عن طرح هؤلاء من خلال تحميله المسؤولية عما وصلت اليه الامور في البلاد دون ان يقدموا اي دليل حسي على ذلك. وانما من باب الدعاية الاميركية «الممجوجة» وغير المثبتة بأي دليل.
ولم يقدم اعضاء الكونغرس توضيحا مقنعا حول دور الادارة الاميركية في تعطيل المحاولات اللبنانية لتنشيط قطاع الطاقة، وبقيت المحادثات تدور في حلقة مفرغة، واتضح ان الوفد في زيارة «استطلاعية» لا تقريرية، تنتهي باعداد تقارير لن تقدم او تؤخر في مسار التوجهات الاميركية الراهنة، لان ما حصل حتى الآن مجرد «تشاور» بين الدول الاقليمية والدولية، دون ان تصل الامور الى وضع الملف اللبناني على «الطاولة»، خصوصا ان الرياض لا تبدو معنية بالنقاش الآن، وتعرّض حوارها مع طهران لانتكاسة، والدوحة لا تلعب اي دور جدي في هذه المرحلة، والاولوية لديها تبقى انجاح «كأس العالم»، اما الدور فرنسي فتراجع «خطوة الى الوراء»بعد الموقف الفرنسي من الاحتجاجات في عدد من المدن الإيرانية. ولهذا تبدو الامور امام «حائط مسدود».
وكان الوفد برئاسة النائب مارك تاكاتو وعضوية النائبين كولن الريد وكاتي بورتر، التقى بحضور السفيرة الاميركية دوروثي شيا، الرئيسين بري وميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب ووزير الدفاع موريس سليم، وكرر قبل مغادرته لبنان المواقف التي لا «تثمن ولا تغني عن جوع»، مشددا على اهمية إنتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي والمضي بالإصلاحات. وهنأ من السراي الحكومي الحكومة على «جهودها في انجاز مشاريع القوانين التي طلبها صندوق النقد الدولي والتي أحيلت الى مجلس النواب متمنيا الاسراع في إقرارها». وشدد «على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية»، ودعا النواب «الى إنجاز هذا الأمر في أسرع وقت ممكن»، لافتاً «الى ان هناك تحديات كثيرة سيشهدها العام 2023 عالميا ومنها ما يتعلق بالأمن الغذائي وتأمين المساعدات من الولايات المتحدة للدول الصديقة، لذا يتوجب على المشرعين والساسة اللبنانيين بذل جهود كثيرة لوضع لبنان على سكة التعافي التي لا تتم من دون محاربة الفساد واقرار القوانين المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي».
في هذا الوقت، يعمل بري على «خط» «كليمونصو» «ومعراب» في محاولة لايجاد ارضية صالحة للنقاش حول ترشيح فرنجية، فيما لا يزال حزب الله على موقفه بعدم نقاش ترشيح اي مرشح ثالث مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، غير فرنجية، ويراهن على الوقت لاعادة اطلاق جولة جديدة من الحوار تحت عنوان الحفاظ على الحليف» البرتقالي» دون التخلي عن «زعيم» تيار المردة.
ووفقا للمعلومات، فان «طريق» رئيس المجلس النيابي «مش مسكرة»، ولكن ليست معبدة بعد، والنقاشات تبدو مسؤولة وجدية. والمفارقة في هذا السياق، ان «معراب» تبدو اقرب من «بنشعي» من «ميرنا الشالوحي»، واذا كانت التصريحات العلنية من قبل مسؤولي «القوات اللبنانية» تجزم بعدم امكانية الانفتاح على ترشيح فرنجية، الا ان «الباب» يبدو «مواربا» لاسباب غير واضحة حتى الآن، لا سيما ان كل الاطراف تناور سياسيا في الوقت الضائع، وتبدو اجواء «المردة» مرتاحة اكثر في التعاطي مع «القوات» من «التيار»، خصوصا ان الاتصالات لم تنقطع بين الجانبين منذ الـ 2018 اثر مصالحة بكركي، بينما لا تواصل راهنا مع التيار الوطني الحر، ومجرد تأكيد «القوات» انهم لن يعطلوا اي جلسة نيابية، اذا استطاع اي مرشح الحصول على النصف زائد واحد في الدوة الثانية، مؤشر ايجابي يبنى عليه. خصوصا ان نواب «القوات» يتحدثون عن امكانية تعطيل جلسة او جلستين لكن في نهاية المطاف سيتركون للديموقراطية ان تأخذ مجراها؟!
إقرأ المزيد في: لبنان
01/11/2024