لبنان
الناقورة على موعدٍ مع توقيع وثيقة تعيين الحدود.. والحكومة "مكانك راوح"
ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الخميس 27-10-2022 على الانجاز الوطني الذي يتحقّق اليوم بتوقيع وثيقة تعيين الحدود البحرية اللبنانية في الناقورة بحضور المبعوث الأميركي وممثلي الأمم المتحدة بما يضمن السيادة اللبنانية ببُعديها الجغرافي والاقتصادي.
واليوم، الذي استهلك مئات ساعات التفاوض وسنوات الانتظار، يتكلّل الموقف اللبناني الموحّد إلى جانب المقاومة المقتدرة التي ما أن دخلت على الخط وساندت الدولة بمطالبها، حتى بدأ التفاوض الجدّي تحت معادلة "الاستخراج مقابل الاستخراج".
أما على الملف الحكومي، تناولت الصحف تعثّر تشكيل حكومة جديدة في مقابل تعثّر انتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية، مستبعدةً تحقيق اختراق بملف تشكيل الحكومة في الايام القليلة المتبقية من ولاية الرئيس عون.
الأخبار: اتفاق تنقيب «تحت الزيح» لا اتفاق ترسيم
يمكن التقدير بأن جبران باسيل، مساء 13 تموز الماضي، كان أكثر المغتبطين بمعادلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «الاستخراج مقابل الاستخراج»، وبأن «المسألة ليست فقط بالاعتراف بالحدود البحرية، بل بالإذن للشركات باستخراج النفط والغاز. فلا يكفي أن يقولوا هذه حدودكم وممنوع على الشركات الاستخراج». يومها، أدرك باسيل، المهجوس بالتنقيب والاستخراج وبما «تحت الزيح»، لا بالخط و«الزيح»، أن «الشغل» بدأ فعلياً بعد عشر سنوات من التفاوض العقيم، وأن العمل بدأ على «اتفاق التنقيب» لا «اتفاق الترسيم»، وعلى «قانا مقابل كاريش» التي أطلقها باسيل نفسه في أيار الماضي.
كان الأميركيون والإسرائيليون قد فهموا جيّداً رسالة «مسيّرات» المقاومة فوق «كاريش»، في الثاني من الشهر نفسه، فلم يحتاجوا حتى إلى «جرعة تذكيرية» علنية. حدثت الانعطافة، وأُطلقت صفارة بدء التفاوض الجدّي، تحت معادلة «استخراج مقابل استخراج». معادلة مكّنت لبنان من البقاء واقفاً على رجليه بعدما تبلّغ من الأميركيين ثلاث مرات في الأيام الأخيرة من التفاوض بقرارهم وقف المفاوضات بسبب «التعنّت» اللبناني... وفي المرات الثلاث كان عاموس هوكشتين هو من يعاود التواصل مع الياس بو صعب ويستأنف المحادثات.
في لبنان، يحتاج الاتفاق على تعيين مأموري أحراج إلى توافق سياسي، فكيف الحال مع ملف بحجم ترسيم حدود بحرية واستخراج غاز وتنقيب عن النفط. لذلك، كان التفاوض يحتاج تناغماً تاماً بين الرؤساء الثلاثة، لعب بو صعب فيه دور المنسّق. كان لكل من شكرهم الرئيس ميشال عون في رسالته إلى اللبنانيين، مساء 13 تشرين الأول الجاري، من رؤساء وخبراء وتقنيين، دوره في الوصول إلى التفاهم. لكن، فعلياً، التفاوض على «الفاصلة والنقطة» كان مع باسيل، تحت «قبة صاروخية» وتوازن رعب وفّرهما حزب الله، ولم يتردّد هو في التلويح بهما: إذا لم نتفق فأمامكم حزب الله.
سيحلو لكثيرين، هنا، التصويب على «الصهر» باعتبار أن لا صفة رسمية له للخوض في مفاوضات تتعلق بترسيم حدود الدولة. وقد يصحّ ذلك، نظرياً. فما الذي يميز رئيس التيار الوطني الحر، مثلاً، عن رئيس القوات اللبنانية، ليكون الأول مفاوضاً يقبل ويرفض ويعدّل في مسوّدات كان متيقناً بأنها ستنتهي إلى اتفاق. في وقت كان الثاني يؤكّد، بيقين منقطع النظير عشية نجاح المفاوضات، بأن «القصة معقدة أكثر مما يراها البعض والحلّ ليس سهلاً»؟
بعيداً عن «سماجة» شعار «قوم بوس تيريز»، الجواب واضح: باسيل، بطبيعة الحال، أقرب المقربين إلى رئيس الجمهورية الذي يتولى الملف، وهو موثوق لدى حزب الله ويثق بالحزب ويؤمن بأن معادلة القوة هي ما يعيد للبنان حقه، أضف إلى أنه «ماسك» ملف النفط ويحفظه عن ظهر قلب منذ 2007 حتى ليصح فيه القول إنه «أبو المشروع النفطي» اللبناني.
أثناء زيارته الأولى لقصر بعبدا في تشرين الأول 2021، بعد تعيينه «وسيطاً» في ملف الترسيم، حرص هوكشتين على أن يروي للرئيس عون، أمام أعضاء الوفد، أنه استقبل باسيل، عام 2012، في «مكتب الطاقة» الذي أنشأته هيلاري كلينتون في الخارجية الأميركية، ولفته يومها إلمام الضيف اللبناني بملف الطاقة ورؤيته الاستراتيجية له. سيروي هوكشتين القصة نفسها في أكثر من لقاء مع أكثر من مسؤول لبناني لاحقاً.
بهذا المعنى، بدا أن الأميركيين، خصوصاً هوكشتين، هم من أرادوه مفاوضاً لإلمامه بتفاصيل الملف النفطي بعيداً عن الخطوط والمزايدات السياسية، ولامتلاكه - بحكم علاقته مع حزب الله - الغطاء اللازم. هكذا تجاوز الأميركيون العقوبات التي فرضوها هم عليه، وفاوضوا المعاقَب بتهمة الفساد على واحد من أهم الملفات الاستراتيجية والمالية في لبنان، وانفتحت له القنوات الديبلوماسية، بعدما سُدَّت أمامه كل الأبواب بإحكام منذ 17 تشرين 2019: التقى هوكشتين، وتواصل مع المسؤولين الفرنسيين من الإليزيه إلى الـ«كي دورسيه» مروراً بـ«توتال»، وزار القطريين والروس والأوروبيين.
من سبقوا هوكشتين من الوسطاء الأميركيين قاربوا ملف الترسيم من ناحية كونه نزاعاً حدودياً. فريدريك هوف اعتقد بأن خطاً وسطاً بين الـ 1 والـ 23 كفيل بأن يسيل لعاب اللبنانيين، وهو بالفعل أساله، لولا أن باسيل وحده من لم يوافق عليه.
رغم انحيازه «الطبيعي» للجانب الإسرائيلي، «ميزة» هوكشتين عمن سبقوه من الوسطاء في ملف الترسيم أنه خبير في النفط والغاز ويشغل منصب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة. وهو أراد مقاربة الملف من ضمن استراتيجية أمن الطاقة في العالم، لا مجرد حل نزاع حدودي ورسم خط فاصل. في لقائه مع باسيل، أثار اهتمامه ما قاله الأخير: «يهمنا ما تحت الزيح أكثر مما يهمنا الزيح نفسه».
ما يجعل من التفاهم على «الزيح» 23 وما تحته إنجازاً، ليس فقط في رسم الخط على الورق، بل في أن لبنان جاهز لبدء التنقيب فوراً، بعدما أدّى «كل فروضه» منذ عام 2010، وهي الفترة التي تعاقب خلالها وزراء التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة: أقر قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية، وأصدر 25 مرسوماً تعنى بالقواعد والأنظمة التي ترعى الأنشطة البترولية، وعيّن هيئة إدارة قطاع البترول، وأنجز المسوحات الجيوفيزيائية الثنائية والثلاثية الأبعاد وتحليلها، وأسّس غرفة المعلومات في وزارة الطاقة، وأطلق دورة التراخيص الأولى التي اجتذبت 54 شركة عالمية.
عملياً، كان لبنان جاهزاً للتنقيب منذ عام 2012، لولا أن «قوةً ما» منعت لأربع سنوات إنجاز مرسومي البلوكات ودفتر الشروط. منذاك، نبّه باسيل في مؤتمر صحافي في 4 أيلول 2013 من وجود «إرادة إسرائيلية وإقليمية لمنع لبنان من استخراج النفط، ويمكن أن نُوقف هذا الموضوع بإقرار مرسومي البلوكات ودفتر الشروط»، منبّهاً إلى أن تأخير إقرار المرسومين «يؤدي إلى تردد لدى بعض الشركات ويعطي أسبقية لإسرائيل»... وهو ما حدث فعلاً. بعدما كانت أكثر من 50 شركة عالمية مهتمة بالتنقيب في لبنان قبل سبع سنوات، مقابل شركة إسرائيلية واحدة في إسرائيل، انقلبت الأمور تماماً وبات العكس صحيحاً.
لذلك، في مفاوضات الشهور الأربعة الأخيرة، بعد عودة الملف إلى رئيس الجمهورية، كان التفاوض اللبناني يركز على شقين: الأول يتعلق برسم الخطوط، والثاني، الأهم والأكثر تعقيداً، يتعلق بأن ينص أي تفاهم على حق لبنان في بدء التنقيب فوراً، خصوصاً أن سنوات الحصار الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن السياسة الأميركية تتحكّم بكل شركات النفط، وأن هذه جميعها تلتزم القرارات الأميركية. إعلان «توتال» اكتشاف كميات تجارية في البلوك رقم 4 ثم تراجعها عن هذا الكشف، مثال على السطوة الأميركية. مثال آخر على هذه السطوة، هو رفض الجانب الأميركي أي إشارة إلى فرنسا، ولو حتى بكلمة شكر، في نص الاتفاقية. بعيداً عن كل ما ذُكر عن عقبات اعترضت الاتفاق، كان الأسبوعان الأخيران يدوران حول نقطة أساسية: التنقيب في لبنان فوراً... وهو ما نجح لبنان في انتزاعه.
البناء: اليوم يدخل لبنان بقوة مقاومته نادي النفط والغاز دون اعتراف وتطبيع
يسجل لبنان اليوم، رغم كل محاولات التشكيك النابعة من الكيد السياسي والمزايدات الفارغة، طالما أن أصحابها الذين يلبسون ثوب الدفاع عن السيادة كانوا من أشدّ المدافعين عن اتفاق 17 أيار عام 1983، وأكثرهم وطنية متمسك باتفاق الهدنة، ويرفضون رؤية حقيقة أن لبنان انتزع صيغة مبتكرة تجاوزت كل احتمالات توقيع اتفاق او تفاهم مع كيان الاحتلال، او التسليم بأي نوع من أنواع الاعتراف بوجود الكيان ولو من حيث الشكل، فكان الاطار الاميركي الناظم لثروات النفط والغاز، بمثابة وثيقة طرف ثالث، يتبلغ من الطرفين الموافقة على الإطار، الذي ضمن للبنان عدم ربط حصوله على حصته من النفط والغاز بأي شكل من التطبيع او التسليم بقبول الأمر الواقع لترسيم الحدود في خط الطفافات، ما يعني بقاء الترسيم معلقاً، ودون أي اشارة الى اي ترتيبات أمنية أو لجان تنسيق، بصورة تفوّقت على ما ضمنه اتفاق الهدنة من ثوابت السيادة اللبنانية، وما ضمنه تفاهم نيسان أيضاً.
يذهب الوفد اللبناني اليوم الى الناقورة ليوقع بحضور الوسيط الأميركي رسالة القبول بالإطار الناظم، وبحضور ممثلي الأمم المتحدة لتوقيع رسالة اعتماد الاحداثيات الجغرافية لحقول النفط والغاز التي تضمنها الاطار الناظم، ويسلم كل طرف ما يتصل بدوره في تطبيق الإطار الناظم، ويعود دون أن يلتقي بالوفد الإسرائيلي، أو يوقع معه اتفاقاً، ودون أن ينتهي التوقيع باحتفال مشترك وصور تذكارية، كما كانت الرغبة الأميركية والطلب الإسرائيلي، اللذان رفضهما لبنان.
الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين أمضى ليلته في بيروت وهو يضع اللمسات اللوجستية الأخيرة على تفاصيل ترتيبات اليوم، الذي استهلك مئات ساعات التفاوض وسنوات الانتظار، صمد خلالها لبنان، ونجح أخيراً عندما دخلت مقاومته على الخط بوضع الأمور في نصاب المعادلة التي رسمتها المقاومة في لحظة دولية واقليمية دقيقة، مفادها لا غاز لأحد من المتوسط دون ان ينال لبنان مطالبه، بينما الأميركي والأوروبي والإسرائيلي بأشدّ الحاجة لبدء استخراج الغاز، والخيار بين التزام هذه المعادلة او قبول الذهاب الى الحرب في توقيت لا تملك «إسرائيل» قدرة تحمل تبعات الحرب وخوضها، ولا تتحمل اميركا رؤية حرب جديدة في العالم تعطل تدفق الطاقة وهي تعجز عن التأقلم مع النتائج الكارثية لحرب أوكرانيا.
النجاح اللبناني الاستراتيجي يقابله العجز في المسائل الأقل أهمية وحيوية على أهميتها، فالفشل لا يزال سيد الموقف في مقاربة الملف الحكومي المتعثر مع اقتراب ساعة مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقصر بعبدا وإعلان انتهاء ولايته الرئاسية، بينما المجلس النيابي يفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
مساعي تشكيل الحكومة الجديدة لم تتوقف واحتمال النجاح، وفقاً لمصادر متابعة، لا يزال قائماً، وكلما ضاقت المسافة الفاصلة عن نهاية الولاية الرئاسية، تزداد الجهود زخماً رغم تراجع نسبة التفاؤل، وتقول المصادر إن هذه الجهود لا تراوح مكانها بل تُحرز تقدماً، ما يفتح الباب لجعل بقاء فرضية ولادة الحكومة على الطاولة طرحاً واقعياً.
كذلك في الملف الرئاسي حيث لم يعد على الطاولة سوى دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار من أجل التوافق على اسم رئيس يستطيع تأمين نصاب الحضور بـ 86 نائباً، وتجميع 65 نائباً على الأقل لانتخابه، وهو ما بدا انه غير متوفر لكل الأسماء التي تم تداولها في جلسات الانتخاب، ما يعني استبعادها عن التداول عملياً ولو بقيت منعاً للإحراج ضمن التداول، وبعد موقف متحفظ للقوات اللبنانية عبر عنه رئيس حزب القوات سمير جعجع، قالت مصادر قواتية إن التجاوب مع الدعوة سيغلب على الأرجح فرضية مقاطعتها، وربما تقترح القوات تشاوراً ثنائياً يديره رئيس المجلس بين الكتل بدلاً من جمع الكتل على طاولة واحدة، بينما أعلن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، التجاوب مع دعوة بري، رغم وضعه إطاراً سياسياً معاكساً لتبرير مواقف حزبه في قلب إعلانه للاستجابة لدعوة الحوار.
وعلى مسافة خمسة أيام من نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون والدخول في الفراغ المزدوج الرئاسي والحكومي إن لم تؤلف حكومة جديدة في ربع الساعة الأخير، تتجه الأنظار اليوم الى الجنوب حيث تشهد منطقة الناقورة توقيع تفاهم ترسيم الحدود الاقتصادية بين لبنان والعدو الإسرائيلي كل على حدة، برعاية الأمم المتحدة والوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي وصل مساء امس الى بيروت، وبدأ جولته بلقاء مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب.
وأعلنت السفارة الأميركية في لبنان في بيان أمس عن وصول الوسيط الأميركي إلى بيروت، لوضع اللمسات الأخيرة على «الاتفاقية التاريخية لوضع حدود بحرية دائمة بين لبنان و»إسرائيل»». ولفتت الى أن «هوكشتاين سيجتمع بالرئيس ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، «للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات».
ووفقاً للبيان سيتوجه هوكشتاين إلى الناقورة، لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق الترسيم حيز التنفيذ، إذ سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة. كما سيتوجه هوكشتاين إلى «إسرائيل»، حيث سيلتقي رئيس الوزراء يائير لبيد، و»يشكره وفريقه على دبلوماسيتهم من أجل التوصل لحل بشأن هذا الملف الحساس».
النهار: يوم تاريخي: إبرام اتفاق الترسيم في نهاية العهد
مثلما شكل اختراقا لدى التوصل اليه قبل فترة قصيرة وسط ظروف لبنان الدراماتيكية واقترابه من العد العكسي لنهاية العهد وسط أجواء مأزومة، يبلغ مسار اتفاق #ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة ورعاية الأمم المتحدة اليوم محطته الرسمية النهائية في احتفال "غامض" بمراسمه في الناقورة، إيذانا بسريان هذا الاتفاق التاريخي.
وإذ بدا لافتا ان أي برنامج رسمي معلن لـ"مراسم" ابرام الاتفاق ولا حتى للساعة المحددة له بعد ظهر اليوم في الناقورة، لم يكن اعلن حتى ليل امس، كما لم يكشف الوفد اللبناني الذي سيوكل اليه رئيس الجمهورية ميشال عون تسليم وثائق الاتفاق، بدا واضحا ان العهد انتظر وصول الوسيط الاميركي في ملف الترسيم #آموس هوكشتاين الى بيروت قبل اعلان أي خطوة. ولكن ذلك لم يقلل الدلالات البارزة لليوم "التاريخي" لابرام الاتفاق او بالأحرى لتبادل وثائق الاتفاق وما تشتمل عليها من رسالة أميركية تتضمن النص النهائي للاتفاق. ولعل المفارقة اللافتة التي تواكب هذا "اليوم التاريخي" تتمثل في ان حدث الترسيم الذي تردد انه قد يحجب عن التغطية الإعلامية المباشرة يخترق بطبيعته الاستثنائية اللحظة التي يجتازها لبنان قبل ثلاثة أيام فقط من يوم مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا الاحد المقبل، إيذانا بنهاية ولايته في اليوم التالي الموافق الاثنين 31 تشرين الأول.
كما ان جولة هوكشتاين قبل ظهر اليوم على الرؤساء الثلاثة لن تحجب خلفية المأزق الداخلي المأزوم الذي يرقى الى ازمة دستورية بالغة الخطورة في تردداتها بإزاء فراغ رئاسي صار امرا واقعا مثبتا من جهة، ونزاع بين العهد المتأهب للرحيل ورئيس حكومة تصريف الاعمال حال دون تسوية لتشكيل حكومة او اعلان حكومة معدلة. لكن احتمالات التوصل قبل ساعات من نهاية العهد الى هذه التسوية صار اشبه بوهم.
وقد وصف الرئيس الأميركي جو بايدن خلال استقباله امس في البيت الأبيض الرئيس الإسرائيلي يتسحاك يرتزوغ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بأنه "فتح تاريخ"، قائلا إنها "تتطلب شجاعة حقيقية". واعتبر بايدن ان اتفاق الترسيم تطلب شجاعة من الطرفين وديبلوماسية حازمة، وسيسمح بتطوير حقوق الطاقة للبلدين ويخلق فرصًا إقتصادية للبنان ويوفر الأمن لإسرائيل.
وقبيل وصول هوكشتاين مساء امس الى بيروت وزعت السفارة الأميركية نص بيان اصدره مكتب المتحدث باسم الخارجية الأميركية وجاء فيه ان "المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين يزور لبنان اليوم (امس) لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية التاريخية لوضع حدود بحرية دائمة بين لبنان وإسرائيل. وسوف يجتمع هوكشتاين في بيروت بالرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب #نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات، والتي تم وضع أسسها في اتفاق الاطار سنة 2020 بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
بعد ذلك سوف يزور هوكشتاين الناقورة لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ. وبعد ذلك سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة. سيتوجه هوكشتاين بعد ذلك إلى إسرائيل حيث سيلتقي رئيس الوزراء يائير لابيد ويشكره وفريقه على ديبلوماسيتهم المثابرة والمبنية على المبادئ من أجل التوصل إلى حل بشأن هذا الملف الحساس".
وعلم ان هوكشتاين الذي زار بعيد وصوله مساء امس نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب سيزور قصر بعبدا في التاسعة والنصف صباح اليوم ليسلم الى الرئيس عون المذكرة التي تتضمن الاتفاق وقد يوقع عون على المذكرة وتسلم للوفد اللبناني الذي سيكلف بتسليمها في الناقورة . وسيدلي هوكشتاين ببيان قبل ان ينتقل الى السرايا ثم الى عين التينة في لقاءين اخرين سريعين .
وعشية يوم ابرام الاتفاق بدا ان الإجراءات الايلة للشروع في عملية استكشاف الغاز من الجانب اللبناني قد اتخذت منحى سريعا فيما اعلن في إسرائيل الشروع في عملية استخراج الغاز. وأفادت وكالة "رويترز" ان حكومة تصريف الأعمال في لبنان وافقت على التنازل عن 40% من حصة "توتال إنرجيز" في كونسورتيوم لاستشكاف الرقعة 9 في المياه البحرية اللبنانية إلى شركة "داجا 215".
ولكن مصادر مطلعة أوضحت لاحقا أنّ شركة توتال الفرنسية لم تتنازل عن حصة الـ40% التي تملكها في الكونسورتيوم الذي يفترض أن يعمل في البلوك رقم 9، بل قامت بنقلها إلى شركة تابعة لها تدعى داجا 215 . واوضحت أنّ شركة توتال التي كان يفترض أن تعمل في البلوك رقم 9 هي شركة TOTAL EP LEBANON وهي شركة تابعة لتوتال الأمّ، ولكنها شركة مسجلة في لبنان. وبالتالي، فبموجب إتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل لا يحق لها العمل في البلوك رقم 9 وتحديدًا بقعة قانا منعًا لأي تطبيع، ولذلك جرى نقل حصة الـ40% لشركة أخرى تابعة لتوتال غير مسجلة في لبنان. وبدورها اكدت مصادر وزارة الطاقة أن حصة نوفاتك والتي تبلغ 20% من حصة كونسورتيوم استكشاف الرقعة 9 آلت إلى لبنان الذي حولها بشكل مؤقت الى داجا 216 وهي شركة مملوكة من توتال، على تتحول هذه الحصة لاحقا الى مشغل عالمي ينضم الى التحالف خلال مهلة 3 أشهر. وأضافت هذه المصادر ان وزارة الطاقة تسلمت "رسالة نيات" من وزارة الطاقة القطرية تعرب عن نية Qatar energie التابعة للدولة القطرية بالاستحواذ على هذه الحصة، كما أعربت عن رغبتها بأن تزيد حصتها بأخذ 5% من حصة توتال و5 بالمئة من حصة eni في الكونسورتيوم فتصبح الحصص على الشكل الاتي: 35 في المئة لتوتال ، 35 في المئة لايني ، 30 في المئة لقطر .
وكشف وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب بأنّ "شركة "توتال" ستبدأ العمل في حقل قانا للتنقيب عن الغاز بعد توقيع الإتّفاق". وقال بو حبيب "سننشر نصّ إتّفاق ترسيم الحدود البحرية رسميا بعد التوقيع عليه". واضاف: "أمل كبير لدى اللبنانيين بأن يصبح لبنان بلدًا نفطيًا". وأكّد أنّ "لا تعقيدات بشأن محادثات ترسيم الحدود البحرية مع #سوريا"، وأضاف: "سنتفق على موعد آخر مع السوريين لبدء محادثات ترسيم الحدود".
الجمهورية: "التأليف" يصطدم باللاثقة
بدأ حبس الانفاس واشتدّ الكباش مع اقتراب العد العكسي من ساعة الصفر لحظة سقوط قلم التوقيع من يد رئيس الجمهورية عند الثانية عشرة ليل الاثنين المقبل…
وقد سَرت في الساعات الاخيرة أجواء اتهمت اوساط ميقاتي «التيار الوطني الحر» ببثّها حول حصول حلحلة في التأليف مع ترجيح ولادة الحكومة خلال يومين. لكن مصدراً سياسياً رفيعاً مُطلعاً على ملف التأليف دَحض هذه الاجواء وكشفَ لـ«الجمهورية» ان «التيار سبق له ان اعتمد هذه الافلام ليُلقي اللوم على الرئيس المكلف ويتهمه بالعرقلة، فيما حقيقة الامر ان رئيس التيار النائب جبران باسيل لا يزال عند موقفه بعدم اعطاء الثقة لحكومة ميقاتي».
وروى المصدر لـ«الجمهورية» آخر المفاوضات التي اصطدمت بشرط الثقة قائلاً «انّ ميقاتي رضي بالهَم والهم لم يرض به، فبعد ان تم الاتفاق على تغيير ٦ وزراء داخل الحكومة (سني - شيعي - درزي - ٣ مسيحيين قريبين من التيار يختارهم باسيل) توقّف النقاش والتفاوض عندما سأل ميقاتي عن الثقة، فكان جواب باسيل: « لا ثقة».
واضاف المصدر ان ميقاتي استَفزّه كثيراً هذا الامر واستاء من طريقة التعاطي، فبعد ان قبل بشروط باسيل الذي أكلَ عليه حق معرفة الاسماء الثلاثة وحقائبهم لأنهم «يخصّونه» فلا يكشفهم الا قبل ربع ساعة من اصدار المراسيم، أصرّ على انّ الثقة حق مكتسب له ولكتلته وهو يقرر ما اذا كان سيعطيها والارجح انه لن يعطيها. هنا فرملَ الرئيس المكلف العملية وقال للوسطاء «لا حكومة الا اذا قبلوا بالشروط التي وضعتها وفي مقدمها الثقة». فأُطفئت المحركات في انتظار صدمة ما اصبحت صعبة في هذا المناخ».
وعن امكانية حصول مفاجآت في ظل ضيق الوقت، اشار المصدر الى انه «لا يزال هناك عملياً 5 ايام، واذا ما حسمنا منها خميس التواقيع وأحد المغادرة تبقى 3 ايام»…
لكن المصدر يعود ويسأل: ما الذي يمكن ان يحصل؟ لا شيء على الارجح الا اذا كان باسيل يريد رَد الصاع صاعين لميقاتي، فالاخير لعبَ على ضيق الوقت حتى لا يتسنّى لرئيس الجمهورية ترؤس أي جلسة يمكن ان يطرح من خارج جدول اعمالها بنداً، وباسيل يريد ان يبتزّ ميقاتي حتى آخر نفس»…
ويختم المصدر «انّ العهد الذي ينشغل بآخر ايامه بتعليق النياشين، وآخرها على صدر هوكشتاين اليوم، لم يَشأ ان يمحو من صفحاته في آخر صلاحياته ومحطاته انه بالفعل في بعبدا كان هناك رئيسان: الاول يُفاوض والثاني يوقّع».
إقرأ المزيد في: لبنان
01/11/2024