لبنان
الحل الرئاسي بتوافق أو بتسوية.. وباريس تتحضر لمبادرة جديدة
يسيطر الركود على الحياة السياسية اللبنانية، وما خلا الجلسات النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية والتي تعيد ذات السيناريو كل أسبوع، لا جديد في مختلف الملفات الحساسة، سوى حديث عن مبادرة فرنسية تجاه لبنان في محاولة للوصول إلى تسوية ما بشأن انتخاب الرئيس العتيد.
وإلى جانب الملفات المحلية، اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم ببدء مونديال كرة القدم غدًا في قطر، والذي شيشغل العالم لأيام، ومنهم الشعب اللبناني الذي سينصرف عن همومه اليومية على كافة المستويات ويتسمّر أمام الشاشات لمتابعة مباريات كأس العالم.
"الأخبار": باريس تتحضر لمبادرة «أكثر وضوحاً»
مع قناعة جميع اللاعبين بأن وقت التفاهم لم يحن بعد بشأن الانتخابات الرئاسية. فإن انتظار نتائج من جلسات المجلس النيابي يبدو من دون طائل. لكن ذلك لا يمنع أن الجهود التي تبذل جانبياً باتت أكثر سرعة وكثافة من السابق، خصوصاً أن الطرف الخارجي يسعى إلى كسب لحظة الانقسامات الداخلية الواسعة لتمرير تفاهم يناسبه ولا يغضب اللبنانيين، وسط نقاش لم ينته بعد إلى نتيجة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والسعودية تريدان استقراراً فعلياً في لبنان، أم أنهما تدعمان فكرة تمادي الانهيار للدولة والمؤسسات والاقتصاد، مراهنتين على استسلام سياسي لبناني يتيح لهما إعادة تركيبة الحكم في لبنان بطريقة مختلفة.
ومرة جديدة، يشعر الجميع بأن كلمة السر التي ستفتح الأبواب أمام الحل ستأتي من الخارج، حتى ولو كانت نتيجة مشاورات وصفقات مع أطراف لبنانية. وفي هذه النقطة بالتحديد، يبرز الدور الفرنسي باعتباره العنصر الأبرز خارجياً، كون باريس لا تمثل نفسها في هذه المفاوضات، بل هي تعمل وفق مستوى معين من التفويض الأميركي وترغب بالحصول على تفويض مشابه من السعودية، ومتى توافر لها ذلك تعتقد أن بمقدورها التوصل إلى اتفاق يعيد تنظيم الحياة في مؤسسات الدولة، وحتى يتوضح فعلياً حجم التفويض المعطى للفرنسيين، فإن باريس حصرت جهودها في الآونة الأخيرة مع الأطراف التي تعتبرها صاحبة حق النقض أو صاحبة القدرة على تعطيل أي مشروع رئاسي أو حكومي أو حتى اقتصادي.
لكن المفارقة القائمة، لا تتعلق بالتناقضات اللبنانية حول الملف الرئاسي فقط، بل في كون ما هو ظاهر الآن، يتركز على خلافات جدية تعصف بالفريق السياسي الحليف لحزب الله، وهو فريق يشمل الحزب والتيار الوطني الحر وحركة أمل وتيار المردة وشخصيات أخرى. بينما لا يبدو الفريق الآخر الذي لا يمكن اعتباره متماسكاً بصورة دائمة، قادراً على فرض مسار يقود إلى نتيجة حاسمة. والأمر هنا يتصل أساساً بأن الحزب التقدمي الاشتراكي ليس منخرطاً بصورة مطلقة بلعبة ترشيح خصم لحزب الله مثل النائب ميشال معوض، كما أن قوى أخرى مثل «القوات اللبنانية» تبدو في النهاية أكثر التزاماً بما ستصل إليه السعودية من مفاوضات مع الأميركيين والفرنسيين والآخرين.
وبالعودة إلى تفاصيل الجهود الفرنسية. فقد أعدت السفيرة في بيروت آن غريو، برنامج لقاءات واتصالات من نوع مختلف عن المرحلة السابقة. حيث أنجزت المهمة الأولى بالاستطلاع العام، وباتت باريس على معرفة دقيقة بالمواقف الفعلية لجميع الأطراف. لكن باريس التي تسعى لأن تكون صاحبة الدور الأبرز، تسعى أيضاً لعدم ترك دورها رهن الملف الرئاسي فقط، بل هي تسعى لوضعية لبنانية تتيح لها بناء تحالفات تسمح لها بلعب دور مستدام، لا يحتاج إلى مصادقة أميركية دائمة. وهذا ما يجعل الفرنسيين يناقشون الأمر من زوايا مختلفة، وفي هذا السياق يسعى الفرنسيون إلى وضع خريطة طريق جديدة تفضي إلى التقدم بمبادرة واضحة للانتخابات الرئاسية معطوفة على الملف الحكومي والملف الاقتصادي أيضاً. وقد تنتظر هذه المبادرة المزيد من المشاورات الفرنسية مع الآخرين، خصوصاً مع الولايات المتحدة التي سيزورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قريباً إلى جانب المحادثات القائمة مع الجانب السعودي والتي يحرص الطرفان على عدم تناولها إعلامياً ولا حتى في المجالس الخاصة.
وبناء عليه، يعمل الفرنسيون الآن على خط رئيسي لا يقتصر على حوار مفتوح ودائم مع حزب الله، بل على السير في تواصل أوسع مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومع البطريرك الماروني بشارة الراعي. حيث يبدو أن هناك رهاناً مشتركاً لدى باريس من جهة والراعي وباسيل من جهة أخرى على إنتاج اسم من خارج الأقطاب البارزين، مثل زياد بارود، وتأمين توافق مسيحي أكبر عليه، انطلاقاً من شعور قوي لدى باسيل والراعي أن الأخير قادر على أن يكون مقنعاً لبقية المكونات المسيحية، بالتالي، سيكون سهلاً على الفرنسيين العمل على تسويقه عند بقية الأطراف في لبنان وخارجه، وسيضطر الأطراف في الجبهة الأخرى من الرئيس نبيه بري إلى حزب الله إلى النائب السابق وليد جنبلاط للسير به، إما لأن بعضهم (بري وجنبلاط) قد لا يجد مشكلة في تسوية مع بارود، أو لأن طرفاً مثل حزب الله سيكون الأكثر حرجاً بين جميع اللاعبين. وهذه النقطة وحدها، تستدعي نقاشاً من نوع آخر بين الحزب والتيار الوطني الحر.
توضيح حول لقاء باسيل وبري
جاءنا من مكتب النائب جبران باسيل الآتي:
إن ما ورد في جريدة الأخبار من تفاصيل حول ترتيب اللقاء الذي جمع الرئيس نبيه بري مع الوزير جبران باسيل والذي بقي بعيداً من الإعلام، ليست دقيقة وغير واقعية، فاللقاء جاء بمبادرة من السفيرة فرح بري، وقد رحب بها فوراً باسيل وبري. مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية واستمرار التواصل مع جميع المرجعيات والأحزاب السياسية في البلاد ومن ضمنها الرئيس بري من أجل إيصال لبنان إلى بر الأمان وإيجاد الحلول الوطنية لمسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووضع لبنان على سكة التعافي. وأضافت المعلومات أنه ليس هناك اتفاق مع بري بمعزل عن حزب الله.
"الجمهورية": خياران للحل: توافق بالتراضي .. أو تسوية بالإكراه
تشي الوقائع المرتبطة بالملف الرئاسي، باستحالة ردم الفجوة التي تفصل ما بين اطراف الصراع الداخلي، وهذه الإستحالة تتأكّد بالدليل القاطع في جلسات الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية. فيما ظلّ الملف اللبناني حاضراً على مائدة الدول، حيث كان ملف لبنان من ضمن جدول اعمال اللقاء الذي عُقد في بانكوك امس، بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ. وفي بيان للإليزيه، فإنّ الجانبين بحثا الوضع في لبنان والحرب في أوكرانيا. ودعا الرئيس ماكرون الى «انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في اقرب وقت، بهدف حسن تنفيذ برنامج الإصلاحات البنيوية التي لا غنى عنها لنهوض لبنان». وكان اتصال هاتفي قد جرى بين ماكرون وبن سلمان قبل ايام، توافقا خلاله على «تعزيز تعاونهما لتلبية الحاجات الإنسانية للبنان».
تشتت .. وعجز
في الصورة الداخلية الملبّدة بكمّ لا يُحصى من التعقيدات تُضاف اليها نوايا صريحة بالاشتباك، لا المعارضة المشتتة، قادرة على ان توحّد صفوفها حول مرشّح معين، وإنْ حصلت معجزة وفعلت، وحشدت له كلّ مساحاتها الصّوتية، ومنحته إيّاها مجتمعة صبّة واحدة، فلن تؤمّن له الاكثرية التي تمكّنه من العبور إلى القصر الجمهوري. ولا جبهة الخصوم المشتتة بدورها، قادرة على جمع شملها، ولا على الالتفاف حول مرشح معيّن وحسم انتخابه. وما بين الجبهتين المتصادمتين هروبٌ متعمّد من محاولة بناء مساحة توافق لحسم هذا الملف، والتشارك في إلقاء السنارة الرئاسية في بحر الفراغ واصطياد الرئيس التوافقي.
يقدّم هذا المشهد شهادة لا لبس فيها، عمّا بلغته الحياة السياسية من انحدار، وما تشهده الجلسات الانتخابية الفاشلة يلخّص مدى الانقسام الداخلي، والعجز الفاضح لأطرافه عن استيلاد رئيس. والجنوح فقط نحو تعميق الفجوة اكثر، وإبقاء الملف الرئاسي قابعاً في قعرها، مقّيداً بالتحدّي والأحقاد والكيديات والاستفزازات والنكايات والافتراءات والمراهقات والولدنات، التي تتبدّى في تلك الجلسات وخارجها، كما في السفرات الخارجية لبعض المنتفخين.
كل الأوراق مكشوفة
وعلى ما تؤشر الوقائع، فإنّ المراوحة الصدامية طويلة الأمد، فأوراق جميع الأطراف باتت مكشوفة، وكذلك حجم كل منها، ومدى قوة حضوره وفعاليته في الملف الرئاسي، والخلفيات والدوافع والحسابات التي يرتكز اليها كل طرف في تغليبه لمنطق التحدّي والخصام على منطق التفاهم والوئام. وإذا كانت بعض الاوساط السياسية قد قدّرت لهذه المراوحة ان تستمر لأسابيع قليلة، ارتكازاً على انّ البلد لا يحتمل الاستمرار في دوامة فارغة تعمّق ازمته اكثر وتزيد من معاناة الناس، الّا انّ بقاءها في مدار الصوت العالي بلا ضوابط، سيمدّها حتماً الى أشهر وربما اكثر، ويشحنها بتعقيدات صعبة وألغام تستحيل فكفكة صواعقها. وعلى ما يقول مسؤول كبير لـ»الجمهورية»، إنّ «هذه المراوحة بالغيوم الداكنة التي تظللها، قد تخلق واقعاً مأساوياً، يصبح معه لبنان اشبه بلقيط مرمي على رصيف الدول، ينتظر يداً تلتقطه، فلا يجدها».
خلاصة المشاورات
وعلى ما تكشف مصادر متابعة لحركة المشاورات الجارية خلف الكواليس لـ»الجمهورية»، فإنّ ما شهدته الايام الاخيرة من مجريات يتلخّص كما يلي:
- مشاورات متتالية ما بين ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله»، وحلفائهما، وخصوصاً انّ اسم المرشّح المدعوم من قِبل الثنائي بات محسوماً، وسيُصار الى الإعلان رسمياً عن ذلك في المدى القريب.
- لم يُسجّل اي تواصل مباشر ما بين اطراف الانقسام الداخلي، ومردّ ذلك انّ اي تواصل لن يفضي الى اي نتيجة، حيث بات من المسلّم به في موازاة المواقف المتصلبة وحسم كل الاطراف لخياراتها، انّ امكانية التوافق الداخلي على مرشح معين باتت مستبعدة كلياً أقلّه في الوقت الراهن.
- مشاورات صعبة أجراها «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر»، الذي يفترض انّه حليفه، وخلاصة النقاش عدم استجابة رئيس التيار النائب جبران باسيل، لرغبة الحزب بالسير في ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية. فباسيل يعتبر نفسه رئيس اكبر كتلة نيابية، لا يعطي الرئاسة لمن يتمثل بأربعة نواب، فضلاً عن انّه شخصية من موارنة الاطراف. وتردّد على هامش هذه المشاورات، انّ باسيل طرح إمكان عقد لقاء بينه وبين فرنجية لابلاغه مواجهةً بأسباب الرفض. مع الاشارة هنا الى انّ اعتبارات الرفض اعلنها باسيل في التسجيل المسرّب له قبل يومين. وعلى ما تؤكّد مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» فإنّ باب المشاورات لم يُغلق نهائياً بعد.
- تواكبت حركة المشاورات هذه مع مشاورات بعيدة من الأضواء بين اوساط مارونية سياسية وروحية، عرضت خلالها مجموعة من الأسماء تشكّل حلولاً وسط يمكن التفاهم على أي منها، تسرّبت منها ثلاثة اسماء تحديداً لكل من: الوزير السابق روجيه ديب، والسفير جورج خوري وقائد الجيش العماد جوزف عون. على انّ هذه اللائحة، وكما تردّد في بعض الاوساط المتابعة، قوبلت بلائحة مدعومة من باسيل، وتتضمن ثلاثة خيارات: اولاً، الوزير السابق منصور بطيش، باعتباره شخصية خبيرة ولديه رؤية اقتصادية، وثانياً الوزير السابق جان لوي قرداحي، الذي يمكن الّا يشكّل نقطة خلاف، وخصوصاً من حليفه الوحيد. وفي حال لم ينجح أي من الخيارين الاول والثاني فإنّ الخيار الثالث هو النائبة ندى البستاني. والثابت انّ هاتين اللائحتين لا تشكّلان نقطة توافق، لا على المستوى الماروني، ولا على مستوى سائر المكونات السياسية على جانبي الملف الرئاسي.
باسيل
وكان باسيل قد أعلن عبر مكتبه الاعلامي، «انّ لا اتفاق ابداً مع الرئيس نبيه بري بمعزل عن «حزب الله». كما اعلن انّه يعمل على إيجاد مرشح توافقي للرئاسة يكون قادراً على المضي قدماً في إصلاحات حاسمة، لكنه سيرشح نفسه للمنصب إذا رأى أنّ المرشح الذي وقع عليه الاختيار ليس بالخيار الجيد.
وقال في مقابلة مع «رويترز»: «أنا زعيم أكبر كتلة نيابية، ومن حقي تماماً أن أكون مرشحاً وأن أروّج اسمي، لكني أرى أنّ وجود لبنان أهم بكثير من هذا، ووجود لبنان الآن على المحك».
وأضاف «اتخذت قراراً بعدم تقديم نفسي من أجل تجنّب شغور الوظيفة وتسهيل عملية ضمان اختيار مرشح جيد يملك حظوظاً عالية للنجاح. لكنني لم أفعل ذلك من أجل إطالة أمد الفراغ واختيار مرشح سيئ لشغل المنصب. لن أقبل أن يكون لديّ رئيس سيئ، وفي هذه الحالة بالطبع سأترشح». وأمل باسيل أن تتحقق انفراجة في ملف الرئاسة بحلول نهاية العام، لكن التأخير يظل «خطيراً». وأضاف: «بصراحة، إذا لم ينجح ما نحاول القيام به، فأنا لا أرى فرصة (لملء الشغور) في المستقبل القريب، وقد يستمر الفراغ الرئاسي لفترة طويلة. لهذا السبب لا يستطيع البلد البقاء في هذا الوضع والتعايش معه. ولذا نحن بحاجة إلى النجاح في إيجاد حل».
وردّ عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب أنطوان حبشي على الكلام الاخير للنائب باسيل وقال: «فاقد الشيء لا يعطيه».
الديبلوماسيون على الخط
وعلى خط موازٍ، تتكثف الحركة الديبلوماسيّة العربية والغربية حول الملف الرئاسي، وتتقاطع عند ضرورة تقصير عمر الفراغ في سدّة الرئاسة الاولى، والمسارعة في انتخاب رئيس للجمهورية. وسُجّلت في هذا السياق جملة وقائع يلخّصها معنيون مباشرون بالملف الرئاسي كما يلي:
- مبادرة مصر إلى الدخول مباشرة على خط الاستحقاق الرئاسي، حيث اعطت الزيارة الاخيرة للسفير المصري إلى بكركي اشارة واضحة الى انّ مصر حاضرة في هذا الاستحقاق، ولها دورها في محاولة اتمامه بشكل توافقي بين الاطراف اللبنانيين. والحضور المصري كما يكشف متابعون له، سيكون اكثر زخماً في الآتي من الايام.
- المملكة العربية السعودية حاضرة بدورها في هذا الاستحقاق، والخط مفتوح سواء مع الاطراف الداخليين، او مع اصدقاء لبنان، وخصوصاً مع الفرنسيين.
- قطر ليست بعيدة من الملف اللبناني برمته، سواء عبر الحضور في ملفات اقتصادية، او في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، التي تبدو فيه كعامل مساعد على إنضاج تسوية يلتقي حولها كل الاطراف.
الولايات المتحدة الاميركية، لم تنزل بثقلها بعد على ساحة الاستحقاق الرئاسي، فلبنان ليس مدرجاً في أجندة اولوياتها في هذه المرحلة، سواء الداخلية التي كانت مرتبطة بالانتخابات النصفية، او الخارجية مع التطورات المتدحرجة على اكثر من ساحة، وخصوصاً في اوكرانيا. الّا انّ هذا لا يعني انّ واشنطن بعيدة من هذا الملف. وتبعاً لذلك، فإنّ الحضور الأميركي المباشر والمكثف على خط الملف الرئاسي قد يشهد بعض الزخم لإنضاج تسوية رئاسية، وبالتأكيد فإنّ هذا الحضور والتزخيم يتمان بحسب التوقيت الاميركي.
- الفرنسيون من الأساس اكثر الحاضرين في الملف اللبناني، في محاولة لاستنهاض وضعه واحتواء ازمته، وهم أكثر التصاقاً بالاستحقاق الرئاسي ليس في زمن الفراغ الحالي، بل منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وحركتهم ولقاءاتهم الشاملة مختلف التوجّهات السياسية، تنطلق من واقعية وموضوعية، وتفهّم لظروف واعتبارات كل الاطراف. ومن هنا، لا تسير الجهود الفرنسية بمنحى ضاغط على هذا الطرف او ذاك، بل بمنحى اقناعي للاطراف، بسلوك سبيل التوافق وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بناءً على هذا التوافق. وخصوصاً انّه بلا هذا التوافق لا مجال لأن يخرج الملف الرئاسي من خانة التعقيد.
- انّ خلاصة النقاشات والمداولات مع الديبلوماسيين، عكست بكل وضوح انّ لا «فيتو» فرنسياً او اميركياً، او عربياً على اي من المرشحين المطروحين، وتحديداً على الوزير السابق سليمان فرنجية، خلافاً لما يروّجه بعض اطراف الداخل.
مشروع تسوية
على انّ الأهم في موازاة كل ذلك، ما كشفته مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» عن جهود جدّية لإنضاج تسوية رئاسية، مؤيّدة من جهة عربية معنية مباشرة بالملف اللبناني. وقالت انّه على الرغم من الصخب الدائر بين الجبهات السياسية الداخلية، فإنّ صلاحية هذا الصخب تبقى سارية المفعول الى ان تُصاغ التسوية التي ستجذب كل الاطراف اليها. ومن هنا فإنّ بعض الاوساط المعنية بالاستحقاق، تبلّغت عبر قنوات ديبلوماسية وغير ديبلوماسية بأنّ مشروع تسوية بات في طور التسويق، لا يرتبط برئاسة الجمهورية وحدها، بل عبارة عن سلّة متكاملة تتضمن التوافق المسبق على رئيس الجمهورية وكذلك على رئيس الحكومة المقبلة. واللافت للانتباه، انّ هذا المشروع ، وإن كان لا يلبّي طروحات قوى المعارضة، التي ذهبت بعيداً في اعتراضها وفي مواصفاتها للرئيس الجديد، فإنّ مستويات سياسية أساسية وفاعلة في المسرح السياسي اعتبرته «قابلاً للبحث الجدّي».
3 طوابق
الى ذلك، سعت «الجمهورية» إلى تفاصيل اضافية حول «مشروع التسوية»، فأكّدت المصادر «أن لا شيء جاهزاً حتى الآن، وبمعنى اوضح لا شيء رسمياً او جدّياً حتى الآن، طالما انّ مسار الامور وفق الجو القائم لن يوصل الى مكان، وسياسة الصعود الى الاشجار لن تمكّن احداً من تطويع الاستحقاق الرئاسي بما يخدم مصلحته ويحقق غايته. والحل للمعضلة الرئاسية له مسرب وحيد، هو الجلوس على الطاولة والتوافق على شخصية موثوقة لرئاسة الجمهورية، وكان يمكن ان يتأمّن هذا الحل لو انّ اطراف الخلاف الداخلي، قرّرت ان تبلغ سن الرشد السياسي، وتذهب الى هذا التوافق على رئيس بإرادتها. اما وقد قرّرت اطراف الداخل الاّ تتوافق، فستجد نفسها في نهاية المطاف منصاعة بإرادتها او رغماً عنها، لإرادة اكبر منها، فانتخاب الرئيس سيحصل في نهاية المطاف، عبر تسوية من ثلاث طبقات، الطبقة الاولى لبنانية وتتلخّص بالتوافق، والثانية عربية ترعى هذا التوافق وتساعد عليه، والثالثة دولية تكمل الرعاية وتحصّن التوافق. وهذا ما سيحصل في نهاية المطاف. فلنتوافق بإرادتنا، حتى لا ينجرّ البعض الى هذا التوافق مكرهاً».
"اللواء": انتخاب الرئيس بين ماكرون وبن سلمان.. وسيناريو لمعالجة شغب باسيل
خلافاً لما هو ظاهر، تبدو الحديقة الخلفية للاهتمام العربي- الدولي في لبنان ناشطة، بهدف واضح، قوامه انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يليه تأليف حكومة، والعودة الي برنامج الاصلاحات الهيكلية في النظام اللبناني لا سيما في المجالات المالية والنقدية والمصرفية.
وفي هذا الاطار، كشف قصر الاليزيه عن ان اللقاء الذي عقد امس في بانكوك بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ، تطرق «الى الوضع في لبنان والحرب في اوكرانيا».
وشدد ماكرون على ضرورة انتخاب رئيس في اقرب وقت، بهدف حسن تنفيذ برنامج الاصلاحات البنوية التي لا غنى عنها لنهوض لبنان، وذلك خلال اتصال هاتفي بين ماكرون وبن سلمان السبت الماضي، حيث شددا ايضا على تعزيز تعاونهما لتلبية الحاجات الانسانية للبنانيين.
ولئن كان الفراغ الرئاسي يدخل بدءا من الاثنين المقبل، وقبل يوم واحد من عيد الاستقلال الـ79، اسبوعه الرابع منذ ان غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا الى منزله في الرابية، فإن الحراك الداخلي بقي معطلاً، ما خلا، الحركة الترويجية التي يقوم النائب جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، ليس فقط لمواجهة انتخاب النائب السابق سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، بل الى التشويش على المساعي العربية والدولية، والفرنسية بشكل خاص والسعي الى تسويق نفسه كمرشح لمواجهة ما يسميه «الفساد»، ومنع ولادة «ترويكا رئاسية» ثلاثية حتى لو ادى الموقف الى كشف ظاهري لخلاف مع حليفه «حزب الله».
وتربط مصادر قيادية في 8 آذار بين مسعى باسيل الخارجي، والرامي الى مقايضة رفع العقوبات الاميركية عنه، مقابل تسهيل انتخاب فرنجية.
وفي السياق، تتحدث المصادر عن سيناريوهات، منها عدم رغبة حزب الله باحراج رئيس التيار الوطني الحر بشرط الالتزام بتأمين النصاب المطلوب لانتخابه (اي فرنجية دون التصويت له).
ولا تخفي المصادر ان نوابا من التيار الوطني الحر، خلال اتصالات جانبية مع «الثنائي الشيعي» لم يخفوا توجههم لانتخاب فرنجية عندما يحين الوقت الجدي، بصرف النظر عن موقف باسيل وقيادته.
ومع غياب الحراك الداخلي لمعالجة ازمة الشغور الرئاسي التي تنهي اسبوعها الثالث بعد يومين ودخول الاسبوع الرابع، ومع نية رئيس المجلس نبيه بري اعادة مساعيه لفتح حوارحول الاستحقاق «لكن ليس بعد اقل من اسبوعين على ما قالت مصادر مطلعة لـ «اللواء»، لكنه لن يقف مكتوف الايدي حيال استمرار الشغور وهويعقد لقاءات ثنائية متقطعة مع بعض القوى كاللقاء الذي عقده مع النائب جبران باسيل، لكنها ستأخذ زخمها لاحقاً».
وما زالت تصريحات باسيل تُشير البلبلة، بعد التسجيل الصوتي المُسرّب له والذي أشعل سجالا حاداً مع الرئيس بري ومع تيار «المردة» بعدما اكد باسيل عدم دعمه لسليمان فرنجية. ولكن بعد تسريب معلومات صحافية امس عن لقاء غير معلن بينه وبين الرئيس بري بعد زيارته الى قطر وقبل سفره الى فرنسا، أعلن مكتب باسيل الاعلامي في بيان «أن اللقاء جاء بمبادرة من السفيرة فرح بري كريمة الرئيس بري وقد وافق ورحّب بها الطرفان، وأن باسيل أعلمَ حزب الله مُسبقاً بتاريخ الزيارة وأهدافها بعكس ما حاولت بعض وسائل الإعلام إظهاره وترويجه لناحية استبعاد الحزب من النقاش والحل».
وشدد المكتب على أن «لا اتّفاق أبداً مع بري بمعزل عن الحزب”، مؤكداً في الوقت نفسه أهمية التواصل بين جميع المرجعيات السياسية في البلاد من أجل إيصال لبنان إلى بر الأمان وإيجاد الحلول الوطنية لمسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووضع لبنان على سكّة التعافي».
لكن باسيل عاد وقال: إنه يعمل على إيجاد مرشح توافقي للرئاسة يكون قادراً على المضي قدما في إصلاحات حاسمة لكنه سيرشح نفسه للمنصب إذا رأى أن المرشح الذي وقع عليه الاختيار ليس بالخيار الجيد.
واضاف: أنا زعيم أكبر كتلة نيابية، ومن حقي تماماً أن أكون مرشحا وأن أروج اسمي، لكني أرى أن وجود لبنان أهم بكثير من هذا، ووجود لبنان الآن على المحك. واتخذت قرارا بعدم تقديم نفسي من أجل تجنب شغور الوظيفة وتسهيل عملية ضمان اختيار مرشح جيد يملك حظوظاً عالية للنجاح. لكنني لم أفعل ذلك من أجل إطالة أمد الفراغ واختيار مرشح سيئ لشغل المنصب. ولن أقبل أن يكون لدي رئيس سيئ وفي هذه الحالة بالطبع سأترشح.
وأمل باسيل «أن تتحقق انفراجة في ملف الرئاسة بحلول نهاية العام، لكن التأخير يظل «خطيرا». وأضاف: بصراحة، إذا لم ينجح ما نحاول القيام به، فأنا لا أرى فرصة (لملء الشغور) في المستقبل القريب، وقد يستمر الفراغ الرئاسي لفترة طويلة. لهذا السبب لا يستطيع البلد البقاء في هذا الوضع والتعايش معه. ولذا نحن بحاجة إلى النجاح في إيجاد حل.
ورأى باسيل «ان فرنجية ليس مرشحا توافقيا ولا يحظى بتمثيل وازن في المجلس النيابي». وقال: انا لا اتفق مع الحزب بأن حماية المقاومة وسلاحها هو الهّم الوحيد الآن، ولكنني اتفهم مخاوف الحزب واتفهم بالمقابل مخاوف الطرف الاخر المناهض له.
وفي الحراك السياسي، استقبل الرئيس برّي امس، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا، حيث جرى نقاش حول دور مجلس النواب في هذه المرحلة.
وقالت فرونتسكا عبر حسابها على «تويتر»: نقاش مفيد مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي حول الدور الحاسم لمجلس النواب في هذه المرحلة، بما في ذلك الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية والمضي قدما في اعتماد الإصلاحات الضرورية.
وأضافت: كما شددت على ضرورة البناء على التطورات الإيجابية، مثل الاتفاق حول الحدود البحرية والدعم الدولي المستمر للبنان.
وتعود اللجان المشتركة الاثنين لاستكمال مناقشة مشروع قانون الكابتال كونترول، في ضوء الاصرار على معالجة التباينات والخلافات التي تعيق اقراره، مع حرص بعض الكتل النيابية على حقوق المودعين.
عبود يحمل السلطة إعادة التشكيلات
قضائياً، شن رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود حملة على التدخل السياسي بكل اشكاله في عمل القضاء.
وقال خلال احتفال قسم اليمين القانونية (34 قاضياً متدرجاً) ان «لا قضاء مستقلا من دون تفعيل لعمل المحاكم واستكمال التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت، مضيفا: «إنه وقت إحداث التغيير المطلوب ووقت السير في الإصلاحات الذي يتطلب ثورة في الأداء».
وتابع «إن لبناننا الجديد، لبنان دولة القانون الذي نسعى إليه جميعا، لا يمكن أن يتحقق من دون قضاء مستقل، ولا قضاء مستقلا من دون إقرار قانون جديد يضمن استقلالية القضاء، وقد أثبتت التجربة، أن إرادة التغيير وحرية القرار غير المسندتين إلى قانون يكرس الاستقلالية، بقيتا عاجزتين عن إحداث الخرق المطلوب. ولا قضاء مستقلا من دون تشكيلات قضائية شاملة، وضعها ويضعها مجلس القضاء الأعلى دون سواه، الذي من المفترض أن يكتمل تشكيله ويفعل بأداء منسجم، مع الإشارة إلى أن كل هذه التشكيلات ترتكز على معايير موضوعية واضحة، وتستند إلى تقييم حقيقي وصحيح لعمل كل قاض وأدائه؛ وقد أثبتت التجربة أيضا، أن السلطة السياسية بمختلف مكوناتها، وقفت سدا منيعا أمام كل هذه التشيكلات الكاملة والجزئية مجهضة إياها بذرائع عدة، ليس من بينها تأمين حسن سير المرفق القضائي، إنما تأمين مصالحها الخاصة ومصالحها فقط. ولا قضاء مستقلا من دون متابعة للتنقية الذاتية، ومن دون تفتيش قضائي فاعل ومبادر؛ ولا قضاء مستقلا من دون تفعيل لعمل المحاكم وللملاحقات القضائية، ومن دون استكمال التحقيق في انفجار مرفأ بيروت؛ ولا قضاء مستقلا بلا تأمين مخصصات ورواتب تأتلف مع خطورة المسؤوليات الملقاة على عاتق القاضي وأهمية ما يؤديه، ومن دون إعادة تجهيز المحاكم وقصور العدل وتأمين مستلزمات العمل القضائي وموجباته، علما أن القضاء لم يكن ليصل إلى اعتكاف مبرر، لو تم التجاوب مع مطالبه البديهية والمحقة بهذا الصدد».
ووصفت مصادر سياسية حالة التعثر بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وارتفاع منسوب التهجم السياسي لرئيس التيار الوطني الحر ضد ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، واستهدافه لرئيس المجلس، وتوجيه انتقادات لحليفه الوحيد حزب الله، لميله الواضح لدعم ترشيح فرنجية، مرده إلى محاولة استباق ما ستؤول اليه، الاتصالات المحلية والاقليمية والدولية من تفاهمات بخصوص الشخصية التي ستنتخب للرئاسة الاولى، والتي لم يحسم امر تسميتها بعد وقالت: «يمكن وصف مايحدث من مناكفات وتجاذبات ورفع منسوب الخطاب السياسي، حتى بين اطراف تحالف قوى الثامن من اذار، الذين كانوا بمعظمهم منضبطين تحت جناح حزب الله، بانه محاولة للبروز والمبارزة وتظهير للاحجام والاوزان السياسية، واللعب في الوقت الضائع، ريثما يحين موعد الاتفاق النهائي على اسم الرئيس المقبل للجمهورية».
واشارت المصادر إلى ان تردي الخطاب السياسي لرئيس التيار الوطني الحر، ورشقه حلفاءه، قبل الخصوم، وتهشيمه لصورة خصمه السياسي سليمان فرنجية، قد يؤثر جزئياً على جانب من الانتخابات الرئاسية، واهتزاز مرحلي للعلاقات بينهما، الا انه لن يؤدي في خلاصته الى انقطاع العلاقات بينهم، كما حصل في أكثر من مناسبة وكأن اخرها الانتخابات النيابية الاخيرة.
واعتبرت المصادر ان ما يقوم به باسيل، من تصعيد الخطاب السياسي، والتهجم على كل من يعترض طريقه، انما يندرج في اطار النهج التعطيلي الذي يتبعه منذ توليه المسؤولية تحت عنوان» انا او لا احد»، لتحقيق مطالبه، ولكن هذه المرة ووجه خطابه بأشد عبارات الرفض وعدم التجاوب، بل بردود فعل سلبية.
وتوقعت المصادر ان تقوى حمى التراشق السياسي وفوضى المواقف والاطلالات الاعلامية، كلما اقترب موعد حسم الاستحقاق الرئاسي، وكلها تزيد من حماوة معركة الانتخابات الرئاسية، بينما يكون من الصعب جدا على أي من المرشحين وبينهم باسيل حجز الرئاسه لنفسه، مهما علا صوته، لانه بالاساس لايملك مقومات التنافس بمفرده، وكان يفوز بالمواقع والوزارات والمعارك السياسية بدعم حزب الله، كما حصل ابان الانتخابات النيابية الاخيرة.
معيشيا، وفي وقت ارتفعت اسعار البنزين والغاز أمس، اصدر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي تعميما الى جميع الادارات والمؤسسات العامة والبلديات وسائر اشخاص القانون العام بشأن تأمين حسن سير عمل الادارات والمرافق العامة بعد نشر موازنة 2022.
إقرأ المزيد في: لبنان
01/11/2024