لبنان
الرئيس عون للبنانيين: حققنا انجاز "ترسيم" الحدود البحرية بفعل صمودكم ونضال مقاومتكم
أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدّها الوسيط الأميركي لتعيين الحدود البحرية الجنوبية، وأنّ "هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة".
وشكر الرئيس عون "كل من وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط، وفي عدم تقديمه أي تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض."
وفي كلمة وجهها إلى اللبنانيين عند الساعة الثامنة من مساء اليوم الخميس وتم بثها على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، استعرض الرئيس عون المراحل التي قطعها مسار ملف الترسيم منذ العام 2010 وحتى اليوم، مع كل العقبات والصعوبات المحلية والخارجية التي واجهته، والعراقيل التي وضعت في وجهه لأسباب سياسية، مشيرًا إلى أنه بالتزامن، كان على لبنان أن يفعّل عملية ترسيم حدوده البحرية لا سيما الجنوبية منها، وتصحيح أخطاء وقعت في الترسيم مع قبرص.
وقال عون إنّ "من حق لبنان أن يعتبر ما تحقق بالأمس إنجازًا تاريخيًا، لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترًا مربعًا كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أيّ كيلومتر واحد لـ "إسرائيل"، كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أيّ تعويض يُدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا. كذلك لم تُمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي استحدثته "إسرائيل" بعد انسحابها من أراضينا في العام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع "إسرائيل"، ولم تُعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها".
وكشف أنّ "الاتفاق ينصّ على كيفية حل أيّ خلافات في المستقبل، أو في حال ظهور أي مكمن نفطي آخر مشترك على جانبي الحدود، ما يضفي طمأنينة وشعورًا أقوى بالاستقرار على طرفي الحدود"، وأضاف "بتنا قادرين اليوم، بعدما استعـدنا زمام المبادرة، بفضل المثابرة والجهد والدفاع عن ما هو حق لنا وللأجيال المقبلة التي نأمل أن تعيش في زمن أفضل من الزمن الذي عشنا فيه. وأن ينشأ الصندوق السيادي الذي يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدم بهذا الشأن".
وأوضح الرئيس عون أنّ "الخطوة التالية يجب أن تكون التوجه الى عقد محادثات مع سوريا لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كيلومتر مربع، وذلك عن طريق التباحث الأخوي. كذلك تنبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلًا".
وتوجّه الرئيس عون إلى اللبنانيين بالقول: "من خلال صمودكم وثباتكم ونضال مقاومتكم التي أثبتت أنّها عنصر قوة للبنان، ساهمتم في تحصين الموقف اللبناني في التفاوض، كما في المواجهة، وحقـقـتـم هذا الإنجاز، لكم وللأجيال الآتية، كل ذلك من أجل رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره وراحة أبنائه."
تفاصيل الكلمة
قال الرئيس عون في مستهل كلمته: "رسالتي إليكم اليوم تتناول موضوعًا واحدًا يتعلّق بالمفاوضات الشاقة والصعبة التي خاضها لبنان في السنوات العشر الماضية لـ"ترسيم" حدوده البحرية الجنوبية واستخراج نفطه والتي وصلت إلى نهاية إيجابية".
وتمنّى أن تكون نهاية هذه المفاوضات بدايةً واعدةً تضع الحجر الأساس لنهوضٍ اقتصادي يحتاجه لبنان من خلال استكمال التنقيب عن النفط والغاز، ما يحقّق استقرارًا وأمانًا وإنماءً يحتاج إليها لبنان.
وأشار الرئيس عون إلى أنَّه بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة وبصفته رئيس الدولة، وبعد إبلاغه من الرئيس الأميركي جو بايدن موافقة الكيان الصهيوني، وبعد إعلان الحكومة "الإسرائيلية" موافقتها، يعلن موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدّها المبعوث الأميركي لتعيين الحدود البحرية الجنوبية.
ورأى أنَّ هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقه كاملة، شاكرًا "كل من وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط وفي عدم تقديمه أيّ تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أيّ نوع من أنواع التطبيع المرفوض".
رئيس الجمهورية أوضح أنَّ "ما وصلنا إليه بالأمس في ملف "الترسيم" البحري ولاحقًا التنقيب ثم الاستخراج، لم يكن وليد الساعة، بل هو ثمرة مسيرة طويلة بدأت عام 2010 عندما أعدّت وزارة الطاقة والمياه التي كان يتولاها الوزير جبران باسيل مشروع قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية".
وأضاف: "أُقر مشروع قانون الموارد البترولية في مجلس النواب في 17 آب 2010، ثم إصدار 25 مرسومًا تعنى بالقواعد والأنظمة التي ترعى الأنشطة البترولية وتعيين هيئة إدارة قطاع البترول عام 2012 كما كان إنجاز المسوحات الجيوفيزيائية الثنائية والثلاثية الأبعاد وتحليلها، وتأسيس غرفة المعلومات".
وتابع: "في أيار عام 2013 أعلن عن إطلاق دورة التراخيص الأولى في المياه البحرية اللبنانية على أمل إقرار مرسوم تقسيم المياه البحرية إلى بلوكات ومرسوم نموذج عقد الاستكشاف والإنتاج الذي يفترض أن يوقَّع مع الشركات الفائزة، وقد جذب إطلاق دورة التراخيص الأولى 54 شركة من كبريات الشركات العالمية".
ولفت الرئيس عون إلى أنَّ "المماحكات السياسية والحجج التي تذرع بها البعض، وسعي البعض الآخر إلى عرقلة المشاريعَ الحيوية التي كان يعمل عليها الفريق الوزاري الذي يمثلنا في الحكومات المتعاقبة لأسباب سياسية بحتة، أدّت إلى تجميد تلك الاندفاعة ووقف المرسومين، واستمر هذا الوضع على هذه الحال أكثر من أربع سنوات".
كما قال: "عندما وصلت إلى موقع الرئاسة سعيت لفك القيود لأني كنت أُدرك ما يعني أن يكون لبنان بلدًا نفطيًا فأصريت في أول جلسة مجلس وزراء في كانون الثاني/يناير 2017 على إدراج المرسومين المتبقيين لإقفال دورة التراخيص في البند الأول لجدول الأعمال".
وأردف رئيس الجمهورية قائلًا: "في آذار/مارس 2017 تأهلت 54 شركة للمشاركة في دورة التراخيص الأولى التي أقفلت في 12 تشرين الأول/اكتوبر 2017 وفاز بعقود الاستكشاف والإنتاج في البلوكين 4 و9 ائتلاف واحد مؤلف من شركة "توتال" الفرنسية و"ايني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية، وبعد إقرارهما أطلقت دورة التأهيل تمهيدًا لدورة التراخيص".
وبيَّن أنَّه "في 27 شباط 2020 تابعت ميدانيًا مباشرة السفينة العائدة لشركة "توتال" حفر البئر الأول في البلوك رقم 4، لكن العمل توقّف لأسباب لم أقتنع بها، وبالتزامن مع الحصار والانهيار الذي راح لبنان يرزح تحته".
وأشار الرئيس عون إلى أنَّه "في موازاة العمل على التنقيب عن النفط والغاز، كان على لبنان أن يفعّل عملية "ترسيم" حدوده البحرية وتصحيح أخطاء وقعت في الترسيم مع قبرص استغلته "إسرائيل" لترسل إلى الأمم المتحدة الخط رقم 1، فما كان من لبنان إلاّ أن أرسل إلى الأمم المتحدة الخط 23 الذي كان تحدد بموجب المرسوم 6433 عام 2011".
وتابع: "مضت سنوات طويلة من التفاوض والمباحثات حول الحدود البحرية، ولم يتحقق سوى تقديم الوسيط الأميركي آنذاك "هوف" الخط الذي عرف باسمه، والذي رفضناه. وتوالى عدد من الوسطاء الأميركيين من دون الوصول إلى صيغة يقبل بها لبنان، إلى أن تولى "الوسيط" عاموس هوكشتاين المهمة".
وأوضح الرئيس عون أنَّه "استؤنفت المفاوضات مع هوكشتاين وتم التوصل إلى اتفاق غير مباشر حافظ خلاله لبنان على حدوده المعلنة بالمرسوم 6433، وعلى كامل بلوكاته وحقل قانا كاملًا، إضافة إلى ضمانات أميركية وفرنسية بالاستئناف الفوري للأنشطة البترولية في المياه البحرية اللبنانية".
وشدَّد رئيس الجمهورية على أنَّ "من حق لبنان أن يعتبر أن ما تحقق بالأمس هو إنجاز تاريخي لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترًا مربعًا كانت موضع نزاع، ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لـ"إسرائيل" كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أي تعويض يُدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا".
وأكَّد أنَّ "في هذا الاتفاق، لم تُمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي استحدثته "إسرائيل" عام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع "إسرائيل" ولم تعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها".
وكشف أنَّ التعويضات التي طالبت بها "اسرائيل" عن قسم من حقل قانا الواقع في المياه المحتلة فستنالها من شركة "توتال" من دون أن يؤثر ذلك على العقد الموقع بين لبنان و"توتال".
واعتبر الرئيس عون أنَّه "نصّ الاتفاق على "ترسيم" الحدود على كيفية حل أي خلافات في المستقبل، أو في حال ظهور أي مكمن نفطي آخر مشترك على جانبي الحدود ما يضفي طمأنينة وشعورًا أقوى بالاستقرار على طرفي الحدود".
ولفت إلى أنَّه على الرغم من العراقيل الداخلية التي برزت في ملف النفط والغاز وعلى الرغم من الضغوط الخارجية التي مُورست على لبنان لمنعه من الاستفادة من ثروته الغازية والنفطية، فقد أصبح لبنان بلدًا نفطيًا، مبينًا أنَّ "ما كان رواية أو حلمًا، بات اليوم حقيقة بفعل ثباتنا بمواقفنا وتضامننا وتمسكنا بحقوقنا".
وأضاف رئيس الجمهورية: "في الآتي من الأيام سيكون على شركة "توتال" أن تبدأَ أعمال التنقيب في حقل قانا، كما وعدت، لنعوض السنوات التي مضت من دون أن نتمكن من استخراج النفط والغاز في وقت كانت فيه "إسرائيل" تواصل عمليات التنقيب والاستخراج، ما أحدث خللًا في الموازين النفطية".
وأشار إلى أنَّه "بتنا قادرين اليوم وبعدما استعدنا زمام المبادرة بفضل المثابرة والجهد، على الدفاع عن ما هو حقٌّ لنا وللأجيال المقبلة التي نأمل أن تعيش في زمن أفضل من الزمن الذي عشنا فيه، وأن يُنشأ الصندوق السيادي الذي يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدّم بهذا الشأن".
وتابع الرئيس عون: "كانت حقول النفط 8 و9 و10 مهددة، إلا أننا استطعنا بفضل الاتفاق أن نحافظ عليها ونحميها وسنستثمرها بالكامل، لا بل إن مسار التنقيب سيفتح أبوابًا في مكامن نفطية جديدة ويوفر الفرص لشركات أخرى للمساهمة في عمليات التنقيب والاستخراج، ما يعيد الثقة بوطننا ويعزز الأمل بنهوض اقتصادنا من جديد".
ورأى أنَّ "الخطوة التالية يجب أن تكون التوجهَ إلى عقد محادثات مع سوريا لحل المنطقة المتنازعِ عليها معها وهي تزيدُ عن 900 كيلومتر مربع، وذلك عن طريق التباحث الأخوي. كذلك ينبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلًا".
وفيما أهدى الرئيس عون هذا الإنجاز للبنانيين، قال "أوّد باسمكم أن أشكر رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن وخصوصًا "الوسيط" الأميركي عاموس هوكشتاين وفريق عمله، والسفيرة الأميركية في بيروت ومساعديها".
كما شكر الدولةَ الفرنسية ورئيسها إيمانويل ماكرون ومعاونيه، والسفيرة الفرنسية في بيروت ومساعديها على متابعة مسار المفاوضات لا سيما مع شركة "توتال".
كذلك، توجّه رئيس الجمهورية بالشكر للأمم المتحدة التي استضافـت جزءًا من المفاوضات في الناقورة، والتي ستستضيف عملية الإنهاء اللازم للمفاوضات، والدول الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانب الحق اللبناني ودعمته، مقدرًا خصوصًا دولة قطر وأميرها تميم بن حمد آل ثاني للاهتمام الذي أبدته بالاستثمار في لبنان.
وشكر رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب السيد الياس بو صعب الذي قادَ في الأشهر الأخيرة مع أعضاء الفريق من عسكريين وخبراءَ وفنيين مفاوضات صعبة وقاسية، إضافةً لسائر المسؤولين الذين تعاقبوا على ملف التعيين في وزارتي الطاقة والمياه والخارجية، وهيئة إدارة قطاع النفط، وقيادة الجيش وخصوصًا رئيس وأعضاء الفريق المفاوض والقيمين على مصلحة الهيدروغرافيا وسائر الخبراء والفنيين الذين ساعدوا من خلال خبرتهم وعلمهم في إنجاح مسار المفاوضات.
وختم الرئيس عون قائلًا: "أيتها اللبنانيات وأيها اللبنانيون، كل الشكر لكم، لأنكم ومن خلال صمودكم وثباتكم ونضال مقاومتكم التي أثبتت أنها عنصر قوة للبنان، ساهمتم في تحصين الموقف اللبناني في التفاوض كما في المواجهة، وحققتم هذا الإنجاز لكم وللأجيال الآتية، كل ذلك من أجل رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره وراحة أبنائه".